خطبة موافقة للتعميم عن زلزال سوريا وتركيا

عبدالرحمن السحيم
1444/07/18 - 2023/02/09 17:38PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْدين.  أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا الْمَعَاصِيَ؛ فَإِنَّهَا سَالِبَةُ النِّعَمِ، مُوجِبَةُ النِّقَمِ، يَنْزِلُ البَلاءُ بِسَبَبِهَا، وَتُرْفَعُ العَافِيَةُ بِظُهُورِهَا وَعُلُوِّ أَهْلِهَا ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ وطوبى لمن كان عند الذنب مستغفرا، وعند السراء شاكرًا وعند الضراء صابرًا محتسبًا.

أَيُّهَا النَّاسُ: امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى البَشَرِ بِالخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالرِّعَايَةِ، وَالكِفَايَةِ والإِمْدَادِ وَالإِمْهَالِ، خَلَقَهُمْ سُبْحَانَهُ مِنَ العَدَمِ، وَرَبَّاهُمْ بِالنِّعَمِ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهم، وَالعِبَادُ فُقَرَاءُ مَسَاكِينُ، ضُعَفَاءُ عَاجِزُونَ؛ يَأْكُلُونَ أَرْزَاقَهُمْ، وَيَنْتَظِرُونَ آجَالَهُمْ، وَلا يَدْرُونَ مَاذَا سَيَحِلُّ بِهِمْ، وَلا مَتَى يَمُوتُونَ، وَلا كَيْفَ يَمُوتُونَ، وَرَبُّهُمْ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ نَفْعِ أَنْفُسِهِمْ؛ فَلا يَزِيدُونَ فِي أَرْزَاقِهِمْ، ولا يَمْلِكُونَ مَدَّ آجَالِهِمْ، ولا دَفْعَ السُّوءِ عَنْهُمْ، وَلا مَنْجَاةَ لَهُمْ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَلا فِرَارَ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ.

وَلَوْ شَاءَ لَأَهْلَكَهُمْ وَأَبْدَلَ بِهِمْ غَيْرَهُمْ ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾  وَلَكِنَّهُ سبحانه يَعْفُو وَيَرْحَمُ، وَيُمْهِلُ ويُمْلِي، وَيُنْذِرُ ويَعْذِرُ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي المُشْرِكِينَ: ﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾ وقال تَعَالَى في المُنافِقِينَ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

واهْتِزَازُ الأَرْضِ بِالزَّلازِلِ المُدَمِّرَةِ، مَا هُوَ إِلَّا مِنْ مَظَاهِرِ قُدْرَةِ العَلِيمِ القَدِيرِ، وَإِنْذَارِهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ؛ تَهْتَزُّ الأَرْضُ بِأَمْرِ رَبِّهَا سُبْحَانَهُ فِي ثَوَانٍ؛ فَتُدَمِّرُ زَلْزَلَتُهَا مُدُنًا كَامِلَةً، وتَقْتُلُ خَلْقًا كَثِيرًا، وتُشَرِّدُ أُمَمًا مِنَ النَّاسِ؛ فَلا مَأْوَى لَهُمْ، وتُوقِعُ خَسَائِرَ فَادِحَةً فِي الأَمْوَالِ وَالمَتَاعِ!

وفي هذا الأسبوع وَقَعَ زِلْزَالٌ عظيم؛ ضرب دولًا، فأسقط مبانيها، وشق أراضيها، وأهلك بشرا لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى. فَسُبْحَانَ مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَسُبْحَانَ مَنْ خَوَّفَ عِبَادَهُ وَأَنْذَرَهُمْ بِالنُّذُرِ وَالْآيَاتِ ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا﴾ ونسأله أن يلطف بعباده المؤمنين هناك ويرحم ميتهم.

