خطبة : ( من الذي قتل الحسين ؟؟ )

عبدالله البصري
1437/01/10 - 2015/10/23 06:14AM
من الذي قتل الحسين ؟؟ 9 / 1 / 1437
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَومُ عَاشُورَاءَ يَومٌ عَظِيمٌ ، نَصُومُهُ وَنَصُومُ يَومًا قَبلَهُ ، شُكرًا للهِ عَلَى مَا نَصَرَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ وَمَا دَحَرَ مِنَ البَاطِلِ ، وَتَحَبُّبًا إِلَيهِ – تَعَالى - وَاقتِدَاءً بِنَبِيِّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَطَمَعًا في تَكفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَرِفعَةِ الدَّرَجَاتِ . هَكَذَا هِيَ أُمَّةُ الحَقِّ مِن أَتبَاعِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ ، إِخلاصٌ وَتَوحِيدٌ ، وَطَاعَةٌ وَاقتِدَاءٌ ، وَشُكرٌ وَذِكرٌ ، وَأَعمَالٌ صَالِحَةٌ تُرفَعُ إِلى اللهِ ، وَفي مُقَابِلِ هَذَا الحَقِّ الَّذِي أَكرَمَنَا اللهُ بِهِ ، فَإِنَّ ثَمَّةَ نَمُوذَجًا مِنَ نَمَاذِجِ الضَّلالِ وَالبَاطِلِ ، قَد تَرَونَهُ أَو تَسمَعُونَ بِهِ ، في تِلكُمُ الدِّمَاءِ الَّتي تَسِيلُ ، وَذَلِكُمُ الصُّرَاخُ وَالعَوِيلُ ، وفي جُيُوبٍ تُشَقَّقُ وَخُدُودٍ تُلطَمُ ، وَتَرَانِيمَ وَأَشعَارٍ وَرِثَاءٍ ، وَمَآتِمَ وَسُرَادِقَاتٌ وَعَزَاءٍ ، وَلَطمٍ لِلخُدُودِ وَضَربٍ لِلرُّؤُوسِ ، وَطَعنٍ في الصُّدُورِ وَجَرحٍ لِلظُّهُورِ ، في مَشَاهِدَ يُحيِيهَا الرَّافِضَةُ في يَومِ عَاشُورَاءِ مِن كُلِّ عَامٍ ؛ إِحيَاءً لِذِكرَى استِشهَادِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – يَزعُمُونَ حُبَّهُ وَالانتِصَارَ لَهُ ، وَأَنَّهُم أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ ، وَاللهُ يَعلَمُ إِنَّهُم هُمُ الَّذِينَ غَدَرُوا بِهِ وَبِأَبِيهِ مِن قَبلُ ، فَقَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ .
الحُسَينُ بنُ عَليٍّ – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ – هُوَ سِبطُ رَسُولِ اللهِ ، ابنُ ابنَتِهِ فَاطِمَةَ الزَّهرَاءِ – رَضِيَ اللهُ عَنهَا – وَحِبُّهُ وَرَيحَانَتُهُ ، هُوَ الَّذِي سَمَّاهُ بِهَذَا الاسمِ وَعَقَّ عَنهُ ، وَفي بَيتِهِ نَشَأَ وَتَرَعرَعَ ، في البَيتِ الَّذِي قَالَ اللهُ – تعالى – عَنهُ : " إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا " كَانَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَخطُبُ بِأَصحَابِهِ يَومًا ، فَدَخَلَ الحَسَنُ وَالحُسَينُ – رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - عَلَيهِمَا ثَوبَانِ أَحمَرَانِ يَعثُرَانِ فِيهِمَا ، فَلَم يَلبَثْ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ حَتَّى قَطَعَ خُطبَتَهُ وَنَزَلَ مِن عَلَى مِنبَرِهِ ، وَأَقبَلَ نَحوَهُمَا وَضَمَّهُمَا إِلَيهِ وَصَعِدَ بِهِمَا المِنبَرَ ، ثُمَّ قَالَ : " صَدَقَ اللهُ : " إِنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولَادُكُم فِتنَة " ثُمَّ قَالَ : " نَظَرتُ إِلى هَذَينِ فَلَم أَصبِرْ " ثُمَّ شَرَعَ في خُطبَتِهِ . وَيَخرُجُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في إِحدَى صَلاتَيِ العِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَو حُسَينًا ، فَيَتَقَدَّمُ وَيَضَعُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلصَّلاةِ ، فَيَسجُدُ سَجدَةً فَيُطِيلُهَا ، فَيَقُولُ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّكَ سَجَدتَ بَينَ ظَهرَانَي صَلاتِكَ سَجدَةً أَطَلتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَد حَدَثَ أَمرٌ أَو أَنَّهُ يُوحَى إِلَيكَ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " كُلُّ ذَلِكَ لم يَكُنْ ، وَلَكِنَّ ابنِيَ ارتَحَلَنِي ، فَكَرِهتُ أَن أُعجِلَهُ حَتَّى يَقضِيَ حَاجَتَهُ " وَيَخَرُجُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – مَرَّةً إِلَى طَعَامٍ دُعِيَ إِلَيهِ ، فَيَرَى في طَرِيقِهِ الحُسَينَ يَلعَبُ ، فَيَتَقَدَّمُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - نَحوَهُ وَيَبَسُطُ يَدَيهِ ، وَالحُسَينُ يَفِرُّ هَاهُنَا وَهَاهُنَا ، وَالنَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يُضَاحِكُهُ ، حَتى أَخَذَهُ فَجَعَلَ إِحدَى يَدَيهِ في ذَقنِهِ وَالأُخرَى في رَأسِهِ ، ثم اعتَنَقَهُ فَقَبَّلَهُ ، ثُمَّ قَالَ : " حُسَينٌ مِنِّي وَأَنَا مِنهُ ، أَحَبَّ اللهُ مَن أَحَبَّ الحَسَنَ والحُسَينَ ، سِبطَانِ مِنَ الأَسبَاطِ " وَأَمَّا أَعظَمُ وِسَامِ يَتَقَلَّدُهُ الحُسَينُ فَضِيلَةً وَشَرَفًا ، فَهُوَ قَولُ جَدِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " الحَسَنُ وَالحُسَينُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهلِ الجَنَّةِ "
وَيَمُوتُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَالحُسَينُ في السَّادِسَة مِن عُمُرِهِ ، ثُمَّ لا يَلبَثُ إِلاَّ سِتَّةَ أَشهُرٍ حَتَّى يُفجَعَ بِوَفَاةِ أُمِّهِ فَاطِمَةَ الزَّهرَاءِ ، سَيِّدَةِ نِسَاءِ أَهلِ الجَنَّةِ ، وَيَعِيشُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - بَعدَ وَفَاةِ جَدِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وَأُمِّهِ حَيَاةَ الإِكرَامِ وَالإِجِلالِ ، يُحِبُّهُ أَصحَابُ رَسُولِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُم - وَيُكرِمُونَهُ ؛ إِكرَامًا لِجَدِّهِ وَمَحَبَّةً لَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَبُو بَكرٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - إِذَا رَآهُ يُقبِلُ عَلَيهِ وَيَبَشُّ لَهُ ، وَكَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ : اُرقُبُوا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في آلِ بَيتِهِ . بَلْ فَاضَت عَينَاهُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - مِنَ الدُّمُوعِ وَهُوَ يَقُولُ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - : لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ أَن أَصِلَ مِن قَرَابَتِي . وَأَمَّا الفَارُوقُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - فَقَد كَانَ يُجِلُّ الحَسَنَ وَالحُسَينَ ، وَيُوَقِّرُهُمَا ، حَتَّى إِنَّهُ فَرَضَ لَهُمَا مِنَ العَطَاءِ كَمَا كَانَ يَفرِضُ لِأَهلِ بَدرٍ ؛ إِكرَامًا لَهُمَا وَإِجلالاً ، وَلَمَّا فَتَحَ المُسلِمُونَ بِلَادَ فَارِسٍ ، وَجِيءَ بِبِنتِ يَزدَجِردَ مَلِكِ الفُرسِ إِلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - وَكَانَت مِن أَجمَلِ النِّسَاءِ ، أَهدَاهَا إِلَى الحُسَينِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - فَتَزَوَّجَهَا وَأَنجَبَت لَهُ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ المُسَمَّى بِزَينِ العَابِدِينَ ، وَهُوَ الوَحِيدُ الَّذِي بَقِيَ مِن نَسلِهِ .
وَيَبقَى الحُسَينُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – مُكَرَّمًا بَينَ المُسلِمِينَ ، حَتَّى سَنَةِ سِتِّينَ لِلهِجرَةِ ، إِذْ بُويِعَ يَزِيدُ بنُ مُعَاوِيَةَ بِالخِلَافَةِ ، فَلَم يُبَايِعْهُ الحُسَينُ ؛ لأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ هُنَاكَ مَن هُوَ أَحَقُّ بِالخِلَافَةِ مِن أَصحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وسَمِعَ أَهلُ الكُوفَةِ بِذَلِكَ وَكَانُوا أَهلَ فِتنَةٍ وَشِقَاقٍ ، وَكَانُوا يُظهِرُونَ المَيلَ لِعَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ ، فَأَرسَلُوا إِلَيهِ الرَّسَائِلَ وَالكُتُبَ يَدعُونَهُ لِلبَيعَةِ ، فَأَرسَلَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – إِلَيهِمُ ابنَ عَمِّهِ مُسلِمَ بنَ عَقِيلٍ لِيَستَوثِقَ الخَبَرَ ، فَذَهَبَ مُسلِمٌ وَوَجَدَ النَّاسَ يُرِيدُونَ الحُسَينَ ، وَجَعَلَ يَأخُذُ البَيعَةَ لَهُ حَتَّى بَايَعَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلفًا مِن أَهلِ الكُوفَةِ ، وَقِيلَ : ثَلَاثُونَ أَلفًا ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيهِ لِيَقدُمَ ، وَوَصَلَتِ الأَخبَارُ لِيَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ عَن بَيعَةِ أَهلِ الكُوفَةِ ، فَأَمَرَ وَالِيَهُ عَلَى البَصرَةِ عُبَيدَاللهِ بنَ زِيَادٍ أَن يَضُمَّ الكُوفَةَ إِلَيهِ ، وَأَن يَمنَعَ أَهلَ الكُوفَةِ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيهِ مَعَ الحُسَينِ ، وَلَم يَأمُرْهُ بِقَتلِ الحُسَينِ ، وَعَلِمَ مُسلِمُ بنُ عَقِيلٍ أَنَّ عُبَيدَاللهِ بنَ زِيَادٍ يُرِيدُ ضَمَّ الكُوفَةِ ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ أَربَعَةُ آلَافٍ مِمَّن بَايَعَهُ مِن شِيعَةِ الكُوفَةِ ، وَتَوَجَّهَ بِجَيشِهِ وَحَاصَرَ عُبَيدَاللهِ بنَ زِيَادٍ في قَصرِهِ ، وَشَدَّدَ عَلَيهِ الحِصَارَ ، لَكِنَّ عُبَيدَاللهِ بنُ زِيَادٍ عَرَفَ بِمَكرِهِ وَدَهَائِهِ كَيفَ يُفَرِّقُ شِيعَةَ الكُوفَةِ عَن مُسلِمِ بنِ عَقِيلٍ ؛ فَأَرسَلَ إِلى رُؤَسَاءِ القَبَائِلِ وَأَعطَاهُم مِنَ الأَموَالِ مَا يُخَذِّلُهُم ، فَجَعَلَ عُبَّادُ المَالِ يَنفِرُونَ وَيَتَفَرَّقُونَ عَن مُسلِمِ بنِ عَقِيلٍ حَتَّى أَمسَى وَلَيسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، فَوَقَعَ في قَبضَةِ ابنِ زِيَادٍ فَأَمَرَ بِقَتلِهِ ، وَقَد كَتَبَ لِلحُسَينِ يُخبِرُهُ بِخِيَانَةِ أَهلِ الكُوفَةِ ، فَقَالَ : اِرجِعْ بِأَهلِكَ ، وَلا يَغُرَّنَّكَ أَهلُ الكُوفَةِ ؛ فَقَد كَذَبُوني وَكَذَبُوكَ ، وَلَيسَ لِكَاذِبٍ رَأيٌ . وَلَم يَعلَمِ الحُسَينُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - بِمَا حَصَلَ ، فَخَرَجَ مِن مَكَّةَ وَمَعَهُ سَبعُونَ مِن أَهلِ بَيتِهِ مِن أَولَادِهِ وَإِخوَانِهِ وَأَبنَاءِ إِخوَانِهِ ، وَقَد حَاوَلَ الصَّحَابَةُ – رَضِيَ اللهُ عَنهُم - مَنعَهُ وَثَنيَهُ عَنِ الخُرُوجِ فَلم يُجِبْهُم ، وَمَضَى إِلَى العِرَاقِ ، وَقَبلَ وُصُولِهِ عَلِمَ بِمَقتَلِ ابنِ عَمِّهِ مُسلِمِ بنِ عَقِيلٍ ، فَهَمَّ أَن يَرجِعَ ، إِلاَّ أَنَّ أَبنَاءَ مُسلِمٍ طَلَبُوا ثَأرَ أَبِيهِم ، فَنَزَلَ عَلَى رَأيِهِم وَوَاصَلَ المَسِيرَ ، أَمَّا عُبَيدُاللهِ بنُ زِيَادٍ ؛ فَقَد أَرسَلَ جُيُوشَهُ لِمَنعِ الحُسَينِ مِنَ الكُوفَةِ ، فَالتَقَى الجَمعَانِ في أَرضِ كَربَلَاءَ في العَاشِرِ مِن مُحَرَّمٍ سَنَةَ إِحدَى وَسِتَّينَ لِلهِجرَةِ ؛ الحُسَينُ وَمَعَهُ سَبعُونَ مِن أَهلِ بَيتِهِ ، وَجَيشُ ابنِ زِيَادٍ وَعَدَدُهُم خَمسَةُ آلافِ رَجُلٍ . وَلَمَّا رَأَى الحُسَينُ عَدَمَ التَّكَافُؤِ بَينَهُ وَبَينَ خَصمِهِ ، عَرَضَ عَلَيهِم ثَلَاثَةَ أُمُورٍ : إِمَّا أَن يَترُكُوهُ أَن يَرجِعَ مِن حَيثُ أَتَى ، أَو أَن يَنطَلِقَ إِلى ثَغرٍ مِن ثُغُورِ المُسلِمِينَ لِلجِهَادِ ، أَو أَن يَترُكُوهُ يَذهَبُ إِلى يَزِيدَ بِالشَّامِ ، لَكِنَّهُم أَبَوا عَلَيهِ إِلاَّ أَن يُؤسَرَ وَيَنزِلَ عَلَى حُكمِ عُبَيدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ أَو يُقَاتِلُوهُ ؛ فَأبى - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - وَاصطَفَّ الجَيشَانِ وَتَجَهَّزَ الجَمِيعُ لِلقِتَالِ ، فَرَفَعَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - يَدَيهِ وَدَعَا عَلَى أَهلِ الكُوفَةِ قَائِلاً : اللَّهُمَّ إِنْ مَتَّعتَهُم إِلى حِينٍ فَفَرِّقْهُم فِرَقًا ، وَاجعَلْهُم طَرَائِقَ قِدَدًا ، وَلا تُرضِ الوُلَاةَ عَنهُم أَبَدًا ؛ فَإِنَّهُم دَعَونَا لِيَنصُرُونَا ، ثُمَّ عَدَوا عَلَينَا فَقَتَلُونَا . وَبَدَأَ القِتَالُ وَحَمِيَ الوَطِيسُ ، وَكَانَ يَومًا عَصِيبًا عَلَى الحُسَينِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – فَقَد رَأَى أَهلَ بَيتِهِ يَتَسَاقَطُونَ بَينَ يَدَيهِ صَرعَى وَاحِدًا تِلوَ الآخَرِ ، حَتَّى بَقِيَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – وَحدَهُ ، فَتَقَدَّمَ إِلَيهِ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ، فَرَمَاهُ بِرُمحِهِ في رَقَبَتِهِ ، ثُمَّ طَعَنَهُ فَسَقَطَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – شَهِيدًا مَظلُومًا ، وَفَاضَت رُوحُهُ الطَّاهِرَةُ إِلى بَارِيهَا مَغدُورًا به ، فَرَضِيَ اللهُ عَن سِبطِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وَرَيحَانَتِهِ ، وَجَمَعَنَا بِهِ وَبِجَدِّهِ وَوَالِدِينَا وَالمُسلِمِينَ في جَنَّاتِهِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لم يَقتُلْ أَهلُ السُّنَّةِ وَلا بَنُو أُمَيَّةَ حُسَينًا كَمَا يَزعُمُ الرَّافِضَةُ ، وَلَكِنَّ أَهلَ الكُوفَةِ هُمُ الَّذِينَ دَعَوهُ لِلبَيعَةِ ثُمَّ خَانُوهُ وَقَتَلُوهُ ، ثُمَّ هَا هُمُ الرَّافِضَةُ مُنذُ ذَلِكَ الوَقتِ لا يَفتَؤُونَ يَشغَلُونَ الأُمَّةَ بِالنِّيَاحَةِ وَلَطمِ الخُدُودِ وَشَقِّ الجُيُوبِ ، عَاصِينَ مَن نَهَى عَن ذَلِكَ فَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – كما في الصَّحِيحَينِ : " لَيسَ مِنَّا مَن ضَرَبَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعوَى الجَاهِلِيَّةِ "
وَأَمَّا أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَيَعُدُّونَ قَتلَ الحُسَينِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - فَاجِعَةً عَظِيمَةً وَمُصِيبَةً كَبِيرَةً ، وَجُرحًا غَائِرًا في جَسَدِ الأُمَّةِ لا يُنسِيهِ تَعَاقُبُ الدُّهُورِ ، وَيَرَونَ أَنَّ قَاتِلِيهِ مِن شِرَارِ الخَلقِ وَأَفسَقِهِم وَأَعظَمِهِم جُرمًا ، لَكِنَّهُم لا يَضرِبُونَ لِهَذِهِ المُصِيبَةِ خَدًّا ، وَلا يَشُقُّونَ لَهَا جَيبًا ، وَلا يُحيُونَ مَعَهَا مَعَالِمَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ، وَإِنَّمَا يَتَعَزَّونَ في مُصِيبَتِهِ بِأَنَّهُ عَاشَ حَمِيدًا ، وَمَاتَ شَهِيدًا ، وَلا يَقُولُونَ إِلاَّ مَا يُرضِي رَبَّهُم : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ . هَذَا مَوقِفُ أَهلِ السُّنَّةِ مِن قَتلِ الحُسَينِ ، وَمِمَّن قُتِلَ قَبلَهُ ؛ كَأَبِيهِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَعُثمَانَ بنِ عَفَّانَ وَعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ – وَمِن ثَمَّ فَلْيُعلَمْ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – أَنَّ الرَّافِضَةَ فِي إِحيَائِهِم لِذِكرَى مَقتَلِ الحُسَينِ في عَاشُورَاءَ زَاعِمِينَ أَنَّهُم يَشحَنُونَ القُلُوبَ عَلَى أَعدَاءِ آلِ البَيتِ ، لِيُعلَمْ أَنَّهُم في الحَقِيقَةِ هُم أَلَدُّ أَعدَاءِ البَيتِ النَّبَوِيِّ ، إذ يُبغِضُونَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلى النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ عَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ بِنتُ الصِّدِّيقِ ، وَإِنَّمَا تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ البِدعَةِ الشَّنِيعَةِ لِيُوقِدُوا جَذوَةَ التَّشَيُّعَ في قُلُوبِ الرَّعَاعِ مِنَ النَّاسِ ، وَلِيُحَافِظُوا عَلَى بَقَاءِ مَذهَبِهِمُ وَاتِّقَادِ رُوحِ الثَّورَةِ وَالفَسَادِ وَتَأَجِيجِهَا ، وَلِيُحَقِّقُوا بِالبُكَاءِ مَكَاسِبَ سِيَاسِيَّةً ؛ بِمَا يُظهِرُونَهُ مِن أَنَّهُم هُمُ المُدَافِعُونَ عَن قَضَايَا الأُمَّةِ وَمُقَدَّسَاتِهَا وَحُقُوقِهَا المَسلُوبَةِ ، وَلَكِنَّ المُسلِمِينَ يَعلَمُونَ وَقَد قَرَؤُوا التَّارِيخَ وَوَعَوُا الأَحدَاثَ ، أَنَّ الرَّافِضَةَ لم يَكُونُوا يَومًا مَا مَصدَرَ نَصرٍ لِلإِسلامِ وَلا عِزِّ المُسلِمِينَ ، إِذْ لم يَفتَحوا أَرضًا ، وَلا حَرَّرُوا مُقَدَّسًا ، وَلم يَكسِرُوا عَدُوًّا ، وَإِنَّمَا هُم خِنجَرٌ يَطعَنُ في جَسَدِ المُسلِمِينَ ، يُحيُونَ الشِّركَ وَالخُرَافَاتِ ، وَيَسُبُّونَ أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ ، وَيُؤذُونَ الحُجَّاجَ في بَيتِ اللهِ ، وَيُوَالُونَ أَعدَاءَ اللهِ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَيُخَطِّطُونَ لِهَدمِ الدِّينِ وَخِذلانِ المُسلِمِينَ ، وَمَا أَمرُهُم في العِرَاقِ وَالشَّامِ وَاليَمَنِ بِخَافٍ عَلَى كُلِّ ذِي عَينٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَاتَّقُوا اللهَ- أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاحذَرُوا البِدَعَ وَأَهَلَهَا ، وَأَحيُوا السُّنَنَ وَكُونُوا مِن أَنصَارِ الحَقِّ ؛ فَإِنَّهُ مَنصُورٌ بِإِذنِ اللهِ .
المرفقات

من الذي قتل الحسين ؟؟.doc

من الذي قتل الحسين ؟؟.doc

من الذي قتل الحسين ؟؟.pdf

من الذي قتل الحسين ؟؟.pdf

المشاهدات 1691 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا