خطبة : ( وأجملوا في الطلب )
عبدالله البصري
وأجملوا في الطلب 8 / 7 / 1432
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الدُّنيَا دَارُ اختِبَارٍ وَمَيدَانُ امتِحَانٍ ، وَالمُؤمِنُ فِيهَا مُبتَلًى بِالخَيرِ وَالشَّرِّ ، وَاللهُ قَد أَمَرَنَا وَنَهَانَا ، وَبَيَّنَ لَنَا في كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا يُصلِحُ شَأنَنَا وَتَكُونُ بِهِ نَجَاتُنَا " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا " " وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا "
أَلا وَإِنَّ الرِّزقَ مِمَّا ابتُلِيَ النَّاسُ بِالتَّفَاوُتِ فِيهِ في هَذِهِ الدُّنيَا ، وَقُدِّرَ لِكُلِّ أَحَدٍ حَظُّهُ مِنهُ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ ، وَمَعَ هَذَا جَعَلَهُ بَعضُهُم غَايَةً لَهُ وَهَمًّا ، يُمسِي وَهُوَ مُنشَعِلٌ بِهِ ، وَيُصبِحُ لا يُفَكِّرُ إِلاَّ فِيهِ ، يَطلُبُهُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنبٍ ، وَيَسعَى وَرَاءَهُ فَتىً وَشَابًّا وَشَيخًا ، وَلا يَتَوَانى عَنهُ صَحِيحًا أَو سَقِيمًا مُسَافِرًا أَو مُقِيمًا ، بَل وَصَلَ الأَمرُ بِكَثِيرِينَ إِلى أَنِ انشَغَلوُا بِهِ عَمَّا خُلِقُوا مِن أَجلِهِ ، فَطَرَدُوهُ حَتى تَرَكُوا الصَّلَوَاتِ ، وَتَأَخَّرُوا بِسَبَبِهِ عَن إِدرَاكِ الجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ ، وَحَمَلَهُمُ ابتِغَاؤُهُ عَلَى أَن يَكذِبُوا وَيَغُشُّوا ، وَيَشهَدُوا بِالزُّورِ وَيَحلِفُوا الأَيمَانَ الكَاذِبَةَ ، وَمِنهُم مَن دَخَلَ بِسَبَبِهِ في مَعَارِكَ كَلامِيَّةٍ حَادَّةٍ ، وَرُبَّمَا تَجَادَلَ فِيهِ إِخوَانٌ وَأَقَارِبُ وَجِيرَانٌ ، وَرُبَّمَا تَهَاجَرُوا بَعدَ شَكَاوَى وَطُولِ خِصَامٍ ، وَرُبَّمَا لم تُقنِعْهُمُ المَحَاكِمُ الشَّرعِيَّةُ وَلا الأَنظِمَةُ المَرعِيَّةُ ، فَطَالَ بهمُ الطَّرِيقُ في أَخذٍ وَعَطَاءٍ وَفَتلٍ وَنَقضٍ . وَهَكَذَا يَضِيعُ مِنَ العُمُرِ أَوقَاتٌ غَالِيَةٌ ، وَيُصَابُ المَرءُ بِالأَمرَاضِ وَتُهلِكُهُ الأَوجَاعُ ، وَيَتَفَانى وَيُهلِكُ نَفسَهُ في أَمرٍ مَحسُومٍ وَرِزقٍ مَقسُومٍ ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ .
أَخرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَغَيرُهُمَا عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ : إِنَّ أَحَدَكُم يُجمَعُ خَلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا ، ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرسَلُ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتبِ رِزقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ ... " الحَدِيثَ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّهُ لَيسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُم مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُم مِنَ النَّارِ إِلاَّ قَد أَمَرتُكُم بِهِ , وَلَيسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُم مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُم مِنَ الجَنَّةِ إِلاَّ قَد نَهَيتُكُم عَنهُ , وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّهُ لَن تَمُوتَ نَفسٌ حَتَّى تَستَوفيَ رِزقَهَا , فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ , وَلا يَحمِلَنَّكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ , فَإِنَّهُ لا يُدرَكُ مَا عِندَ اللهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ " أَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ الرِّزقَ لَيَطلُبُ العَبدَ كَمَا يَطلُبُهُ أَجَلُهُ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ .
يُقَالُ هَذَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَنَحنُ نَرَى كُلَّ فَترَةٍ ضَوَائِقَ وأَزَمَاتٍ ، يَفتَعِلُهَا تُجَّارٌ جَشِعُونَ ، وَيَقَعُ في شِرَاكِهَا مُستَهلِكُونَ مَغَفَّلُونَ ، وَإِنَّهُ مَتَى اجتَمَعَ جَشَعُ التُّجَّارِ وَطَمَعُهُم وَحِرصُ المُشتَرِينَ وهَلَعُهُم ، في جَوٍّ مِن عَدَمِ التَّقَيُّدِ بِأَحكَامِ الإِسلامِ وَضَبطِ النُّفُوسِ بِآدَابِهِ ، لم تَرَ إِلاَّ مَا عَلَيهِ الحَالُ مِن تَقَاطُرِ السَّيَّارَاتِ لِطَلَبِ بَعضِ الحَاجَاتِ ، وَتَشَاحُنِ النَّاسِ وَتَنَازُعِهِم ، وَرَميِ بَعضِهِم بَعضًا بِالسِّبَابِ وَأَقذَعِ الوَصفِ وَأَفحَشِ الكَلامِ ، مِمَّا يَتَرَفَّعُ عَنهُ كُلُّ مُسلِمٍ يَعلَمُ أَنَّ الرِّزقَ بِيَدِ اللهِ ، وَأَنَّهُ لَن يَأتِيَهُ إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ . وَلَو أَنَّ التُّجَّارَ كُلَّمَا أَرَادُوا بِالمُشتَرِينَ فِتنَةً دَفَعَهَا المُشتَرُونَ بِالصَّبرِ وَالتَّعَقُّلِ وَعَدَمِ الانصِيَاعِ لخِطَطِهِمُ الشَّيطَانِيَّةِ ، لتَأَدَّبَ أُولَئِكَ التُّجَّارُ وَتَرَاجَعُوا ، وَلَرَعُوا مَا لإِخوَانِهِم عَلَيهِم مِنَ الحُقُوقِ ، لَكِنَّهُم وَجَدُوا أَنَّهُم كُلَّمَا استُخفُّوهُم أَطَاعُوهُم ، وَكُلَّمَا أَجلَبُوا عَلَيهِمُ انقَادُوا إِلَيهِم ، وَكُلَّمَا كَذَبُوا عَلَيهِم صَدَّقُوا وَانخَدَعُوا ، وَمِن ثَمَّ جَعَلُوا لا يَألُونَ جُهدًا في اصطِنَاعِ الأَزَمَاتِ وَنَشرِ الشَّائِعَاتِ ، وَالزَّعمِ بِأَنَّ تِلكَ السِّلعَةَ سَتَشِحُّ في السُّوقِ وَسَيَقِلُّ عَرضُهَا مُستَقبَلاً أَو قَد يُقطَعُ استِيرَادُهَا ، وَقَد وَجَدُوا في هَذِهِ الخِطَطِ البَغِيضَةِ تَروِيجًا لِبَضَائِعِهِمُ الكَاسِدَةِ وَتَسوِيقًا لِمَعرُوضَاتِهُمُ الفَاسِدَةِ ، بَل إِنَّهُم لم يَجِدُوا طَرِيقًا لِلتَخَلُّصِ مِن أَردَأِ مَا لَدَيهِم إِلاَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ المُلتَوِيَةَ ، الَّتي يُسَاعِدُهُم عَلَى سُلُوكِهَا الجَهلُ الَّذِي يَتَّصِفُ بِهِ العَامَّةُ ، وَلَو أَنَّ النَّاسَ وَثِقُوا فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ الفَرَجِ العَاجِلِ لِمَنِ اتَّقَاهُ ، فَقَاطَعُوا أُولَئِكَ التُّجَّارَ وَلَجَؤُوا إِلى رَبِّهِم لُجُوءًا حَقِيقِيًّا ، لَتَغَيَّرَتِ الأَحوَالُ وَلَتَحَسَّنَتِ الأَوضَاعُ ، وَلَتَأَدَّبَ أَهلُ الطَّمَعِ وَالجَشَعِ بِآدَابِ الإِسلامِ وَتَخَلَّقُوا بِأَخلاقِ أَهلِهِ الكِرَامِ ، وَلْنَأخُذْ عَلَى ذَلِكَ مِثَالاً بِأَهلِ المَاشِيَةِ ، الَّذِينَ نَرَى مِنِ اهتِمَامِهِم بِتَوَفُّرِ الأَعلافِ وَسُؤَالِهِم عَنهَا مَا لَو بَذَلُوا نِصفَهُ في اللُّجُوءِ إِلى رَبِّهِم وَدُعَائِهِ وَاستِسقَائِهِ ، لَوَجَدُوا لِذَلِكَ أَثَرًا عَظِيمًا ، وَلَظَفِرُوا مِن رَبِّهِم بِإِجَابَةِ دُعَائِهِم وَتَحقِيقِ رَجَائِهِم ، غَيرَ أَنَّكَ تَرَى أَحَدَهُم إِذَا أُعلِنَ عَن شَاحِنَةِ أَعَلافٍ قَد وَصَلَت ، قَامَ مِن قَبلِ الفَجرِ مُبَادِرًا ، وَأَيقَظَ مَعَهُ عَدَدًا مِن أَبنَائِهِ لِيَأخُذُوا أَمكِنَتَهُم مَعَ المُتَقَاطِرِينَ ، وَتَرَاهُ يُنَبِّهُ جِيرَانَهُ وَمَن يُحِبُّ وَيُؤَكِّدُ عَلَيهِم الحُضُورَ لِنَيلِ نَصِيبِهِم وَأَخذِ حِصَّتِهِم مِن لُقمَةٍ غَيرِ سَائِغَةٍ وَلا هَنِيئَةٍ ، يَتَنازَعُهَا رِجَالٌ كَأَنَّهُمُ السِّبَاعُ الضَّارِيَةُ ، يَتَشَاحُّونَ وَيَتَشَاجَرُونَ ، وَيُضَيِّقُ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ وَيَتَدَافَعُونَ ، مُتَنَاسِينَ أَنَّ لَهُم أَخلاقًا إِسلامِيَّةً عَظِيمَةً ، وَشِيَمًا عَرَبِيَّةً كَرِيمَةً ، تَحُثُّ عَلَى الإِيثَارِ وَتَدعُو إِلى السَّمَاحَةِ ، وَتَمدَحُ الكَرَمَ وَتُشِيدُ بِسُمُوِّ النَفسِ ، وَتُنَفِّرُ مِنَ الأَثَرَةِ وَتَذُمُّ حُبَّ الذَّاتِ . وَتَرَى كَثِيرًا مِن هَؤُلاءِ حِينَ يُدعَى لِصَلاةِ استِسقَاءٍ يَتَباطَؤُونَ وَيَتَأَخَّرُونَ ، وَقَد لا يَهتَمُّ بَعضُهُم بها وَلا يَأتُونَ ، فَكَأَنَّهُم قَد أَصبَحُوا بما عِندَ المَخلُوقِينَ الضُّعَفَاءِ أَوثَقَ مِنهُم بما عِندَ الخَالِقِ الرَّازِقِ ـ سُبحَانَهُ ـ
أَلا فَمَا أَحرَى المُسلِمَ أَن يَتَّقِيَ رَبَّهُ وَيُحسِنَ التَّعَامُلَ في كُلِّ مَا يَمُرُّ بِهِ ، فَلا يَستَعجِلَ وَلا يَطمَعَ ، وَلا يَيأَسَ وَلا يَجزَعَ ، بَل يَجعَلُ ثِقَتَهُ بِرَبِّهِ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ ، وَطَمَعَهُ بما عِندَ مَولاهُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَرَجَاءَهُ لِتَفرِيجِهِ ـ تَعَالى ـ الكُرَبَ وَتَيسِيرِهِ العُسرَ مُهَيمِنًا عَلَيهِ في كُلِّ وَقتٍ ، فَهُوَ ـ سُبحَانَهُ ـ الَّذِي لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ ، وَلا مَانِعَ لما أَعطَى وَلا مُعطِيَ لما مَنَعَ ، بِيَدِهِ خَزَائِنُ كُلِّ شَيءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، وَلَيسَ لِلعَبدِ إِلاَّ مَا قَضَاهُ لَهُ وَقَدَّرَهُ ، وَلَيسَ يَنقُصُ في رِزقِ مَخلُوقٍ تَأنٍّ أَو تَبَاطُؤٌ أَو تُؤَدَةٌ ، وَلا يَزِيدُ فِيهِ عَنَاءٌ وَلا سُرعَةٌ وَلا عَجَلَةٌ ، وَمَن شَكَّ في هَذَا فَلْيُرَاجَعْ إِيمَانَهُ وَلْيُصَحِّحْ عَقِيدَتَهُ ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ قَد قَالَ : "وَفي السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ . فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ مَا أَنَّكُم تَنطِقُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُقَالُ لِلنَّاسِ اجلِسُوا في بُيُوتِكُم مُنتَظِرِينَ ذَهَبًا تُمطِرُ بِهِ السَّمَاءُ ، أَوِ اقعُدُوا عَن طَلَبِ أَرزَاقِكُم وتَوَاكَلُوا وَلا تَعمَلُوا ، لا وَاللهِ ، لا يَقُولُ ذَلِكَ مَن لَهُ مَسكَةُ فِقهٍ وَلا ذَرَّةُ عَقلٍ ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِلنَّاسِ اعمَلُوا وَابذُلُوا الأَسبَابَ ، وَقُومُوا وَاقعُدُوا وَاطرُقُوا الأَبوَابَ ، وَامشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزقِهِ " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا في الأَرضِ وَابتَغُوا مِن فَضلِ اللهِ " وَلَكِنْ " وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " نَعَم ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا فَلا تَغفَلُوا بِالانشِغَالِ بما ضَمِنَهُ لَكُم عَمَّا لم يَضمَنْ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَاعمَلُوا بما أَمَرَكُم بِهِ وَانتَهُوا عَمَّا نَهَاكُم عَنهُ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ وَلا تَظلِمُوا أَنفُسَكُم بِتَعَدِّي تِلكَ الحُدُودِ ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا وَخُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ ، اذكُرُوهُ كَثِيرًا فَلا تَغُشُّوا وَلا تُخدَعُوا ، وَبَيِّنُوا وَلا تَكتُمُوا ، اُذكُرُوهُ كَثِيرًا فَاحفَظُوا أَيمَانَكُم في بَيعِكُم وَشِرَائِكُم .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الحِرصَ الزَّائِدَ مُفسِدٌ لِدِينِ المَرءِ مُذهِبٌ لِمُرُوءَتِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا ذِئبَانِ جَائِعَانِ أُرسِلا في غَنَمٍ بِأَفسَدَ لها مِن حِرصِ المَرءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَإِنَّ أَشرَافَ الرِّجَالِ وَكُرَمَاءَهُم ، لا تَرَاهُم إِلاَّ هَادِئِي البَالِ مُتَّزِنِي الطِّبَاعِ ، مُطمَئِنِّي القُلُوبِ مُتَّسِعِي الصُّدُورِ ، مُتَّصِفِينَ بِالسَّمَاحَةِ وَالعِفَّةِ ، لأَنَّهُم يَعلَمُونَ أَنَّ مَا قُدِّرَ لَهُم فَسَيَأتِيهِم وَلَو لم يَأتُوَا إِلَيهِ ، عَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ سَائِلٌ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِذَا تَمرَةٌ عَائِرَةٌ فَأَعطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ : " خُذْهَا ، لَو لم تَأتِهَا لأَتَتكَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَربَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلا عَلَيكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنيَا : حِفظُ أَمَانَةٍ ، وَصِدقُ حَدِيثٍ ، وَحُسنُ خَلِيقَةٍ ، وَعِفَّةٌ في طُعمَةٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " رَحِمَ اللهُ عَبدًا سَمحًا إِذَا بَاعَ سَمحًا إِذَا اشتَرَى سَمحًا إِذَا اقتَضَى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَأَمَّا أُولَئِكَ المُحتَكِرُونَ المُتَلاعِبُونَ بِأَطعِمَةِ النَّاسِ وَأَطعِمَةِ مَوَاشِيهِم ، الَّذِينَ لا يُهِمُّهُم إِلاَّ جَمَعُ المَالِ وَلَو بِطُرُقٍ غَيرِ شَرعِيَّةٍ وَلا مَقبُولَةٍ ، فَهُم مُذنِبُونَ مُخطِئُونَ مُتَوَعَّدُونَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَنِ احتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِئٌ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " ثَلاثَةٌ لا يَنظُرُ اللهُ إِلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ : المُسبِلُ وَالمَنَّانُ وَالمُنَفِّقُ سِلعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ . وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِيَّاكُم وَكَثرَةَ الحَلِفِ في البَيعِ ؛ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمحَقُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المشاهدات 5388 | التعليقات 11
عليك البينة ـ أخي الكريم ـ وإثبات ما تقول !!!
وإذا كان كل من لم يتطرق إلى فتوى اللجنة الدائمة في الاختلاط غير متابع للواقع ، فيدخل معي في هذا الشيخ إبراهيم الحقيل والشيخ إبراهيم العجلان فقد كتب كل منهما عن الاختبارات ، ولعلك تتابع اليوم خطبتي الحرمين ، وأنا من الآن أكاد أجزم أنهما لن تتطرقا لهذه الفتوى ، فهل هذا يدل على أن خطباء الحرمين أيضًا لا يتابعون الواقع ؟!
لا أرى لك هذا النهج ـ أخي المبارك ـ وينبغي أن نكون أوسع أفقًا وأرحب عُذرًا ، وإذا كان هذا الأمر هو همك الوحيد اليوم ، فهو واحد من همومنا الكثيرة ، التي هي كما قال الشاعر :
ولو كان سهمًا واحدًا لاتَّقَيتُهُ ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ
وأنا ـ أخي المبارك ـ قد كتبت سابقًا خطبة عن الاختلاط وحُرمتِهِ ، وقد نشرت في الشبكة في عدة مواقع بعنوان (اتباع الصراط في تحريم الاختلاط) فلعلها تكون شافعة لي لديك ـ أخي المبارك ـ حتى لا تتهمني بعدم متابعة الواقع .
وأما كتابتي في هذا الموضوع الذي تراه اليوم فهي نوع من متابعة الواقع لفئة كبيرة وشريحة واسعة من مجتمعنا ، هم التجار وبعض المستهلكين ، ولا سيما أهل الإبل والأغنام ، ممن لو رأيتهم ـ أخي العزيز ـ كيف ينتظرون قدوم شاحنة محملة بالشعير من أحد الموانئ ، ثم يتقاطرون بسياراتهم لينال أحدهم منها كيسًا أو كيسين ، وتحضر الشرطة للتوزيع بينهم وضبطهم لئلا يتقاتلوا ويتضاربوا ، وحين أقول : " لئلا يتقاتلوا ويتضاربوا " فأنا أعني ما أقول ـ أخي المبارك ـ ولا أرمي بالكلام جزافًا ، وقد حدث بين هؤلاء مضاربات بل وطعن وإشهار أسلحة ، وسباب وتلاعن وتبادل شتائم ، واصطدام سيارات ، وطول انتظار وضيق صدور ... مما لو رأيته لعلمت أني أعيش جزءًا من واقع مجتمع أنا واحد من أفراده ، يهمني كل صغير وكبير فيه ، ولا ينبغي أن يأخذ بي ما يلتفت إليه الناس جميعًا ويكتبون فيه ، فأركب الموجة وأكتب في موضوع قد خدمه من هو أجل مني وأعلم ، وأترك موضوعًا لم يكتب فيه خوفًا من أخ مهموم بأمر ما فيتهمني بعدم الاطلاع عليه .
موضوع المرأة في بلادنا ـ أخي الغالي ـ بات متشعبًا ، ويحتاج ولا شك إلى خطب وخطب ومحاضرات وندوات وكلمات ومؤلفات ، والأهم من هذا وجود محتسبين في كل منطقة ومحافظة ومدينة وقرية ، يطرقون أبواب المسؤولين ويكاتبونهم ؛ ليروهم أن ثمة من هم يحترقون غيرة ولا يرضون بهذه الأجندات التي باتت تفرض على المجتمع من عصابة صغيرة قد ملَّكَها الله الزمام في بعض الأمور . وهذا ما فعله عدد من شيوخنا الكرام ، وأنا من هذا المنبر أدعوك ـ أخي المبارك ـ وأدعو الجميع إلى الاحتساب بالزيارة والبرقية والخطاب ، وكتابة الخطبة والمقال ، والمساهمة في كل ما من شأنه الدخول في الإصلاح ، لعل الله ـ عز وجل ـ أن ينقذ سفينة مجتمعنا من الغرق في وحل هذه المنكرات .
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
جزيت خيرا أيها الشيخ على الإيضاح
لكن أنتم أيها الشيخ ممن يتقاطر الناس للأخذ عنهم لما حباكم الله من روعة المنطق وجمال التعبير ، فلو قلتم لأخذ عنكم ولأرحتم الكثير من الخطباء من العنت الذي سيركبهم في سبيل الكتابة ، خاصة وأن كثيراً من الخطباء لا يحسنون الكتابة ، وما قلت إلا من العتب ، ومن فيض المحبة لكم ..
وأبدي اعتذاري والله يحفظكم
مداعبة :
لعلكم ياشيخ من أصحاب الإبل ..
ذب الله عن وجهك النار ـ أخي الحبيب الشيخ ماجد ـ ونفع بنا وبكم ، وسددنا جميعًا ، وهدانا للحق ، وعفا عنا فيما قصرنا فيه .
ولا شك أن متابعة الواقع فيها من الصعوبة ما فيها ، مما لا يعلمه إلا من ابتلي به .
وسيتم إضافة التخريج الذي ذكرتم ـ لا حرمكم الله الأجر ـ
جزاك الله يا شيح عبدالله ..
على جهودك فخطبك وخطب الشيخ الحقيل والعجلان الأسبوعية لهي نور وتوجيه لكثير من الخطباء
فنفع الله بكم وأعانكم على هذه الأمانة وجعل ما تقومون به في ميزان حسناتكم ،،
أين أنت عن فتوى اللججنة الدائمة عن الاختلاط
ما أحرها يا مفوه !!
أحسن شيخنا الشيخ عبد الله البصري في اختياره أحد موضوعات الساعة في ريفنا ، ومع إيضاحه الواقع المرير هناك فقد يكون من فريضة الوقت أن يطرحه ويعالجه ولا يتجاهله أو يؤجله، و أحسن خطيبنا المفوه أيضا في اختياره أحد موضوعات الساعة في حواضرنا حول فتوى اللجنة الدائمة ، وهو من التنوع المفيد في موقعنا ، وإذا نظرنا للخطب التي حفل بها ملتقانا هذا الأسبوع ، فسيجد الجميع بغيته حاضرة و بادية و ريفا، لذا لا حاجة للتلاوم فالساحة تحتاج الجميع وتتسع للجميع ، وكل خطيب أدرى بمنطقته وحيه وجماعته ، فلا نفرض عليه اهتماماتنا واختياراتنا وما يشغلنا، ولا نلومه أو نعيبه إذا استفرغ جهده واختار الأكثر مناسبة لجماعته، والحاضر يرى ما لا يرى الغائب ، فليس ما يناسب منطقة أوحي أو جماعة يناسب الأخرى أو حتى تحتاجه، مثاله (الكاشيرات) فهو موضوع إنما يحتاجه بوضوح من في مدينته فرع لتلك الأسواق الكبرى ، أما من عوفي منها فالحديث فيها يتراوح ما بين الترف الفكري و بين ترك ما هو أهم وأكثر إلحاحا ، وعلى هذا قس مناطقا وأحياء وجوامعا ، والله أعلم وأحكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
على جهودك فخطبك وخطب الشيخ الحقيل والعجلان الأسبوعية لهي نور وتوجيه لكثير من الخطباء
فنفع الله بكم وأعانكم على هذه الأمانة وجعل ما تقومون به في ميزان حسناتكم ،،
وجزاك الله خيرًا على حسن ظنك ، وأعاننا وإياك على حمل الأمانة ، وتجاوز عن تقصيرنا ، إنه جواد كريم .
الخطيب المفوه
أنت ياشيخ عبدالله كأنك لاتتابع الساحة ولا مايدور فيها
أين أنت عن فتوى اللججنة الدائمة عن الاختلاط
تعديل التعليق