هل تسوؤك سيئتك ؟ 30 / 5 / 1439
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَهتَمُّ المَرءُ بِصِحَّةِ جَسَدِهِ ، وَيَحرِصُ عَلَى سَلامَتِهِ مِنَ الأَمرَاضِ وَالآفَاتِ ؛ لِيَعِيشَ في دُنيَاهُ مُرتَاحَ البَالِ مُطمَئِنَّ النَّفسِ هَادِئًا ، وَذَاكَ في الحَقِيقَةِ أَمرٌ مَطلُوبٌ وَتَصَرُّفٌ مَرغُوبٌ فِيهِ ؛ إِذِ الجَسَدُ أَمَانَةٌ ، وَالمُحَافَظَةُ عَلَيهِ مَسؤُولِيَّةٌ ، وَتَقوِيَتُهُ مَطلَبٌ يُستَعَانُ بِهِ عَلَى تَحقِيقِ الغَايَةِ مِنَ وُجُودِ الإِنسَانِ في هَذِهِ الحَيَاةِ ، أَلا وَهِيَ عِبَادَةُ اللهِ وَعِمَارَةُ الكَونِ بِطَاعَتِهِ ، وَالإِكثَارُ مِمَّا يُرضِيهِ وَالتَّزَوُّدُ بِمَا يُقَرِّبُ إِلَيهِ ، غَيرَ أَنَّ ثَمَّةَ مَا هُوَ أَجدَرُ بِالاهتِمَامِ الدَّائِمِ وَالفَحصِ المُستَمِرِّ ، لِلتَّأَكُّدِ مِن صِحَّتِهِ وَعَدَمِ اعتِلالِهِ ، أَلا وَهُوَ مُستَودَعُ الإِيمَانِ وَمَعدِنُهُ ، الَّذِي يَشحَنُ الجَوَارِحَ بِطَاقَتِهَا وَيُمِدُّهَا بِقُوَّتِهَا ، ذَلِكُم هُوَ القَلبُ ، الَّذِي إِن صَلَحَ كَانَ في صَلاحِهِ صَلاحُ الجَسَدِ كُلِّهِ ، وَإِن فَسَدَ فَسَدَ بِهِ الجَسَدُ ، وَتَدَهوَرَت حَيَاةُ الإِنسَانِ وَإِن كَانَ في في أَكمَلِ صِحَّةٍ وَأَتَمِّ قُوَّةٍ وَأَوفَرِ غِنًى . وَكَمَا أَنَّ لِصِحَّةِ الجَسَدِ مُؤَشِّرَاتٍ وَلِعِلَّتِهِ عَلامَاتٍ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ مَقَايِيسَ وَمَوَازِينَ ، يُمكِنُ لِلمَرءِ أَن يَكتَشِفَ بِهَا مُستَوَى الإِيمَانِ في قَلبِهِ ، فَيَطمَئِنَّ إِن كَانَ عَالِيًا ، وَيَتَدَارَكَهُ إِن كَانَ عَلِيلاً ، ذَلِكُم أَنَّ تَدَنِّيَ الإِيمَانِ آفَةٌ تُصِيبُ القُلُوبَ بَينَ حِينٍ وَآخَرَ ، وَقَد تَصِلُ بِبَعضِهَا إِلى أَن يُصبِحَ كَالثَّوبِ الخَلِقِ البَالِي ، وَمَن ذَا الَّذِي يُرِيدُ أَن يَرَاهُ رَبُّهُ في ثَوبٍ خَلِقٍ مُتَهَالِكٍ ؟! قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ الإِيمَانَ لَيَخلَقُ في جَوفِ أَحَدِكُم كَمَا يَخلَقُ الثَّوبُ ، فَاسأَلُوا اللهَ أَن يُجَدِّدَ الإِيمَانَ في قُلُوبِكُم " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَوُجُودُ الإِيمَانِ وَقُوَّتُهُ في قَلبِ العَبدِ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَيسَت في عِصمَتِهِ مِنَ الزَّلَلِ أَو بَرَاءَتِهِ مِنَ الخَطَأِ ، فَمَا مِنَّا مِن أَحَدٍ إِلاَّ وَهُوَ ذُو ذَنبٍ وَخَطَأٍ ، وَلا مَنَاصَ لابنِ آدَمَ مِنِ اقتِرَافِ السَّيِّئَاتِ وَالوُقُوعِ في الزَّلاتِ ، وَلَكِنَّ المَقصُودَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – أَلاَّ تَستَولِيَ المَعَاصِي عَلَى القَلبِ وَتُطَوِّقَهُ الذُّنُوبُ ، وَتَرِينَ عَلَيهِ المُوبِقَاتُ وَيَقَعَ في سِجنِ الكَبَائِرِ ، حَتَّى يَطمَئِنَّ إِلى مَا هُوَ عَلَيهِ مِنَ الأَخطَاءِ الشَّنِيعَةِ فَلا يَستَنكِرَهَا ، وَيَستَمرِئَ مَا يَقَعُ فِيهِ مِن مُخَالَفَاتٍ فَظِيعَةٍ فلا يَدفَعَهَا ، أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّهُ حِينَ يُذنِبُ العَبدُ ثم يُذنِبُ دُونَ شُعُورٍ بِاستِيَاءٍ أَو حُزنٍ ، وَيَتَعَدَّى حُدُودَ اللهِ وَيَتَجَاوَزُهَا دُونَ خَوفٍ مِنَهُ أَو وَجَلٍ ، وَتَستَعبِدُهُ نَفسُهُ وَتَقُودُهُ شَهَوَاتُهُ ثم لا تَتَحَرَّكُ فِيهِ شَعرَةٌ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَد وَصَلَ إِلى الحَظِيظِ وَسَقَطَ في القَاعِ ، وَقَلَّ إِيمَانُهُ وَكَادَ يَزُولُ وَيَضمَحِلُّ ، وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ رَجُلٌ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : مَا الإِثمُ ؟ قَالَ : " إِذَا حَاكَ في نَفسِكَ شَيءٌ فَدَعْهُ " قَالَ : فَمَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ : " إِذَا سَاءَتكَ سَيِّئَتُكَ وَسَرَّتكَ حَسَنَتُكَ فَأَنتَ مُؤمِنٌ " رَوَاهُ الإِماَمُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . فَهَل نَحنُ كَذَلِكَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - ؟! هَل نَحنُ نَفرَحُ وَنُسَرُّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ نَفعَلُهَا ؟! وَهَل تَسُوؤُنَا وَتُحزِنُنَا سَيِّئاتُنَا الَّتِي نَرتَكِبُهَا ؟! قَد يَعتَرِفُ أَحَدُنَا بِالخَطَأِ وَلا يُنكِرُ التَّقصِيرَ ، مُقَرًّا أَنَّهُ مَا زَالَ عَلَى حَالٍ غَيرِ مَرْضِيَّةٍ ، فَهَل يَكفِي مِثلُ هَذَا الشُّعُورِ دُونَ أَن يَتلُوَهُ تَغيِيرٌ ؟! إِنَّ وُجُودَ الشُّعُورِ في القَلبِ دُونَ أَن يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ في تَغَيُّرِ الوَاقِعِ وَتَبَدُّلِ الحَالِ ، إِنَّهُ لا يَعدُو أَن يَكُونَ مُجَرَّدَ أَمَانِيَّ بَاطِلَةٍ ، يَعبَثُ الشَّيطَانُ بِهَا في حَيَاةِ المَرءِ ، وَيُضَيِّعُ عَلَيهِ أَيَّامَهُ وَيَقطَعُهُ عَنِ الوُصُولِ إِلى رَبِّهِ ، وَيَحُولُ بِهَا بَينَهُ وَبَينَ التَّوبَةِ النَّصُوحِ الَّتِي يَطهُرُ بِهَا قَلبُهُ ، وَتَزكُو نَفسُهُ وَتَصلُحُ جَوَارِحُهُ ، كَمَ مِنَّا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – مَن تَمُرُّ بِهِ شُهُورٌ وَسَنَوَاتٌ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعاصِيهِ غَارِقٌ في مُخَالَفَاتِهِ ، وَلا يَزَالُ يَعِدُ نَفسَهُ بِالتَّغَيُّرِ وَيُمَنِّيهَا بِالتَّحَوُّلِ ، وَلَعَلَّهُ أَن يَفجَأَهُ المَوتُ وَهُوَ مَا زَالَ عَلَى حَالِهِ ، فَيَندَمَ وَلاتَ حِينَ مَندَمٍ ! كَم مِنَّا مَن تَعَوَّدَ السَّهَرَ وَتَركَ صَلاةِ الفَجرِ بِصُورَةٍ يَومِيَّةٍ ، وَكَم فِينَا مِمَّن لا يُفَرِّقُ بَينَ صَلاتِهِ وَحدَهُ وَصَلاتِهِ مَعَ الجَمَاعَةِ ! وَكَم مِن مُمتَنِعٍ عَنِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ ، وَكم مِن هَاجِرٍ لأَخِيهِ المُسلِمِ شُهُورًا وَسَنَوَاتٍ ، وَقَاطِعِ رَحِمٍ يُصِرُّ عَلَى قَطِيعَتِهِ ، وَمُوَظَّفٍ يُقَصِّرُ في عَمَلِهِ ، وَبَائِعٍ يَغُشُّ في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ ، وَمُتَسَاهِلٍ بِأَكلِ الرِّبَا ، وَمُقَصِّرٍ في تَربِيَةِ مَن تَحتَ يَدِهِ مِن زَوجَةٍ وَأَبنَاءٍ ، وَشَابٍّ يُتَابِعُ المَوَاقِعَ الإِبَاحِيَّةَ في القَنَوَاتِ أَو في الشَّبَكَاتِ ، وَمُتَلَذِّذٍ بِسَمَاعِ الأَغَانِيِّ وَالمَزَامِيرِ ، وَمُدمِنٍ لِلتَّدخِينِ وَشُربِ المُفَتِّرَاتِ أَوِ المُسكِرَاتِ ، وَمُصِرٍّ عَلَى حَسَدِ إِخوَانِهِ وَحَملِ الحِقدِ عَلَيهِم ، وَابتِلائِهِم بِمَا لَيسَ فِيهِم ، وَالكَذِبِ عَلَيهِم في الشَّكَاوَى وَالفُجُورِ في الخُصُومَاتِ ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن مُخَالَفَاتٍ ، فَإِلى مَتَى نَكتَفِي بِالاعتِرَافِ بِخَطَئِنَا وَتَقصِيرِنَا ، مَعَ المُضِيِّ فِيهِ وَالإِصرَارِ عَلَيهِ ؟! مَتَى يَشعُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِخَطَرِ مَا هُوَ عَلَيهِ ، فَتَسُوءَهُ سَيِّئَتُهُ حَقًّا وَصِدقًا ، وَيُبَادِرَ بِتَركِهَا وَالإِقلاعِ عَنهَا وَالتَّوبَةِ إِلى اللهِ مِنهَا وَالنَّدَمِ عَلَيهَا ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يُسَرُّ المُؤمِنُ بِالحَسَنَةِ وَلا يَستَاءُ لِلسَّيِّئَةِ ، إِلاَّ لِعِلمِهِ بِاللهِ ، وَرَجَائِهِ مَا عِندَهُ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الحَسَنَاتِ ، وَخَوفِهِ مِمَّا أَعَدَّهُ مِنَ العَقَابِ عَلَى السَّيِّئَاتِ ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ المُؤمِنَ يُوقِنُ بِنَفعِ الحَسَنَةِ في الدُّنيَا وَفَضلِهَا في الآخِرَةِ ، فَيَفرَحُ بِهَا لِذَلِكَ وَيُسَرُّ ، وَأَمَّا مَنِ استَحكَمَت غَفلَةُ قَلبِهِ وَنَقَصَ إِيمَانُهُ ؛ فَإِنَّهُ لا يَستَحضِرُ عَظَمَةَ مَن عَصَاهُ ، وَلا يَرَى لِسَيِّئَتِهِ ضَرَرًا عَلَيهِ في دُنيَاهُ ، وَلا يَتَصَوَّرُ أَنَّهُا قَد تَكُونُ هِيَ المُوبِقَةَ لَهُ في أُخرَاهُ ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ يَرَى مَعصِيَتَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنفِهِ فَأَومَأَ إِلَيهِ بِيَدِهِ فَطَارَ ، بَينَمَا يَرَى المُؤمِنَ لِنَقَاءِ قَلبِهِ وَصَفَاءِ نَفسِهِ ذَنبَهُ كَالجَبَلِ الَّذِي يَخَافُ أَن يَقَعَ عَلَيهِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – عِبَادَ اللهِ – وَلْنَكُنْ عَلَى شَفَقَةٍ مِن ذُنُوبِنَا ، وَلْنَحذَرْ مِنهَا غَايَةَ الحَذَرِ ، فَقَد وَصَفَ اللهُ المُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ بِالشَّفَقَةِ في دُنيَاهُم مِن أُخرَاهُم ، فَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَلَقَد آتَينَا مُوسَى وَهَارُونَ الفُرقَانَ وَضِيَاءً وَذِكرًا لِلمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَهُم مِنَ السَّاعَةِ مُشفِقُونَ " وَقَالَ – تَعَالى - : " إِنَّ الَّذِينَ هُم مِن خَشيَةِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِم يُؤمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِم لا يُشرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلى رَبِّهِم رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَهُم لَهَا سَابِقُونَ " وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " اللهُ الَّذِي أَنزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ . يَستَعجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشفِقُونَ مِنهَا وَيَعلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ في السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ " وَقَالَ – تَعَالى - عَن عِبَادِهِ المُتَّقِينَ : " قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبلُ في أَهلِنَا مُشفِقِينَ . فَمَنَّ اللهُ عَلَينَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِن قَبلُ نَدعُوهُ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ " وَوَصَفَ أَهلَ الجَنَّةِ المُكرَمِينَ فَقَالَ : " وَالَّذِينَ هُم مِن عَذَابِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ . إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِم غَيرُ مَأمُونٍ " وَمَن لم يُشفِقْ مِن ذُنُوبِهِ هُنَا ، فَسَيُشفِقُ يَومَ لا يَنفَعُ الإِشفَاقُ وَلا يُنجِي النَّدَمُ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجرِمِينَ مُشفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " تَرَى الظَّالِمِينَ مُشفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ في رَوضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُم مَا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِم ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ " وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهَ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَروِي عَن رَبِّهِ - جَلَّ وَعَلا - أَنَّهُ قَالَ : " وَعِزَّتي لا أَجمَعُ عَلَى عَبدِي خَوفَينِ وَأَمنَينِ ، إِذَا خَافَنِي في الدُّنيَا أَمَّنتُهُ يَومَ القِيَامَةِ ، وَإِذَا أَمِنَنِي في الدُّنيَا أَخَفتُهُ في الآخِرَةِ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا وَسَلِّمْهَا مِن كُلِّ آفَةٍ ، وَرُدَّنَا إِلَيكَ رَدًّا جَمِيلاً وَوَفِّقْنَا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ ،، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – حَقَّ التَّقوَى ، وَخَافُوهُ في السِّرِّ وَالنَّجوَى " فَأَنذَرتُكُم نَارًا تَلَظَّى . لا يَصلاهَا إِلاَّ الأَشقَى . الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى . وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتقَى"
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ السُّرُورُ بِالحَسَنَةِ عُجبًا يَرَى بِهِ العَبدُ نَفسَهُ وَيَتَكَبَّرُ عَلى غَيرِهِ ، وَلا غُرُورًا يَطمَئِنُّ بِهِ إِلى أَعمَالِهِ وَيَعتَمِدُ عَلَيهَا ، مُنصَرِفًا عَنِ اللهِ الَّذِي هَدَاهُ وَيَسَّرَهُ لِليُسرَى ، ظَانًّا أَنَّهُ إِنَّمَا نَالَ هَذَا الفَضلَ وَحَازَ الشَّرَفَ عَلَى عِلمٍ عِندَهُ أَو لِقُوَّةٍ مِنهُ وَحدَهُ ، وَلَكِنَّ السُّرُورَ بِالحَسَنَةِ فَرَحٌ بِرَحمَةِ اللهِ ، وَشُكرٌ لَهُ عَلَى مَا أَولاهُ ، وَثِقَةٌ فِيمَا عِندَهُ . كَمَا أَنَّ الاستِيَاءَ مِنَ السَّيِّئَةِ في المُقَابِلِ ، لَيسَ يَأسًا مِن رَوحِ اللهِ وَلا قُنُوطًا مِن رَحمَتِهِ ، وَلا حُكمًا عَلَى النَّفسِ بِالهَلاكِ أَو سُوءَ ظَنٍّ أَو جَزَعًا ، وَإِنَّمَا هُوَ أَلَمٌ يُصِيبُ المُؤمِنَ المُستَنِيرَ القَلبِ ، وَوَخزٌ في ضَمِيرِهِ ، وَقَلَقٌ يَأخُذُ بِهِ بَعدَ الذَّنبِ كَمَا يَأخُذُ الأَلَمُ وَالقَلَقُ بِاللَّدِيغِ ، فَلا يَهدَأُ بَالُهَ وَلا تَرتَاحُ نَفسُهُ حَتَّى يَشعُرَ بِخُلُوِّ جَسَدِهِ مِن أَثَرِ السُّمِّ وَشِفَائِهِ مِنهُ ، أَلا فَلْنَتَّقِ الله – أَيُّهَا الإِخوَةُ – وَحَذَارِ مِنَ التَّهَاوُنِ وَالتَّسَاهُلِ ، وَمَن لم يَنزَعِجْ لِمَعصِيَتهِ وَلم يَرتَعْ لَهَا قَلبُهُ ، فَلْيَعلَمْ أَنَّ المَعَاصِيَ قَد تَرَاكَمَت عَلَى قَلبِهِ وَأَظلَمَ بِهَا فُؤَادُهُ ، فَحَجَبَتهُ عَن رُؤيَةِ مَا يُحِيطُ بِهِ مِنَ الشُّرُورِ وَالآفَاتِ ، وَقَطَعَتهُ عَن سُلُوكِ طَرِيقِ النَّجَاةِ ، فَلْنُبَادِرْ إِلى التَّوبَةِ مَا دُمنَا في زَمَنِ المُهلَةِ ، فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، يَقبَلُ التَّوبَةَ وَيَعفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق