خطبة هكذا يومك في رمضان مختصرة .
سعيد الشهراني
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الإِسْلَام، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الصِّيَام، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ الصَّائِمِينَ وَقُدْوَةُ الْعَامِلِينَ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِين، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الصَّائِمُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ لَكُمُ الوَعْدَ بِالثَّوَابِ الْكَبِيرِ وَالأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَأَبْشِرُوا فَإِنَّكُمْ تَرَكْتُمُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْمَلَذَّاتِ طَاعَةً للهِ وَخَوْفَاً مِنْهُ وَمَحَبَّةً لَهُ، أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصِّيَامِ فَامْتَثَلْتُمْ، وَمَنَعَكُمْ فِي النَّهَارِ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ فَصَبَرْتُمْ، وَعَانَيْتُمْ حَرَارَةَ الْجُوعِ وَأَلَمَ الْعَطَشِ فَمَا غَيَّرْتُمْ وَلا بَدَّلْتُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا وَصْفٌ لِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَوْمُكَ فِي رَمَضَانَ، فَتَبْدَأُ أَوْلاً بِالسُّحُورِ: فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي اَلسَّحُورِ بَرَكَةً" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
فَفِي السَّحُورِ ياعبد الله بَرَكَةٌ وَأَجْرٌ واعلموا رحمكم الله أن من السنة تأخير السحور إلى قبيل الفجر، وَهو سَبَبٌ لِصَلَاةِ اللهِ عَلَيْكَ وَصَلِاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةٍ لِلْبَدَنِ وَتَقْوِيَةٍ لَهُ عَلَى الصَّوْمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ). وَعَلَيْهِ فَالسُّحُورَ يَتِمُّ وَلَوْ أَنْ يَشْرَبَ الإِنْسَانُ كَأْسَ مَاءٍ .
ثُمَّ بَعْدَ السُّحُورِ قُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلِّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ وَالتَّهَاوُنَ بِصَلاةِ الْجَمَاعَةِ لا فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ, فَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا دِيْنٌ وإِيمَانٌ، وَالتَّهَاوُنُ بِهَا نِفَاقٌ وَخُسْرَان.
ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ لا تَسْتَعْجِلْ فَتَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِد، بَلْ ابْقَ وَاقْرَأْ أَذْكَارَ الصَّلَاةِ وَأَذْكَارَ الصَّبَاحِ الْوَارِدَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ صَلِّ رَكَعْتَيْنِ لِتَفُوزَ بِأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).
ثُمَّ إِنْ شِئْتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَنَمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَابْقَ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَرَاءَةِ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ عَمَلٌ وَدَوَامٌ فَحَافِظْ عَلَيْهِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَعْتَذِرَ بِالصَّوْمِ فِي الإِخْلَالِ بِالْعَمَلِ، فَهُوَ أَمَانَةٌ فَإِيَّاكَ وَالْخِيَانَة.
واحرص ياعبد الله على التزود بالأعمال الصالحة من خلال المساهمة في أعمال الخير بأنواعها ومنها : المشاركة في تفطير الصائمين ؛ ونشر وطباعة المصحف وتوزيعه ؛ وبناء المساجد وعمارتها وخدمتها والمساهمة عبر التبرع عبر المنصة الرسمية ( إحسان ) .
أَخي الْمُسْلِمُ: احْرِصْ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ عَلَى الابْتِعَادِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ سواء كان بالقول أو الفعل وغَيْرِهَا، فَلَيْسَ الصِّيَامُ أَنْ تَصُومَ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ، ثُمْ تُطْلِقُ لِنَفْسِكَ الْعَنَانَ فِي فِعْلِ مَا تَشَاءُ بِحُجَّةِ أَنَّكَ صَائِمٌ تُرِيدُ تَسْلِيَةَ نَفْسِكَ، فَهَذَا لا يَحِلُّ. فَالْمَقْصُودُ مِنَ الصِّيَامِ حُصُولُ التَّقْوَى, وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (
أَخي الْمُسْلِمُ: ثُمَّ إِذَا جَاءَ وَقْتُ الإِفْطَارِ فَاحْرِصْ عَلَى الدُّعَاءِ قَبْلَهُ، وَاسْأَلْ رَبَّكَ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَة، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ" (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ .
ثُمَّ بَادِرْ بِالإِفْطَارِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مُبَاشَرَةً، وَأَفْطِرْ عَلَى رُطَبٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهَورٌ، عَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ على رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فعلى تَمَرَاتٍ، فإن لم تكن تَمَراتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ). فَاحْرِصْ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- تَفُزْ بِإِذْنِ اللهِ بِالأَجْرِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ، ذِي الطَّوْلِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْهَادِي الْبَشِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً!
أَمَّا بَعْدُ: فَبَعْدَ الإِفْطَارِ صَلِّ مَعَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَلَاةَ الْمَغْرِبَ, فَإِنِ اسْتَطَعْتَ الْبَقَاءَ فِي الْمَسْجِدِ لِقَرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِقَرَاءَةِ كِتَابِ تَفْسِيرٍ مَوْثُوقٍ كَتَفْسِيرِ الشَّيْخِ ابْنِ سَعْدِيٍّ -رَحِمَهُ اللهُ- فَافْعَلْ فَهَذَا الْوَقْتُ وَقْتٌ مُبَارَكٌ وَيَغْفُلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.
ثُمَّ احْرِصْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَلْتَكُنْ فِي مَسْجِدِ حَيِّكَ الذِي أَنْتَ سَاكِنٌ فِيهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْحيِّ، لَكِنْ لَوِ انْتَقَلْتَ لِمَسْجِدٍ آخَرَ لِسَبَبٍ فَلا بَأْسَ، ثُمَّ احْرِصْ عَلَى إِتْمَامِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَإِيَّاَك وَالتَّنَقُلَّ وَتَضْيِيعِ الصَّلَاةِ.
ثُمَّ وَاصِلْ ذَلِكَ إِلَى نِهَايَةِ رَمَضَانَ لِيُكْتَبَ لَكَ قِيَامُ رَمَضَانَ وَيُغْفَرَ ذَنْبُكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)..
ثُمَّ اسْتَيْقِظْ قَبْلَ السُّحُورِ وَصَلِّ مَا تَيَسَّرَ لَكَ وَاقْرأِ الْقُرْآنِ وَأَكْثِرْ مِنْ دُعَاءِ الرَّحْمَنِ فَهَذَا وَقْتٌ مُبَارَكٌ وَالدُّعَاءُ فِيهِ حَرِيٌّ بِالإِجَابَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ القُرْآن، حَيْثُ إِنَّهُ نَزَلَ فِي لَيْلَةِ القَدْر، وَلَذَا فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُولَيَهُ عِنَايَةً خَاصَّةً فِي رَمَضَانَ، وَلَوْ أَنَّكَ أَيَّهَا الْمُؤْمِنُ جَلَسْتَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ الفَجْرِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَجَلَسْتَ بَعْدَ العَصْرِ سَاعَةً وَاحِدَةً فَلَنْ يَقِلَّ وِرْدُكَ اليَوْمِيُّ عَنْ سِتَّةِ أَجْزَاء، فَتَخْتِمَ القُرْآنَ كُلَّ خَمْسَةِ أَيَّام، وَتَخْتِمَ فِي الشَّهْرِ سِتَّ مَرَّات، وَهَذَا عَمَلٌ جَلِيلٌ فَاضِل.
أَعَانَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمُ عَلَى طَاعَتِهِ وَعَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ....