خطبة : ( نمتطي الإنصاف ولا نخاف الإرجاف )

عبدالله البصري
1434/04/25 - 2013/03/07 20:53PM
نمتطي الإنصاف ولا نخاف الإرجاف 26 / 4 / 1434



الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، العَاقِلُ يَلبَسُ لِكُلِّ حَالٍ لَبُوسَهَا ، وَيَعِيشُ كُلَّ زَمَانٍ بما فِيهِ وَاعِيًا مُتَيَقِّظًا ، غَيرَ مُنسَاقٍ لِمَا يُرَادُ بِهِ مِن سُوءٍ وَضُرٍّ ، وَلا غَافِلٍ عَمَّا يُحَاكُ ضِدَّهُ مِن مُؤَامَرَاتٍ وَشَرٍّ .
وَإِنَّهُ إِذَا كَانَتِ الحُرُوبُ في القَدِيمِ تُشَبُّ بِالسَّلاحِ وَتُوقَدُ بِالعَتَادِ ، فَإِنَّ مِن دَهَاءِ العَدُوِّ في هَذَا الزَّمَانِ وَخُبثِهِ ، أَن سَلَكَ لِلإِيقَاعِ بِخَصمِهِ مَسَالِكَ أُخرَى ، وَاستَعمَلَ لِلإِضرَارِ بِهِ وَسَائِلَ مُغَايِرَةً ، قَد يَكُونُ مِنهَا مَا يَفرَحُ بِهِ ذَلِكَ الخَصمُ الغَبِيُّ ابتِدَاءً وَيُحِبُّهُ ، ظَانًّا أَنَّهُ مَعَهُ وَلَهُ وَهُوَ في الحَقِيقَةِ عَلَيهِ ، وَإِذَا كَانَتِ الوَسَائِلُ الَّتي استَجَدَّت في زَمَانِنَا كَثِيرَةً وَمُتَنَوِّعَةً ، وَتَزدَادُ يَومًا بَعدَ يَومٍ وَتَتَلَوَّنُ مِن حِينٍ إِلى حِينٍ ، فَإِنَّ وَسَائِلَ الإِعلامِ وَأَجهِزَةَ الاتِّصَالِ قَد تَرَبَّعَت مِن تِلكَ الوَسَائِلِ عَلَى القِمَّةِ ، وَغَدَت شَرَّهَا وَأَخطَرَهَا بما يُبَثُّ فِيهَا مِن أَخبَارٍ رَائِعَةٍ ، وَبِمَا يُنشَرُ عَبرَهَا مِن قِصَصٍ مَنسُوجَةٍ ، لا يَلبَثُ قَارِئُهَا المُعجَبُ أَو سَامِعُهَا المَشدُوهُ ، أَن يَكتَشِفَ بَعدَ حِينٍ أَنَّهَا مَحضُ افتِرَاءٍ وَكَذِبٍ ، وَلَكِنْ بَعدَ مَاذَا ؟ بَعدَ أَن يَكُونَ قَد عَاشَهَا بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا قَلبًا وَقَالَبًا ، وتَفَاعَلَ مَعَهَا أَخذًا وَعَطَاءً ، وَانخَدَعَ بها وَزَادَهَا إِذَاعَةً وَنَشرًا ، فَلا يَكسِبُ مِن ذَلِكَ إِلاَّ تَرَاكُمَ الخَطَايَا وَتَضَاعُفَ الذُّنُوبِ ، وَحَسَرَاتٍ تَأكُلُ قَلبَهُ وَنَدَمًا يَتَلَجلَجُ في صَدرِهِ .
