خطبة : من فضائل العشر من ذي الحجة والعمل فيها الشيخ صالح بن محمد باكرمان
شادي باجبير
خطبة : من فضائل العشر من ذي الحجة والعمل فيها
للشيخ الفاضل / أبي مجاهد صالح بن محمد باكرمان حفظه الله تعالى
الخطبة الأولى
الحمدلله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه .
أمابعد : أيها المسلمون - عبادالله - اتقوا الله حق تقواه .
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]
عباد الله ، إنَّ الله - عزوجل - خلق الخلق لعبادته ، واستعمرهم واستخلفهم في هذه الأرض لطاعته ، قال - سبحانه وتعالى - : ﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وقال - سبحانه وتعالى - :﴿تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌالَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ﴾ [الملك: ١-٢]
وحثنا الله - سبحانه وتعالى - على المسارعة إلى الخيرات ، والمسابقة إلى جنة عرضها الأرض و السماوات ، فقال - سبحانه وتعالى - : ﴿وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣]
وأقام - سبحانه وتعالى - لذلك مواسم الخيرات ، وفتح ميادين الطاعات ؛ ليتزود المتزودون ، ويستعد المستعدون ، وها هو ذا موسم خير ومن أعظم مواسم الخير أقبل علينا ، وميدان سباق نزل بساحتنا ، وهو موسم العشر من ذي الحجة ، وما أدراك ما العشر من ذي الحجة ؟! أفضل أيام السنة على الإطلاق ، أيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، أفضل الليالي وأفضل الأيام عند الله - عزوجل - ، تتضاعف فيها الحسنات ، وتزداد فيها الدرجات ، فأين المشمِّرون ؟! وأين المتسابقون؟!
تضافرت في فضلها الآيات البينات والأحاديث الواضحات ، قال الله - سبحانه - في كتابه العزيز : ﴿وَالفَجرِوَلَيالٍ عَشرٍوَالشَّفعِ وَالوَترِوَاللَّيلِ إِذا يَسرِهَل في ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حِجرٍ﴾ [الفجر: ١-٥]
أقسم الله - عزوجل - بالفجر والليالي العشر ، وقسم الله - عزوجل - بشيء هو تعظيم له ، والليالي العشر هي ليالي عشر ذي الحجة ، وقد نقل الإمام ابن جرير الطبري - رضي الله عنه ، ورحمه الله - إجماع الحجة من أهل التأويل على أنَّ المراد بها عشر ذي الحجة .
﴿وَلَيالٍ عَشرٍ﴾ أقسم الله بها تعظيماً لشأنها ، وقال - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز : ﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ فَكُلوا مِنها وَأَطعِمُوا البائِسَ الفَقيرَ﴾ [الحج: ٢٨]
﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم﴾ أهل الحج والعمرة جعلنا الله - عزوجل - وإياكم جميعاً منهم ، ليشهدوا منافع لهم ، منافع أخروية ودنيوية ﴿ وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ ﴾ شكراً لله على نعمه ومننه ، ماهي الأيام المعلومات ؟ جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وعن أبي موسى الأشعري ، وعن طائفة من التابعين ، قالوا : الأيام المعلومات هي العشر من ذي الحجة .
حث الله - عزوجل- فيها على ذكره ، أشاد بها في هذه الآيات ، وحث فيها على ذكره ﴿وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ﴾ وغيرها من الآيات والأحاديث ، ففي الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : " مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ ". قَالُوا : وَلَا الْجِهَادُ ؟ قَالَ : " وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ". رواه البخاري بهذا اللفظ ، وفي سنن أبي داود ، ومسند أحمد ، وغيرهما في اللفظ المشهور " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ". يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : " وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ".
أي فضل هذا عبادالله ؟! الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام ، كما قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : " " رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ [في سبيل الله]".
والمجاهد في سبيل الله بما لَه من فضل عند الله - عزوجل - لا يساوي عمله عمل من يعمل في هذه العشر ، ولا يبلغ مجاهد بعمله وجهاده عبادة من يتعبد في هذه العشر ، ولا يُستثنى من ذلك إلا شخص واحد ، وهو من خرج بنفسه ، يجاهد بنفسه في سبيل الله ، وخرج معه بمالِه يبذله في سبيل الله ، أمَّا نفسه فبذَلها في سبيل الله فمات شهيدا ، وأمَّا ماله فأنفقه كله في الجهاد ، فلم يرجع من ذلك بشيء لانفس ولا مال ، هذا الذي يساوي عمله عمل من يتعبد لله في هذه العشر ، فضل عظيم ! موسم عظيم من الرحمن الرحيم الرفيق - سبحانه - الذي يعرف حالنا ، ويعرف ضعفنا ، هو الذي خلقنا ويعرف حالنا وضعفنا ، ويفتح لنا المواسم ، مواسم الخير : رمضان ، والعشر ، وغيرها ؛ لنرجع إليه ، ونتقرب إليه ، ونهتبل من هذه الأسواق والمواسم .
فرص عظيمة ، تجارة مع الله ، أهل الدنيا يتحيَّنون الفرص ، ويتحيَّنون مواسم التجارة ، وفي المواسم يأتي الربح ، ويأتي الخير ، وهذا هو أوان الربح - عباد الله - وأوان الخير ، فلا نفوِّت على أنفسنا هذه العشر ، هذه الليالي القليلات والأيام المعلومات ، نتقرب فيها إلى الله - سبحانه وتعالى - بأنواع الطاعات .
ومن أعظم العبادات والطاعات التي نتقرب بها إلى الله - سبحانه وتعالى - في هذه الأيام والليالي الفاضلات : التوبة إلى الله - سبحانه وتعالى - أن نتوب إلى الله ، أن نرجع إلى الله توبة نصوحا ﴿... توبوا إِلَى اللَّهِ تَوبَةً نَصوحًا ...﴾ [التحريم: ٨] ، وقال - سبحانه وتعالى - : ﴿... وَتوبوا إِلَى اللَّهِ جَميعًا أَيُّهَ المُؤمِنونَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [النور: ٣١]
أن نتوب إلى الله - عزوجل- من كل الذنوب كبيرها وصغيرها ، جليلها ودقيقها ، فإنَّ الله - عزوجل - يحب التوبة ﴿... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يحب التوابين ، يحب من يتوب إليه - سبحانه وتعالى - ويرجع إليه ، ويستغفره سبحانه وتعالى ، فلنتبْ إلى الله ، ولنستغفر الله سبحانه وتعالى .
ومن أعظم الأعمال التي نتقرب بها إلى الله - سبحانه وتعالى - في هذه الأيام المباركات الفاضلات : أن نعفو عن بعضنا ، وأن نتسامح فيما بيننا ، والعفو أجره على الله ، مما أجره على الله العفو ﴿... فَمَن عَفا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: ٤٠]
أي أنَّ أجره لا حساب له ، أجرك على الله عندما تعفو عن أخيك ، وعن جارك ، وعن زميلك ، وعن صديقك ، وعن قريبك ﴿... وَليَعفوا وَليَصفَحوا أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم ﴾ [النور: ٢٢] نُخرج ما في هذه القلوب من ضغائن وحقد ، فإنَّها من أعظم أسباب الشقاء ، الذي نحن فيه هذه الأيام ، والبلايا التي نحترق بلظاها هذه السنين .
من أعظم العبادات التي نتقرب بها إلى الله - سبحانه و تعالى - : الصلوات المكتوبات ، والرواتب المسنونات ، نتقرب إلى الله - عزوجل - بالصلاة ، التي هي صلة بيننا وبين الله ، لا يقربك من الله - عزوجل - عبدالله شيء مثل الصلاة ، قال - سبحانه وتعالى - : ﴿... وَاسجُد وَاقتَرِب ۩﴾ [العلق: ١٩] كلما سجدت لله - عزوجل - اقتربت من الله ، وقال الرسول الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - :" أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ".
﴿... وَاسجُد وَاقتَرِب ۩﴾ الصلوات المكتوبات ، والمحافظة عليها في الجماعات ، والمحافظة على الأوقات ، وعلى السنن الراتبات ، وعلى الضحى ، والوتر ، وقيام الليل .
نتقرب إلى الله - عزوجل - في هذه الأيام المباركات الفاضلات بالصدقات ، الصدقة التي يضاعف الله - عزوجل - أجرها ﴿مَن ذَا الَّذي يُقرِضُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضعافًا كَثيرَةً وَاللَّهُ يَقبِضُ وَيَبسُطُ وَإِلَيهِ تُرجَعونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥]
﴿أَضعافًا كَثيرَةً ﴾ أضعافاً مضاعفة ، إذا حضرك الموت - عبدالله - لن تتمنى إلا أن تعود لتتصدق ﴿وَأَنفِقوا مِن ما رَزَقناكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصّالِحينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفسًا إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ [المنافقون: ١٠-١١]
نتقرب إلى الله - عزوجل - بهذه الطاعات ، وغيرها من الطاعات عبادالله .
أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه ، إنَّه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
أيُّها المسلمون عباد الله ، وإنَّ مما نتقرب به إلى الله - عزوجل- في هذه الأيام الفاضلات : الصيام ، وأعظم الصيام في هذه العشر صيام يوم عرفة ، ففي الحديث عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " رواه مسلم .
صوم هذا اليوم العظيم الذي يدنو فيه رب العالمين- جل جلاله - من عباده ، ويباهي بهم ملائكته ويقول : " ماذا أراد هؤلاء ؟" ، ما أرادوا إلا مغفرتك يارب .
ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الحجيج بعرفات ، وأمَّا من لم يكن بعرفات ، فإنَّه يتقرب إلى الله بالصوم فيه ؛ حتى يغفر الله - عزوجل- له ذنبه ، ويرفع له درجته ، وكذلك الصيام في سائر العشر ماعدا يوم العيد ، فيستحب أن يكثر المسلم من الصيام في هذه الأيام لاسيما الاثنين والخميس ، ومن صام فإنَّه يقرُب من الله سبحانه وتعالى ، ولا عِدل للصوم ، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ : " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ". لامثل له ، فالصوم يجرك إلى كل الطاعات والحسنات .
ومن أعظم العبادات التي يتقرب بها المؤمنون في هذه الأيام المباركات : الحج والعمرة ، فيا حظ ، ويا نصيب ، ويا بخت من كتب الله - عزوجل- له حجاً وعمرة في هذه الأيام المباركات .
ومن أعظم الأعمال التي نتقرب بها إلى الله - سبحانه و تعالى - في هذه الأيام المباركات الفاضلات : ذكر الله تعالى﴿ لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ ...﴾ [الحج: ٢٨]
وأعظم ذكر الله - عزوجل - قراءة القرآن ، فعلينا - عباد الله- أن نكثر من تلاوة القرآن في العشر من ذي الحجة﴿إِنَّ الَّذينَ يَتلونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبورَلِيُوَفِّيَهُم أُجورَهُم وَيَزيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفورٌ شَكورٌ﴾ [فاطر: ٢٩-٣٠] فضل عظيم !
ويقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ - : " مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ : الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ ".
فينبغي للمسلم أن يختم ختمة في هذه العشر على الأقل .
ومن ذكر الله - عزوجل- : التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والتحميد ، ففي الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ - ، قَالَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ". رواه أحمد .
والتكبير هو شعار هذه الأيام ، التكبير المطلق غير المقيد بساعة ، ولا وقت ، ولا مكان ، ولازمان ، تكبر ، وتحمدالله ، وتهلل ، وتسبح ، وأنت في طريقك ، وأنت جالس ، وأنت في المسجد ، وأنت في البيت ، من أول العشر إلى آخرها ، والتكبير المقيد بما بعد الصلوات المكتوبات ، يبدأ من صبيحة عرفة ، من فجر يوم عرفة ، وينتهي بعصر آخر أيام التشريق ، شعار عظيم ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
ومن أعظم الأعمال التي نتقرب بها إلى الله - عزوجل - في هذه الأيام المباركات الفاضلات : الدعاء ، وكم نحن بحاجة إلى الدعاء ؟! أن يكشف الله غمنا وكربنا ، وأن يزيل همنا وغمنا ، وأن يصلح حالنا ، أن ندعوا لأنفسنا ، ولذوينا ، وللمسلمين ، لاسيما يوم عرفة ، ففي الحديث قال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ - قَالَ : " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".
ومن أفضل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله - عزوجل - في تلك الأيام الفاضلات : الأضحية ، سنة أبينا إبراهيم ، ﴿وَفَدَيناهُ بِذِبحٍ عَظيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧] وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، واتفق الأئمة الأربعة أبوحنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، على أنَّ أجر الأضحية خير من الصدقة ، الصدقة التي يتضاعف أجرها ، الأضحية خير منها عند الله - عزوجل - وأرفع ، ولنا حديث آخر مع الأضاحي بإذن الله .
ومن أفضل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله - عزوجل - في هذه الأيام الفاضلات : تفريج الكربات ، أن نفرج عن بعضنا البعض في الكرب ، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ - : " مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ - عزوجل -عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، " رواه مسلم .
وفي الختام عباد الله ، نتوجَّه إلى مسئولينا وحكامنا أن يتقوا الله - عزوجل - فينا ، وفي هذه الأمة ، وفي هذا الشعب ، وأن يفرجوا عنهم ما هم فيه ، ونذكرهم بقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ - : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ - عزوجل - رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ". رواه مسلم .
ونختم بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ - :" اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا، فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ "
اللهم فاغفر لنا ، وارحمنا ، وعافنا ، واعف عنا ، وتب علينا ، واسترنا !
اللهم اغفر للمسلمين ، والمسلمات ، والمؤمنين ، والمؤمنات ، الأحياء منهم ، والأموات !
اللهم غزِّر أمطارنا ، ورخِّص أسعارنا ، ولِّ علينا خيارنا ، اصرف عنا شرارنا !
اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين ! اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان !
ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار !
وصلوا وسلموا على من أمركم الله - عزوجل - بالصلاة والسلام عليه ، فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]
اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد ! اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد !
عباد الله ، إنَّ الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء ، والمنكر ، والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله يذكركم، واشكروه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .