خطبة هذا الاسبوع (التوحيد خير لو كانوا يعلمون)
أحمد بن عبدالله الحزيمي
1438/01/16 - 2016/10/17 18:53PM
التوحيدُ خيرٌ لوْ كانوا يعلمونَ.
الحمدُ للهِ، ولا نعبدُ إلا إياهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، أحمدهُ سبحانهُ وأشكرهُ، وأتوبُ إليهِ وأستغفرهُ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، حمى حِمى التوحيدِ، وسدَّ كلِّ طريقٍ يوصلُ إلى الشركِ، فأظهرَ اللهُ بهِ دينهُ على الدينِ كلهِ ولوْ كرهَ المشركونَ، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعينَ، ومنْ تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
عبادَ اللهِ:
ما الذي لأجلهِ خلقَ اللهُ السمواتِ والأرضَ؟ والجنةَ والنارَ، وبهِ أنزلتِ الكتبُ، وبهِ أرسلتِ الرسلُ، وبهِ قامتِ الحدودُ، وبهِ شرعتِ الشرائعُ وبهِ شرعُ الجهادِ؟
وما الذي لأجلهِ انقسمتِ الخليقةُ إلى سعداءِ وأشقياءٍ، وبهِ حقتِ الحاقةُ ووقعتِ الواقعةُ، وبهِ وضعتِ الموازينُ القسطُ، ونصبَ الصراطُ، وقامَ سوقُ الجنةِ والنّارِ، وبهِ عبِدَ ربُّ العالمينَ وحمِدَ، وعنهُ السؤالُ في القبرِ ويومِ البعثِ والنشورِ، وبهِ الخصامُ، وإليهِ المحاكمةُ وفيهِ الموالاةُ والمعاداةُ؟
إنهُ التوحيدُ الذي هوَ حقُّ اللهِ على العبيدِ قالَ تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات:56]
{ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }[الذاريات:57]
{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }[الذاريات:58]
التوحيدُ هو:َ أصلُ دعوةِ الرسلِ ومحورها، فما منْ رسولٍ إلا وبعثَ بالتوحيدِ، ولأجلِ الدعوةِ إلى التوحيدِ.
قالَ ربنا المجيدُ: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }[النحل:36]. فقال الرسل لأقوامهم: " اعبدوا الله واجتبوا الطاغوت " وقالوا لهمْ: { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ }[المؤمنون:23].
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }[الأنبياء:25]
فنوحُ- عليهِ السلامُ- أولُ الأنبياءِ مكثَ في قومهِ ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا؛ يدعو قومهَ إلى التوحيدِ: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ }[المؤمنون:23]. إبراهيمُ الخليلُ- عليهِ السلامُ- إمامُ الحنفاءِ يخافُ على نفسهِ وبنيهِ منَ الوقوعِ في عبادةِ الأصنامِ؛ فيدعو ربهُ: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ }[إبراهيم:35]، فمنْ يأمنُ البلاءَ والفتنةَ بعدَ إبراهيمَ- عليهِ السلامُ.
وهكذا الأنبياءُ والرسلُ منْ بعدهِ وإلى نبينا محمدٍ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- سيدهمْ وخاتمهمْ، فقدْ كانتْ حياتهُ كلها منْ أولها إلى آخرها، مكيها ومدنيها، حضرها وسفرها، سلمها وحربها، كلها في التوحيدِ والدعوةِ إليهِ وإلى مكملاتهِ.
فقدْ قالَ اللهُ لنبيهِ محمدٍ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- إمامِ الموحدينِ:{ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ }[الشعراء:213] ينهاهُ عنِ الشركِ وهوَ إمامُ الموحدينَ ومأمونٌ عليهِ الوقوعُ في الشركِ، فكيفَ بنا نحنُ الذينَ لا يؤمنُ علينا الوقوعُ في الشركِ.