عباد الله: إن كَثْرَةُ الزَّلازِلِ دَلِيلٌ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ؛ كَمَا في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ» رَوَاهُ الْشَّيخَانِ

وإنّ مِنْ حِكَمِ هذا الزلزال وَدُرُوسِه: التَّذْكِيرُ بِوَحْدَانِيَّةِ وَكَمَالِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَغَلَبَتِهِ الَّذِي لاَ يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَلاَ يَرُدُّ قَضَاءَهُ رَادٌّ؛ يَنْفُذُ أَمْرُهُ، وَيَمْضِي قَضَاؤُهُ فِي خَلْقِهِ ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾

وَمَا أَضْعَفَ الإِنْسَانَ وَأَعْجَزَهُ وَقَدْ شيَّدَ العُمْرَانَ، وَصَعِدَ إِلَى الفَضَاءِ، وَغَاصَ فِي أَعْمَاقِ المُحِيطَاتِ، وَاكْتَشَفَ الذَّرَّةَ، وَصَنَعَ الطَّائِرَةَ، وَبَطَشَ فِي الأَرْضِ بَطْشَ الجَبَّارِينَ! مَا أَعْجَزَهُ أَمَامَ جُنْدِ اللَّـهِ تَعَالَى، فاللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى البَشَرِ وَلَوْ تَحَصَّنُوا بِحُصُونِهِمْ وَاحْتَاطُوا، وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى شَيْئًا، وَعَذَابُ اللَّـهِ تَعَالَى يَنْزِلُ فِي لَمْحِ البَصَرِ، فَلَا يَرُدُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ، وَلَا حَذَرُ حَذِرٍ، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ﴾

وَمِنْ حِكَمِ الزلزال وَدُرُوسِه: التَّذْكِيرُ بِنِعْمَةِ سُكُونِ الأَرْضِ وَتَسْخِيرِهَا لِلإِنْسَانِ؛ ونحن نتقلب في نعم من الله (وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) وهذه النعم لا يعرف المرء قدرها حقًا إلا عند فقدها، فحري بالمؤمن أن يصبح ويُمسي شاكرًا لله بقلبه ولسانه وجوارحه.

وَمِنْ حِكَمِهَا وَدُرُوسِهَا: تَخْوِيفُ الْعِبَادِ وَتَذْكِيرُهُمْ كَيْ يُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ، وَيَتُوبُوا إِلَى رَبِّهِمْ، ويلْتِزَمِوا دِينِهِ، وَيقيموا شَرِيعَتِهِ، وَيَجْتَنِبُوا مَا يُغْضِبُ خَالِقَهُمْ؛ وَلاَ يَغِيبُ عَنْ بَالِنَا قَوْلُ اللهِ - جَلَّ وَعَلاَ -: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ وقوله سبحانه مُذكِرًا عباده: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ 

وَمِنْ حِكَمِهَا وَدُرُوسِهَا: بَيَانُ شُؤْمِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَأَثَرِهَا السَّيِّئِ عَلَى الْفَرْدِ وَالأُسَرِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَحَصَّنَ بِالإِيمَانِ الصَّادِقِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَهُمَا السَّبِيلُ الأَوْحَدُ لِحُصُولِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالْعَافِيَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾

رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِه، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخَبَثُ»  فَإِذَا ظَهَرَتْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْضُ الْمَعَاصِي وَالآثَامِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَاقِبُهَا بِبَعْضِ مَا عَاقَبَ بِهِ الأُمَمُ الْهَالِكَةُ؛ زَجْرًا لِتِلْكَ الأُمَّةِ، وَتَذْكِيرًا لَهَا بِحَقِّ رَبِّهَا، ولا يصح أن يُقال بأن هذه الزلازل عقوبة على جميع من أصيب به، فهذا تألٍ على الله، فإن الزَّلاَزِل والمصائب تكون عَذَابًا فِي الدُّنْيَا للمعرض، وَتَطْهِيرًا وَرَحْمَةً لِلْمُؤمن ورفعة في درجاته؛ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ، وَالزَّلاَزِلُ، وَالْقَتْلُ» [صححه الألباني].

وَالمؤمن يتلمس ألطاف الله في أقداره، ويوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه قال علقمة رحمه الله في قوله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلم. والمسلم في هذه الحياة مُعّرض للنكبات والمصائب وذلك من باب الابتلاء والامتحان (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) وقال (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، ومن البشارات ما قاله رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الميت بالهدم: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ» [متفق الله].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ–عباد الله- حَقَّ التَّقوَى وراقبوه في السر والعلانية وخُذُوا حِذْرَكُمْ وَاعْتَبِرُوا بِمَا حَلَّ بِغَيْرِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ رَبَّكُمْ غَيُورٌ عَلَى مَحَارِمِهِ أَنْ تُنْتَهَكَ، يُمْهِلُ وَلا يُهْمِلُ، وَيُمْلِي وَلا يَنْسَى. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

واعْلَمُوا عباد الله أَنَّ مِنَ الْحِكَمِ وَالدُّرُوسِ الْعَظِيمَةِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ زَلاَزِلَ: تَذْكِيرَ الْعِبَادِ بِالزَّلْزَلَةِ الْكُبْرَى، الَّتِي قَالَ اللهُ عَنْهَا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [ الحج: 1-2 ].فَلَقَدْ شَاهَدَ الْكَثِيرُونَ هَلَعَ النَّاسِ فِي زِلْزَالِ الدُّنْيَا، وَدَمَارِ دُورِهِمْ، وَسُقُوطِهَا عَلَى أُسَرِهِمْ، فَحَرِيٌّ بِنَا جَمِيعًا أَنْ نَتَذَكَّرَ وَنَعْتَبِرَ بِمَا سَيَحْدُثُ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، وأنّ نُعد لذلك اليوم عدته، ونأخذ له أُهبته.

وَمِنَ الْحِكَمِ وَالدُّرُوسِ: بَذْلُ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنَ الْفِتَنِ عُمُومًا بِطَاعَةِ اللهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَتَصْحِيحِ الْحَالِ، وَالإِكْثَارِ مِنَ الصَّدَقَةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ لاَ نَغْفلَ عَنْ أَوْرَادِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ! ومن ذلك ما رواه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغَتَالَ مِنْ تَحْتِي» وكانَ مِن دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.) أخرجه مسلم

وَمِنَ الْحِكَمِ وَالدُّرُوسِ: ابْتِلاَءُ رَبِّنَا لَنَا بِمُصَابِ إِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ، لِيَرَى مَاذَا نَصْنَعُ  لِنُصْرَتِهِمْ، وَالْوُقُوفِ مَعَهُمْ؛ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ فُتِحَ لَنَا بَابٌ للمتاجرة مع الله، وذلك بالمشاركة في ِمُبَادَرَةِ وُلاَةِ أَمْرِنَا بِتَسْيِيرِ جِسْرٍ جَوِيٍّ إِغَاثِيٍّ، لِتَخْفِيفِ آثَارِ الزَّلاَزِلِ عَلَى إِخْوَانِنَا، وَتَنْظِيمِهِمْ لِحَمْلَةٍ شَعْبِيَّةٍ عَبْرَ مَنَصَّةِ «سَاهِمْ» لِمُسَاعَدَةِ ضَحَايَا الزَّلاَزِلِ هُنَاكَ؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نُسْهِمَ بِهَذِهِ الْحَمْلَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَنُسَارِعَ بِمَدِّ يَدِ الْعَوْنِ والْمُسَاعَدَةِ، وِالْوُقُوفِ مَعَ إِخْوَانِنَا فِيِ مُصَابِهِمْ، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وَعلينا أَنْ لاَ نَغْفلَ عن الدُّعَاءِ لإِخْوَانِنَا بِأَنْ يَرْحَمَ اللهُ مَوْتَاهُمْ، وَيَشْفِيَ مَرْضَاهُمْ، وَيَرْفَعَ مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ وَبَلاَءٍ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.

هَذَا، وَصَلُّوا –رحمكم الله- عَلَى نَبِيِّكُم محمد فإنه «مَنْ صَلَّى عَلَيَّه صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين.. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، والطُف بعبادك المستضعفين، وارحم ميتهم، واشف مريضهم، ورد غائبهم، وأطعم جائعهم، وأمنّ خائفهم، واربط على قلوبهم.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،

اللهم آمنا في أوطاننا، واصلح أئمتنا وولاة أمورنا،واجعل عملهم في رضاك.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..

عباد الله! اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

1675953372_خطبة موافقة للتعميم عن زلزال سوريا وتركيا.docx

1675953493_خطبة موافقة للتعميم عن زلزال سوريا وتركيا.pdf

المشاهدات 4176 | التعليقات 0