خُطْبَةُ: مُنَجِّمِي الزَّمَانِ

د صالح بن مقبل العصيمي
1447/07/11 - 2025/12/31 16:02PM

خُطْبَةُ: مُنَجِّمِي الزَّمَانِ. الْخُطْبَةُ الْأُولَى.

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتَامَى، وَوَعَدَ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ وَالْفَضْلَ الْجَزِيلَ، وَتَوَعَّدَ مَن ظَلَمَهُمْ أَوْ قَهَرَهُمْ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

فِي نِهَايَةِ كُلِّ عَامٍ مِيلَادِيٍّ، يَنْتَشِرُ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَبَعْضِ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ، خُرُوجُ الْكُهَّانِ وَالْكَاهِنَاتِ وَالْمُنَجِّمِينَ وَالْمُنَجِّمَاتِ، يُعْلِنُونَ عَنْ تَنَبُّؤَاتِهِمْ بِالْعَامِ الْقَادِمِ، وَفِي الْغَالِبِ يُعْلِنُونَ عَنْ كَوَارِثَ اقْتِصَادِيَّةٍ وَأَزَمَاتٍ مَالِيَّةٍ، يَزْرَعُونَ مِنْ خِلَالِهَا الرُّعْبَ وَالْخَوْفَ فِي قُلُوبِ أَتْبَاعِهِمْ وَمُصَدِّقِيهِمْ وَالْمُتَأَثِّرِينَ بِهِمْ، فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ إِلَّا الْأَخْبَارُ السَّيِّئَةُ، وَأَخْبَارُ الْكَوَارِثِ وَالْوَفَيَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الشَّيَاطِينِ، الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ إِلَّا إِخَافَةَ بَنِي آدَمَ وَإِحْزَانَهُمْ، فَيُخَوِّفُونَهُمْ بِالْفَقْرِ، وَالْكَوَارِثِ الِاقْتِصَادِيَّةِ، وَالْخَسَائِرِ، وَالْأَزَمَاتِ الْمَالِيَّةِ.

1- وَصَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى إِذْ قَالَ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. فَالشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أُولِيَاءَهُ مِنَ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ، وَالْوَاجِبُ أَلَّا يُبَالِي الْمُسْلِمُ بِمَا يُرْجِفُ بِهِ الْمُرَجِّفُونَ، وَلَا بِمَا يَقُولُهُ الْكُهَّانُ وَالْمُشَعْوِذُونَ، فَهُمْ كَمَا قَالَ ﷺ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ».

2- إنَّ الاعْتِمَادُ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْكُهَّانُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَعِيشَ ضَعِيفُ الْإِيمَانِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ الْقَلَقَ وَالتَّوَتُّرَ وَالاضْطِرَابَ، وَكَأَنَّ هَذَا الْكَاهِنَ أَوِ الْعَرَّافَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ أَوِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ.

3- وَقَدْ حَذَّرَ اللَّهُ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا﴾. فَكَيْفَ تُصَدِّقُ بِأُمُورٍ غَيْبِيَّةٍ قالها مخلوقٌ مِثْلُكَ؟ إِنَّ هُنَاكَ مَنْ يَتَسَاهَلُ فِي مُتَابَعَةِ هَؤُلَاءِ، فَيُؤَثِّرُونَ عَلَى دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.

4- وَلَكِنْ بتَعَلَّقَ بَعْضُ النَّاسِ بِهَؤُلَاءِ الْكُهَّانِ، وَانْتِظَارُ تَوَقُّعَاتِهِمْ فِي نِهَايَةِ كُلِّ عَامٍ بِتَلَهُّفٍ وَتَشَوُّقٍ، يكيلهم الله إلى هَؤُلَاءِ الكُهان، قَالَ ﷺ: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

5- فَكَيْفَ يُخَافُ مِنْ وُعُودِهِمْ وَتَوَقُّعَاتِهِمُ الْمُخِيفَةِ، وَهُمْ خَلْقٌ ضَعِيفٌ لَا يَعْلَمُونَ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ أَوْ مُسْتَقْبَلُهُمْ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ؟ وَالرَّسُولُ ﷺ طَمْأَنَ الأُمَّةَ بِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِهَؤُلَاءِ الْكُهَّانِ وَلَا لِأَقْوَالِهِمْ وَلَا لِتَوَقُّعَاتِهِمْ؛ فَحِينَمَا سَأَلَ الصَّحَابَةُ الرَّسُولَ ﷺ عَنِ الْكُهَّانِ طَمْأَنَهُمْ فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. نَعَمْ، فَهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ، وَقَدْ يَصْدُقُونَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ، وَيَكْذِبُونَ بِمِئَاتٍ، بَلْ وَآلَافِ الْأَخْبَارِ، وَالشَّوَاهِدُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. وَلَكِنَّ الْمَفْتُونِينَ بِهِمْ يَتَعَلَّقُونَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ أَصَابُوا فِيهِ، وَتَنَاسَوْا أَوْ نَسُوا آلَافَ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ.

6- وَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي أَصَابُوا بِهِ إِمَّا مِنْ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ، أَوْ بِالِاخْتِبَارِ وَالِابْتِلَاءِ مِنَ اللَّهِ، أَوْ كَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ يَحْكُمُونَ بِناءً عَلَى مَرْئِيَّاتِهِمْ وَمُشَاهَدَاتِهِمْ، وَمَعْرِفَتِهِمْ مَآلَ الْأُمُورِ.

7- والْكُهَّانِ تتَلَقِّي بَعْضِ الأخبار من الشَّيَاطِينِ وَالْجِنِّ، وَمنْ مُسْتَرِقِي السَّمْعِ؛ الذين قَدْ يُخْبِرُونَ بِمَا تَتَكَلَّمُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ، فَيَصْدُقُونَ فِي الْوَاحِدَةِ، وَيَكْذِبُونَ فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «سَأَلَ أُنَاسٌ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الكُهَّانِ، فَقالَ: إنَّهُمْ لَيْسُوا بشيءٍ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، فإنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بالشَّيْءِ يَكونُ حَقًّا، قالَ: فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تِلكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فيُقَرْقِرُهَا في أُذُنِ ولِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فيه أكْثَرَ مِن مِئَةِ كَذْبَةٍ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

8- وَالشَّيَاطِينُ تَأْتِيهِمُ بِالْأَخْبَارِ مِنَ النَّوَاحِي؛ مَاتَ فُلَانٌ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ، جَرَى كَذَا، وَجَرَى كَذَا، فَإِنَّ الْجِنَّ لَهَا عِنَايَةٌ بِإِغْوَاءِ النَّاسِ وَالْكَذِبِ عَلَيْهِمْ. فَقَدْ تَأْتِي بِالْأَخْبَارِ مِنَ الشَّامِ، وَالْعِرَاقِ، وَبِلَادِ السِّندِ، وَالْجِهَاتِ الْأُخْرَى، مِنْ أَخْبَارِ قِيَامِ مَلِكٍ، أَوْ سُقُوطِ مَلِكٍ، أَوْ مَوْتِ إِنْسَانٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيُخْبِرُونَ بِهِ صَاحِبَهُمْ فِي بَلَدِهِ، فَيَتَعَجَّبُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ؛ كَيْفَ يَدْرِي هَذَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِلَادٌ وَمَسَافَاتٌ كَثِيرَةٌ. وَهَذَا كَانَ قَبْلَ وُسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ.

9- وَرُبَّمَا ظَنُّوا أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَهُوَ إِنَّمَا يَأْتِيهِ بِالْأَخْبَارِ مِنَ الْجِنِّ، وَهَذَا شَيْءٌ مَشْهُورٌ؛ فَالْجِنُّ لَهُمْ سُرْعَةٌ فِي التَّنَقُّلِ.

10- وَأَمَّا حُكْمُ مَنْ أَتَى الْكُهَّانَ، فَلَا يَخْلُو مِنْ حَالَاتٍ:

الحالةُ الأُولَى: إِنْ أَتَاهُ أَوِ اسْتَمَعَ إِلَيْهِ أَوْ سَأَلَهُ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِهِ لَهُ، وَكَانَ دَافِعُهُ الْفُضُولُ أَوْ حُبَّ الِاسْتِطْلَاعِ، فَحُكْمُهُ كَمَا قَالَ ﷺ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ وَأَدَائِهَا، وَلَا يَنَالُ ثَوَابَهَا؛ لِأَنَّ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ سَيِّئَاتٍ يَفُوقُ حَسَنَاتِ أَرْبَعِينَ صَلَاةً، وَلَا يَسْتَهِينُ الْمُؤْمِنُ بِخَسَارَةِ تِلْكَ الْحَسَنَاتِ الْعَظِيمَةِ.

1- فَإِذَا كَانَتْ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، فَكَيْفَ بِأُجُورِ الْفَرَائِضِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ، فَيُفْرِطُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ بِسَبَبِ فُضُولِهِ أَوْ حُبِّهِ لِلِاسْتِطْلَاعِ: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.

