خطبة: نهايةُ طاغية.

وليد بن محمد العباد
1445/01/09 - 2023/07/27 14:08PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: نهايةُ طاغية

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ وليِّ الصّالحين، والعاقبةُ للمتّقينَ، ولا عدوانَ إلا على الظّالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله

عندما طغى فرعونُ وبغى وكذَّبَ وعصى، وقالَ أنا ربُّكم الأعلى، بعثَ اللهُ إليه نبيَّه موسى وأمرَه بالتّلطّفِ معه ودعوتِه بالحسنى (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) قالَ بعضُ السّلف: يا ربِّ إنْ كانَ هذا حلمَك برجلٍ قالَ: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) فكيفَ حلمُك بعبدٍ سجدَ لك وقالَ: سبحانَ ربّيَ الأعلى؟ فذلك تَحبّبُه بمَنْ يعاديه، فكيفَ بمَن يَتَولّاهُ ويُناجيهِ ويُواليه؟ لكنّه استكبرَ هو وجنودُه في الأرضِ بغيرِ الحقّ، وغَرّهم حلمُ اللهِ عليهم، وما ساقَه مِن النّعمِ إليهم، فكذّبوا بما جاءَهم مِن الآيات (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) وهنا أَذِنَ اللهُ بهلاكِهم في مثلِ يومِكم هذا يومِ عاشوراء، فجاءَ الأمرُ لموسى عليه السّلامُ أنْ يَخرجَ ببني إسرائيلَ هاربًا مِن فرعونَ وجندِه، فامتثلَ الأمرَ وخرجَ في ليلةِ ذلك اليومِ العظيم، يقولُ ابنُ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: خرجَ موسى عليه السّلامُ ولم يكنْ يَملكُ سوى حُسنِ ظنِّهِ بربِّه. فعلمَ بهم فرعونُ فخرجَ خلفَهم بكلِّ جنودِه، فلمّا أشرقَ الصّباحُ إذا بالبحرِ أمامَهم وفرعونَ وجنودِه ووراءَهم، فقالَ قومُ موسى: (إنّا لمُدرَكون) فردَّ عليهم موسى: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) فقد كانَ واثقًا بنصرِ الله، مطمئنًّا لوعدِ الله (وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) هنَا يأتي الأمرُ مِن اللهِ لموسى أنْ يَضربَ البحرَ بعصاه، فإذا بالبحرِ الرّهيبِ يَتحوّلُ فيه الماءُ صلبًا، ويغدو لنجاةِ موسى وقومِه مَلاذًا آمنًا ودَرْبًا، فسلكَه موسى وقومُه آمنين، واندفعَ فرعونُ وجنودُه خلفَهم مسرعين، فلمّا وصلَ موسى وقومُه إلى اليابسةِ ونجوا، وتكاملَ فرعونُ وجندُه بكثرتِهم وعتادِهم وسطَ البحر، أوحى اللهُ للبحرِ أنْ يعودَ سائلًا كما كان، فهاجَ البحرُ بهم وماج، وتقاذفتْهم الأمواج، وأَغرقَ اللهُ فرعونَ وجنودَه أجمعين، على مَرْآى ومَسْمَعٍ مِن موسى وقومِه (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ليكونَ أَشْفَى لصدورِهم وأبلغَ في إهانةِ عدوِّهم (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) فإنّ اللهَ يُمهلُ ولا يُهمل، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) فذَهبتْ أبدانُهم للغرق، وأرواحُهم للحرق (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) 

فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وأحسنوا الظّنَّ بربِّكم، وثِقُوا بوعدِه ونصرِه، واحذروا مِن وعيدِه وبطشِه ومخالفةِ أمرِه، واستغفروه ثمّ توبوا إليه فإنّه غفورٌ رحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ وكفى، وسلامٌ على عبادِه الذينَ اصطفى، أمّا بعدُ عبادَ الله

فاتّقوا اللهَ واعتبروا بقصصِ الأممِ السّابقة، فمَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللَّهِ إنْ هم عصوه وحاربوا الهدى والرّشاد (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) فهذا فرعونُ الطّاغيةُ المُهاب، بعدَ سنينِ البطشِ والعذاب، كانت نهايتُه عبرةً لأولي الألباب، فقد أهلكَه اللهُ وأخزاه غريقًا أضعفَ وأحقرَ مِن الذّباب، وتركَه يُصارعُ الذُّلَّ والهوانَ والخزيَ والسّكرات، ويُريدُ النّجاةَ ولا نجاة، يُقالُ إنّ جبريلَ عليه السّلامُ قال: ما أَبْغضتُ أحدًا بُغضي لفرعونَ حينَ قالَ: أنا ربُّكم الأعلى، ولقد جَعَلتُ أَدُسُّ في فِيهِ الطّينَ حينَ قالَ ما قال. قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لمّا قالَ فرعونُ (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) قالَ لي جبريلُ: لو رأيتَني وقد أَخَذْتُ مِن حالِ البحرِ فدَسَسْتُهُ في فِيه مخافةَ أنْ تَنالَه الرّحمة. ثمّ أَمَرَ اللهُ البحرَ أنْ يَلفظَ فرعونَ بجثّتِه وملابسِه ودرعِه، ليَتَحقّقوا مِن ضعفِه وهلاكِه وقدرةِ اللهِ عليه (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) وهكذا كانت نهايةُ فرعونَ الطّاغية، في يومٍ مِن أيّامِ الله، وهي نهايةُ كلِّ ظالمٍ في كلٍّ زمانٍ ومكان. فإرادةُ اللهِ نافذة، فهو الحقُّ وقولُه الحقُّ ووعدُه الحقّ (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) وتَحَقَّقَ نصرُ اللهِ للمستضعفين (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)

اللهمّ انصرْ دينَك وكتابَك وسُنّةَ نبيِّك وعبادَك المؤمنين، اللهمّ إنّا نسألُك يومًا كيومِ عاشوراء، تُعِزُّ فيه أولياءَك المؤمنين، وتُذِلُّ فيه أعداءَك الظّالمين، وتَرفعُ به رايةَ الدّين، يا قويُّ يا عزيز، اللهمّ تقبّلْ منّا ومِن المسلمينَ الصّيامَ وصالحَ الأعمال، اللهمّ أَعِدْعلينا مواسمَ الخيراتِ ونحن بأحسنِ حالٍ مِن الدّنيا والدّين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 10/ 1/ 1445هـ

المشاهدات 1168 | التعليقات 0