(خطبة) نعمة زوال جائحة كورونا وأهمية التراص في صفوف الصلاة

خالد الشايع
1443/08/07 - 2022/03/10 16:14PM

الخطبة الأولى ( نعمة رفع الاحترازات في المساجد وأهمية التراص في صفوف الصلاة )   8شعبان1443

أما بعد فيا أيها الناس : كم من نعمة يسلبها الله منا فترة من الزمن ، حتى نشعر بأهميتها ، ثم يأذن الله برجوعها ، سواء في المال أو الصحة أو غيرها ، وهذا من البلاء والامتحان كما قال سبحانه ( ولنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)

وقال سبحانه ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون )

عباد الله : لقد مررنا بامتحان عظيم ، عم العالم كله ، فكان للمسلمين امتحانا وبلاء ، ولغيرهم عذابا ونقمة ، إنه جائحة كورونا ، والآن ولله الحمد ، وبعد أن أعلن العالم بأسره انتهاء هذه الجائحة بفضل من الله ومنه ، فلم يكن للبشر فيها يد ، بل بفضل الله وحده ، والناس بما اعطاهم الله من تقدم ، لم يزيدوا على الحمية والتحرز ، وهذه النعمة ، أعني انكشاف الجائحة ، نعمة تحتاج إلى شكر لله تعالى ، ومن أعظم المنن على المسلمين في هذا زوال تلك الاحترازات في المساجد ، ومنها التباعد ، وما عانيناه جميعا من التفرق واختلاف القلوب ، وتسلط الشيطان على المصلين ، والآن وبعد الرجوع للمصافة والتراص ، وجب على الجميع الحرص على ذلك ، وتطبيق السنة ، لتأتلف القلوب  ، ويخشع الناس في صلاتهم .

معاشر المؤمنين :  لقد أولى الإسلام صفوف المصلين عناية كبيرة , حيث أمر بتسوية الصفوف , وأظهر فضيلة تسويتها , والاهتمام بها .

فقد أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ )   وفي رواية للبخاري ( 723 ) : ( سَوُّوا صُفُوفَكُمْ , فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ ) .

وأخرج مسلم من حديث أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ : ( اسْتَوُوا , وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ )  

وأخرج الشيخان من حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ ، فَرَأَى رَجُلا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ ، فَقَالَ : ( عِبَادَ اللَّهِ ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) .  

قال النووي في "شرح مسلم" :

" قَوْله : ( يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاح ) الْقِدَاح هِيَ خَشَب السِّهَام حِين تُنْحَت وَتُبْرَى , مَعْنَاهُ : يُبَالِغ فِي تَسْوِيَتهَا حَتَّى تَصِير كَأَنَّمَا يُقَوِّم بِهَا السِّهَام ، لِشِدَّةِ اِسْتِوَائِهَا وَاعْتِدَالهَا " انتهى .

فهذه النصوص واضحة في وجوب تسوية الصفوف , قال البخاري رحمه الله في صحيحه : ( باب إثم من لا يتم الصفوف ) , وأورد فيه بسنده عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ : مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : ( مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلا أَنَّكُمْ لا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ )  

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وقوله : ( أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) أي : بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب ، وهذا بلا شكٍّ وعيدٌ على مَن تَرَكَ التسويةَ ، ولذا ذهب بعضُ أهل العِلم إلى وجوب تسوية الصَّفِّ . واستدلُّوا لذلك : بأمْرِ النبي صلى الله عليه وسلم به ، وتوعُّدِه على مخالفته ، وشيء يأتي الأمرُ به ، ويُتوعَّد على مخالفته لا يمكن أن يُقال : إنه سُنَّة فقط .

ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ في هذه المسألة : وجوب تسوية الصَّفِّ ، وأنَّ الجماعة إذا لم يسوُّوا الصَّفَّ فهم آثمون ، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية " انتهى .

وعلى الأئمة تقع المسؤولية في تنبيه المصلين قبل تكبيرة الإحرام وملاحظتهم وتفقدهم كما كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون من بعده 

اللهم وفقنا لاتباع السنة والعمل بها يارب العالمين ، أقول قولي هذا واستغفر ...

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : ومع بعد العهد بالتراص في الصفوف ، تجد البعض يتساهل في تطبيق ذلك ، والبعض يكره التراص ويتعذر بأعذار واهية ، والواجب أن يتقي الله العبد في ذلك ، فإن ذلك من تمام الصلاة .

ولنبين صفة التراص والاتمام للصفوف في الصلاة ، فتسوية الصف الواجبة هي ألا يتقدم أحد على أحد ، لا بصدره ، ولا بكعبه .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

 وهناك تسوية أخرى بمعنى الكمال  ، و يشمَل عِدَّة أشياء :

1 - تسويةَ المحاذاة فلا يتقدم ولا يتأخر ، فالكتف بمحاذاة الكتف ، والكعب بمحاذاة الكعب .

2 - التَّراصَّ في الصَّفِّ ، فإنَّ هذا مِن كماله ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك ، ونَدَبَ أمَّتَهُ أن يصفُّوا كما تصفُّ الملائكةُ عند ربِّها ، يتراصُّون ويكملون الأول فالأول ، ولكن المراد بالتَّراصِّ أن لا يَدَعُوا فُرَجاً للشياطين ، وليس المراد بالتَّراص التَّزاحم ؛ لأن هناك فَرْقاً بين التَّراصِّ والتَّزاحم ؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ... ولا تذروا فُرُجَات للشيطان ) أي : لا يكون بينكم فُرَج تدخل منها الشياطين ؛ لأن الشياطِين يدخلون بين الصُّفوفِ كأولاد الضأن الصِّغارِ ؛ من أجل أن يُشوِّشوا على المصلين صلاتَهم .

3 - إكمالَ الأول فالأول ، فإنَّ هذا مِن استواءِ الصُّفوف ، فلا يُشرع في الصَّفِّ الثاني حتى يَكمُلَ الصَّفُّ الأول ، ولا يُشرع في الثالث حتى يَكمُلَ الثاني وهكذا ، وقد نَدَبَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى تكميل الصفِّ الأول فقال : ( لو يعلم الناسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ ؛ ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِمُوا عليه لاسْتَهَمُوا ) . يعني : يقترعون عليه ؛ فإذا جاء اثنان للصفِّ الأول ، فقال أحدهم : أنا أحقُّ به منك ، وقال الآخر : أنا أحقُّ ، قال : إذاً نقترعُ ، أيُّنا يكون في هذا المكان الخالي .

ومِنْ لَعِبِ الشيطان بكثير من الناس اليوم : أنهم يرون الصفَّ الأول ليس فيه إلا نصفُه ، ومع ذلك يشرعون في الصفِّ الثاني ، ثم إذا أُقيمت الصلاة ، وقيل لهم : أتمُّوا الصفَّ الأول ، جعلوا يتلفَّتون مندهشين !!

4 - ومِن تسوية الصُّفوف : التقاربُ فيما بينها ، وفيما بينها وبين الإِمام ؛ لأنهم جماعةٌ ، والجماعةُ مأخوذةٌ مِن الاجتماع : ولا اجتماع كامل مع التباعد ، فكلما قَرُبَت الصُّفوفُ بعضها إلى بعض ، وقَرُبَت إلى الإِمام كان أفضل وأجمل .

وحَدُّ القُرب : أن يكون بينهما مقدار ما يَسَعُ للسُّجودِ وزيادة يسيرة .

اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك .......

 

المرفقات

1646928857_خطبة عن أهمية التراص في صفوف الصلاة.docx

المشاهدات 1730 | التعليقات 0