(خطبة) هل أعمالك تدخلك الجنة ؟
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( هل أعمالك تدخلك الجنة ؟) 22/11/1442
أما بعد فيا أيها الناس : ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة ، ونحن في هذه الدنيا نعمل أعمالا صالحة وأخرى غير صالحة ، والمسلم يتعثر ويسير في هذه الدنيا ، حتى يفجؤه الأجل ، فهل فكر كل منا ، هل أعماله التي يعملها في هذه الدنيا تدخله الجنة ، أم أنه تقطع دون ذلك ، ولا تكون سببا في رحمة الله للعبد .
عباد الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن الجنة لابد لها من عمل ، أخرج الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَّةِ رضي الله عنه ، قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لأُبَايِعَهُ ، فَشَرَطَ عَلَيَّ : شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنْ أُقِيمَ الصَّلاةَ ، وَأَنْ أُوتِيَ الزَّكَاةَ ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلامِ ، وَأَنْ أَصُومَ رَمَضَانَ ، وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَمَّا اثْنَتَانِ فَوَاللَّهِ مَا أُطِيقُهُمَا : الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ ، فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ ، ثُمَّ حَرَّكَهَا ، وَقَالَ : فَلا جِهَادَ وَلا صَدَقَةَ ؟ فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ ، فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ .
فقوله صلى الله عليه وسلم لبشير فبم تدخل الجنة ، إعلام للجميع أن الجنة تحتاج إلى عمل .
وينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه ، هل أعمالي تدخلني الجنة ؟
فالبعض منا لا يعمل إلا لدنياه ، وهو غافل عن آخرته ، والعياذ بالله .
ويجب على العبد أن يحسن الظن بربه ، وأنه كريم ، وأنه يجازي بالكثير على القليل ، ولكن لا ينبغي له أن يفرّط في جمع الحسنات ، لأن الناس في الآخرة يتغابنون بكثرة الأعمال الصالحة ، ويومئذ يفرح العاملون .
أيها الناس : إن الناظر في حالنا إلا من رحم الله ، يجد أننا نعمل للدنيا أولا ، للآخرة ثانيا ، وقد عكسنا المسألة ، فالدنيا لم تخلق إلا للآخرة ، وما هي إلا للتزود للآخرة ، فمن انشغل بها عن الآخرة كان من الخاسرين .
قال ابنُ رجبٍ : وَقَدْ وَرَدَ تَرَتُّبُ دُخُولِ الْجَنَّةِ عَلَى فِعْلِ بَعْضِ هَذِهِ الأَعْمَالِ كَالصَّلاةِ ؛ فَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ : مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ لِوَقْتِهَا كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ .
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي الَّذِي لا يَعْمَلُ عَمَلَهُ إِلاَّ بِاسْتِجْمَاعِ شُرُوطِهِ ، وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ ؛ ومن موانعه الوقوع في الشرك و كبائر الذنوب .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ ارْتِكَابَ بَعْضِ الْكَبَائِرِ يَمْنَعُ دُخُولَ الْجَنَّةِ ، كَقَوْلِهِ : لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ ، وَقَوْلِه : لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، وَقَوْلِه : لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا . وَالأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ فِي مَنْعِ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالدَّيْنِ حَتَّى يُقْضَى، وَفِي الصَّحِيحِ : أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَازُوا الصِّرَاطَ ، حُبِسُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْبَسُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مِائَةَ عَامٍ بِالذَّنْبِ كَانَ يَعْمَلُهُ فِي الدُّنْيَا . فَهَذِهِ كُلُّهَا مَوَانِعُ .أهـ
عباد الله : لا تغتروا ببعض الأحاديث التي جاءت تبين رحمة الله وعفوه ، كالأحاديث
الَّتِي جَاءَتْ فِي تَرَتُّبِ دُخُولِ الْجَنَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّوْحِيدِ ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : مَا مِنْ عَبْدٍ قَال : لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟! قال : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ، قَالَهَا ثَلاثًا ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ : عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ ، فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ : وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ .
وَفِيهِمَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَالنَّارَ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ .
وَفِيهِمَا عَنْ عِتْبَانَ بنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال : إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَن قال : لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ ، يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ .
فالرجاء والخوف كجناحي طائر ، ولا يغلب أحدهما على الآخر ، فالمؤمن يرجو ويخاف ، وهذه الأحاديث تجمع مع أحاديث الوعيد والتخويف ، حتى لا يتكل المسلم ويغتر ، وقد جاء في الصحيحين من حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر فضل الوضوء والصلاة ، قال لا تغتروا .
