خطبة هدي النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان

عبدالله بن رجا الروقي
1440/09/18 - 2019/05/23 03:26AM


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى وآله وصحبه أجمعين

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾

أما بعد فها هو رمضان قد ذهبت أكثر أيامه كلمح البصر فطوبى لمن أحسن فيها العمل واجتهد في الطاعات وأما من فرط ، أو أساء فليتدارك نفسه فها نحن نستقبل العشر الأواخر من هذا الشهر.
وهذه العشر هي أفضل رمضان ، ولهذا كان النبي ﷺ يعتكف ليلها ونهارها بل إنه رأى في منامه أنه يسجد في صبيحة ليلة القدر في ماء وطين فكانت ليلة إحدى وعشرين ومع ذلك أتم اعتكافه إلى آخر الشهر مع أن ليلة القدر قد مضت ؛ فدل على مشروعية الاجتهاد في العبادة ليلها ونهارها ، ودل على ذلك أيضًا حديث عائشة رضي الله عنها :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. رواه مسلم.
ولكن النبي ﷺ كان يختص الليل بمزيد اجتهاد في العبادة تحريًا لإصابة ليلة القدر فإنها تنتقل بين ليالي العشر.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائما، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع. فمن قام ليالي العشر كلها إيمانا واحتسابا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها." انتهى كلامه رحمه الله [ مجموع فتاوى ابن باز ١٥/٤٢٦ ]

وقد أخفى الله سبحانه علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء فيزدادوا قربًا من الله وثوابا، وأخفاها اختبارا لهم أيضا ليتبين بذلك من كان جادا في طلبها حريصا عليها ممن كان كسلان متهاونا، فإن من حرص على شيء جد في طلبه وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به.
ولهذا كان ﷺ يطيل في العشر الأخيرة ويحييها؛ بخلاف العشرين الأول، فإنه ﷺ كان يقوم فيها وينام ، أما في العشر الأخيرة فكان ﷺ يحيي الليل كله، ويوقظ أهله، ويشد المئزر والمعنى أن النبي ﷺ لم يكن ينام هذه الليالي العشر بل يسهر الليل كله اجتهاداً منه في العبادة قالت عائشةً رضي الله عنها:
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. متفق عليه.
وفي الحديث إيقاظ الأهل لاغتنام الثواب العظيم والرحمات التي تتنزل هذه الليالي لئلا يضيع شيء من وقتها في النوم فإنها أوقات ثمينة لاتقدر بثمن مهما بلغ ، كيف وقد تكون تلك الليلة هي ليلة القدر التي العبادةُ فيها أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر قال تعالى : ﴿ ليلة القدر خير من ألف شهر ﴾
واعلموا أن أعظم مايقصد من العبادات في ليالي العشر هو قيام الليل لقوله ﷺ : من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ماتقدم من ذنبه. متفق عليه.
ولايمكن الجزم بقيام ليلة القدر إلا بقيام العشر كلها.
وكلما كان زمن صلاة القيام أطول كان أعظم ثوابًا وأجرا ، ولهذا فالمسلمون في هذه العشر يقومون أول الليل وآخره ، ومن استطاع أن يصلي بعد انصرافه من قيام أول الليل فليفعل وله أن يجلس على كرسي وأن يقرأ من المصحف إذا لم يكن حافظاً.
ولهذا لو سَئل سائلٌ ماهي أفضل عبادة يفعلها المسلم بين قيام أول الليل وآخره في هذه العشر
فالجواب: هي الصلاة؛ فيصلي ويقرأ من القرآن ويسئل عند آيات الرحمة ويستعيذ عند آيات الوعيد والعذاب فيكون جمع بين الصلاة وقراءة القرآن والدعاء.
وينبغي أن يكثر من الدعاء الذي علمه النبي ﷺ عائشة رضي الله عنها حين قالت:
يا رسول الله! أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ فقال ﷺ قولي: اللهم إنك عفوٌ تحبُ العفوَ فاعف عنِّي . رواه الترمذي.

عباد الله لا يخلو وقت المسلم في هذا الليالي والأيام من ذهاب وإياب في قضاء بعض حاجاته وضروراته فعليه أن يستغل هذا الوقت الشريف في قراءة ما يحفظ من القرآن فلو قرأ مثلاً سورة الإخلاص ( قل هو الله أحد ) مرة واحدة فإنها تعدل ثلث القرآن في الأجر والثواب ، فانظروا كم يحصل له من الأجر العظيم بتكرارها في هذه الليالي الشريفة.
وينبغي للمسلم أن يُكثر من قراءة القرآن عمومًا في ليل ونهار هذه العشر وإذا تيسر أن يختم فإنه يُستحب له أن يدعو فإن الدعاء عند ختم القرآن مما تُرجى إجابته وإذا جمع أهله عند الختم ودعا هو وأمَّنوا فذلك أفضل وقد ثبت ذلك كله عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه.

أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

أما بعد: فإن مما يُشرع فعله في هذه العشر الاعتكاف وهو لزوم المسجد لعبادة الله عزوجل قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده. رواه البخاري ومسلم.
فمن استطاع الاعتكاف كل العشر ليلِها ونهارِها فهو أولى اقتداء بالنبي ﷺ وليتفرغ للعبادة.
ومن لم يتيسر له اعتكاف الليل والنهار فيمكن أن يعتكف الليل فقط فيدخل المسجد من غروب الشمس حتى طلوع الفجر ويفعل هذا في باقي الليالي أو يقتصر على بعضها.

عباد الله : إنه لاتوفيق للعبد للقيام بالطاعات إلا إن يعينه الله على ذلك ، وإن خير ماتُستجلب به الخيرات الإقبال على الله في المواسم العظيمة بالدعوات ، ومن ذلك سؤال الله الإعانة على مرضاته في هذه الليالي فيكثر المسلم من الدعاء الذي علمه النبي ﷺ لمعاذ بن جبل وهو قول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن وعبادتك.
وكذا يكثر من قول لاحول ولا قوة إلا بالله
ويكثر من دعاء الله إن يوفقه لأحب الأعمال إليه في هذه الليالي والأيام وأن يوفقه لقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا.
ومن أقبل على الله في دعائه وصدق فإنه حري أن يستجاب له.

اللهم وفقنا للعبادة في هذه العشر على مايرضيك عنا اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وتب علينا إنك إنت التواب الرحيم...
المشاهدات 4165 | التعليقات 0