عِبَادَ اللهِ ، لَقَد أَصبَحَتِ الكَلِمَةُ وَخَاصَّةً في هَذَا الزَّمَانِ ، مُحَقِّقَةً لِلعَدُوِّ المُتَرَبِّصِ كَثِيرًا مِمَّا يَعجِزُ عَنِ الوُصُولِ إِلَيهِ بِسِلاحِهِ ، وَإِذَا كَانَ السِّلاحُ يُكَلِّفُ مَالاً وَإِعدَادًا ، وَيَتَطَلَّبُ تَخطِيطًا وَتَعبِئَةً وَاستِعدَادًا ، وَخَسَارَةَ رِجَالٍ وَإِذهَابَ مُقَدَّرَاتٍ ، فَإِنَّ الكَلِمَةَ لا تُكَلِّفُ عُشرَ ذَلِكَ ، إِذْ لا يُحتَاجُ فِيهَا إِلاَّ إِلى حَبكِ خُيُوطِ المُؤَامَرَةِ الكَلامِيَّةِ ، ثم بَثِّهَا لِتَشِيعَ لَدَى أَفرَادٍ مَعدُودِينَ ، لا يَلبَثُونَ أَن يَنشُرُوهَا في آخَرِينَ ، ثم يُمَارِسُ أُولَئِكَ الآخَرُونَ دُورَ مَن سَبَقَهُم غَيرَ مُتَثَبِّتِينَ ، وَفي غُضُونِ أَيَّامٍ قَلائِلَ وَلَيَالٍ مَعدُودَةٍ ، لا تَلبَثُ تِلكَ الكَلِمَاتُ النَّجِسَةُ القَذِرَةُ ، أَن تَتَحَوَّلَ بَينَ النَّاسِ إِلى مَعَارِكَ كَلامِيَّةٍ في مَجَالِسِهِم وَمُنتَدَيَاتِهِم ، وَمُلاسَنَاتٍ في لِقَاءَاتِهِم وَاجتِمَاعَاتِهِم ، وَرُدُودٌ وَمُنَاظَرَاتٌ لا أَوَّلَ لها وَلا آخِرَ ، تَتلُوهَا أَحقَادٌ تَمتَلِئُ بها الصُّدُورُ ، وَغَيظٌ تَتَجَرَّعُهُ القُلُوبُ ، وَبُذُورُ فِتَنٍ تَتَشَرَّبُهَا النُّفُوسُ ، ثم هَرجٌ وَمَرجٌ في مُجتَمَعَاتٍ كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً ، لم تَلتَفِتْ إِلى أَنَّ مَبدَأَ كَثِيرٍ مِمَّا فِيهِ غَيرُهَا مِن مُشكِلاتٍ وَمَصَائِبَ ، لم يَكُن سِوَى حَربٍ نَفسِيَّةٍ أَجَّجَهَا مُفَتَّنُونَ وَتَلَقَّفَهَا مُفسِدُونَ ، وَإِشَاعَاتٍ كَاذِبَةٍ وَأَرَاجِيفَ مُلَفَّقَةٍ ، صَدَّقَتهَا عُقُولٌ خَفِيفَةٌ ، ضَعُفَ بِاللهِ يَقِينُهَا ، وَقَلَّ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ إِيمَانُهَا ، وَجَهِلَتِ السُّنَنَ وَلم تَنتَفِعْ بِالمَوَاعِظِ وَلا العِبَرِ .
إِنَّ الإِرجَافَ مَمنُوعٌ شَرعًا خَسِيسٌ طَبعًا ، لا يَبدَأُ بِهِ إِلاَّ المُغرِضُونَ وَالحَاقِدُونَ ، وَلا يَنقُلُهُ إِلاَّ المَخدُوعُونَ أَوِ المُفسِدُونَ ، وَلا يُصَدِّقُه إِلاَّ الأَغرَارُ والمُفلِسُونَ ، مِمَّن " يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ عَلَيهِم "
وَأَمَّا العَاقِلُ المُجَرِّبُ وَالنَّاقِدُ الخَبِيرُ ، فَإِنَّهُ لا يَرضَى لِنَفسِهِ أَن يَكُونَ مَطِيَّةً لِكُلِّ قَولٍ لا يَعرِفُ مَصدَرَهُ وَلا يَعلَمُ صِحَّتَهُ ، وَهُوَ حِينَ يُحجِمُ عَن نَقلٍ كَثِيرٍ مِنَ الأَرَاجِيفَ وَبَثِّهَا ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِعِلمِهِ أَنَّ جُزءًا مِنهَا لا حَقِيقَةَ لَهُ في وَاقِعِ الأَمرِ ، وَآخَرَ بَاطِلٌ يُمكِنُ رَدُّهُ بِالحَقِّ ، وَأَجزَاءَ أُخرَى إِنَّمَا هِيَ هَبَاءٌ مُنبَثٌّ تُقَلِّبُهُ الرِّيَاحُ ، وَلَو تُرِكَ لَذَهَبَ بِنَفسِهِ وَاضمَحَلَّ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " بَل نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمكُثُ في الأَرضِ "
إِنَّ التَّقِيَّ العَاقِلَ وَالحَصِيفَ النَّبِيهَ ، يُعطِي كُلَّ شَيءٍ حَجمَهُ الطَّبِيعِيَّ ، فَلا يُضَخِّمُ صَغِيرًا وَلا يَتَعَاظَمُ حَقِيرًا ، ولا يَرفَعُ وَضِيعًا وَلا يَضَعُ شَرِيفًا ، وَلا يَهُزُّهُ حَدَثٌ وَاحِدٌ وَلا يُحَرِّكُهُ مَوقِفٌ فَردٌ ، وَلا يَخلُقُ لِلنَّاسِ قَضِيَّةً كَبِيرَةً مِن أَمرٍ صَغِيرٍ ، أَو يُعَمِّمُ فِيهِم حُكمًا جَائِرًا مِن خِلالِ حَادِثَةِ عَينٍ خَاصَّةٍ ، بَل لا تَرَاهُ إِلاَّ مُقتَصِدًا في قَولِهِ عَادِلاً في حُكمِهِ ، مُتَوَسِّطًا في رُؤيَتِهِ ، لا يَجُورُ وَلا يَظلِمُ وَلا يَبهَتُ ، وَلا يَذهَبُ مَعَ الوَهمِ الزَّائِفِ وَلا يَجذِبُهُ السَّرَابُ الخَادِعُ ، وَلا تَدفَعُهُ مُحَبَّةُ أَمرٍ إِلى الإِغضَاءِ عَن عُيُوبِهِ وَمَدحِهِ ، وَلا كُرهُ آخَرَ إِلى الإِغرَاقِ في ذَمِّهِ وَقَدحِهِ ، بَل لِلحُبِّ وَالبُغضِ عِندَهُ مِيزَانٌ وَمِقيَاسٌ ، قَد أَخَذَهُ مِن مَجمُوعِ قَولِ اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَئَانُ قَومٍ عَلَى أَلاَّ تَعدِلُوا "
وَقَولِهِ ـ تَعَالى ـ : " عَسَى اللهُ أَن يَجعَلَ بَينَكُم وَبَينَ الَّذِينَ عَادَيتُم مِنهُم مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "
وَمِمَّا جَاءَ في الأَثَرِ : " أَحبِبْ حَبِيبَكَ هَونًا مَا ، عَسَى أَن يَكُونَ بَغِيضَكَ يَومًا مَا ، وَابِغْض بَغِيضَكَ هَونًا مَا ، عَسَى أَن يَكُونَ حَبِيبَكَ يَومًا مَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ مَرفُوعًا وَمَوقُوفًا .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد مَارَسَ المُنَافِقُونَ الإِرجَافَ في عَهدِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَامتَطَوهُ لإِضعَافِ المُسلِمِينَ وَزَرعِ اليَأسِ في نُفُوسِ المُؤمِنِينَ ، وَحَاوَلُوا بِهِ تَفرِيقَ الصَّفِّ لِخَيرِ جِيلٍ وَبَثَّ الرُّعبِ في مَجمُوعِهِ وَمُحَاوَلَةَ زَعزَعَةِ قُوَاهُ ، وَمَعَ قُوَّةِ ذَلِكَ المُجتَمَعِ وَشِدَّةِ تَمَاسُكِهِ ، فَقَدِ استَطَاعُوا أَن يُحدِثُوا فِيهِ بَعضَ الفِتَنِ وَالصَّحَابَةُ بَينَ أَظهُرِهِم مَوجُودُونَ ، وَأَجَّجُوا مَعَارِكَ لم يَسلَمْ مِن لَهِيبِهَا خَيرُ القُرُونِ ، فَكَيفَ بِزَمَانٍ كَزَمَانِنَا ، بَعُدَ بِالنَّاسِ فِيهِ العَهدُ وَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ ، وَقَسَتِ القُلُوبُ وَمَرِجَتِ العُهُودُ ، مِمَّا يُوجِبُ عَلَى المُسلِمِينَ التَّيَقُّطَ وَالاحتِيَاطَ وَالحَذَرَ ، وَزَمَّ الأَلسِنَةِ وَضَبطَ الأَقلامِ وَالأَجهِزَةِ ، وَحِفظَهَا مِنَ الخَوضِ فِيمَا يُوقِدُ الفِتَنَ أَو يُشعِلُ نَارهَا ، أَو يُحدِثُ في بِنَاءِ الأُمَّةِ المَزِيدَ مِنَ الصُّدُوعِ وَالشُّقُوقِ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كَم يَصِلُ إِلَينَا في بَرَامِجِ التَّوَاصِلِ في الجَوَّالاتِ ، أَو يُنشَرُ في بَعضِ مَوَاقِعِ الصُّحُفِ في الشَّبَكَاتِ ، مِن خَبرٍ عَن مَوتِ كَبِيرٍ أَو إِقَالَةِ مَسؤُولٍ ، أَو قَولٍ مَبتُورٍ لِعَالِمٍ أَو تَحرِيفٍ لِرَأيِ دَاعِيَةٍ ، أَو تَخوِيفٍ مِن عِصَابَةٍ في جِهَةٍ مَا ، أَو تَحذِيرٍ مِن مَأكُولٍ أَو مَشرُوبٍ ، أَو ذَمٍّ لسِلعَةٍ أَوِ اتِّهَامٍ لِصَاحِبِ تِجَارَةٍ ، أَو قِصَّةٍ غَرِيبَةٍ لِفَتىً شَقِيٍّ أَو حَالَةِ فَتَاةٍ مَظلُومَةٍ ، ثم مَا نَلبَثُ أَن نَجِدَ تَكذِيبًا لِمَا وَصَلَنَا ، ثم يَأتي مَن يُحَاوِلُ تَصدِيقَ الخَبَرِ وَالرَّدَّ عَلَى مَن كَذَّبَهُ ، ثم نُشغَلُ بِرَادٍّ وَمَردُودٍ عَلَيهٍ ، وَنَضِيعُ بَينَ نَافٍ وَمُثبِتٍ ، وَالوَاقِعُ أَنَّ كُلاًّ مِنَ الطَّرَفَينِ لم يَتَبَيَّنْ وَلم يَتَثَبَّتْ ، وَإِنَّمَا مَطِيَّتُهُ قَالُوا وَزَعَمُوا وَنَقَلُوا ، وَغَايَةُ نَقلِهِ أَخذٌ لِعَنَاوِينَ بِلا بَحثٍ عَن مَضَامِينَ ، وَقَد قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " بِئسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ :" كَفَى بِالمَرءِ كَذِبًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .

ألا فليتَّقِ اللهَ كُلُّ صَاحِبِ قَلَمٍ وَحَامِلِ جَوَّالٍ وَحَاسِبٍ ، وَلْيَعلَمْ أَنَّهُ مَوقُوفٌ بَينَ يَدَيِ اللهِ وَمَسؤُولٌ ، وَمُحَاسَبٌ عَلَى كُلِّ مَا يَكتُبُ أَو يَقُولُ ، وَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ السَّقطَاتِ وَالزَّلاَّتِ وَالعَثرَاتِ ، وَالتَّبَيُّنَ التَّبَيُّنَ قَبلَ النَّشرِ وَالإِشَاعَةِ ، وَالتَّثَبُّتَ التَّثَبُّتَ قَبلَ النَّقلِ وَالإِذَاعَةِ ، فَقَد قَالَ رَبُّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبتُم في سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَن أَلقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَستَ مُؤمِنًا تَبتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيكُم فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كَانَ بما تَعمَلُونَ خَبِيرًا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ العَبدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بها في النَّارِ أَبعَدَ مَا بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَمَن قَالَ في مُؤمِنٍ مَا لَيسَ فِيهِ أَسكَنَهُ اللهُ رَدغَةَ الخَبَالِ حَتى يَخرُجَ مِمَّا قَالَ وَلَيسَ بِخَارِجٍ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمرِ وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشدِ ، وَنَسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِكَ ، وَنَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ وَحُسنَ عِبَادَتِكَ ، وَنَسأَلُكَ قُلُوبًا سَلِيمَةً وَأَلسِنةً صَادِقَةً ، وَنَسأَلُكَ مِن خَيرِ مَا تَعلَمُ وَنَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعلَمُ ، وَنَستَغفِرُكَ لِمَا تَعلَمُ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ .



الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ، وَاحذَرُوا الإِرجَافَ لِئَلاَّ تُكتَبُوا في الفَاسِقِينَ ، وَاعلَمُوا أَنَّ لِلإِرجَافِ وَبَثِّ الشَّائِعَاتِ مَفَاسِدَ كَثِيرَةً وَآثَارًا سَيِّئَةً ، فَهِيَ سَبَبٌ لِزَرعِ الخَوفِ في القُلُوبِ وَنَزعِ الطُّمَأنِينَةِ مِنَ النُّفُوسِ ، وَهِيَ أَسرَعُ وَسِيلَةٍ لِبَثِّ الفِتَنِ وَزَعزَعَةِ الأَمنِ ، وَبها يَصِلُ العَدُوُّ إِلى هَدَفِهِ في تَثبِيطِ الهِمَمِ وَنَشرِ الاضطِرَابَاتِ في المُجتَمَعَاتِ ، وَعَن طَرِيقِهَا يُحَارِبُ المُنَافِقُونَ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ وَيُؤذُونَ المُحتَسِبِينَ ، وَيُسقِطُونَ رُمُوزَ الأُمَّةِ مِنَ العُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَالمُجَاهِدِينَ ، وَبها يُظهِرُون لِلنَّاسِ أَنَّ هَذَا الوَضعَ الفَاسِدَ هُوَ الوَضعُ القَائِمُ في مُجتَمَعِهِم ؛ لِيُخَذِّلُوا مُصلِحِيهِم وَيُوهِمُوهُم أَنَّهُ لا سَبِيلَ إِلى الإِصلاحِ ؛ فَيَتَخَاذَلُوا وَيَتَقَاعَسُوا ، وَيُغلِقُوا بَابَ الأَمَلِ في إِصلاحِ مَن حَولَهُم . وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ الوَاجِبَ التَّثَبُّتُ في نَقلِ الأَخبَارِ أَوِ القِصَصِ أَوِ الحِكَايَاتِ ، مَعَ تَقوِيَةِ الرَّجَاءِ بِاللهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ ، وَالرِّضَا بِقَدَرِهِ وَاليَقِينِ بِنَصرِهِ وَالثِّقَةِ فِيمَا عِندَهُ ، وَامتِلاءِ القُلُوبِ بِأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ وَالنَّصرَ لِلمُؤمِنِينَ .
مَا أَجمَلَهُ بِالمُؤمِنِ أَن يَكُونَ مِفتَاحًا لِلخَيرِ مِغلاقًا لِلشَّرِّ ، دَاعِيًا لِلهُدَى إِمَامًا لِلمُتَّقِينَ ، بَعِيدًا عَنِ الضَّلالِ حَذِرًا مِن أَن يَكُونَ رَأسًا في الفِتَنِ " وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ "
المشاهدات 4094 | التعليقات 3

شيخ عبدالله : إئذن لي بقبلة على رأسك ..
فالموضوع خطير وملح .. والمعالجة والطرح رائع ومليح ..


دمت مسدداً .. موفقاً .. معاناً ..


جزاك الله خيرا ونفع بعلمك


وفقك الله وبارك فيك