خطبة وجاء المطر أحكام وآداب د. صالح بن مبارك دعكيك

شادي باجبير
1445/10/10 - 2024/04/19 20:42PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة (وجاء المطر أحكام وآدب) د. صالح دعكيك، مسجد آل ياسر المكلا، 19/4/2024م

*الحمدلله رب العالمين

   قال الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة (164).

   نعم ،، إن وجود السحاب الحامل للمطر، ونزوله إلى الأرض، وإحياء الأرض من آيات الله العظيمة، وآيات تسحتق أن يتفكر فيها العاقلون،  وتلك السحب المرئية للناس سحب ثقال بما تحمل من الماء، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) الرعد (13).

   هل تدرون كم طنا من الماء تحمله تلك السحب؟ إن المتر المكعب الواحد يزن طنا، فكم في السحب من الأطنان؟ من يحملها، ومن ينشئها، من يصرفها، من يوزعها؟  إنه الرب الكبير المتعال.

   إن نزول المطر نعمة من جلائل نعم الله تعالى على الانسان، فتحيا به الأرض، فتورق وتزرع وتخرج غلتها، ويشرب من في الأرض من إنسان وحيوان ونبات، فسماؤنا بفضل الله تمطر، وشجرنا يثمر، وأرضنا تخضر، وحتى النفوس تبتهج وتستبشر وتفرح ، كما قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ). الروم (48).

 ونتذاكر اليوم بعض الأحكام والآداب المتعلقة بالأمطار، فمن ذلك:

أولا: استحباب الذكر الوارد عند المطر، كما في حديث عائشة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر، قال: ( اللهم صيبا نافعا ). رواه البخاري (1032).

   وأيضا يستحب أن يقول "رحمة" لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رأى المطر رحمة». رواه مسلم (899).

كما يقول أيضا : «مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله». كما في حديث خالد بن زيد عند البخاري (3916).

ثانيا:  من السنة التعرض للمطر بالبدن مكشوفا ما عدا العورة، قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مَطَرٌ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا ؟قَالَ:  (لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى). رواه مسلم (898).

    قال القرطبي في المفهم بشرح  مسلم (3/ 417): وقوله : ( لأنه حديث عهدٍ بربه )، أي : بإيجاد ربّه له ، وهذا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبرُّك بالمطر ، واستشفاء به ؛ لأن الله تعالى قد سَمّاه رحمة ومباركًا وطهورًا ، وجعله سبب الحياة ، ومُبعدًا عن العقوبة ، ويستفاد منه احترام المطر ، وترك الاستهانة به).

    كما يُستحب أنْ يخرج ثيابَه ومتاعه الذِي لَا يضره الماءُ ليصيبَه بركة المطر عندَ أولِ نزوله، قالَ ابنُ أبِي مليكةَ: أنَّ ابنَ عباسٍ كانَ إذَا أمطرتِ السماءُ يقولُ: يَا جاريةُ أخرجِي سَرْجِي وأخرجِي ثيابِي. ويقولُ: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾. صحيح البخاري الأدبِ المفردِ. (936).

ثالثا:  وقت نزول المطر، وقت مبارك، وهو من مواطن إجابة الدعاء، وفي الحديث عند الحاكم ( 2534) وقال: صحيح الإسناد: ( ﷺ: ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر). صحيح الترغيب 262، قال المناوي : أي لا يرد أو قلما يرد فإنه وقت نزول الرحمة.

رابعا: ويستحب إذا كثر المطر وخشي التضرر به أن يقال بما ثبت في الحديث عند البخاري (1013): «اللهم حوالينا، ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر». والآجام ـ أي منبت القصب.

خامسا: ويسن أن يقول عند سماع صوت الرعد والصواعق ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك». رواه أحمد (2/100) والبخاري في الأدب (721) والترمذي (350) وصححه الحاكم (4/318) ووافقه الذهبي وغيره.

    وكان ابن الزبير رضي الله عنه إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته". رواه مالك (1801) والبخاري في الأدب (723). بإسناد صحيح.

      والصواعق من الظواهر التي تكثر في آخر الزمان، وتتلاحق، وتصير ظاهرة للعيان، يراها الناس، وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق تلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان». رواه أحـمد (3/64) والحاكم (4/491)، وصححه على شرط مسلم.

  أسأل الله أن يحفظنا وبلادنا من كل مكروه، ويجعل الغيث غيثا نافعا مباركا غير ضار برحمته تعالى.

    أقول ما تسمعون ، واستغفر الله لي ولكم، أنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

((الخطبة الثانية))

ومن المسائل الفقهية المتعلقة بالمطر:

سادسا: جواز الجمع بين الصلاتين بسبب المطر: وتلك رخصة من الرخص الواردة في شرعنا المطهر، تخفيفا على الأمة مما يقع عليها من الحرج في الخروج للمسجد مع هطول المطر.

  جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ". فقيل لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "أراد لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ). رواه مسلم (705).

   ففي الحديث دليل على أنه استقر عند الصحابة رضي الله عنهم أن الخوف والمطر من أعذار الجمع للصلاتين كالسفر، والرخصة في الجمع فقط، ولا يرخص في القصر؛ لأن القصر من رخص السفر خاصة.

    وروى مالك (331) عن نَافِعٍ: أَنَّ ابن عُمَرَ رضي الله عنه كان إذا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بين الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في الْمَطَرِ جَمَعَ مَعَهُم.

    وفي سنن البيهقي الكبرى (5347) عن موسى بن عقبة أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر، وأنَّ سعيد بن المسيِّب، وعروة بن الزبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن، ومشيخة ذلك الزمان، كانوا يصلون معهم ولا ينكرون ذلك".

   والجمع عند جماهير العلماء إنما يكون للعشائين، المغرب والعشاء، ورخص الشافعي الجمع أيضا بين الظهرين، الظهر والعصر، ورجحه الإمام ابن تيمية رحمه الله.

   ويشترط فقهاؤنا لصحة الجمع في المسجد أربعة شروط:

1-أن يكون جمع تقديم  لا جمع تأخير.

 2-  أن يتأذى المصلي في طريقه بالمطر ولا يجد كنا أو ممرا مسقوفا.  

3- أن يأتي من مكان يعيد من المسجد. 

  4-أن يكون المطر موجودا عند الحرام بالأولى وعند التحلل منها، ويدوم إلى الإحرام بالثانية.

سابعا: وقد جاءت أيضا الرخصة الشرعية بجواز الصلاة في البيوت، وترك الجمعة والجماعة عند نـزول المطر مع شدة البرد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: " أنّه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في الرحال"، ثم قال" «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول" ألا صلوا في الرحال» رواه مسلم (697).

  وفي صحيح البخاري (668) ومسلم (699) عن عبد الله بن عباس، أنه قال لمؤذنه في يوم مطير – في يوم جمعه كما عند أبي داود (1066): " إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم "، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: «أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض».

    وأما الإمام فإنه يقيم الصلاة في المسجد ويصلي بمن حضر ممن أخذوا بالعزيمة، ثبت في البخاري (669)  عن أبي  سعيد الخدري، قال: «جاءت سحابة، فمطرت حتى سال السقف، وكان من جريد النخل، فأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته».

ثامنا:  للمؤذن طريقتان في النداء بقوله صلوا في بيوتكم:

الطريقة الأولى: أن  لا يقول: حي الصلاة، ويستبدلها  بقوله صلوا في بيوتكم أو في رحالكم،  وقد جاء ذلك في حديث ابن عباس السابق وفيه: "فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ".

الطريقة الثانية: أن يأتي بالأذان كاملا، ثم ينادي صلوا في بيوتكم، كما في حديث ابن عمر السابق، وفيه: كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَال». 

     قال النووي رحمه الله:" وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن يقول: ألا صلوا في رحالكم في نفس الأذان، وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه، والأمران جائزان، نص عليهما الشافعي رحمه الله تعالى في الأم، في كتاب الأذان، وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه؛ لثبوت السنة فيهما، لكن قوله بعده أحسن؛ ليبقى نظم الأذان على وضعه". شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 207).

  هذه مجمل الأحكام والآداب المتعلقة بالمطر، نسأل الله تعالى أن يجعل أمطارنا أمطار خير وبركة، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل.

               والحمد لله رب العالمين.

 

المشاهدات 241 | التعليقات 0