خطبة : ( واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله )
عبدالله البصري
1434/05/23 - 2013/04/04 10:42AM
واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله 17 / 5 / 1434
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ " إِنَّكُم إِلى اللهِ رَاجِعُونَ ، رُجُوعًا يَعقُبُهُ وُقُوفٌ طَوِيلٌ بَينَ يَدَيهِ لِفَصلِ القَضَاءِ وَالحَسَابِ ، ثم مَصِيرٌ إِلى الجَنَّةِ لِلثَّوَابِ أَو إِلى النَّارِ لِلعِقَابِ " إِلَيهِ مَرجِعُكُم جَمِيعًا وَعدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبدَأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالقِسطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُم شَرَابٌ مِن حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بما كَانُوا يَكفُرُونَ " لَقَدَ كَتَبَ اللهُ ـ تَعَالى ـ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أَن يُقَادَ إِلَيهِ وَيُرجَعَ ، فَيُلاقِيَهُ إِمَّا مُؤمِنًا عَزِيزًا كَرِيمًا بما أَسلَفَ مِنَ الصَّالحَاتِ ، وَإِمَّا ذَلِيلاً مُهَانًا بما اقتَرَفَ مِن سَيِّئَاتٍ " إِنَّهُ مَن يَأتِ رَبَّهُ مُجرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحيَى . وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصَّالحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى . جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّى " " يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحًا فَمُلاقِيهِ . فَأَمَّا مَن أُوتيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنقَلِبُ إِلى أَهلِهِ مَسرُورًا . وَأَمَّا مَن أُوتيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهرِهِ . فَسَوفَ يَدعُو ثُبُورًا . وَيَصلَى سَعِيرًا . إِنَّهُ كَانَ في أَهلِهِ مَسرُورًا . إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَن يَحُورَ . بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا " " وَأَنْ لَيسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعيَهُ سَوفَ يُرَى . ثُمَّ يُجزَاهُ الجَزَاءَ الأَوفَى . وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى " وَعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : جَاءَ جِبرِيلُ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، عِشْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ، وَاعمَلْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ بِهِ ، وَأَحبِبْ مَن شِئتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ ، وَاعلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤمِنِ قِيَامُ اللَّيلِ ، وَعِزُّهُ استِغنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . نَعَم ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ لَقَد كَتَبَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَينَا مَهمَا فَرَرنَا وَتَوَقَّينَا أَن نَصِيرَ إِلَيهِ " قُلْ إِنَّ المَوتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عَالمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بما كُنتُم تَعمَلُونَ " " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوتُ تَوَفَّتهُ رُسُلُنَا وَهُم لا يُفَرِّطُونَ . ثُمَّ رُدُّوا إِلى اللهِ مَولاهُمُ الحَقِّ أَلا لَهُ الحُكمُ وَهُوَ أَسرَعُ الحَاسِبِينَ " إِنَّهُ يَومٌ مَشهُودٌ وَلِقَاءٌ مَوعُودٌ ، بَعدَ لَحظَةٍ حَاسِمَةٍ قَاصِمَةٍ ، تَنقُلُ أَحَدَنَا مِن دَارِ العُبُورِ وَالغُرُورِ ، إِلى دَارِ السُّرُورِ أَوِ الشُّرُورِ ، لَحظَةٌ تُلقَى فِيهَا آخِرُ النَّظَرَاتِ عَلَى الأَبنَاءِ وَالبَنَاتِ ، وَيُوَدَّعُ فِيهَا الإِخوَانُ وَالأَخوَاتُ ، وَتَبدُو عَلَى الوَجهِ فِيهَا مَعَالِمُ السَّكَرَاتِ ، وَتَخرُجُ مِن صَمِيمِ القَلبِ الزَّفَرَاتُ وَتَغرَقُ العَينُ بِالعَبَرَاتِ ، لَحظَةٌ يُؤمِنُ فِيهَا المُلحِدُ وَالكَافِرُ ، وَيُوقِنُ عِندَهَا الفَاسِقُ وَالفَاجِرُ ، وَتَظهَرُ حَقَارَةُ الدُّنيَا وَقِصَرُهَا وَهَوَانُ أَمرِهَا ، وَيُحِسُّ مُلاقِيهَا أَنَّهُ فَرَّطَ في جَنبِ اللهِ كَثِيرًا ، فَيُنَادِي بِلِسَانِ النَّادِمِ المُتَحَسِّرِ : " ربِّ ارجِعُونِ . لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ " " رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالحِينَ " هُنَالِكَ يَدنُو مَلَكُ المَوتِ فَيُنَادِي : " يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ . ارجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً " أَو يَقُولُ وَهُوَ يَنزِعُ الرُّوحَ نَزعًا : " يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ الخَبِيثَةُ ، اُخرُجِي إِلى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ . وَحِينَئِذٍ تَبرُدُ الأَعضَاءُ ، وَيَسكُنُ القَلبُ وَالأَحشَاءُ " وَالتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ . إِلَى رَبِّكَ يَومَئِذٍ المَسَاقُ " ثم تُرفَعُ الرُّوحُ والصَّحَائِفُ بِالحَسَنَاتِ في أَعلَى عِلِّيِّينَ ، أَو تُطرَحَانِ بِالسَّيِّئَاتِ في أَسفَلَ سَافِلِينَ ، وَيَصِيرُ العَبدُ في عِدَادِ الأَموَاتِ ، كَأَن لم يَكُنْ عَاشَ في الدُّنيَا وَلا دَرَجَ ، وَلا دَخَلَ يَومًا فيها وَلا خَرَجَ ، وَكَأَنَّهُ لم يَرَ بِعَينٍ وَلم يَسمَعْ بِأُذُنٍ ، فَلَيتَ شِعرِي ـ عِبَادَ اللهِ ـ كَيفَ تَكُونُ الخَوَاتِيمُ ؟! وَمَا حَالُنَا إِذَا غَدَونَا تِلكَ الغَدوَةَ أَو رُحنَا تِلكَ الرَّوحَةَ ، وَنُقِلنَا مِنَ مُؤنِسِ الدُّورِ إِلى مُوحِشِ القُبُورِ ؟! أَلا فَأَعِدُّوا لِذَلِكُمُ المَصِيرُ ، وَاتَّقُوا يَومًا بَعدَهُ طَوِيلاً لَيسَ بِالقَصِيرِ " يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ . وَتَرَى المُجرِمِينَ يَومَئِذٍ مُقَرَّنِينَ في الأَصفَادِ . سَرَابِيلُهُم مِن قَطِرَانٍ وَتَغشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ . لِيَجزِيَ اللهُ كُلَّ نَفسٍ مَا كَسَبَت إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ " " فَإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ . فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم في جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . تَلفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُم فِيهَا كَالِحُونَ " " وَيَومَ يُنفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الأَرضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوهُ دَاخِرِينَ " " فَتَوَلَّ عَنهُم يَومَ يَدعُ الدَّاعِ إِلى شَيءٍ نُكُرٍ . خُشَّعًا أَبصَارُهُم يَخرُجُونَ مِنَ الأَجدَاثِ كَأَنَّهُم جَرَادٌ مُنتَشِرٌ . مُهطِعِينَ إِلى الدَّاعِ يَقُولُ الكَافِرُونَ هَذَا يَومٌ عَسِرٌ " يَخرُجُ العَبدُ مِن قَبرِهِ حَسِيرًا كَسِيرًا ، لا ثَوبَ يُغَطِّيهِ ، وَلا مَسكَنَ يُوَارِيهِ ، حَافِيًا عَارِيًا ، لا يَملِكُ قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا ، وَلا يَحمِلُ فَتِيلاً وَلا نَقِيرًا " وَلَقَد جِئتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقنَاكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكتُم مَا خَوَّلنَاكُم وَرَاءَ ظُهُورِكُم وَمَا نَرَى مَعَكُم شُفَعَاءَكُمُ " إِنَّهُ يَومٌ يَجمَعُ اللهُ فِيهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، فَتُنشَرُ الصُّحُفُ وَالدَّوَاوِينُ ، وَتُنصَبُ المَوَازِينُ ، لَقَدِ انَتَهَتِ الأَيَّامُ ، وَتَبَدَّدَتِ الأَوهَامُ ، وَضَاعَتِ الأَحلامُ ، وَاجتَمَعَ الأَحبَابُ وَالخُصُومُ ، وَسِيقَ الظَّالِمُ وَالمَظلُومُ " يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنِيهِ " " يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدِي مِن عَذَابِ يَومِئِذٍ بِبَنِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ . وَفَصِيلَتِهِ الَّتي تُؤويهِ . وَمَن في الأَرضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ " " يَومَ لا يُغني مَولىً عَن مَولىً شَيئًا وَلا هُم يُنصَرُونَ . إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ " " يَومَ لا تَملِكُ نَفسٌ لِنَفسٍ شَيئًا وَالأَمرُ يَومَئِذٍ للهِ " " المُلكُ يَومَئِذٍ للهِ يَحكُمُ بَينَهُم فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ " " أَصحَابُ الجَنَّةِ يَومَئِذٍ خَيرٌ مُستَقَرًّا وَأَحسَنُ مَقِيلًا . وَيَومَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلَائِكَةُ تَنزِيلًا . المُلكُ يَومَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحمَنِ وَكَانَ يَومًا عَلَى الكَافِرِينَ عَسِيرًا " " يَومَ يَجمَعُكُم لِيَومِ الجَمعِ ذَلِكَ يَومُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤمِنْ بِاللهِ وَيَعمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئسَ المَصِيرُ " فَاتَّقُوا اللهَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخشَوا يَومًا لا يَجزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَولُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ . إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا في الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ النَّعِيمَ المُقِيمَ الَّذِي لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ النَّعِيمَ يَومَ العَيلَةِ ، وَالأَمنَ يَومَ الحَربِ ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسلِمِينَ وَأَحيِنَا مُسلِمِينَ ، وَأَلحِقْنَا بِالصَّالحِينَ ، غَيرَ خَزَايَا وَلا مَفتُونِينَ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فاتقوا الله ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ " إِنَّهُ مَا مِنَّا مِن أَحَدٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَو شِمَالِهِ " فَأَمَّا مَن أُوتيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقرَؤُوا كِتَابِيَهْ . إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ . فَهُوَ في عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . في جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئًا بما أَسلَفتُم في الأَيَّامِ الخَالِيَةِ . وَأَمَّا مَن أُوتيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيتَني لم أُوتَ كِتَابِيَهْ . وَلم أَدرِ مَا حِسَابِيَه . يَا لَيتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ . مَا أَغنى عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلطَانِيَهْ . خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ في سِلسِلَةٍ ذَرعُهَا سَبعُونَ ذِرَاعًا فَاسلُكُوهُ . إِنَّهُ كَانَ لا يُؤمِنُ بِاللهِ العَظِيمِ . وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ . فَلَيسَ لَهُ اليَومَ هَاهُنَا حَمِيمٌ . وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِن غِسلِينٍ . لا يَأكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِئُونَ " فَيَا أَصحَابَ العُقُولِ الرَّاجِحَةِ وَالقُلُوبِ الوَاعِيَةِ ، اِعمَلُوا لِيَومِ الحَسَابِ ، وَلا يَغُرَّنَّكُم طُولُ الأَمَلِ فَتُسِيئُوا العَمَلَ ، فَالمَوتُ يَأتي بَغتَةً ، وَمَلَكُ المَوتِ يَأخُذُ عَلَى غِرَّةٍ ، وَأَنتُم لِعَبَادَةِ اللهِ وَحدَهُ مَخلُوقُونَ " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " فَاستَقِيمُوا عَلَى صِرَاطِهِ وَالزَمُوا عَتَبَةَ عُبُودِيَّتِهِ ، ثُمَّ أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا خَيرًا ، فَرَبُّكُم يَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ :" يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ . اُدخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُم وَأَزوَاجُكُم تُحبَرُونَ . يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِن ذَهَبٍ وَأَكوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَنتُم فِيهَا خَالِدُونَ . وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتي أُورِثتُمُوهَا بما كُنتُم تَعمَلُونَ . لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُونَ " وَيَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ . نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلًا مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ " وَاحذَرُوا أَن تَكُونُوا مِمَّن أَردَتهُم ظُنُونُهُم فَأَطلَقُوا في المَعَاصِي جَوَارِحَهُم ، فَخَابُوا وَنَدِمُوا " وَيَومَ يُحشَرُ أَعدَاءُ اللهِ إِلى النَّارِ فَهُم يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيهِم سَمعُهُم وَأَبصَارُهُم وَجُلُودُهُم بما كَانُوا يَعمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِم لِمَ شَهِدْتُم عَلَينَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ . وَمَا كُنتُم تَستَتِرُونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصَارُكُم وَلا جُلُودُكُم وَلَكِنْ ظَنَنتُم أَنَّ اللهَ لا يَعلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعمَلُونَ . وَذَلِكُم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم أَردَاكُم فَأَصبَحتُم مِنَ الخَاسِرِينَ . فَإِن يَصبِرُوا فَالنَّارُ مَثوًى لَهُم وَإِنْ يَستَعتِبُوا فَمَا هُم مِنَ المُعتَبِينَ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ، وَاستَحيُوا مِنَهُ حَقَّ الحَيَاءِ ، احفَظُوا الرَّأسَ وَمَا وَعَى ، وَالبَطنَ وَمَا حَوَى ، وَتَذَكَّرُوا المَوتَ وَالبِلَى ، وَاترُكُوا زِينَةَ الدُّنيَا ، اُعبُدُوا اللهَ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَصُومُوا رَمَضَانَ وَحُجُّوا البَيتَ الحَرَامَ ، وَتَصَدَّقُوا وَصِلُوا الأَرحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، وَجَاهِدُوا في سَبِيلِ اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَاحفَظُوا الحُقُوقَ وَتَوَاضَعُوا وَأَحسِنُوا ، إِنَّهُ " مَا مِنكُم مِن أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللهُ لَيسَ بَينَهُ وَبَينَهُ تُرجُمَانٌ ، فَيَنظُرُ أَيمَنَ مِنهُ فَلا يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنظُرُ أَشأَمَ مِنهُ فَلا يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ ، فَيَنظُرُ بَينَ يَدَيهِ فَلا يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلقَاءَ وَجهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، فَمَن لم يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ .
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ " إِنَّكُم إِلى اللهِ رَاجِعُونَ ، رُجُوعًا يَعقُبُهُ وُقُوفٌ طَوِيلٌ بَينَ يَدَيهِ لِفَصلِ القَضَاءِ وَالحَسَابِ ، ثم مَصِيرٌ إِلى الجَنَّةِ لِلثَّوَابِ أَو إِلى النَّارِ لِلعِقَابِ " إِلَيهِ مَرجِعُكُم جَمِيعًا وَعدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبدَأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالقِسطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُم شَرَابٌ مِن حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بما كَانُوا يَكفُرُونَ " لَقَدَ كَتَبَ اللهُ ـ تَعَالى ـ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أَن يُقَادَ إِلَيهِ وَيُرجَعَ ، فَيُلاقِيَهُ إِمَّا مُؤمِنًا عَزِيزًا كَرِيمًا بما أَسلَفَ مِنَ الصَّالحَاتِ ، وَإِمَّا ذَلِيلاً مُهَانًا بما اقتَرَفَ مِن سَيِّئَاتٍ " إِنَّهُ مَن يَأتِ رَبَّهُ مُجرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحيَى . وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصَّالحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى . جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّى " " يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحًا فَمُلاقِيهِ . فَأَمَّا مَن أُوتيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا . وَيَنقَلِبُ إِلى أَهلِهِ مَسرُورًا . وَأَمَّا مَن أُوتيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهرِهِ . فَسَوفَ يَدعُو ثُبُورًا . وَيَصلَى سَعِيرًا . إِنَّهُ كَانَ في أَهلِهِ مَسرُورًا . إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَن يَحُورَ . بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا " " وَأَنْ لَيسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعيَهُ سَوفَ يُرَى . ثُمَّ يُجزَاهُ الجَزَاءَ الأَوفَى . وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى " وَعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : جَاءَ جِبرِيلُ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، عِشْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ، وَاعمَلْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ بِهِ ، وَأَحبِبْ مَن شِئتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ ، وَاعلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤمِنِ قِيَامُ اللَّيلِ ، وَعِزُّهُ استِغنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . نَعَم ـ إِخوَةَ الإِسلامِ ـ لَقَد كَتَبَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَينَا مَهمَا فَرَرنَا وَتَوَقَّينَا أَن نَصِيرَ إِلَيهِ " قُلْ إِنَّ المَوتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عَالمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بما كُنتُم تَعمَلُونَ " " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوتُ تَوَفَّتهُ رُسُلُنَا وَهُم لا يُفَرِّطُونَ . ثُمَّ رُدُّوا إِلى اللهِ مَولاهُمُ الحَقِّ أَلا لَهُ الحُكمُ وَهُوَ أَسرَعُ الحَاسِبِينَ " إِنَّهُ يَومٌ مَشهُودٌ وَلِقَاءٌ مَوعُودٌ ، بَعدَ لَحظَةٍ حَاسِمَةٍ قَاصِمَةٍ ، تَنقُلُ أَحَدَنَا مِن دَارِ العُبُورِ وَالغُرُورِ ، إِلى دَارِ السُّرُورِ أَوِ الشُّرُورِ ، لَحظَةٌ تُلقَى فِيهَا آخِرُ النَّظَرَاتِ عَلَى الأَبنَاءِ وَالبَنَاتِ ، وَيُوَدَّعُ فِيهَا الإِخوَانُ وَالأَخوَاتُ ، وَتَبدُو عَلَى الوَجهِ فِيهَا مَعَالِمُ السَّكَرَاتِ ، وَتَخرُجُ مِن صَمِيمِ القَلبِ الزَّفَرَاتُ وَتَغرَقُ العَينُ بِالعَبَرَاتِ ، لَحظَةٌ يُؤمِنُ فِيهَا المُلحِدُ وَالكَافِرُ ، وَيُوقِنُ عِندَهَا الفَاسِقُ وَالفَاجِرُ ، وَتَظهَرُ حَقَارَةُ الدُّنيَا وَقِصَرُهَا وَهَوَانُ أَمرِهَا ، وَيُحِسُّ مُلاقِيهَا أَنَّهُ فَرَّطَ في جَنبِ اللهِ كَثِيرًا ، فَيُنَادِي بِلِسَانِ النَّادِمِ المُتَحَسِّرِ : " ربِّ ارجِعُونِ . لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ " " رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالحِينَ " هُنَالِكَ يَدنُو مَلَكُ المَوتِ فَيُنَادِي : " يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ . ارجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرضِيَّةً " أَو يَقُولُ وَهُوَ يَنزِعُ الرُّوحَ نَزعًا : " يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ الخَبِيثَةُ ، اُخرُجِي إِلى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ . وَحِينَئِذٍ تَبرُدُ الأَعضَاءُ ، وَيَسكُنُ القَلبُ وَالأَحشَاءُ " وَالتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ . إِلَى رَبِّكَ يَومَئِذٍ المَسَاقُ " ثم تُرفَعُ الرُّوحُ والصَّحَائِفُ بِالحَسَنَاتِ في أَعلَى عِلِّيِّينَ ، أَو تُطرَحَانِ بِالسَّيِّئَاتِ في أَسفَلَ سَافِلِينَ ، وَيَصِيرُ العَبدُ في عِدَادِ الأَموَاتِ ، كَأَن لم يَكُنْ عَاشَ في الدُّنيَا وَلا دَرَجَ ، وَلا دَخَلَ يَومًا فيها وَلا خَرَجَ ، وَكَأَنَّهُ لم يَرَ بِعَينٍ وَلم يَسمَعْ بِأُذُنٍ ، فَلَيتَ شِعرِي ـ عِبَادَ اللهِ ـ كَيفَ تَكُونُ الخَوَاتِيمُ ؟! وَمَا حَالُنَا إِذَا غَدَونَا تِلكَ الغَدوَةَ أَو رُحنَا تِلكَ الرَّوحَةَ ، وَنُقِلنَا مِنَ مُؤنِسِ الدُّورِ إِلى مُوحِشِ القُبُورِ ؟! أَلا فَأَعِدُّوا لِذَلِكُمُ المَصِيرُ ، وَاتَّقُوا يَومًا بَعدَهُ طَوِيلاً لَيسَ بِالقَصِيرِ " يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ . وَتَرَى المُجرِمِينَ يَومَئِذٍ مُقَرَّنِينَ في الأَصفَادِ . سَرَابِيلُهُم مِن قَطِرَانٍ وَتَغشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ . لِيَجزِيَ اللهُ كُلَّ نَفسٍ مَا كَسَبَت إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ " " فَإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ . فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . وَمَن خَفَّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم في جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . تَلفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُم فِيهَا كَالِحُونَ " " وَيَومَ يُنفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَمَن في الأَرضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوهُ دَاخِرِينَ " " فَتَوَلَّ عَنهُم يَومَ يَدعُ الدَّاعِ إِلى شَيءٍ نُكُرٍ . خُشَّعًا أَبصَارُهُم يَخرُجُونَ مِنَ الأَجدَاثِ كَأَنَّهُم جَرَادٌ مُنتَشِرٌ . مُهطِعِينَ إِلى الدَّاعِ يَقُولُ الكَافِرُونَ هَذَا يَومٌ عَسِرٌ " يَخرُجُ العَبدُ مِن قَبرِهِ حَسِيرًا كَسِيرًا ، لا ثَوبَ يُغَطِّيهِ ، وَلا مَسكَنَ يُوَارِيهِ ، حَافِيًا عَارِيًا ، لا يَملِكُ قَلِيلاً وَلا كَثِيرًا ، وَلا يَحمِلُ فَتِيلاً وَلا نَقِيرًا " وَلَقَد جِئتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقنَاكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكتُم مَا خَوَّلنَاكُم وَرَاءَ ظُهُورِكُم وَمَا نَرَى مَعَكُم شُفَعَاءَكُمُ " إِنَّهُ يَومٌ يَجمَعُ اللهُ فِيهِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، فَتُنشَرُ الصُّحُفُ وَالدَّوَاوِينُ ، وَتُنصَبُ المَوَازِينُ ، لَقَدِ انَتَهَتِ الأَيَّامُ ، وَتَبَدَّدَتِ الأَوهَامُ ، وَضَاعَتِ الأَحلامُ ، وَاجتَمَعَ الأَحبَابُ وَالخُصُومُ ، وَسِيقَ الظَّالِمُ وَالمَظلُومُ " يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنِيهِ " " يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدِي مِن عَذَابِ يَومِئِذٍ بِبَنِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ . وَفَصِيلَتِهِ الَّتي تُؤويهِ . وَمَن في الأَرضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ " " يَومَ لا يُغني مَولىً عَن مَولىً شَيئًا وَلا هُم يُنصَرُونَ . إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ " " يَومَ لا تَملِكُ نَفسٌ لِنَفسٍ شَيئًا وَالأَمرُ يَومَئِذٍ للهِ " " المُلكُ يَومَئِذٍ للهِ يَحكُمُ بَينَهُم فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ " " أَصحَابُ الجَنَّةِ يَومَئِذٍ خَيرٌ مُستَقَرًّا وَأَحسَنُ مَقِيلًا . وَيَومَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلَائِكَةُ تَنزِيلًا . المُلكُ يَومَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحمَنِ وَكَانَ يَومًا عَلَى الكَافِرِينَ عَسِيرًا " " يَومَ يَجمَعُكُم لِيَومِ الجَمعِ ذَلِكَ يَومُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤمِنْ بِاللهِ وَيَعمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ . وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئسَ المَصِيرُ " فَاتَّقُوا اللهَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخشَوا يَومًا لا يَجزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَولُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ . إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا في الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ . لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ النَّعِيمَ المُقِيمَ الَّذِي لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ النَّعِيمَ يَومَ العَيلَةِ ، وَالأَمنَ يَومَ الحَربِ ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسلِمِينَ وَأَحيِنَا مُسلِمِينَ ، وَأَلحِقْنَا بِالصَّالحِينَ ، غَيرَ خَزَايَا وَلا مَفتُونِينَ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فاتقوا الله ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ " إِنَّهُ مَا مِنَّا مِن أَحَدٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَو شِمَالِهِ " فَأَمَّا مَن أُوتيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقرَؤُوا كِتَابِيَهْ . إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ . فَهُوَ في عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . في جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئًا بما أَسلَفتُم في الأَيَّامِ الخَالِيَةِ . وَأَمَّا مَن أُوتيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيتَني لم أُوتَ كِتَابِيَهْ . وَلم أَدرِ مَا حِسَابِيَه . يَا لَيتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ . مَا أَغنى عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلطَانِيَهْ . خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ في سِلسِلَةٍ ذَرعُهَا سَبعُونَ ذِرَاعًا فَاسلُكُوهُ . إِنَّهُ كَانَ لا يُؤمِنُ بِاللهِ العَظِيمِ . وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ . فَلَيسَ لَهُ اليَومَ هَاهُنَا حَمِيمٌ . وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِن غِسلِينٍ . لا يَأكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِئُونَ " فَيَا أَصحَابَ العُقُولِ الرَّاجِحَةِ وَالقُلُوبِ الوَاعِيَةِ ، اِعمَلُوا لِيَومِ الحَسَابِ ، وَلا يَغُرَّنَّكُم طُولُ الأَمَلِ فَتُسِيئُوا العَمَلَ ، فَالمَوتُ يَأتي بَغتَةً ، وَمَلَكُ المَوتِ يَأخُذُ عَلَى غِرَّةٍ ، وَأَنتُم لِعَبَادَةِ اللهِ وَحدَهُ مَخلُوقُونَ " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " فَاستَقِيمُوا عَلَى صِرَاطِهِ وَالزَمُوا عَتَبَةَ عُبُودِيَّتِهِ ، ثُمَّ أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا خَيرًا ، فَرَبُّكُم يَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ :" يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ . اُدخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُم وَأَزوَاجُكُم تُحبَرُونَ . يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِن ذَهَبٍ وَأَكوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَنتُم فِيهَا خَالِدُونَ . وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتي أُورِثتُمُوهَا بما كُنتُم تَعمَلُونَ . لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُونَ " وَيَقُولُ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ . نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلًا مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ " وَاحذَرُوا أَن تَكُونُوا مِمَّن أَردَتهُم ظُنُونُهُم فَأَطلَقُوا في المَعَاصِي جَوَارِحَهُم ، فَخَابُوا وَنَدِمُوا " وَيَومَ يُحشَرُ أَعدَاءُ اللهِ إِلى النَّارِ فَهُم يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيهِم سَمعُهُم وَأَبصَارُهُم وَجُلُودُهُم بما كَانُوا يَعمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِم لِمَ شَهِدْتُم عَلَينَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ . وَمَا كُنتُم تَستَتِرُونَ أَن يَشهَدَ عَلَيكُم سَمعُكُم وَلا أَبصَارُكُم وَلا جُلُودُكُم وَلَكِنْ ظَنَنتُم أَنَّ اللهَ لا يَعلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعمَلُونَ . وَذَلِكُم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم أَردَاكُم فَأَصبَحتُم مِنَ الخَاسِرِينَ . فَإِن يَصبِرُوا فَالنَّارُ مَثوًى لَهُم وَإِنْ يَستَعتِبُوا فَمَا هُم مِنَ المُعتَبِينَ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ، وَاستَحيُوا مِنَهُ حَقَّ الحَيَاءِ ، احفَظُوا الرَّأسَ وَمَا وَعَى ، وَالبَطنَ وَمَا حَوَى ، وَتَذَكَّرُوا المَوتَ وَالبِلَى ، وَاترُكُوا زِينَةَ الدُّنيَا ، اُعبُدُوا اللهَ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَصُومُوا رَمَضَانَ وَحُجُّوا البَيتَ الحَرَامَ ، وَتَصَدَّقُوا وَصِلُوا الأَرحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، وَجَاهِدُوا في سَبِيلِ اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَاحفَظُوا الحُقُوقَ وَتَوَاضَعُوا وَأَحسِنُوا ، إِنَّهُ " مَا مِنكُم مِن أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللهُ لَيسَ بَينَهُ وَبَينَهُ تُرجُمَانٌ ، فَيَنظُرُ أَيمَنَ مِنهُ فَلا يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنظُرُ أَشأَمَ مِنهُ فَلا يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ ، فَيَنظُرُ بَينَ يَدَيهِ فَلا يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلقَاءَ وَجهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ ، فَمَن لم يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ .
المرفقات
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.doc
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.doc
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.pdf
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
تعديل التعليق