خطبة: وانْتَهَتْ تلك الشُّهور، فَلا قُنوطَ ولا غُرور.
وليد بن محمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة: وانْتَهَتْ تلك الشُّهور، فَلا قُنوطَ ولا غُرور.
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
لَقَد مَضتْ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ، وَانقضتْ مَواسِمُ فَاضِلة، فبعدَ شهرِ رمضانَ وليلةِ القدرِ وعيدِ الفطر، أظلّتْنا عَشرُ ذِي الحِجَّةِ ويومُ عرفةَ وعيدُ النّحر، ثمّ أَيَّامُ التَّشرِيقِ وهي أيّامُ أكلٍ وشربٍ ودعاءٍ وذكر، لَقَدِ انتَهَتْ تِلكَ المَواسِمُ العَظِيمَةُ، وكم تَنَزّلتْ بها مِن الرّحماتِ، وكم أُجيبتْ فيها مِن الدّعوات، وقد اجتهدَ فيها الموفّقونَ وعَمَروها بالطّاعات، ما بينَ صلاةٍ وصيامٍ وقرآن، وزكاةٍ وحجٍّ وبرٍّ وإحسان، وذلك فضلٌ مِن الرّحيمِ الرّحمن، فواللهِ لولا اللهُ ما اهتدينا، ولا تَصدّقْنا ولا صلّينا (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) فكم في تلك المواسمِ مِن مَخذولٍ ومَحرومٍ وما أَشَدَّه مِن حرمان (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) فاحمدوا اللهَ على هذه النّعمةِ العظيمة، فبفضلِه ورحمتِه تولّاكم، ولطاعتِه وفَّقَكم وهداكم، ومِن كلِّ ما سألتموه آتاكم، فيا مَن لبّى وكبّرَ وحجَّ البيتَ الحرام، ويا مَن صلّى وختمَ القرآنَ وتصدّقَ وصامَ وقام، ويا مَن أكرمَه اللهُ بإدراكِ تلك المواسمِ العِظام، اتّقوا اللهَ واستقيموا على عبادتِه، ولا تَنقطعوا عن طاعتِه، ولا تَهجروا القرآنَ والأذكارَ والدّعاءَ والصّدقاتِ والقُرُبات، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: وإنّ أحبَّ الأَعمالِ إلى اللهِ ما داومَ عليه صاحبُهُ وإنْ قلَّ. فما أحسنَ الطّاعةَ تَعْقُبُها الطّاعات، وما أبهى الحسنةَ تُجمعُ إليها الحسنات، وما أَحوجَنا لمجاهدةِ النّفسِ وسؤالِ اللهِ الثّبات، وما أسعدَ مَن أكثرَ مِن الدّعاءِ والاستغفارِ في ختامِ مواسمِ الخيرات، ولازَمَ التّوبةَ وتعرَّضَ لرحمةِ اللهِ في جميعِ الأوقات، ويا مَن فَرّطوا وقَصّروا وأَسرفوا على أنفسِهم لا تَقنطوا مِن رحمةِ الله، فإنّ اللهَ يَبسُطُ يدَه بالليلِ ليَتوبَ مُسيءُ النّهار، ويَبسُطُ يدَه بالنّهارِ ليَتوبَ مُسيءُ الليل، فبادروا للتّوبةِ والإنابة، لِتَلْحَقوا بالصّالحين، وتَكونوا مِن الفائزين، وهذا حالُ المؤمنينَ في جميعِ الشّهور، لا يَأسَ ولا قنوطَ ولا فتورَ ولا غرور، لِعلمِهم أنّ اللهَ شديدُ العقابِ وأنّه غفورٌ شكور، فأحسنوا الظّنَّ بربِّكم وأبشروا (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله
لقدْ أمرَكم اللهُ بالاستقامةِ والاستغفار، قالَ تعالى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) ووَعَدَ مَن استقاموا على طاعتِه بأعظمِ الجزاءِ فقالَ سبحانَه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وقالَ صلّى اللهُ عليه وسلّم: اتَّقِ اللَّهَ حيثُما كنتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حسنٍ. وقالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ. فالاستقامةُ تكونُ بالمداومةِ على أداءِ الفرائضِ والواجبات، ومُجاهدةِ النّفسِ على فعلِ النّوافلِ والطّاعات، وتَرْكِ جميعِ الذّنوبِ والسّيئات، واتّباعِ سُنّةِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ واجتنابِ البدعِ والمخالفات. فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واستقيموا على أمرِه، فإنّ العبادةَ ليسَ لها مَوسمٌ وتنتهي، بل موسمُها في كلِّ وقتٍ وحين (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحمدُ للهِ الذي بنعمتِه تَتِمُّ الصّالحات، الحمدُ للهِ الذي أَتَمَّ علينا مواسمَ الخيرات، الحمدُ للهِ على ما وفّقَنا إليه مِن الطّاعات وزَوّدَنا مِن التّقوى والإيمان، اللهمّ اجعلْنا فيها مِن المقبولين، وأَعِدْها علينا ونحنُ بأحسنِ حالٍ مِن الدّنيا والدّين، وارْحمْ مَن غابوا عنّا وعنها واجمعْنا بهم في علّيِّين، اللهمّ وفّقْنا لهُداك، وثبّتْنا على طاعتِك حتّى نلقاك، ربَّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النّار، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ المكروبين، واقْضِ الدَّينَ عن المدينين، واشْفِ مرضانا ومرضى المسلمين، ربَّنا تَقبَّلْ منّا إنّك أنتَ السّميعُ العليم، وتُبْ علينا إنّك أنتَ التّوابُ الرّحيم، واغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذرّيّاتِنا ولجميعِ المسلمين، الأحياءِ منهم والميّتين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يُصلّونَ على النّبيّ يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما، ويقولُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: مَن صلى عليَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّينِ، فاذكروا اللهَ يذكرْكم، واشكروه على نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 19/ 12/ 1444هـ