خطبة ( والعافين عن الناس ) مختصرة من خطبة هلال الهاجري .
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أمَا بَعْدُ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله ( يأيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون)
أيها المسلمون : خطبتنا اليوم عن موقفٌ كريمٌ من خيرِ القُرونِ ، فيه الصَّراحةُ وحُسنُ الظُّنونِ ، وهل تدومُ المحبةُ والإخاءُ ، إلا بتطهيرِ القلوبِ والصَّفاءِ .
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أن عُمَرَ بنَ الخَطابِ حينَ تَأَيَّمتْ حَفْصةُ بنتُ عُمرَ مِنْ خُنَيْسِ بنِ حُذافَةَ السَّهْميِّ –أَيْ مَاتَ زَوجُهَا-، وكانَ مِنْ أصْحَابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتوُفِّيَ بالمدينة، فقالَ عمرُ بنُ الخَطَّابِ: أتيتُ عُثمانَ بنَ عفَّانَ فعرضتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فقالَ: سأنْظُرُ في أمْرِي فَلبثْتُ لياليَ، ثم لَقِيَني فقال: قَدْ بَدَا لي أنْ لا أتزوَّجَ يَوْمي هذا.
قال عُمَرُ: فَلَقيتُ أبا بَكْرٍ الصديقَ، فَقُلتُ: إن شِئْتَ زوجتُكَ حفْصَةَ بنتَ عُمَرَ، فصمتَ أبُو بَكْرٍ فلم يَرجِعْ إليَّ شَيْئًا، وكنت أوْجَدَ عليهِ مِنِّي على عُثْمانَ، فَلبثْتُ ليَالِيَ ثم خَطَبَها رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنْكحْتُها إيَّاهُ، فلقِيَني أبو بَكْرٍ فقال: لعلَّك وَجَدْتَ علَيَّ حينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إليْكَ شيْئًا؟، قالَ عُمَرُ، قُلْتُ: نعم، قال أبو بَكْرٍ: فإنَّهُ لم يَمْنعْني أنْ أرْجعَ إليْكَ فيما عَرَضْتَ عَلَيَّ إلاَّ أَنّي كُنْتُ عَلِمْتُ أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَها، فلم أكُنْ لأفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو تَرَكَها رسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُها ) .
أبو بكرٍ ومن مثلُ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه ، فها هو يأتي ويستخرجُ ما في قلبِ الفاروقِ . لتصفى النُّفوسُ ، وتطهرُ الأفئدةُ ، ويستمرُ الودُّ ، وتسمو المحبَّةُ . فهو يعلمُ أن عمرَ رضيَ اللهُ عنه قد وجدَ في نفسِه شيئاً حينَ عرضَ عليه ابنتَه حفصةَ رضيَ اللهُ عنها ولم يُجبهُ بشيءٍ فقالَ: لعلَّك وَجَدْتَ علَيَّ حينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أرْجِعْ إليْكَ شيْئًا؟ .. فما أجملَ أن يُراجعَ الصَّاحبُ نفسَه فقد يكونُ قد أساءَ إلى صاحبِه دونَ قصدٍ . ولعلَّه فَهمَ كلامَه خطأً عن غيرِ عمدٍ . فما المانعُ أن تسألَ صديقَك ، لعلَّ في قلبِه شيءُ لا تعلمه، فيُزالُ قبلَ أن يكونَ مِثلَ الجبالِ.
عباد الله : وإن من نعيمِ الجنَّةِ ذهابُ الغلِّ من القلوبِ . قالَ تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) . فمن رزقَه اللهُ تعالى قلباً صافياً صادقاً خالصاً ليسَ فيه على إخوانِه حسدٌ ولا حِقدٌ ولا بغضاءُ ولا كراهيةٌ .فقد عجَّلَ اللهُ له شيئاً من نعيمِ الجنَّةِ يعيشُ به في الدُّنيا . وهكذا هو دُعاءُ المؤمنينَ لربِّهم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ والسُّنَّةِ، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ، وصلاة وسلاما على خير المرسلين .
أما بعد : اتقوا الله عباد الله واعلموا أن التجاوز عن أخطاء الأخرين والعفو عنهم من صفات الأخيار. فكم خسرنا بسببِ سوءِ الظَّنِّ من صديقٍ ، وكم أضعنا بعدمِ الصَّراحةِ من رفيقٍ ، وماذا عسى إذا تجاوزتَ عن الهفواتِ ، فإنك تكسب الكثير من الحسنات ؛ واعلم إنك إن عفوتَ عن صاحبِك حُبَّاً وشفقةً ، فغيرُك يعفو عن النَّاسِ أجراً وصدقةً . كان عُلْبةُ بنُ زيد الحارثيُّ رضي اللهُ عنه رجلاً من أصحاب النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم فلمَّا حضَّ على الصَّدقة جاءَ كلُّ رجُل منهم بطاقتِه وما عنده، فقال عُلْبة بنُ زيد: اللَّهمَّ إنِّي ليس عندي ما أتصدَّقُ به، اللَّهمَّ إنِّي أتصدَّقُ بعِرْضي على مَنْ نالَه مِن خَلْقِكَ، فأمر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مناديًا فنادى: أين المتصدِّق بعِرْضه البارحةَ؟، فقام عُلْبَةُ، فقالَ صلَّى الله عليه وسلَّم: (أبشِرْ فوالذي نفسُ محمَّد بيدِه لقد كُتبتْ في الزَّكاةِ المتقبَّلَةِ).
فلنكن خيرَ صديقٍ ، لا يحملُ في قلبِه على أخيه شيئاً ،وبذلكَ تكنْ أفضلَ النَّاسِ . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: (كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ)، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ: (هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ). فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نُفُوساً مُطْمَئِنَّةً تُؤْمِنُ بِلِقَائِكَ، وَتَقْنَعُ بِعَطَائِكَ، وَتَرْضَى بِقَضَائِكَ .
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ...
اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ سِرَّنَا وَعَلاَنِيَتَنَا فَاقْبَلْ مَعْذِرَتَنَا، وَتَعْلَمُ حَاجَاتَنَا فَأَعْطِنَا سُؤْلَنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنا وَلِلمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ بَلاَءٍ عَافِيَةً، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ عَظِيمِ البَلاَءِ فِي النَّفْسِ وَالأَهْلِ وَالمَالِ وَالوَلَدِ، اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنَا بِسُوءِ فِعْلِنَا، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِخَطَايَانَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ اكْتُبْنَا مَعَ مَنْ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْكَ الحُسْنَى ،اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك وأيده بتأييدك وانصر به دينك ؛ اللهم احفَظ بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كلِّ سُوءٍ ومكروه برحمتك يا أرحم الرحمين
اللهم اغفر لنا ولوالدنا ولوالد والدانا ولمن له حق علينا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الرحمين ...
عباد الله :
اذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون .
المرفقات
1691053033_خطبة ( والعافين عن الناس) مختصرة....docx