2- فَتَحْذِيرُ الرَّسُولِ ﷺ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ يُقَاسُ عَلَيْهِ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِمْ أَوْ مُتَابَعَةُ مَوَاقِعِهِمْ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ مُحَرَّمٌ، فَكَيْفَ بِالسُّؤَالِ! فَإِذَا كَانَ السُّؤَالُ الْمُجَرَّدُ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ وَسِيلَةً لِلتَّصْدِيقِ، وَفِي سُؤَالِهِمْ إِظْهَارٌ لِشَأْنِهِمْ وَتَعْظِيمٌ لِقَدْرِهِمْ، وَإِظْهَارٌ لِأَمْرِهِمْ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَقْرِيرٌ بِمَا يَقُومُونَ بِهِ مِنْ توقعات، فَيَسْأَلُهُمُ بَعْض النَّاسُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِمُ بَعْض النَّاسُ، وَفِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَلَى عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ.

الحالةُ الثَّانِيَةُ: أَمَّا مَنْ أَتَاهُ أَوِ اسْتَمَعَ إِلَيْهِ مُصَدِّقًا لَهُ فَقَدْ كَفَرَ:

1- لِقَوْلِهِ ﷺ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا ابْنُ بَازٍ، وَجَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «مَا أَرَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ».

2- فَالْكُهَّانُ يُبْتَلَى بِهِمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، إِمَّا مِنْ ضُعَفَاءِ الْإِيمَانِ، أَوْ مِمَّنْ يَجْهَلُونَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ ـ خَاصَّةً.

3- وَالْكُهَّانُ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَشْهَرَتْهُمُ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ، وَلَهُمْ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ، وَخَاصَّةً الْأُورُوبِّيَّةِ، حَظْوَةٌ وَمَكَانَةٌ، وَلَهُم فِي بَعْضِ الْعَوَاصِمِ الْأُورُوبِّيَّةِ آلَافُ الْمَكَاتِبِ لِلْكُهَّانِ وَالْمُشَعْوِذِينَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِطَبِيعَتِهِ شَغُوفٌ لِمَعْرِفَةِ مَآلَاتِ الْأُمُورِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ مُنْ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ.

4- أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ مُسْتَقِرٌّ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ، وَفَعَلَ الْأَسْبَابَ فَلَا يَضُرُّهُ مَا يَحْدُثُ غَدًا. وَقَدْوَتُهُ فِي ذَلِكَ الرَّسُولُ ﷺ، فَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ تَعَالَى: ﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

خُطْبَةُ: مُنَجِّمِي الزَّمَانِ. الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللَّهِ: اعْلَمُوا بِأَنَّ فِي تَصْدِيقِهِمْ إِيمَانًا مِنَ الْمُصَدِّقِ لَهُمْ بِعِلْمِهِمُ الْغَيْبَ، وَهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ وَأَضَلِّ الضَّلَالِ؛ فَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾، وَكَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتَيْهِمَا لِلْبَرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ وَأَحِطْهُم بِعِنَايَتِكَ، وَاجْعَلْهُم هُدَاةً مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ. وَأَصْلِحْ بِهِمَا الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ. اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا. اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ المُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَأَكْلَأْنَا بِرِعَايَتِكَ، وَاحْطِنَا بِعِنَايَتِكَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى، وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى. وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَامْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ. «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا». اللَّهُمَّ احْفَظِ الأَبْنَاءَ وَالْبَنَاتَ، وَاجْعَلْهُمْ قُرَّةَ أَعْيُنٍ لِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ وَأَحِطْهُمْ بِعِنَايَتِكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا وَإِيَّاهُمْ مِنْ مُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمُؤَدِّي الزَّكَاةِ.

اللَّهُمَّ نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ فَأَرْسِلْ عَلَيْنَا السَّمَاءَ مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ وَنَـجْأَرُ إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، وَلا سُقْيَا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدْمٍ وَلا غَرَقٍ، "اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللهم صيّباً نافعاً، اللهم صيّباً نافعاً، اللَّهُمَّ اِفْتَحْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ! اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ عَامِلْنَا بِـمَا أَنْتَ أَهْلُهُ، وَلَا تُعَامِلْنَا بِـمَا نَـحْنُ أَهْلُهُ، أَنْتَ أَهْلُ الْـجُودِ وَالْكَرَمِ، وَالْفَضْلِ والإِحْسَانِ، اللَّهُمَّ اِرْحَمْ بِلَادَكَ، وَعِبَادَكَ، اللَّهُمَّ اِرْحَمْ الشُّيُوخَ الرُّكَّعَ، وَالْبَهَائِمَ الرُّتَّعَ اللَّهُمَّ اِسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَـجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِيـنَ. اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، يَا ذَا الجـلَالِ، والإِكْرامِ، يَا ذَا الجـلَالِ، والإِكْرامِ، أَكْرِمْنَا وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. هَذَا فَصَلُّوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى مَن أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَلَا وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ، يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ.

المرفقات

1767186114_خُطْبَةُ مُنَجِّمِي الزَّمَانِ.docx

1767186120_خُطْبَةُ مُنَجِّمِي الزَّمَانِ.pdf

المشاهدات 66 | التعليقات 0