فمنْ أجلِ التوحيدِ جاهدَ الصحابةُ الكرامُ فخرجوا منْ هذهِ الجزيرةِ القاحلةِ في سبيلِ اللهِ، وفي ذاتِ اللهِ، وانطلقوا شرقًا وغربًا يرفعونَ رايةَ "لا إلهَ إلا اللهُ" فدانتْ لهمُ الدنيا وخضعتْ، حتى عجبَ المؤرخونَ وعجزوا عنْ تفسيرِ هذهِ الظاهرةِ، هلْ في التاريخِ كلهِ منْ ظاهرةٍ أعجبَ وأعيى للعقولِ منها؟
أمةٌ تنبعثُ منْ هذهِ الجزيرةِ -منْ هذهِ الصحراءِ- لمْ يكنْ لها حضارةٌ، ولا علمٌ، ولا تاريخٌ مجيدٌ تفخرُ بهِ، ولمْ تكنْ لها قيم إلا موروثات الجاهلية وعاداتها وتقاليدها، وتخرج لتدخل الناس في دين الله أفواجًا.
عبادَ اللهِ:
تعني كلـمةُ التوحيدِ نفيُ الألوهيةِ عما سـوى اللهِ- عزَّ وجلَّ- منْ سـائرِ المخـلوقاتِ، فلا عبادةَ لأصنامٍ وأضرحـةٍ وأشجـارٍ، ولا طـوافَ بقبورِ أوليـاءٍ أوْ مزاراتٍ، ولا طاعـةَ لمخـلوقٍ كائنًا منْ كانَ في معـصيةِ الخـالقِ.
فلا يُحـبُّ غـيرَ اللهِ، ولا يُخـافُ سواهُ، ولا يُرجـى غيرهُ، ولا يُتـوكلُ إلا عليهِ، ولا يُرغـبُ إلا إليهِ، ولا يُرهـبُ إلا منهُ، ولا يُحـلفُ إلا باسمهِ، ولا يُتـابُ إلا إليهِ، ولا يُسـجدُ إلا لهُ ولا يركـعُ إلا لهُ، ولا يُنحـنى إلا لهُ سـبحانهُ، ولا يُسـتعانُ عندَ الشـدائدِ إلا بهِ، ولا يُلجـأُ عندَ المضـايقِ إلا إليهِ، ولا يُذبـحُ إلا لهُ وباسمـهِ، لا تصديقَ لسـاحرٍ، ولا ذهابَ لكـاهنٍ، ولا طاعةَ لعـرافٍ ومشـعوذٍ يزعمُ أنهُ يعلمُ الغـيبَ ويدفعُ الضرَّ ويجـلبُ النفعَ. { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }[النمل:65]
أيها المؤمنونَ:
جميعُ الأعمالِ والأقوالِ الظاهرةِ والباطنةِ قبولها متوقفٌ على تحقيقِ التوحيدِ: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا }[الفرقان:23] { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[الزمر:65]، وهذا يقالُ لمنْ؟ للرسولِ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ- فكيفَ بغيرهِ؟
توحيدُ اللهِ: هوَ العبوديةُ التامةُ لهُ سبحانهُ، يقيمُ المسلمُ عليها حياتهُ كلها، صلاتهُ ونسكهُ، ومحياهُ ومماتهُ، توحيدٌ في الاعتقادِ، وتوحيدٌ في العبادةِ، وتوحيدٌ في التشريعِ، توحيدٌ تُنَقَّى بهِ القلوبُ والضمائرُ منَ الاعتقادِ في الألوهيةِ لأحدٍ غيرَ اللهِ، وتُنَقَّى بهِ الجوارحُ والشعائرُ منْ أنْ تُصرفَ لأحدٍ غيرَ اللهِ، وتُنَقَّى بهِ الأحكامُ والشرائعُ منْ أنْ تتلقاهُ منْ أحدِ دونَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
أيها المسلمونُ:
وأكملُ الخلقِ أكملُهمْ للهِ عبوديَّةً، وعلى قدرِ تحقيقِ التوحيدِ يكونُ كمالُ العبدِ وسُمُوُّ مكانتِهِ، والله يُدافِعُ عنِ المُوحِّدِ في دينِهِ ودُنياهِ، وأرجَى منْ يحظَى بمغفرةِ اللهِ هوَ المُوحِّدُ. قالَ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»( ) رواهُ الترمذيُّ.
قالَ ابنُ رجبٍ- رحمهُ اللهُ-: "فالتوحيدُ هوَ السببُ الأعظمُ؛ فمنْ فقدَهُ فقَدَ المغفرةَ، ومنْ جاءَ بهِ فقدْ أتَى بأعظمِ أسبابِ المغفِرةِ".
والشيطانُ لا سبيلَ لهُ إلى المُوحِّد:{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }[النحل:99]
وبقدرِ توحيدِهِ تزدادُ مُدافعَةُ اللهِ عنهُ، قالَ-سبحانهُ-:{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }[الحج:38]
ومنْ حقَّقَ توحيدَ اللهِ فاللهُ حافظٌ لهُ منَ المُوبِقاتِ والفواحِشِ، قالَ عنْ يُوسفَ- عليهِ السلامُ-:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }[يوسف:24]
والمُوحِّدُ عليهِ في الحياةِ الدنيا السَّكينةُ والطُّمأنينةُ، وآمِنٌ فيها بقدر ِإيمانِهِ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }[الأنعام:82]
والأمواتُ ينتفعِونَ بدعواتِ المُوحِّدينَ، ولا تُقبَلُ في صلاةِ الجنائزِ إلا دعواتُهمْ، قالَ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ»( )؛ رواهُ مسلمٌ.
وإذا دنَتْ وفاةُ المُوحِّدِ بشَّرهُ اللهُ بالجنَّةِ، قالَ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ-:«مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ( )
وكما أعزَّ اللهُ المُوحِّدَ في الدنيا، فقدْ أكرمَهُ اللهُ في الآخرةِ وأعلَى مكانتَهُ، وجازَاهُ بخيرِ جزاءِ العامِلينَ؛ فمنْ ماتَ على التوحيدِ كانتْ لهُ الجنةُ إما ابتِداءً أوْ مآلًا، وإنْ دخلَ النارَ بذنُوبِهِ لمْ يُخلَّدُ فيها، قالَ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: «مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ»( )
قالَ ابنُ القيمِ- رحمهُ اللهُ-: "كلما كانَ توحيدُ العبدِ أعظمَ كانتْ مغفرةُ اللهِ لهُ أتمَّ؛ فمنْ لقِيَهُ لا يُشرِكُ بهِ شيئًا البتَّةَ غفرَ لهُ ذنوبَهُ كلَّها.
نسألُ اللهُ- جلَّ وعلا- أنْ يحينا موحِّدينَ للهِ مخلصينَ، الدّينُ له مؤمنينَ بهِ- جلَّ في علاهُ-، معظمينَ لجنابهِ، وأنْ يعيذنا أجمعينَ منَ الشّرك ِكلهِ دقيقهِ وجليلهِ وقليلهِ وكثيرهِ.
باركَ اللهُ لي ولكمْ.
الخطبةُ الثانيةُ.
الحمدُ للهِ الأحدُ الصمدُ الذي لمْ يلدْ ولمْ يولدْ ولمْ يكنْ لهُ كفوًا أحدٌ. والصلاةُ والسلامُ على عبدهِ ورسولهِ محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.