وقد حذر العلماء من تغليب الرجاء حتى الوقوع في الإرجاء ، ومن ذلك قولهم : إِنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ سَبَبٌ مُقْتَضٍ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَلِلنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ ، لَكِنْ لَهُ شُرُوطٌ ، وَهِيَ الإِتْيَانُ بِالْفَرَائِضِ ، وَمَوَانِعُ وَهِيَ إِتْيَانُ الْكَبَائِرِ . قال الْحَسَنُ لِلْفَرَزْدَقِ : إِنَّ لِلا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ شُرُوطًا ، فَإِيَّاكَ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَةِ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قال : هَذَا الْعَمُودُ ، فَأَيْنَ الطُّنُبُ . يَعْنِي أَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ عَمُودُ الْفُسْطَاطِ ، وَلَكِنْ لا يَثْبُتُ الْفُسْطَاطُ بِدُونِ أَطْنَابِهِ ، وَهِيَ فِعْلُ الْوَاجِبَاتِ ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ .
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ : إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ : مَن قال : لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فَقَال : مَن قال : لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ ، فَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرْضَهَا ، دَخَلَ الْجَنَّةَ .
وَقِيلَ لَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ : أَلَيْسَ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ ؟ قال : بَلَى، وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ إِلاّ وَلَهُ أَسْنَانٌ ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ ، فُتِحَ لَكَ ، وَإِلاّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ .
اللهم أعنا على عمل الصالحات وترك المنكرات ، أقول قولي هذا ......
الخطبة الثاني
أما بعد فيا أيها الناس : علينا جميعا الحذر من الاغترار ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ : هَلْ يَضُرُّ مَعَهَا عَمَلٌ ، كَمَا لا يَنْفَعُ مَعَ تَرْكِهَا عَمَلٌ ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : عِشْ وَلا تَغْتَرَّ .
قال ابنُ بَطّالٍ : نَهَى اللهُ عبادَه عنِ الاغترارِ بالحياةِ الدنيا وزُخرُفِها الفَانِي ، وعنِ الاغترارِ بالشيطانِ ، وبيّنَ لنا تعالى عَدَاوتَه لَنَا لئلا نَلتَفِتَ إلى تَسْويلِه وتَزيِينِه لَنَا الشّهواتِ الْمُرْدِيَة ، وحَذّرَنا تعالى طاعتَه ، وأخْبَر أنَّ أتْبَاعَه وحِزْبَه مِن أصحابِ السعيرِ . .
فَحَقٌّ على المؤمِنِ العاقِلِ أنْ يَحْذَرَ ما حَذَّرَه مِنه رَبُّه عَزّ وَجَلّ ونَبِيُّه صلى الله عليه وسلم ، وأنْ يكونَ مُشْفِقًا خَائفًا وَجِلاً ، وإنْ واقَعَ ذَنبًا أسْرَعَ النّدَمَ عليه والتوبَةَ منه ، وعَزَمَ ألاّ يَعودَ إليه ، وإذا أتَى حَسَنَةً استَقَلّها واستَصْغَرَ عَمَلَه ، ولم يُدِلَّ بها .
وقَال الحسنُ البصريُّ : مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَمْكُرُ بِهِ ، فَلا رَأْيَ لَهُ ... ثُمَّ قَرَأَ: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) قَالَ الْحَسَنُ: مَكَرَ بِالْقَوْمِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ؛ أُعْطُوا حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أُخِذُوا.
وَقَالَ قَتَادَةُ : بَغَتَ القَومَ أمرُ اللَّهِ ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ قَوْمًا قَطُّ إِلاَّ عِنْدَ سَكْرَتِهِمْ وَغَرَّتِهِمْ وَنَعِيمِهِمْ ؛ فَلا تَغْتَرُّوا بِاللَّهِ ، إِنَّهُ لا يَغْتَرُّ بِاللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ.
وقَالَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ : يَا عِبَادَ اللَّهِ لا تَغْتَرُّوا بِطُولِ حِلْمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، وَاحْذَرُوا أَسَفَهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ : (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) .
والإمامُ مسلمٌ لَمّا رَوى حديثَ عِتبانَ بنِ مَالكٍ ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : فإنَّ اللهَ قد حَرَّمَ على النارِ مَن قال : لا إلهَ إلا اللهُ يَبتغِي بِذلكَ وَجْهَ اللهِ . أعقبَه - رحمَه اللهُ - بقولِ الإمامِ الزُّهريِّ : ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَائِضُ وَأُمُورٌ نَرَى أَنَّ الأَمْرَ انْتَهَى إِلَيْهَا ؛ فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَغْتَرَّ فَلا يَغْتَرَّ .
اللهم وفقنا للاستعداد ليوم الرحيل بالتزود بالطاعات ، ...
المرفقات
1625166936_هل أعمالك تدخلك الجنة ؟.docx