خطبة : (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًّا)

عبدالله البصري
1438/10/05 - 2017/06/29 22:06PM
وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًّا 6 / 10 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . وَجَاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ وَفي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَولاكُم فَنِعمَ المَولى وَنِعمَ النَّصِيرُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَدخُلُ مَوسِمٌ وَيَخرُجُ ، وَيَأتي آخَرُ وَيَذهَبُ ، وَتَتَقَلَّبُ بِالعِبَادِ الأَحوَالُ ، وَيَتَعَاقَبُ عَلَيهِمُ اللَّيلُ وَالنَّهَارُ ، وَيُصبِحُونَ في شَأنٍ وَيُمسُونَ في آخَرَ ، وَيُشغَلُونَ وَيَفرُغُونَ ، وَيَصِحُّونَ وَيَسقَمُونَ ، وَيَغتَنُونَ وَيَفتَقِرُونَ ، وَلا شَكَّ أَنَّ كُلَّ هَذَا يُغَيِّرُ مَا اعتَادُوا عَلَيهِ وَيُؤَثِّرُ في مَسِيرَةِ كُلِّ فَردٍ مِنهُم ، غَيرَ أَنَّ في حَيَاةِ المُؤمِنِ أَصلاً عَظِيمًا لا يَزَالُ بِهِ مُتَمَسِّكًا وَلَهُ مُلازِمًا ، وَمَنهَجًا قَوِيمًا لا يَحِيدُ عَنهُ مَا دَامَ حَيًّا ، لا لأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنَ الآبَاءِ وَالأَجدَادِ ، أَو فَرَضَتهُ عَلَيهِ عَادَاتٌ أَو قَيَّدَتهُ بِهِ أَنظِمَةٌ ، وَلَكِنْ لأَنَّهُ الغَايَةُ مِن إِيجَادِهِ في هَذَا الكَونِ وَإِنزَالِهِ عَلَى هَذِهِ الأَرضِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَلَقَد بَعَثنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعبُدُوا اللهَ وَاجتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنهُم مَن هَدَى اللهُ وَمِنهُم مَن حَقَّت عَلَيهِ الضَّلالَةُ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَمَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعبُدُونِ "
وَقَالَ - تَعَالى - : " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُم فَاعبُدُونِ "
أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ العِبَادَةَ هِيَ أَصلُ الأُصُولِ وَغَايَةُ الغَايَاتِ ، وَهِيَ حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ ، وَكُلُّ مَا هُيِّئَ لِلإِنسَانِ في هَذَا الكُونِ وَسُخِّرَ لَهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ مِن أَجلِهَا وَلَهَا ، فَفي الصَّحِيحَينِ عَن مُعَاذٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : كُنتُ رِدْفَ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ : " يَا مُعَاذُ ، هَل تَدرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ ؟! " قُلتُ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ . قَالَ : " فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعبُدُوهُ وَلا يُشرِكُوا بِهِ شَيئًا ، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَلاَّ يُعَذِّبَ مَن لا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا "
وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " إِنَّا جَعَلنَا مَا عَلَى الأَرضِ زِينَةً لَهَا لِنَبلُوَهُم أَيُّهُم أَحسَنُ عَمَلًا "
وَقَالَ - تَعَالى - : " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ "
إِنَّ العِلمَ بِهَذَا – أَيُّهَا الإِخوَةُ – عِلمٌ شَرِيفٌ جَلِيلٌ ، بَل يَكَادُ يَكُونُ هُوَ أَشرَفَ العُلُومِ وَأَجَلَّهَا ، إِذْ لَو عَلِمَهُ النَّاسُ حَقَّ العِلمِ وَفَقِهُوهُ تَمَامَ الفِقهِ ، لَمَا كَانَ اختِلافُ الأَحوَالِ وَتَقَلَّبُ الأَزمَانِ ، أَو تَكَاثُرُ المُؤَثِّرَاتِ وَتَعَدُّدُ الأَسبَابِ دَاعِيًا لأَن تَختَلَّ هَذِهِ الوَظِيفَةُ الجَلِيلَةُ لَدَى أَحَدٍ مِنهُم مِن يَومٍ لآخَرَ ، أَو يَتَفَاوَتَ تَمَسُّكُهُ بها مِن زَمَنٍ لِزَمَنٍ ، أَو يَتَذَبذَبَ فِيهَا مِن مَكَانٍ لِمَكَانٍ أَو حَالٍ لأُخرَى ، نَعَم – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ – إِنَّ مَن عَلِمَ عِلمَ يَقِينٍ أَنَّهُ عَبدٌ للهِ ، مَخلُوقٌ لِطَاعَتِهِ ، لا يَخرُجُ عَن سُلطَانِهِ فَلا بُدَّ أَن يَعلَمَ أَنَّ العِبَادَةَ المَأمُورَ بها لَيسَت قَضِيَّةً مِزَاجِيَّةً أَو حَالَةً نَفسِيَّةً ، أَو مُتَغَيِّرًا يَخضَعُ لِلمُؤَثِّرَاتِ أَيًّا كَانَت ، وَلَكِنَّهَا قَضِيَّةٌ عَظِيمَةٌ ، تَتَضَمَّنُ مَعنَى الذُّلِّ وَمَعنَى الحُبِّ ، بَل تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الذُّلِّ وَكَمَالَ الحُبِّ وَغَايَتَهُمَا ، يَجِبُ لِتَحقِيقِهَا في النَّفسِ أَن يَكُونَ اللهُ أَحَبَّ إِلى العَبِدِ مِن كُلِّ شَيءٍ ، وَأَن يَكُونَ الخَالِقُ أَعظَمَ عِندَهُ مِن كُلِّ شَيءٍ ، وَالعِبَادَةُ بِهَذَا هِيَ اسمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَعمَالِ البَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ . وَقَد وَصَفَ اللهُ بِالعِبَادَةِ أَعظَمَ خَلقِهِ وَأَشرَفَهُم ، مِن المَلائِكَةِ وَالأَنبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ المُخلَصِينَ وَالأَبرَارِ المُكرَمِينَ ، وَذَمَّ المُستَكبِرِينَ عَنهَا وَالمُستَنكِفِينَ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَلَهُ مَن في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَن عِندَهُ لا يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتِهِ وَلا يَستَحسِرُونَ . يُسَبِّحُونَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ لا يَفتُرُونَ "
وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا - : " وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحمَنُ وَلَدًا سُبحَانَهُ بَل عِبَادٌ مُكرَمُونَ . لا يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ وَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ "
وَقَالَ - تَعَالى - عَن نُوحٍ – عَلَيهِ السَّلامُ - : " ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبدًا شَكُورًا "
وَقَالَ عَن عِيسَى – عَلَيهِ السَّلامُ - : " إِن هُوَ إِلاَّ عَبدٌ أَنعَمنَا عَلَيهِ وَجَعَلنَاهُ مَثَلاً لِبَني إِسرَائِيلَ "
وَقَالَ عَن جَمعٍ مِن أَنبِيَائِهِ المُصطَفَينَ : " وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبرَاهِيمَ وَإِسحَاقَ وَيَعقُوبَ أُولِي الأَيدِي وَالأَبصَارِ . إِنَّا أَخلَصنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكرَى الدَّارِ . وَإِنَّهُم عِندَنَا لَمِنَ المُصطَفَينَ الأَخيَارِ "
وَقَالَ عَن دَاوُدَ - عَلَيهِ السَّلامُ - " وَاذكُرْ عَبدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ "
وَقَالَ عَن سُلَيمَانَ – عَلَيهِ السَّلامُ - : " نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " وَقَالَ عَن أَيُّوبَ – عليه السلام - : " وَاذكُرْ عَبدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ "
وَبِالعُبُودِيَّةِ نَعَتَ اللهُ نَبِيَّهُ في أَكمَلِ أَحوَالِهِ ، فَقَالَ في الإِسرَاءِ : " سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً "
وَقَالَ في الإِيحَاءِ : " فَأَوحَى إِلى عَبدِهِ مَا أَوحَى "
وَقَالَ في الدَّعوَةِ : " وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبدُاللهِ يَدعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيهِ لِبَدًا "
وَقَالَ في التَّحَدِّي : " وَإنْ كُنتُم في رَيبٍ مِمَّا نَزَّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ : " لا تُطرُوني كَمَا أَطرَتِ النَّصَارَى عَيسَى بنَ مَريَمَ ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبدٌ ، فَقُولُوا عَبدُاللهِ وَرَسُولُهُ "
وَقَالَ – تَعَالى - : " وَعِبَادُ الرَّحمَنِ الَّذِينَ يَمشُونَ عَلَى الأَرضِ هَونًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " إِنَّ الأَبرَارَ يَشرَبُونَ مِن كَأسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا . عَينًا يَشرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفجِيرًا "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُوني أَستَجِبْ لَكُم إِنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ "
بِالعُبُودِيَّةَ للهِ – سُبحَانَهُ – حَقًّا وَصِدقًا ، تَستَقِيمُ حَيَاةُ الإِنسَانِ ، وَيَنجُو مِنَ سُبُلِ الغِوَايَةِ ، وَيَجتَنِبُ السَّيِّئَاتِ وَالمُوبِقَاتِ ، وَيُكفَى شُرُورَ الشَّيَاطِينِ ، وَيَسلَمُ مِنَ الفَوَاحِشِ وَالمُنكَرَاتِ ، وَالعَكسُ صَحِيحٌ في حَقِّ مَنِ استَسلَمَ لِهَوَاهُ فَعَبَدَ غَيرَ اللهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ – عَنِ الشَّيطَانِ : " قَالَ رَبِّ بِمَا أَغوَيتَني لأُزَيِّنَنَّ لَهُم في الأَرضِ وَلأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ , إِلاَّ عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ . قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُستَقِيمٌ . إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ . وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوعِدُهُم أَجمَعِينَ "
وَقَالَ – تَعَالى - في حَقِّ يُوسُفَ – عَلَيهِ السَّلامُ - : " كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ وَالدِّرهَمِ وَالقَطِيفَةِ وَالخَمِيصَةِ ..." الحَدِيثَ ... رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – عِبَادَ اللهِ – وَلْنَدُمْ عَلَى عِبَادَتِهِ وَلْنَلْزَمْ طَاعَتَهُ ، فَإِنَّ أَحَبَّ الأَعمَالِ إِلَيهِ - سُبحَانَهُ - مَا دَامَ عَلَيهِ صَاحِبُهُ ، وَطَرِيقَ النَّجَاةِ وَدُخُولَ الجَنَّةِ هُوَ لُزُومُ التَّعَبُّدِ وَاستِدَامَةُ العَمَلِ الصَّالِحِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ . ادخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُم وَأَزوَاجُكُم تُحبَرُونَ . يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِن ذَهَبٍ وَأَكوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَنْتُم فِيهَا خَالِدُونَ . وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ . لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَاعبُدُوهُ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عِبَادَةُ اللهِ مَنهَجُ حَيَاةٍ كَامِلَةٍ ، وَأَنفَاسٌ رُوحٍ مُتَتَابِعَةٍ ، بَدءًا مِن بُلُوغِ سِنِّ الرُّشدِ وَالتَّكلِيفِ ، وَانتِهَاءً بِانقِطَاعِ النَّفَسِ بِالمَوتِ وَمُغَادَرَةِ الدُّنيَا بِالفَنَاءِ ، فَلَيسَ رَمَضَانُ وَحدَهُ هُوَ الوَقتَ الَّذِي يَستَقِيمُ فِيهِ النَّاسُ وَيَتَعَبَّدُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَجتَهِدُونَ ، ثم يَتَكَاسَلُونَ بِخُرُوجِهِ وَيَفتُرُونَ أَو يَنقَطِعُونَ ، وَلَيسَت أَيَّامُ الدِّرَاسَةِ وَالدَّوَامِ ، أَو أَوقَاتُ الوَظَائِفِ وَالأَعمَالِ هِيَ الَّتي تُنَظِّمُ وَقتَ المُسلِمِ لِيَنَامَ في وَقتٍ مُحَدَّدٍ وَيَصحُو في سَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَلا حَالاتُ الشِّدَّةِ أَوِ الخَوفِ أَوِ المَرَضِ هِيَ الَّتِي تُضعِفُ القُلُوبَ وَتُعَلِّقُهَا بِرَبِّهَا وَتُعِيدُهَا إِلَيهِ ، فَالمُؤمِنُ يُصَلِّي الفَجرَ مَعَ الجَمَاعَةِ سَهِرَ أَو نَامَ مُبَكِّرًا ، وَيَتَّقِي اللهَ في حَضَرٍ أَو سَفَرٍ ، وَيُرَاقِبُهُ في سِرٍّ وَعَلَنٍ ، وَيَخَشَاهُ في مَنشَطِهِ وَمَكرَهِهِ ، وَيَستَحيِي مِنهُ أَمَامَ النَّاسِ أَو وَهُوَ خَالٍ بِنَفسِهِ ، وَيَستَقِيمُ عَلَى أَمرِ خَالِقِهِ وَنَهيِهِ في حَالِ تَمَسُّكِ النَّاسِ بِالدِّينِ وَإِقبَالِهِم وَنَشَاطِهِم ، أَو في حَالِ تَخَلِّيهِم عَنهُ وَتَفرِيطِهِم فِيهِ وَفُتُورِهِم ، قَالَ – تَعَالى - : " وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ "
وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ "
وَقَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ عِيسَى - عَلَيهِ السَّلامُ - : " وَأَوصَاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيًّا "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا – مَادِحًا عِبَادَهُ بِدَوَامِهِم عَلَى عَمَلٍ مِن خَيرِ الأَعمَالِ الصَّالِحةِ : " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ "
وَأَثنى – تَعَالى – عَلَى أَهلِ العُقُولِ بِدَوَامِ ذِكرِهِ فَقَالَ : " إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ . الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
وَوَعَدَ بِالجَنَّةِ الدَّائِمِينَ على الاتِّصَالِ بِهِ المُحَافِظِينَ عَلَى طَاعَتِهِ فَقَالَ – تَعَالى - : " إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ " إِلى أَن قَالَ : " وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ . أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ "
وَلَمَّا سَأَلَ مُعَاذٌ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : أَيُّ الأَعمَالِ أَحَبُّ إِلى اللهِ ؟! قَالَ لَهُ : " أَن تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطبٌ مِن ذِكرِ اللهِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
بَل إِنَّهُ كُلَّمَا غَفَلَ النَّاسُ أَو افتُتِنُوا ، أَوِ التَفَتُوا وَتَفَلَّتُوا ، كَانَ المُؤمِنُ مَأمُورًا بِالاستِقَامَةِ وَالتَّعَبُّدِ لِرَبِّهِ ، وَكَانَ أَجرُهُ عَلَى ذَلِكَ أَعظَمَ وَثَوَابُهُ أَكمَلَ ، قَالَ – تَعَالى - : " ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِلَيَّ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ الإِسلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ، فَطُوبى لِلغُرَبَاءِ " قِيلَ : مَن هُم يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " الَّذِينَ يَصلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
المرفقات

وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا.doc

وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا.doc

وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا.pdf

وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا.pdf

المشاهدات 1728 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا