خُطْبَةٌ مُنَاسِبَةٌ لِبَدْءِ الدِّرَاسَةِ 2 صَفَر 1445

محمد بن مبارك الشرافي
1445/01/29 - 2023/08/16 21:12PM

الْحَمْدُ للهِ ذِي الْعِزِّ وَالسُّلْطَانِ، أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هُدًىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عَظِيمِ الْإِحْسَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ عَظِيمُ الشَّان، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجَانّ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلِّمَ وَبَارِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الْفَضْلِ وَالإِيمَان.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: بَعْدَ غَدٍ يَنْطَلِقُ أَبْنَاؤُنَا وَبَنَاتُنَا لِمَدَارِسِهِمْ، مُبْتَدِئِينَ عَامًا دِرَاسِيًّا جَدِيدًا مُمْتَدًّا طَوِيلًا لِمُدَّةِ عَشْرَةِ أَشْهَرٌ تَقْرِيبًا، وَهَذَا يَجْعَلُنَا نَقِفُ مَعَ هَذَا الْحَدَثِ وَقَفَاتٍ تَوْجِيهِيَّةً:

(الوَقْفَةُ : الأُولَى) عَلَيْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهِ عَلَى مَا نَعِيشُ فِيهِ مِنْ أَمْنٍ واسْتِقْرَارٍ، وَصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ، بَيْنَمَا مَنْ حَوْلَنَا يَعِيشُونَ فِي بَلاءٍ وَفِتَنٍ، رَفَعَ اللهُ عَنَّا وَعَنْهُمْ كُلَّ مِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ.

(الوَقْفَةُ : الثَّانِيَةُ) عَلَى الأُسْرَةِ التَّهْيِئَةُ الْمَنْزِلِيَّةُ لِلطُّلَّابِ وَالطَّالِبَاتِ لِلْبَدْءِ بِجِدٍّ وَنَشَاطٍ، وَهِيَ تَهْيِئَةٌ نَفْسِيَّةٌ تَدْفَعُهُمْ بِإِذْنِ اللهِ لِاسْتِقْبِالِ عِامِهِمْ بِجِدٍّ  وَنَشَاطٍ.

وَمِنَ التَّهْيِئَةِ : تَجْهِيزُ أَدَوَاتِ الدِّرَاسَةِ وَمُسْتَلْزَمَاتِهَا، وَبَثُّ رُوحِ التَّنَافُسِ، وَالنَّظَرُ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَالتَّفَاؤُلُ بِالْخَيْرِ.

فَأَخْبِرُوا أَوْلَادَكُمْ – مِنْ بَينِنَ وَبَنَاتٍ - أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ عِبَادَةٌ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللهِ, فَإِنْ كَانَتِ العُلُومُ شَرْعِيَّةً فَالأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا عِبَادَةٌ, وَإِنْ كَانِتِ العُلومُ طَبِيعِيَّةً فَفِيهَا خَيْرٌ كَذَلِكَ, لِأَنَّهَا قِيَامٌ بِحَاجَةِ المسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الأَبْوَابِ, كَالطِّبِّ وَالهَنْدَسَةِ وَغَيْرِهَا, وَهَذِهِ يُؤْجَرُ عَلَيهَا الإِنَسَانُ إِذَا احْتَسَبَ الأَجْرِ.

عَلِّمُوا أَوْلَادِكُمْ أَنَّ العِلْمَ يَرْفَعُ مِنْ قِيمَةِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ اللهِ, وَيَرْفَعُ كَذِلِكَ  مَكَانَتِهِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَقُولُوا لهَمْ إِنَّ الْعِلْمَ وَطَلَبَهُ، هُوَ أَسَاسُ التَّقَدُّمِ وَالْحَضَارَةِ، وَذَكِّرُوهُمْ بِأَنَّ أَجْدَادَهُمْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَادَةَ الْعَالَمِ فِي الْعِلْمِ، وَأَنَّ حَضَارَاتِ الْغَرْبِ المَادِيَّةَ التِي تُبْهِرُ النَّاسَ، بَنَوْهَا عَلَى عُلُومِ الْمُسْلِمِينَ.

ذَكِّرُوهُمْ بِمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ قِيمَةِ صَاحِبِ الْعِلْمِ:

تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا

                             وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ

وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لا عِلْمَ عِنْدَهُ

                          صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْجَحَافِلُ

وَإِنَّ صَغِيرَ الْقَوْمِ إِنْ كَانَ عَالِمًا

                            كَبِيرٌ إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ الْمَحَافِلُ

(الوَقْفَةُ: الثَّالِثَةُ) أَنْ نُبِيَّنَ لِأَوْلَادنَا فَضْلَ الْعِلْمِ، وَنُذَكِّرَهُمْ بِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون} وَقَوْلِهِ {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون}, وَقَوْلِهِ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) وَغَيْرِهَا مِنَ الآيَاتِ.

وَبِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ، وَمِن ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ, إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْر)

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا, وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)

وَعَنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يِفُقَهْهُ فِي الدِّينِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ, فَمَنْ لَمْ يَفْقَهْ فِي دِينِ اللهِ فَهَذِهِ عَلامَةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا، فَكَفَى بِذَلِكَ نَدَامَةً وَخُذْلَانًا. اللَّهُمَّ فَقِّهْنَا فِي الدِّينِ، وَارْزُقْنَا الْعِلْمَ النَّافِعَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفُرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: لَا يَزَالُ الْحدِيثُ مَوْصُولًا عَنِ التَّهْيِئَةِ لِلْعَامِ الدِّرَاسِيِّ الْجَدِيدِ، وَأُوَجِّهُ كَلِمَاتِي هَذِهِ لِإِخْوَانِي الْمُعَلِّمِينَ، الذِينَ هُمْ مَصَابِيحُ الدُّجَى لِأَوْلَادِنَا، فَأَقُولُ أَيُّهَا المعَلِّمُونَ الفُضَلَاءِ : اعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ أَثَرًا بَالِغًا فِي تَرْبِيَةِ الطُّلَّابِ، وَأَنَّهُمْ إِذَا أَحَبُّوكُمْ قَبِلُوا مِنْكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، فَهُمْ أَمَانَةٌ فِي رِقَابِكُمْ، فَاتَّقُوا اللهَ فِيمَا تَعُلِّمُونَهُمْ، وَأَخْلِصُوا النُّصْحَ لَهُمْ، وَاضْبِطُوا المادَةَ بِالتَّحْضِيرِ الجَيِّدِ, وَاحْتَسِبُوا الْأَجْرَ، فَإِنَّ مَا تَغْرِسُونَهُ فِيهِمْ هُوَ مِنَ الْوَقْفِ الذِي يَجْرِي عَلَيْكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ، فَالْمُعَلُّمُ هُوَ الْأَسَاسُ لِكُلِّ حَضَارَةٍ، وَهُوَ الْأَسَاسُ لِكُلِّ صِنَاعَةٍ، فَمِنْ تَحْتِ يَدِيْهِ تَخَرَّجَ الْعَالِمُ، وَالطّبِيبُ، وَالْمُهَنْدِسُ، وَالطَّيَّارُ، وَكُلُّ صَاحِبِ فَنٍّ وَمِهْنَةٍ، هُمْ صَانِعُوا الْأَجْيَالِ، وَبِمَا زَرَعُوا فِيهِمْ تَحْصُدُ دَوْلَتُهُمْ, بَلِ الْعَالَمُ أَجْمَعُ.

ثُمَّ أُوَجِّهُ نَصِيحَةً لِأَبْنَائنَا الطُّلابِ، فَأَقُولُ جِدُّوا وَاجْتَهِدُوا، فَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّامٌ قَلائِلُ، وَتَتَخَرَّجُونَ، وَتَكُونُوا قَادَةً لِأُمَّتِكُمْ، وَالْأُمَّةُ بِحَاجَةٍ لِأَمْثَالِكُمْ، لِيَكُنْ لَكُمْ طُمُوحٌ فِي نَفْعِ الْأُمَّةِ، وَأَنْ تَكُونُوا مِنْ أَعْمِدَةِ نَجَاحِهَا، وَمَنِ اجْتَهَدَ أَعَانَهُ اللهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ {وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.

عَلَيْكُمْ بِالْبِدَايَةِ الْقَوِيَّةِ مِنْ أَوِّلِ يَوْمٍ، لا تُكْثِرُوا الْغِيَابَ غَيْرَ الْمُبَرَّرِ، فَهَذَا يَهْدِمُ مَا جَنَيْتُمْ مِنْ عُلُومٍ، وَارْبِطُوا الْعِلْمَ بِالْعِلْمِ، وَاسْتَفِيدُوا مِنْ مُعَلِّمِيكُمْ، كُونُوا قُدْوَةً صَالِحَةً لِزُمَلائِكُمْ، فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، وَحُسْنِ الطَّلَبِ، وَالْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ، احْذَرُوا مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ، الذِي يَدُلُّكُمْ عَلَى سُوءِ الْأَخْلاقِ وَالْأَفْعَالِ، وَيِميلُونَ بِكُمْ عَنْ جَادِّةِ الصَّوَابِ، وَمَا أَكْثَرَهُمْ, لا كَثَّرَهُمُ اللهُ.

مَعَاشِرَ الطُّلَّابِ: خَطِّطُوا لِحَياتِكُمْ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ، وَلا تَعِيشُوا هَمَلًا بِلَا تَخْطِيطٍ، وَاجْعَلُوهَا للهِ وَفِي اللهِ، فَكُلُّ عَمَلٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يَكُونُ للهِ، إِذَا صَاحَبَهُ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ شَبَابَنَا وَشَابَّاتِنَا فِي عَامِهُمُ الدِّرَاسِيُّ الْجَدِيدُ، وَاجْعَلْهُ حَافِلًا بِالْخَيْرِ وَالْعَطَاءِ، وَانْفَعْ بِهِمْ أَهْلَهَمُ وَأَمَّتَهُمْ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحاً اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا, اللَّهُمَّ أَكْرِمْنِا وَلَا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

المرفقات

1692209558_خُطْبَةٌ مُنَاسِبَةٌ لِبَدْءِ الدِّرَاسَةِ 2 صفر 1445.docx

المشاهدات 2328 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا