خطبة: منْها أربعةٌ حُرُم.
وليد بن محمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
.خطبة: منْها أربعةٌ حُرُم.
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
وهكذا تَتَوالى المواسمُ لنجدَ أنفسَنا في مَطلعِ الأشهرِ الحُرُم، والتّي بيَّنَها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ فقال: السَّنَةُ اثنا عشرَ شهرًا منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثةٌ متواليات، ذو القَعْدةِ وذو الحِجَّةِ والمُحرّم، ورجبُ مُضَر، الذي بينَ جُمادَى وشعبان. وقدِ اخْتَصَّ اللهُ تعالى تلك الأشهرَ مِن بينِ شهورِ العامِ بالتّعظيمِ والتّحريم، فقالَ تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) قالَ ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: ثمّ اخْتَصَّ مِن ذلك أربعةَ أشهرٍ فجعلَهنَّ حرامًا، وعَظَّمَ حُرماتِهنّ، وجعلَ الذّنبَ فيهنّ أعظم، والعملَ الصّالحَ والأجرَ أعظم. قالَ القرطبيُّ رحمَه الله: خَصَّ اللهُ تعالى الأربعةَ الأشهرَ الحُرُمَ بالذِّكرِ، ونَهى عن الظّلمِ فيها تَشريفًا لها. (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) والنّهيُ عن الظّلمِ فيها يَشملُ النَّهيَ عن ظلمِ العبدِ نفسَه بالمعاصي، وظلمِ النّاسِ بالاعتداءِ عليهم وبَخْسِ حقوقِهم، فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وعَظّموا ما عَظّمَ الله، وتَعظيمُها باستقبالِها بالتّوبةِ الاستغفار، وبمجاهدةِ النّفسِ فيها على زيادةِ التّحرُّزِ مِن الوقوعِ في المعاصي والأوزار، فإنّها مُحرّمةٌ على الدّوام، لكنّها في الأشهرِ الحُرُمِ أشدُّ تَحريمًا، لأنّ المعصيةَ فيها تَجمعُ بين الذّنبِ وبينَ امتهانِ حُرمةِ ما حرَّمَ اللهُ، والاستخفافِ بما عظّمَ الله؛ قالَ قتادةُ رحمَه الله: إنّ الظّلمَ في الأشهرِ الحُرُمِ أعظمُ خَطيئةً ووِزْرًا مِن الظّلمِ فيما سِواها، وإنْ كانَ الظّلمُ على كلِّ حالٍ عظيمًا، ولكنّ اللهَ يُعظِّمُ مِنْ أمرِهِ ما يشاء. (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) اللهمّ اجعلْنا مِن المُعظِّمينَ لحُرُماتِك، السّابقينَ لمَرضاتك، الفائزينَ بهِباتِك، الوارثينَ لجنّاتِك، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:
اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمّ حَرِّرِ المسجدَ الأقصى مِن اليهودِ الغاصبين، اللهمّ احفظِ المسجدَ الأقصى وأهلَه المرابطين، اللهمّ طَهِّرِ المسجدَ الأقصى مِن رِجْسِ اليهودِ المعتدين، اللهمّ أَخرجْهم منه أذلةً صاغرينَ، يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. فاذكروا اللهَ العظيمَ يَذكرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 6/ 11/ 1444هـ