الحمدُ للهِ الذي علَّمنا قيمةَ التوحيدِ، وعرَّفنا أنهُ منْ يرغبُ عنْ ملةِ إبراهيمَ إلا منْ سفهَ نفسهُ، وعرفنا أنهُ لا خيرَ فينا، ولا في حياتنا، ولا في أيِّ شأنٍ منْ شئوننا إلا أنْ نكونَ على توحيدِ اللهِ عابدينَ للهِ وحدهُ لا شريكَ لهُ، متبعينَ لرسولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخي الكريمَ:
إذا كنتَ منْ أهلِ لا إلهَ إلا اللهُ، لا تصرفْ شيئًا منَ العبادةِ والتدينِ لغيرِ اللهِ- جلَّ وعلا-، ولا تسألُ إلا اللهَ، ولا تدعو إلا إياهُ، ولا تتوكلُ إلا عليهِ، ولا ترجو غيرهُ، ولا تذبحُ ولا تنذرُ إلا لهُ، ولا ترجو كشفَ ضرٍّ ولا جلبَ نفعٍ إلا منهُ وحدهُ.
ولا يقودكَ الشـيطانُ في مناسـبةٍ وغيرِ مناسـبةٍ إلى أضرحـةِ الموتى، تطلبُ المددَ منَ الأولياءِ الصالحـينَ، وتذبحُ لهمْ وترجو نفعهمْ ولمْ تكنْ- أيضًا- ممنْ يصدقُ السـحرةَ ويطرقُ أبوابهمْ، أوْ يلهثُ وراءَ المشـعوذينَ والكـهنةِ، مسـتصرخًا بهمْ يرجو منهمْ كشـفَ ضرٍّ أوْ جلبَ منفعةٍ أوْ شـفاءِ مريضٍ أوْ ردَّ غائبٍ، أوْ كنتَ ممنْ لا يتعلقُ بقطعِ باليةٍ منْ رقى أوْ تمائمَ كتبها أولئكَ المخرفونَ.
فاعلمْ- أخي الكريمَ- أنَّ اللهَ أكرمكَ بنعمةٍ عظيمةٍ جليلةٍ ومنةٍ كريمةٍ، تتصاغرُ أمامها كلُّ النعمِ.
أحمدُ اللهَ تعالى على ذلكَ وأسألهُ الثباتَ حتى المماتِ، فإنهُ سبحانهُ نعمَ المولى ونعمَ المصيرِ.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الموحدين ومن أتباع رسوله الكريم ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، اللهم صل على رسولنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
الحمدُ للهِ، ولا نعبدُ إلا إياهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، أحمدهُ سبحانهُ وأشكرهُ، وأتوبُ إليهِ وأستغفرهُ، لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، حمى حِمى التوحيدِ، وسدَّ كلِّ طريقٍ يوصلُ إلى الشركِ، فأظهرَ اللهُ بهِ دينهُ على الدينِ كلهِ ولوْ كرهَ المشركونَ، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعينَ، ومنْ تبعهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
عبادَ اللهِ:
ما الذي لأجلهِ خلقَ اللهُ السمواتِ والأرضَ؟ والجنةَ والنارَ، وبهِ أنزلتِ الكتبُ، وبهِ أرسلتِ الرسلُ، وبهِ قامتِ الحدودُ، وبهِ شرعتِ الشرائعُ وبهِ شرعُ الجهادِ؟
وما الذي لأجلهِ انقسمتِ الخليقةُ إلى سعداءِ وأشقياءٍ، وبهِ حقتِ الحاقةُ ووقعتِ الواقعةُ، وبهِ وضعتِ الموازينُ القسطُ، ونصبَ الصراطُ، وقامَ سوقُ الجنةِ والنّارِ، وبهِ عبِدَ ربُّ العالمينَ وحمِدَ، وعنهُ السؤالُ في القبرِ ويومِ البعثِ والنشورِ، وبهِ الخصامُ، وإليهِ المحاكمةُ وفيهِ الموالاةُ والمعاداةُ؟
إنهُ التوحيدُ الذي هوَ حقُّ اللهِ على العبيدِ قالَ تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات:56]
{ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }[الذاريات:57]
{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }[الذاريات:58]
التوحيدُ هو:َ أصلُ دعوةِ الرسلِ ومحورها، فما منْ رسولٍ إلا وبعثَ بالتوحيدِ، ولأجلِ الدعوةِ إلى التوحيدِ.
قالَ ربنا المجيدُ: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }[النحل:36]. فقال الرسل لأقوامهم: " اعبدوا الله واجتبوا الطاغوت " وقالوا لهمْ: { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ }[المؤمنون:23].
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }[الأنبياء:25]
فنوحُ- عليهِ السلامُ- أولُ الأنبياءِ مكثَ في قومهِ ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا؛ يدعو قومهَ إلى التوحيدِ: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ }[المؤمنون:23]. إبراهيمُ الخليلُ- عليهِ السلامُ- إمامُ الحنفاءِ يخافُ على نفسهِ وبنيهِ منَ الوقوعِ في عبادةِ الأصنامِ؛ فيدعو ربهُ: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ }[إبراهيم:35]، فمنْ يأمنُ البلاءَ والفتنةَ بعدَ إبراهيمَ- عليهِ السلامُ.
وهكذا الأنبياءُ والرسلُ منْ بعدهِ وإلى نبينا محمدٍ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- سيدهمْ وخاتمهمْ، فقدْ كانتْ حياتهُ كلها منْ أولها إلى آخرها، مكيها ومدنيها، حضرها وسفرها، سلمها وحربها، كلها في التوحيدِ والدعوةِ إليهِ وإلى مكملاتهِ.
فقدْ قالَ اللهُ لنبيهِ محمدٍ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- إمامِ الموحدينِ:{ فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ }[الشعراء:213] ينهاهُ عنِ الشركِ وهوَ إمامُ الموحدينَ ومأمونٌ عليهِ الوقوعُ في الشركِ، فكيفَ بنا نحنُ الذينَ لا يؤمنُ علينا الوقوعُ في الشركِ.
فمنْ أجلِ التوحيدِ جاهدَ الصحابةُ الكرامُ فخرجوا منْ هذهِ الجزيرةِ القاحلةِ في سبيلِ اللهِ، وفي ذاتِ اللهِ، وانطلقوا شرقًا وغربًا يرفعونَ رايةَ "لا إلهَ إلا اللهُ" فدانتْ لهمُ الدنيا وخضعتْ، حتى عجبَ المؤرخونَ وعجزوا عنْ تفسيرِ هذهِ الظاهرةِ، هلْ في التاريخِ كلهِ منْ ظاهرةٍ أعجبَ وأعيى للعقولِ منها؟
أمةٌ تنبعثُ منْ هذهِ الجزيرةِ -منْ هذهِ الصحراءِ- لمْ يكنْ لها حضارةٌ، ولا علمٌ، ولا تاريخٌ مجيدٌ تفخرُ بهِ، ولمْ تكنْ لها قيم إلا موروثات الجاهلية وعاداتها وتقاليدها، وتخرج لتدخل الناس في دين الله أفواجًا.
عبادَ اللهِ:
تعني كلـمةُ التوحيدِ نفيُ الألوهيةِ عما سـوى اللهِ- عزَّ وجلَّ- منْ سـائرِ المخـلوقاتِ، فلا عبادةَ لأصنامٍ وأضرحـةٍ وأشجـارٍ، ولا طـوافَ بقبورِ أوليـاءٍ أوْ مزاراتٍ، ولا طاعـةَ لمخـلوقٍ كائنًا منْ كانَ في معـصيةِ الخـالقِ.
فلا يُحـبُّ غـيرَ اللهِ، ولا يُخـافُ سواهُ، ولا يُرجـى غيرهُ، ولا يُتـوكلُ إلا عليهِ، ولا يُرغـبُ إلا إليهِ، ولا يُرهـبُ إلا منهُ، ولا يُحـلفُ إلا باسمهِ، ولا يُتـابُ إلا إليهِ، ولا يُسـجدُ إلا لهُ ولا يركـعُ إلا لهُ، ولا يُنحـنى إلا لهُ سـبحانهُ، ولا يُسـتعانُ عندَ الشـدائدِ إلا بهِ، ولا يُلجـأُ عندَ المضـايقِ إلا إليهِ، ولا يُذبـحُ إلا لهُ وباسمـهِ، لا تصديقَ لسـاحرٍ، ولا ذهابَ لكـاهنٍ، ولا طاعةَ لعـرافٍ ومشـعوذٍ يزعمُ أنهُ يعلمُ الغـيبَ ويدفعُ الضرَّ ويجـلبُ النفعَ. { قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }[النمل:65]
أيها المؤمنونَ:
جميعُ الأعمالِ والأقوالِ الظاهرةِ والباطنةِ قبولها متوقفٌ على تحقيقِ التوحيدِ: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا }[الفرقان:23] { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[الزمر:65]، وهذا يقالُ لمنْ؟ للرسولِ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ- فكيفَ بغيرهِ؟
توحيدُ اللهِ: هوَ العبوديةُ التامةُ لهُ سبحانهُ، يقيمُ المسلمُ عليها حياتهُ كلها، صلاتهُ ونسكهُ، ومحياهُ ومماتهُ، توحيدٌ في الاعتقادِ، وتوحيدٌ في العبادةِ، وتوحيدٌ في التشريعِ، توحيدٌ تُنَقَّى بهِ القلوبُ والضمائرُ منَ الاعتقادِ في الألوهيةِ لأحدٍ غيرَ اللهِ، وتُنَقَّى بهِ الجوارحُ والشعائرُ منْ أنْ تُصرفَ لأحدٍ غيرَ اللهِ، وتُنَقَّى بهِ الأحكامُ والشرائعُ منْ أنْ تتلقاهُ منْ أحدِ دونَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
أيها المسلمونُ:
وأكملُ الخلقِ أكملُهمْ للهِ عبوديَّةً، وعلى قدرِ تحقيقِ التوحيدِ يكونُ كمالُ العبدِ وسُمُوُّ مكانتِهِ، والله يُدافِعُ عنِ المُوحِّدِ في دينِهِ ودُنياهِ، وأرجَى منْ يحظَى بمغفرةِ اللهِ هوَ المُوحِّدُ. قالَ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً»( ) رواهُ الترمذيُّ.
قالَ ابنُ رجبٍ- رحمهُ اللهُ-: "فالتوحيدُ هوَ السببُ الأعظمُ؛ فمنْ فقدَهُ فقَدَ المغفرةَ، ومنْ جاءَ بهِ فقدْ أتَى بأعظمِ أسبابِ المغفِرةِ".
والشيطانُ لا سبيلَ لهُ إلى المُوحِّد:{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }[النحل:99]
وبقدرِ توحيدِهِ تزدادُ مُدافعَةُ اللهِ عنهُ، قالَ-سبحانهُ-:{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }[الحج:38]
ومنْ حقَّقَ توحيدَ اللهِ فاللهُ حافظٌ لهُ منَ المُوبِقاتِ والفواحِشِ، قالَ عنْ يُوسفَ- عليهِ السلامُ-:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }[يوسف:24]
والمُوحِّدُ عليهِ في الحياةِ الدنيا السَّكينةُ والطُّمأنينةُ، وآمِنٌ فيها بقدر ِإيمانِهِ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }[الأنعام:82]
والأمواتُ ينتفعِونَ بدعواتِ المُوحِّدينَ، ولا تُقبَلُ في صلاةِ الجنائزِ إلا دعواتُهمْ، قالَ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ»( )؛ رواهُ مسلمٌ.
وإذا دنَتْ وفاةُ المُوحِّدِ بشَّرهُ اللهُ بالجنَّةِ، قالَ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ-:«مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ( )
وكما أعزَّ اللهُ المُوحِّدَ في الدنيا، فقدْ أكرمَهُ اللهُ في الآخرةِ وأعلَى مكانتَهُ، وجازَاهُ بخيرِ جزاءِ العامِلينَ؛ فمنْ ماتَ على التوحيدِ كانتْ لهُ الجنةُ إما ابتِداءً أوْ مآلًا، وإنْ دخلَ النارَ بذنُوبِهِ لمْ يُخلَّدُ فيها، قالَ- عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: «مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ»( )
قالَ ابنُ القيمِ- رحمهُ اللهُ-: "كلما كانَ توحيدُ العبدِ أعظمَ كانتْ مغفرةُ اللهِ لهُ أتمَّ؛ فمنْ لقِيَهُ لا يُشرِكُ بهِ شيئًا البتَّةَ غفرَ لهُ ذنوبَهُ كلَّها.
نسألُ اللهُ- جلَّ وعلا- أنْ يحينا موحِّدينَ للهِ مخلصينَ، الدّينُ له مؤمنينَ بهِ- جلَّ في علاهُ-، معظمينَ لجنابهِ، وأنْ يعيذنا أجمعينَ منَ الشّرك ِكلهِ دقيقهِ وجليلهِ وقليلهِ وكثيرهِ.
باركَ اللهُ لي ولكمْ.
الخطبةُ الثانيةُ.
الحمدُ للهِ الأحدُ الصمدُ الذي لمْ يلدْ ولمْ يولدْ ولمْ يكنْ لهُ كفوًا أحدٌ. والصلاةُ والسلامُ على عبدهِ ورسولهِ محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.
الحمدُ للهِ الذي علَّمنا قيمةَ التوحيدِ، وعرَّفنا أنهُ منْ يرغبُ عنْ ملةِ إبراهيمَ إلا منْ سفهَ نفسهُ، وعرفنا أنهُ لا خيرَ فينا، ولا في حياتنا، ولا في أيِّ شأنٍ منْ شئوننا إلا أنْ نكونَ على توحيدِ اللهِ عابدينَ للهِ وحدهُ لا شريكَ لهُ، متبعينَ لرسولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخي الكريمَ:
إذا كنتَ منْ أهلِ لا إلهَ إلا اللهُ، لا تصرفْ شيئًا منَ العبادةِ والتدينِ لغيرِ اللهِ- جلَّ وعلا-، ولا تسألُ إلا اللهَ، ولا تدعو إلا إياهُ، ولا تتوكلُ إلا عليهِ، ولا ترجو غيرهُ، ولا تذبحُ ولا تنذرُ إلا لهُ، ولا ترجو كشفَ ضرٍّ ولا جلبَ نفعٍ إلا منهُ وحدهُ.
ولا يقودكَ الشـيطانُ في مناسـبةٍ وغيرِ مناسـبةٍ إلى أضرحـةِ الموتى، تطلبُ المددَ منَ الأولياءِ الصالحـينَ، وتذبحُ لهمْ وترجو نفعهمْ ولمْ تكنْ- أيضًا- ممنْ يصدقُ السـحرةَ ويطرقُ أبوابهمْ، أوْ يلهثُ وراءَ المشـعوذينَ والكـهنةِ، مسـتصرخًا بهمْ يرجو منهمْ كشـفَ ضرٍّ أوْ جلبَ منفعةٍ أوْ شـفاءِ مريضٍ أوْ ردَّ غائبٍ، أوْ كنتَ ممنْ لا يتعلقُ بقطعِ باليةٍ منْ رقى أوْ تمائمَ كتبها أولئكَ المخرفونَ.
فاعلمْ- أخي الكريمَ- أنَّ اللهَ أكرمكَ بنعمةٍ عظيمةٍ جليلةٍ ومنةٍ كريمةٍ، تتصاغرُ أمامها كلُّ النعمِ.
أحمدُ اللهَ تعالى على ذلكَ وأسألهُ الثباتَ حتى المماتِ، فإنهُ سبحانهُ نعمَ المولى ونعمَ المصيرِ.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الموحدين ومن أتباع رسوله الكريم ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، اللهم صل على رسولنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.