خطبة : ( هل صمنا كما ينبغي ؟!)

عبدالله البصري
1436/09/09 - 2015/06/26 01:05AM
هل صمنا كما ينبغي 9 / 9 / 1436
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَضَى ثُلُثُ رَمَضَانَ أَو كَادَ ، وَانقَضَت مِنهُ أَيَّامٌ مُبَارَكَةٌ وَانطَوَت لَيَالٍ فَاضِلَةٌ ، وَذَهَبَت سَاعَاتٌ نَيِّرَاتٌ كَأَنَّمَا هِيَ لَحَظَاتٌ ، وَهَكَذَا هُوَ العُمُرُ يَمضِي بِلا تَوَقُّفٍ حتى يَنتَهِيَ ، وَلا وَاللهِ يَفُوزُ بِالخَيرِ مُؤَجِّلٌ مُسَوِّفٌ ، وَلا يَنجُو مِنَ الشَّرِّ مُتَبَاطِئٌ مُتَوَقِّفٌ ، وَإِنَّمَا النَّجَاةُ وَالسَّلامَةُ وَالفَوزُ وَالظَّفَرُ لِلمُسَارِعِينَ وَالمُسَابِقِينَ ، الَّذِينَ يَمضُونَ لِغَايَتِهِم قَصدًا وَلا يَتَلَفَّتُونَ .
لَقَد صَامَ في الأَيَّامِ المَاضِيَةِ مُوَفَّقُونَ مَرحُومُونَ ، وَبَقِيَ فِئَامٌ مَا صَامُوا ، نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ لَقَد صَامَ مَن أَدرَكَ الغَايَةَ مِنَ الصِّيَامِ ، فَصَوَّمَ قَلبَهُ وَسَائِرَ جَوَارِحِهِ ، وَحَفِظَ أَمرَ رَبِّهِ وَنَهيَهُ ، وَحَافَظَ عَلَى مَا افتَرَضَهُ عَلَيهِ فَأَدَّاهُ كَامِلاً غَيرَ مَنقُوصٍ ، وَنَظَرَ فِيمَا حَرَّمَهُ عَلَيهِ فَاجتَنَبَهُ كُلَّهُ ، وَبَقِيَ أُنَاسٌ حَرَمُوا أَنفُسَهُمُ الطَّعَامَ وَامتَنَعُوا مِنَ الشَّرَابِ فَحَسبُ ، وَأَمَّا الصِّيَامُ المَشرُوعُ الَّذِي يَرفَعُهُم وَيَنفَعُهُم فَلا يُظَنُّ أَنَّهُم بَلَغُوهُ بَعدُ . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
إِنَّ لِلصِّيَامِ الحَقِيقِيِّ ثَمَرَةً بَيِّنَةً وَنَتِيجَةً وَاضِحَةً ، مَن لم يَرَهَا عَلَى نَفسِهِ وَتَظهَرْ في خُلُقِهِ وَيَجِدْهَا في حَيَاتِهِ ، فَلْيَعلَمْ أَنَّهُ مَا صَامَ بَعدُ وَلا عَرَفَ حَقِيقَةَ الصِّيَامِ ، وَإِن هُوَ أَمسَكَ عَنِ المُفَطِّرَاتِ الحِسِّيَّةِ وَتَرَكَ الشَّرَابَ وَالطَّعَامَ ، وَوَاصَلَ في ذَلِكَ اللَّيالِيَ وَالأَيَّامَ . مَن لم يَتَّقِ اللهَ بِفِعلِ المَأمُورِ وَتَركِ المَحذُورِ ، فَمَا عَرَفَ حَقِيقَةَ الصِّيَامِ ، مَن لم يَعمَلْ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ ، رَاجِيًا ثَوَابَهُ خَائِفًا مِن عِقَابِهِ ، فَمَا عَرَفَ حَقِيقَةَ الصِّيَامِ ، مَن لم يَخَفِ الجَلِيلَ وَيَعمَلْ بِالتَّنزِيلِ ، وَيَقنَعْ بِالقَلِيلِ وَيَستَعِدَّ لِيَومِ الرَّحِيلِ ، فَمَا عَرَفَ حَقِيقَةَ الصِّيَامِ ، هَل عَرَفَ حَقِيقَةَ الصِّيَامِ مَن أَمسَكَ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثم قَضَى نَهَارَهُ كُلَّهُ نَائِمًا ؟!
هَل عَرَفَ حَقِيقَةَ الصِّيَامِ مَن فَاتَتهُ صَلاةُ الجَمَاعَةِ وَفَرَّطَ في تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ ؟!
هَل صَامَ مَن أَطلَقَ بَصَرَهُ في قَنَوَاتِ الشَّرِّ وَالبَاطِلِ لَيلاً وَنَهَارًا ؟!
بَل أَينَ مِنَ الصِّيَامِ مَن يَسمَحُ لِنَفسِهِ بِمُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ الَّتي دَرَجَت مُنذُ سَنَوَاتٍ عَلَى السُّخرِيَةِ بِبَعضِ الشَّرَائِعِ وَالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَرَعَت بَرَامِجُهَا كُلَّ مَن لا هَمَّ لَهُ إِلاَّ الاستِهزَاءُ بِالدِّينِ وَالسُّخرِيَةُ مِنَ الصَّالِحِينَ وَنَقدُ التَّائِبِينَ ؟!
أَيَصِحُّ صِيَامٌ أَو يَكمُلُ أَجرُ صَائِمٍ وَهُوَ يَجلِسُ مَعَ المُستَهزِئِينَ بِآيَاتِ اللهِ ؟!
كَيفَ وَقَد نَهَى اللهُ عَن ذَلِكَ فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم في الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللهِ يُكفَرُ بها وَيُستَهزَأُ بها فَلا تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا "
إِنَّ الصِّيَامَ الحَقِيقِيَّ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، عِبَادَةٌ تَشتَرِكُ فِيهَا القُلُوبُ والأَسمَاعُ وَالأَبصَارُ وَالأَلسِنَةُ وَسَائِرُ الجَوَارِحِ ، فَتُشغَلُ بِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ ، وَتُمنَعُ عَن كُلِّ مَا يُسخِطُهُ وَيَأبَاهُ ، مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهلَ ، فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ، مَن مَلأَ وَقَتَهُ بِاللَّغوِ وَالرَّفَثِ وَالفُحشِ وَالكَذِبِ ، فَقَد جَرَحَ صِيَامَهُ ، مَنِ اشتَغَلَ بِالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالطَّعنِ في أَعرَاضِ النَّاسِ وَلا سِيَّمَا المُؤمِنِينَ وَالصَّالِحِينَ ، فَقَد عَرَّضَ حَسَنَاتِهِ لِلتَّلَفِ ، مَن أَكَلَ أَموَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ أَو آذَى المُؤمِنِينَ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا ، فَقَدِ احتَمَلَ بُهتَانًا وَإثمًا مُبِينًا ، أَلا فَتَأَمَّلْ نَفسَكَ يَا عَبدَاللهِ وَاسبُرْ حَالَكَ ، اِبحَثْ عَن نَفسِكَ في الصَّلَوَاتِ الخَمسِ في المَسَاجِدِ ، إِن كُنتَ عَلَيهَا مُحَافِظًا ، وَلِتَكبِيرَةِ الإِحرَامِ مُدرِكًا ، فَأَنتَ مِمَّن صَامَ وَحَقَّقَ التَّقوَى . كَيفَ أَنتَ مَعَ أَبنَائِكَ وَأُسرَتِكَ ؟!
هَل حَرِصتَ عَلَى أَبنَائِكَ وَتَابَعتَهُم في الصَّلَوَاتِ الخَمسِ ؟!
هَل هُم يَشهَدُونَهَا مَعَ المُسلِمِينَ وَيُقِيمُونَهَا ؟! أَم أَنَّكَ تَترُكُهُم وَرَاءَكَ نَائِمِينَ ، لا تَلتَفِتُ إِلَيهِم وَلا تَسأَلُ عَنهُم ؟!
هَل حَفِظتَ بَيتَكَ مِن قَنَوَاتِ الشَّرِّ وَالبَاطِلِ ، الَّتي تَنشُرُ الرَّذِيلَةَ وَتُحَارِبُ الفَضِيلَةَ ؟! أَم أَنَّكَ قَد فَتَحتَ لها المَجَالَ لِتُفسِدَ بَيتَكَ وَتُغَيِّرَ أَخلاقَ بَنِيكَ وَأَهلِكَ ؟!
أَينَ أَنتَ مِن قَولِ رَبِّكَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ " لِيَسأَلْ كُلٌّ مِنَّا نَفسَهُ وَقَد سَبَقَ أَهلُ الجَدِّ وَجَدَّ مَسِيرُهُم : أَينَ أَنَا مِن رَكبِ الصَّالِحِينَ ؟! وَهَل أَنَا مِن حِزبِ اللهِ المُفلِحِينَ ؟!
مَا حَظِّي مِمَّا هُم فِيهِ يَتَنَافَسُونَ وَإِلَيهِ يَتَسَابَقُونَ ؟!
كم قَرَأتُ مِن كِتَابِ اللهِ ؟!
كَم أَنَفقَتُ في سَبِيلِ اللهِ ؟!
هَل فَطَّرتُ صَائِمًا ؟!
هَل أَحيَيتُ لَيلِيَ قَائِمًا ؟!
هَل طَهَّرتُ قَلبِي وَتُبتُ إِلى رَبِّي وَاستَغفَرتُ مِن خَطَئِي وَذَنبي ؟!
هَل وَصَلتُ رَحِمًا كُنتُ قَاطِعَهَا ؟!
هَل فَعَلتُ فَرِيضَةً كُنتُ تَارِكَهَا ؟!
هَل تَرَكتُ كَبِيرَةً كُنتُ أَفعَلُهَا ؟!
أَسئِلَةٌ كَثِيرَةٌ يَجِبُ أَن يُلقِيَهَا المُسلِمُ عَلَى نَفسِهِ وَيُحَاسِبَهَا بها ، وَيَدفَعَهَا بها إِلى المُتَاجَرَةِ الرَّابِحَةِ مَعَ اللهِ في هَذِهِ السُّوقِ الرَّمَضَانِيَّةِ الأُخرَوِيَّةِ ؛ لأَنَّ المُشَاهَدَ مِن أَحوَالِ كَثِيرِينَ ، أَنَّهُم يُهمِلُونَ أَنفُسَهُم وَلا يُحَاسِبُونَهَا ، وَيُطلِقُونَ لها العِنَانَ وَلا يَزُمُّونَهَا ، وَبَدَلاً مِن أَن يَكُونَ رَمَضَانُ لَهُم مَوسِمَ رِبحٍ وَازدِيَادٍ وَمُضَاعَفَةٍ لِلأُجُورِ ، إِذَا هُم فِيهِ مِنَ الخَاسِرِينَ لِرَأسِ المَالِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ جَمِيعًا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَستَشعِرْ مَسؤُولِيَّاتِنَا وَلْنَرعَ أَمَانَاتِنَا ، لِنَحمِلْ هَمَّ أَنفُسِنَا وَذَوَاتِنَا ، وَلْنَحمِلْ هَمَّ أُسَرِنَا وَمُجتَمَعَاتِنَا ، إِنَّ كُلاًّ مِنَّا مَسؤُولٌ عَن نَفسِهِ أَن يَرفَعَهَا وَيُزَكِّيَهَا ، ثم هُوَ مَسؤُولٌ عَن أُسرَتِهِ أَن يُصلِحَهَا وَيَرعَاهَا وَيَقِيَهَا ، وَإِذَا نَحنُ لم نَستَطِعْ ذَلِكَ في الشَّهرِ الَّذِي تُفتَحُ فِيهِ أَبوَابُ الخَيرِ وَتُغلَقُ أَبوَابُ الشَّرِّ وَتُصَفَّدُ الشَّيَاطِينُ فَمَتى نَستَطِيعُ ؟!
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا وَفَّقتَ إِلَيهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ فُرِضَ لإِتمَامِ الدِّينِ وَإِحكَامِ بُنيَانِهِ وَإِكمَالِهِ ، لا لِنَقصِهِ وَنَقضِهِ وَزَوَالِهِ ، وَإِذَا كَانَ دِينُ المَرأَةِ يَنقُصُ بِسَبَبِ تَركِهَا الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ لأَمرٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيهَا وَأَذِنَ لها بِهِ وَرَفَعَ عَنهَا فِيهِ الحَرَجَ ؛ إِذْ قَدَّرَهُ عَلَيهَا وَلم يَجعَلْ لها قُدرَةً عَلَى تَغيِيرِهِ أَو تَأخِيرِهِ ، فَكَيفَ بِمَن يَترُكُ الصَّلاةَ في نَهَارِ رَمَضَانَ بِاختِيَارِهِ وَبِسَبَبٍ مِنهُ ، حَيثُ يَسهَرُ ثم يَغفُلُ وَيُفَرِّطُ ؟! إِنَّ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ وَيَغرَقُ في بَحرِ غَفلَتِهِ ، فَهُوَ إِلى فَقدِ دِينِهِ أَقرَبُ ، وَلِعَذَابِ اللهِ إِنْ لم يَرحَمْهُ أَوجَبُ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلْنَصُمْ صِيَامًا حَقِيقِيًّا نَتَزَوَّدُ فِيهِ مِن كُلِّ خَصلَةٍ حَمِيدَةٍ ، وَنَتَخَلَّصُ فِيهِ مِن كُلِّ صِفَةٍ قَبِيحَةٍ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو أَنَّ لَهُم مَا في الأَرضِ جَمِيعًا وَمِثلَهُ مَعَهُ لِيَفتَدُوا بِهِ مِن عَذَابِ يَومِ القِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنهُم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ "
المرفقات

هل صمنا كما ينبغي؟!.doc

هل صمنا كما ينبغي؟!.doc

هل صمنا كما ينبغي؟!.pdf

هل صمنا كما ينبغي؟!.pdf

المشاهدات 2821 | التعليقات 2

جزاك الله خير .. على هذه الخطبة الموفقة


جزاك الله خيرا