خطبة : ( هل ذقتم حلاوة الإيمان في رمضان ؟ )
عبدالله البصري
1435/09/13 - 2014/07/10 22:07PM
هل ذقتم حلاوة الإيمان في رمضان 13 / 9 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، اثنَى عَشَرَ يَومًا مِن رَمَضَانَ مَضَت ، وَثَلاثَ عَشرَةَ لَيلَةً مِن شَهرِ الخَيرِ خَلَت ، رَحَلَت بما فِيهَا وَانتَهَت ، وَانقَضَت كَسَاعَاتٍ مَعدُودَةٍ وَتَوَلَّت ، أَفَمَا زِلْنَا نُحِسُّ الآنَ بِشَيءٍ مِمَّا فِيهَا مِن مَشَقَّةِ الطَّاعَةِ ؟!
أَفَمَا زِلْنَا نَجِدُ مَا وَجَدَنَاهُ مِن مُكَابَدَةِ النُّفُوسِ عَلَى العِبَادَةِ ؟!
هَل بَقِيَ مِن مَرَارَةِ الجُوعِ أَو حَرَارَةِ العَطَشِ قَلِيلٌ أَو كَثِيرٌ ؟!
أَمَّا المَشَقَّةُ فَقَد زَالَت ، وَأَمَّا المُكَابَدَةُ وَالمُجَاهَدَةُ فَقَد كُتِبَت ، وَأَمَّا المَرَارَةُ وَالحَرَارَةُ فَقَد ذَهَبَت وَبَرَدَت ، وَأَمَّا مَا بَعدَ ذَلِكَ مِن حَلاوَةِ الطَّاعَةِ وَلَذَّةِ العِبَادَةِ ، فَمَا زَالَت بَاقِيَةً في قُلُوبِ الطَّائِعِينَ ، ثَابِتَةً في نُفُوسِ المُتَبَتِّلِينَ ، لا يَذكُرُونَهَا إِلاَّ حَمِدُوا اللهَ عَلَى التَّوفِيقِ ، وَلا يَستَرجِعُونَ لَحَظَاتِهَا إِلاَّ شَكَرُوهُ عَلَى الهِدَايَةِ ، وَهَكَذَا هِيَ الطَّاعَاتُ وَالأَعمَالُ الصَّالِحَاتُ ، لا يَقتَصِرُ أَثَرُهَا المُبَارَكُ عَلَى ثَوَابِ الآخِرَةِ فَحَسبُ ، وَإِن كَانَ هُوَ الهَدَفَ الأَسمَى وَالغَايَةَ العُظمَى ، وَلَكِنَّ بَرَكَاتِهَا تَبدَأُ مِن حِينِ يَشرَعُ المَرءُ فِيهَا ، بَل مِن حِينِ يَنوِيهَا فَيَنشَرِحُ لها صَدرُهُ ، وَتَستَمِرُّ بَعدَ ذَلِكَ طُولَ حَيَاتِهِ ، ثم هِيَ مَعَهُ في سَاعَةِ احتِضَارِهِ ، ثم في قَبرِهِ وَيَومِ حَشرِهِ ، وَلا تَزَالُ بِهِ حتى يَضَعَ رِحَالَهُ في دَارِ القَرَارِ وَالكَرَامَةِ ، فَكَأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ لم يَجِدْ في حَيَاتِهِ تَعَبًا وَلم يَلقَ نَصَبًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهدِيَهُ يَشرَحْ صَدرَهُ لِلإِسلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجعَلْ صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ في السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجعَلُ اللهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيرٌ وَلَنِعمَ دَارُ المُتَّقِينَ "
وقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيكُمُ ادخُلُوا الجَنَّةَ بما كُنتُم تَعمَلُونَ "
وَفي الحَدِيثِ الطَّوِيلِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَذَكَرَ فِيهِ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَالَ المُؤمِنِ في قَبرِهِ ، قَالَ : " وَيُفسَحُ لَهُ في قَبرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ " قَالَ : " وَيَأتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الوَجهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ : أَبشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَومُكَ الَّذِي كُنتَ تُوعَدُ . فَيَقُولُ لَهُ : مَن أَنتَ ؟ فَوَجهُكَ الوَجهُ يَجِيءُ بِالخَيرِ . فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجزَى إِلَّا مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَنُودُوا أَنْ تِلكُمُ الجَنَّةُ أُورِثتُمُوهَا بما كُنتُم تَعمَلُونَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئًا بما أَسلَفتُم في الأَيَّامِ الخَالِيَةِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُم جَنَّاتُ المَأوَى نُزُلًا بما كَانُوا يَعمَلُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنهَا مِن ثَمَرَةٍ رِزقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقنَا مِن قَبلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُم فِيهَا أَزوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُم فِيهَا خَالِدُونَ "
وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّهُ " يُؤتى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسَا في الدُّنيَا مِن أَهلِ الجَنَّةِ فَيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لا وَاللهِ يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بى بُؤسٌ قَطُّ وَلا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ "
أَجَل ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ لِلطَّاعَةِ وَالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لَذَّةً في الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ ، وَلأَجلِ هَذِهِ اللَّذَّةِ العَظِيمَةِ ، فَإِنَّكَ تَرَى المُؤمِنِينَ لا يَمَلُّونَ العِبَادَةَ وَلا يَستَثقِلُونَهَا ، بَل تَرَاهُم يُنَوِّعُونَهَا وَلا يَقتَصِرُونَ عَلَى مَجَالٍ وَاحِدٍ مِنهَا ، فَبَينَمَا تَجِدُ أَحَدَهُم في ذِكرٍ وَقِرَاءَةِ قُرَآنٍ وَتَدَبُّرٍ ، إِذَا بِهِ في صَلاةٍ وَدُعَاءٍ وَاستِغفَارٍ ، وَتَرَاهُ في النَّهَارِ مَعَ الصَّائِمِينَ وَفي اللَّيلِ مَعَ القَائِمِينَ ، وَإِنْ شِئتَ أَن تَرَاهُ مُنفِقًا وَجَدتَهُ ، وَإِن طَلَبتَهُ مُحسِنًا رَأَيتَهُ ، لَهُ سَاعَةٌ يَصِلُ فِيهَا رَحِمًا ، وَأُخرَى يُحَصِّلُ فِيهَا عِلمًا ، وَثَالِثَةٌ يُكرِمُ فِيهَا ضَيفًا ، وَرَابِعَةٌ يَقضِي لِمُسلِمٍ حَاجَةً أَو يُنَفِّسُ عَنهُ كَربًا ، يُسَاهِمُ في تَفطِيرِ الصَّائِمِينَ ، وَيُرشِدُ السَّائِلِينَ وَيُنَبِّهُ الغَافِلِينَ ، وَلا يَقعُدُ عَن دَعوَةٍ إِلى خَيرٍ وَلا يَترُكُ مُسَاهَمَةً في بِرٍّ ، نَعِيمُهُ في سَيرِهِ إِلى رَبِّهِ ، وَلَذَّتُهُ في اجتِهَادِهِ في طَاعَةِ مَولاهُ ، وَعَذَابُ رُوحِهِ في كَسَلِهِ وَفُتُورِهِ ، وَهَمُّ نَفسِهِ في تَرَاجُعِهِ أَو وُقُوفِهِ ، لا شَيءَ أَشَدَّ عَلَيهِ مِن ضَيَاعِ وَقتِهِ ، أَو تَفرِيطِهِ في عِبَادَةِ خَالِقِهِ ، أَو وُقُوفِهِ حَائِرًا خَاسِرًا ، وَالنَّاسُ مِن حَولِهِ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ سَائِرُونَ ، وَفي نَعِيمِ الطَّاعَاتِ يَتَقَلَّبُونَ ، هَكَذَا هُوَ المُؤمِنُ الَّذِي خَالَطَت بَشَاشَةُ الإِيمَانِ قَلبَهُ ، وَأَنَارَ اللهُ بِالتَّقوَى بَصِيرَتَهُ ، وَخَاصَّةً في مَوَاسِمِ الخَيرِ وَأَسوَاقِ الآخِرَةِ كَشَهرِ رَمَضَانَ ، وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لِجَهلِهِم وَتَفرِيطِهِم لا يَعلَمُونَ ، أَنَّ مَا هُم فِيهِ مِن ضِيقٍ وَهَمٍّ وَغَمٍّ ، إِنَّمَا سَبَبُهُ أَنَّهُم عَن ذِكرِ رَبِّهِم مُعرِضُونَ ، وَفي طَاعَتِهِ مُفَرِّطُونَ ، وَأَنَّهُم مَا زَالُوا في غَيِّهِم يَعمَهُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى " وَلَو أَنَّهُم أَقبَلُوا عَلَى اللهِ ـ تَعَالى ـ وَأَنَابُوا إِلَيهِ ، وَامتَلأَت قُلُوبُهُم مِن مَحَبَّتِهِ وَلَهَجُوا بِذِكرِهِ ، وَتَشَبَّهُوا بِالصَّالِحِينَ وَاقتَدُوا بِالمُشَمِّرِينَ ، لَوَجَدُوا طَعمَ الحَيَاةِ الحَقِيقِيَّ ، وَلَعَلِمُوا أَنَّ المَحبُوسَ هُوَ مَن حُبِسَ قَلبُهُ عَن رَبِّهِ ، وَالمَأسُورَ مَن أَسَرَهُ هَوَاهُ وَذَنبُهُ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّكُم في شَهرٍ كَرِيمٍ وَمَوسِمٍ عَظِيمٍ ، مَن لم يَذُقْ فِيهِ لَذَّةً لِلطَّاعَةِ وَيَستَكثِرْ مِنهَا قَدرَ الاستِطَاعَةِ ، فَمَتى يَذُوقُ لِحَيَاتِهِ لَذَّةً وَطَعمًا ؟! وَمَتى يَجِدُ فِيهَا نَعِيمًا وَأُنسًا ؟! فَاحذَرُوا المَعَاصِيَ وَالذُّنُوبَ وَالسَّيِّئَاتِ ، فَإِنَّهَا سَبَبُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَحِرمَانٍ ، وَقَد قَالَ رَبُّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعظَمُ مِن أَن يَكُونَ المَرءُ في شَهرٍ مُبَارَكٍ وَسُوقٍ رَابِحَةٍ ، ثُمَّ لا يُوَفَّقُ لاغتِنَامِ الأَوقَاتِ وَاستِبَاقِ الخَيرَاتِ وَاكتِسَابِ الحَسَنَاتِ ، وَالإِكثَارِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ؟! يَتَزَوَّدُ النَّاسُ مِنَ النَّوَافِلِ وَيَستَكثِرُونَ مِن فِعلِ المَسنُونَاتِ ، وَهُوَ لا يَكَادُ يُدرِكُ الفَرَائِضَ وَالوَاجِبَاتِ . وَإِيَّاكُم وَمُخَالَطَةَ البَطَّالِينَ وَالفَارِغِينَ وَأَصحَابِ السُّوءِ وَأَهلِ الدُّنيَا ، فَإِنَّهَا نَدَامَةٌ وَأَيُّ نَدَامَةٍ ؟! قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَيَومَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يَا لَيتَني اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيلَتَى لَيتَني لم أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً . لَقَد أَضَلَّني عَنِ الذِّكرِ بَعدَئِذْ جَاءَني وَكَانَ الشَّيطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً " وَتَذَكَّرُوا دَائِمًا مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ في الجَنَّةِ مِمَّا لا عَينٌ رَأَت وَلا أُذُنٌ سَمِعَت وَلا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ ، وَاحتَسِبُوا الأَجرَ وَاصبِرُوا فَإِنَّكُم في شَهرِ الاحتِسَابِ وَالصَّبرِ ، وَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن صَامَ رَمَضَانَ إِيَمانًا وَاحتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ، وَمَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ ، وَمَن قَامَ لَيلَةَ القَدرِ إِيمَانًا وِاحتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعمُرُوا هَذِهِ الأَيَّامَ وَاللَّيَاليَ بِذِكرِهِ وَلا تَنسَوهُ ؛ فَهَا هُوَ ذَا شَهرُ الخَيرِ يَكَادُ يَنتَصِفُ وَيَمضِي شَطرُهُ ، وَمَا زَالَ في المُسلِمِينَ مَن يَتَبَاطَأُ عَمَّا خُلِقَ لأَجلِهِ مِن عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَيَتَثَاقَلُ عَنِ الخَيرَاتِ وَيَتَأَخَّرُ عَنِ الجَمَاعَاتِ ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ رَأَى في أَصحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُم : " تَقَدَّمُوا فَائتَمُّوا بي وَلْيَأتَمَّ بِكُم مَن بَعدَكُم ، لا يَزَالُ قَومٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ "
وَعَلِمَ اللهُ ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ إِنَّهَا لَخَسَارَةٌ كَبِيرَةٌ أَن تَمضِيَ أَيَّامُ رَمَضَانَ وَلَيَالِيهِ الحِسَانُ ، وَمَا ذَاقَ بَعضُ النَّاسِ لها لَذَّةً إِلاَّ لَذَّةَ السَّهَرِ وَالنَّومِ وَالشَّرَابِ وَالطَّعَامِ ، مَحرُومًا مِنَ اللَّذَّةِ الحَقِيقِيَّةِ ، وَالَّتِي يَجِدُهَا الصَّالِحُونَ في تَنوِيعِ العِبَادَةِ وَالإِكثَارِ مِنَ الطَّاعَةِ ، حَتى تُنسِيَ أَكمَلَهُم بها تَلَذُّذًا أَكلَهُ وَشُربَهُ وَنَومَهُ ، وَقَد حَصَلَت هَذِهِ اللَّذَّةُ العَظِيمَةُ لأَكمَلِ البَشَرِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَتَّى كَانَ يُوَاصِلُ صَومَ اليَومَينِ وَالثَّلاثَةَ ، فَلَمَّا أَرَادَ بَعضُ الصَّحَابَةِ أَن يَقتَدُوا بِهِ في ذَلِكَ نَهَاهُم عَنِ الوِصَالِ في الصَّومِ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : " وَأَيُّكُم مِثلِي ، إِنِّي أَبِيتُ يُطعِمُنِي رَبِّي وَيَسقِينِي " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . قَالَ ابنُ القَيِّمِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : إِنَّ المُرَادَ بِهِ مَا يُغَذِّيهِ اللهُ بِهِ مِن مَعَارِفِهِ ، وَمَا يُفِيضُهُ عَلَى قَلبِهِ مِن لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ وَقُرَّةِ عَينِهِ بِقُربِهِ ، وَتَنَعُّمِهِ بِحُبِّهِ وَالشَّوقِ إِلَيهِ ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ مِنَ الأَحوَالِ الَّتِي هِيَ غِذَاءُ القُلُوبِ وَنَعِيمُ الأَروَاحِ ، وَقُرَّةُ العَينِ وَبَهجَةُ النُّفُوسِ وَالرُّوحِ وَالقَلبِ ، بما هُوَ أَعظَمُ غِذَاءً وَأَجوَدُهُ وَأَنفَعُهُ ، وَقَد يَقوَى هَذَا الغِذَاءُ حَتَّى يُغنِيَ عَن غِذَاءِ الأَجسَامِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ . انتَهَى كَلامُهُ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَعَرَّضُوا في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ لِنَفَحَاتِ رَبِّكُم ، وَتَقَرَّبُوا إِلى مَولاكُم بِصَالِحِ أَعمَالِكُم ، وَاضرِبُوا في كُلِّ بَابٍ مِن أَبوَابِ الخَيرِ بِسَهمٍ ، فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَدرِي مَا الحَسَنَةُ الَّتي يَتَقَبَّلُهَا اللهُ مِنهُ فَتَكُونُ سَبَبًا في نَجَاتِهِ .
المرفقات
هل ذقتم حلاوة الإيمان في رمضان ؟.doc
هل ذقتم حلاوة الإيمان في رمضان ؟.doc
هل ذقتم حلاوة الإيمان في رمضان ؟.pdf
هل ذقتم حلاوة الإيمان في رمضان ؟.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق