خطبة: ملتقى حاتم ؟ أم ملتقى عدي بن حاتم ؟
مشاري بن عيسى المبلع
1435/07/03 - 2014/05/02 10:35AM
كتبت هذه الخطبة بمناسبة إقامة ما يسمى " ملتقى حاتم الطائي الثاني " في حائل.
الحمد لله الذي خلق الجن والإنس ليعبدوه، وتعرف لهم ليقصدوه، وأرسل إليهم رسلا منهم بالبينات ليوحدوه، أحمده – سبحانه – وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأستغفره من جميع الذنوب والآثام. وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ونبيه، بالهدى ودين الحق أرسله. اللهم فصل على رسولك مولانا محمد خير إنسان، وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد، عباد الله فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله كما أوصاكم، وانتهوا عما عنه نهاكم. [ وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ].
أيها الموحدون! روى الإمام ابن كثير خبرا وصححه، عن عدِّي بنِ حاتمٍ الطائي – رضي الله عنه – أنه كان يقول ما رجلٌ من العربِ كان أشدَّ كراهةٍ لرسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - حين سمع به مني، أما أنا فكنتُ امرءًا شريفًا، وكنتُ نصرانيًّا، وكنتُ أسيرُ في قومي بالمِرباعِ – أي يأخذ ربع مغانمهم - وكنتُ في نفسي على دِينٍ، وكنتُ ملِكًا في قومي؛ لما كان يصنعُ بي. فلما سمعتُ برسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – كرهتُه، فقلتُ لغلامٍ كان لي عربيٌّ وكان راعيًا لإبلي: لا أبا لك! أعددُ لي من إبلي أجمالًا ذللا سمانًا فاحتَبِسْها قريبًا مني، فإذا سمعتَ بجيشٍ لمحمدٍ قد وطئَ هذه البلادَ فآذِنِّي، ففعل، ثم إنه أتاني ذاتِ غداةٍ فقال: يا عديُّ! ما كنتَ صانعًا إذا غشَيتْك خيلُ محمدٍ فاصنَعْه الآن، فإني قد رأيتُ راياتٍ فسألتُ عنها فقالوا: هذه جيوشُ محمدٍ. قال: قلتُ: فقرِّبْ إليَّ أجمالي، فقرَّبها فاحتملتُ بأهلي وولدي، ثم قلتُ أَلحقُ بأهل ديني من النصارى بالشامِ فسلكتُ الحُوشِيَّةَ وخلَّفتُ بنتًا لحاتمٍ في الحاضرِ فلما قدمتُ الشامَ أقمتُ بها فتخالفَتْني خيلُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فتصيَّبتْ ابنةَ حاتمٍ فيمن أصابت فقدِم بها على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سبايا من طَيِّءٍ وقد بلغ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هربي إلى الشامِ قال فجُعِلَتِ ابنةُ حاتمٍ في حظيرةٍ ببابِ المسجدِ كانت السبايا تُحبَسُ بها فمرَّ بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقامت إليه وكانت امرأةً جزلةً فقالت يا رسولَ اللهِ هلك الوالدُ وغاب الوافدُ فامنُنْ عليَّ مَنَّ اللهُ عليك قال ومن وافدُك قالت عديُّ بنُ حاتمٍ قال الفارُّ من اللهِ ورسولِه قالت ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغدُ مرَّ بي فقلتُ له مثلَ ذلك وقال لي مثلَ ما قال بالأمسِ قالت حتى إذا كان بعد الغدِ مرَّ بي وقد يئِستُ فأشار إليَّ رجلٌ خلفَه أنْ قومي فكَلِّمِيه قالت فقمتُ إليه فقلتُ يا رسولَ اللهِ هلك الوالدُ وغاب الوافدُ فامنُنْ عليَّ منَّ اللهُ عليك فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد فعلتُ فلا تعْجَلي بخروجٍ حتى تجدي من قومِك من يكون لك ثقةً حتى يُبَلِّغَك إلى بلادكِ ثم آذِنيني فسألتُ عن الرجلِ الذي أشار إلي أن كلِّميه فقيل لي عليُّ بنُ أبي طالبٍ قالت فقمتُ حتى قدِم من بَلى أو قُضاعةَ قالت وإنما أريد أن آتيَ أخي بالشامِ فجئتُ فقلتُ يا رسولَ اللهِ قد قدم رهطٌ من قومي لي فيهم ثقةٌ وبلاغٌ قالت فكساني وحمَلني وأعطاني نفقةً فخرجتُ معهم حتى قدمتُ الشامَ قال عديٌّ فواللهِ إني لقاعدٌ في أهلي فنظرتُ إلى ظعينةٍ تصوب إلى قومِنا قال فقلتُ ابنةُ حاتمٍ قال فإذا هي هي فلما وقفتْ عليَّ استَحَلَّتْ تقولُ القاطعُ الظالمُ احتملتَ بأهلِك وولدِك وتركتَ بقِيَّةَ والدِك عورتِك قال قلتُ أيْ أُخَيَّةَ لا تقولي إلا خيرًا فواللهِ مالي من عذرٍ لقد صنعتُ ما ذكرتِ قال ثم نزلتْ فأقامتْ عندي فقلتُ لها وكانت امرأةً حازمةً ماذا ترين في أمرِ هذا الرجلِ قالت أرى واللهِ أن تلحقَ به سريعًا فإن يكن الرجلُ نبيًّا فللسابقِ إليه فضلُه وإن يكن ملِكًا فلن تزَلْ في عزِّ اليمنِ وأنت أنت قال قلتُ واللهِ إنَ هذا الرأيُ قال فخرجتُ حتى أقدمَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ فدخلتُ عليه وهو في مسجدِه فسلمتُ عليه فقال من الرجلُ فقلتُ عديُّ بنُ حاتمٍ فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وانطلق بي إلى بيتِه فواللهِ إنه لعامدٌ بي إليه إذ لقِيَتْه امرأةٌ ضعيفةٌ كبيرةٌ فاستوقَفَتْه فوقف لها طويلًا تُكلِّمه في حاجتِها قال قلتُ في نفسي واللهِ ما هذا بملِكٍ قال ثم مضى بي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى إذا دخل بيتَه تناول وسادةً من أدَمٍ مَحشُوَّةٍ لِيفًا فقذفها إليَّ فقال اجلِسْ على هذه قال قلتُ بل أنت فاجلسْ عليها قال بل أنت فجلستُ وجلس رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأرضِ قال قلتُ في نفسي واللهِ ما هذا بأمرِ ملَكٍ ثم قال إيه يا عديُّ بنَ حاتمٍ ألم تكُ رَكوسيًّا قال قلتُ بلى قال أو لم تكن تسيرُ في قومِك بالمِرباعِ قال قلتُ بلى قال فإنَّ ذلك لم يكن يَحِلُّ لك في دِينِك قال قلتُ أجَلْ واللهِ قال وعرفتُ أنه نبيٌّ مرسلٌ يعلم ما يجهلُ ثم قال لعلكَ ياعديُّ إنما يمنعك من دخولِ في هذا الدينِ ما ترى من حاجتِهم فواللهِ ليوشِكنَّ المالُ أن يُفيضَ فيهم حتى لا يوجد من يأخذُه ولعلك إنما يمنعُك من دخولٍ فيه ما ترى من كثرةِ عدوِّهم وقلَّةِ عددِهم فواللهِ ليوشِكَنَّ أن تسمعَ بالمرأةِ تخرجُ من القادسيةِ على بعيرِها حتى تزورَ هذا البيتَ لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من دخولٍ فيه أنك ترى أن المُلكَ والسلطانَ في غيرِهم وأَيْمُ اللهِ ليوشِكَنَّ أن تسمعَ بالقصورِ البِيض ِمن أرضِ بابلٍ قد فُتِحَتْ عليهم قال فأسلمتُ قال فكان عديٌّ يقول مضتِ اثنتانِ وبقيتِ الثالثةُ واللهِ لتكوننَّ وقد رأيتُ القصورَ البيضَ من أرضِ بابلٍ قد فُتِحَتْ ورأيتُ المرأةَ تخرج من القادسيَّةِ على بعيرِها لا تخافُ حتى تحجَّ هذا البيتَ وأَيْمُ اللهِ لتكوننَّ الثالثةُ لَيفيضُ المالَ حتى لا يوجدَ من يأخذُه.
أيها الموحدون! هذه قصة الصحابي الجليل عدي بن حاتم الطائي – رضي الله عنه -، إنه ليحق لكل مسلم أن يرفع رأسا بصحابي جليل صحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولو طرفة عين، فكيف بصحابي قد شهد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعض مشاهده، ثم كان هذا الصحابي – رضي الله عنه – شوكة في حلوق المرتدين، فحارب بقومه من ارتد عن دين الله بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم قاتل هو وقومه الروم أيام خلافة الصديق ثم الفاروق – رضي الله عنهم أجمعين -.
أيها الموحدون! من أكثر الناس تعظيما وتوقيرا للرجل نفسه؟ أليس ابنه الذي من صلبه؟ فهل نقل لنا أن عديا – رضي الله عنه – قد أقام ملتقى أو مزارا تذكر فيه مناقب والده الذي مات على الشرك؟ أو سمى تجمعات أو ندوات باسم والده؟ أو فعل ذلك أحد من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ أليس عدي هو الصحابي الجليل الذي يحق لنا، وحُق لمن قبلنا، ويحق لمن بعدنا أن يفتخر به بلا خلاف؟ إن الشرك ومقدماته لا تبدأ كبيرة، بل هي من خطوات الشيطان التي يبدأ بأصغرها فالأكبر منها، وما تعظيم أسماء المشركين – ولو ماتوا على سيرة حسنة من كريم الأخلاق ومحاسن الذكر – إلا واحدة من تلك الخطوات، وقوم نوح إنما أوقعهم في الشرك حسن نيتهم بتصوير صور الصالحين من أقوامهم، حتى وقعوا في الشرك الأكبر. ونبينا – صلى الله عليه وسلم – خير أسوة، فمع حسن سيرة جده وأبيه وبعض أعمامه، إلا إنه لم يعقد لذكر سيرهم نواد أو ملتقيات.
والخوف من الشرك – أيها المسلمون - يجب أن يكون هو ديدن أهل التوحيد؛ اقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – إذ إنه مع اتخاذ الله له خليلا، ومع كبر سنه، ومحاربته للشرك فيه فتوته وقبل كِبَره، لم يزل هاجس الخوف من الشرك يشغل باله فيقول:[ رب اجعل هذا البلد ءامنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ]، فماذا عسانا أن نقول بعده؟! ربنا اجنبنا وبنينا أن نعبد الأصنام، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
الحمد لله الذي خلق الجن والإنس ليعبدوه، وتعرف لهم ليقصدوه، وأرسل إليهم رسلا منهم بالبينات ليوحدوه، أحمده – سبحانه – وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأستغفره من جميع الذنوب والآثام. وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ونبيه، بالهدى ودين الحق أرسله. اللهم فصل على رسولك مولانا محمد خير إنسان، وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد، عباد الله فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله كما أوصاكم، وانتهوا عما عنه نهاكم. [ وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون ].
أيها الموحدون! روى الإمام ابن كثير خبرا وصححه، عن عدِّي بنِ حاتمٍ الطائي – رضي الله عنه – أنه كان يقول ما رجلٌ من العربِ كان أشدَّ كراهةٍ لرسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - حين سمع به مني، أما أنا فكنتُ امرءًا شريفًا، وكنتُ نصرانيًّا، وكنتُ أسيرُ في قومي بالمِرباعِ – أي يأخذ ربع مغانمهم - وكنتُ في نفسي على دِينٍ، وكنتُ ملِكًا في قومي؛ لما كان يصنعُ بي. فلما سمعتُ برسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – كرهتُه، فقلتُ لغلامٍ كان لي عربيٌّ وكان راعيًا لإبلي: لا أبا لك! أعددُ لي من إبلي أجمالًا ذللا سمانًا فاحتَبِسْها قريبًا مني، فإذا سمعتَ بجيشٍ لمحمدٍ قد وطئَ هذه البلادَ فآذِنِّي، ففعل، ثم إنه أتاني ذاتِ غداةٍ فقال: يا عديُّ! ما كنتَ صانعًا إذا غشَيتْك خيلُ محمدٍ فاصنَعْه الآن، فإني قد رأيتُ راياتٍ فسألتُ عنها فقالوا: هذه جيوشُ محمدٍ. قال: قلتُ: فقرِّبْ إليَّ أجمالي، فقرَّبها فاحتملتُ بأهلي وولدي، ثم قلتُ أَلحقُ بأهل ديني من النصارى بالشامِ فسلكتُ الحُوشِيَّةَ وخلَّفتُ بنتًا لحاتمٍ في الحاضرِ فلما قدمتُ الشامَ أقمتُ بها فتخالفَتْني خيلُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فتصيَّبتْ ابنةَ حاتمٍ فيمن أصابت فقدِم بها على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سبايا من طَيِّءٍ وقد بلغ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هربي إلى الشامِ قال فجُعِلَتِ ابنةُ حاتمٍ في حظيرةٍ ببابِ المسجدِ كانت السبايا تُحبَسُ بها فمرَّ بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقامت إليه وكانت امرأةً جزلةً فقالت يا رسولَ اللهِ هلك الوالدُ وغاب الوافدُ فامنُنْ عليَّ مَنَّ اللهُ عليك قال ومن وافدُك قالت عديُّ بنُ حاتمٍ قال الفارُّ من اللهِ ورسولِه قالت ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغدُ مرَّ بي فقلتُ له مثلَ ذلك وقال لي مثلَ ما قال بالأمسِ قالت حتى إذا كان بعد الغدِ مرَّ بي وقد يئِستُ فأشار إليَّ رجلٌ خلفَه أنْ قومي فكَلِّمِيه قالت فقمتُ إليه فقلتُ يا رسولَ اللهِ هلك الوالدُ وغاب الوافدُ فامنُنْ عليَّ منَّ اللهُ عليك فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد فعلتُ فلا تعْجَلي بخروجٍ حتى تجدي من قومِك من يكون لك ثقةً حتى يُبَلِّغَك إلى بلادكِ ثم آذِنيني فسألتُ عن الرجلِ الذي أشار إلي أن كلِّميه فقيل لي عليُّ بنُ أبي طالبٍ قالت فقمتُ حتى قدِم من بَلى أو قُضاعةَ قالت وإنما أريد أن آتيَ أخي بالشامِ فجئتُ فقلتُ يا رسولَ اللهِ قد قدم رهطٌ من قومي لي فيهم ثقةٌ وبلاغٌ قالت فكساني وحمَلني وأعطاني نفقةً فخرجتُ معهم حتى قدمتُ الشامَ قال عديٌّ فواللهِ إني لقاعدٌ في أهلي فنظرتُ إلى ظعينةٍ تصوب إلى قومِنا قال فقلتُ ابنةُ حاتمٍ قال فإذا هي هي فلما وقفتْ عليَّ استَحَلَّتْ تقولُ القاطعُ الظالمُ احتملتَ بأهلِك وولدِك وتركتَ بقِيَّةَ والدِك عورتِك قال قلتُ أيْ أُخَيَّةَ لا تقولي إلا خيرًا فواللهِ مالي من عذرٍ لقد صنعتُ ما ذكرتِ قال ثم نزلتْ فأقامتْ عندي فقلتُ لها وكانت امرأةً حازمةً ماذا ترين في أمرِ هذا الرجلِ قالت أرى واللهِ أن تلحقَ به سريعًا فإن يكن الرجلُ نبيًّا فللسابقِ إليه فضلُه وإن يكن ملِكًا فلن تزَلْ في عزِّ اليمنِ وأنت أنت قال قلتُ واللهِ إنَ هذا الرأيُ قال فخرجتُ حتى أقدمَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ فدخلتُ عليه وهو في مسجدِه فسلمتُ عليه فقال من الرجلُ فقلتُ عديُّ بنُ حاتمٍ فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وانطلق بي إلى بيتِه فواللهِ إنه لعامدٌ بي إليه إذ لقِيَتْه امرأةٌ ضعيفةٌ كبيرةٌ فاستوقَفَتْه فوقف لها طويلًا تُكلِّمه في حاجتِها قال قلتُ في نفسي واللهِ ما هذا بملِكٍ قال ثم مضى بي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى إذا دخل بيتَه تناول وسادةً من أدَمٍ مَحشُوَّةٍ لِيفًا فقذفها إليَّ فقال اجلِسْ على هذه قال قلتُ بل أنت فاجلسْ عليها قال بل أنت فجلستُ وجلس رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالأرضِ قال قلتُ في نفسي واللهِ ما هذا بأمرِ ملَكٍ ثم قال إيه يا عديُّ بنَ حاتمٍ ألم تكُ رَكوسيًّا قال قلتُ بلى قال أو لم تكن تسيرُ في قومِك بالمِرباعِ قال قلتُ بلى قال فإنَّ ذلك لم يكن يَحِلُّ لك في دِينِك قال قلتُ أجَلْ واللهِ قال وعرفتُ أنه نبيٌّ مرسلٌ يعلم ما يجهلُ ثم قال لعلكَ ياعديُّ إنما يمنعك من دخولِ في هذا الدينِ ما ترى من حاجتِهم فواللهِ ليوشِكنَّ المالُ أن يُفيضَ فيهم حتى لا يوجد من يأخذُه ولعلك إنما يمنعُك من دخولٍ فيه ما ترى من كثرةِ عدوِّهم وقلَّةِ عددِهم فواللهِ ليوشِكَنَّ أن تسمعَ بالمرأةِ تخرجُ من القادسيةِ على بعيرِها حتى تزورَ هذا البيتَ لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من دخولٍ فيه أنك ترى أن المُلكَ والسلطانَ في غيرِهم وأَيْمُ اللهِ ليوشِكَنَّ أن تسمعَ بالقصورِ البِيض ِمن أرضِ بابلٍ قد فُتِحَتْ عليهم قال فأسلمتُ قال فكان عديٌّ يقول مضتِ اثنتانِ وبقيتِ الثالثةُ واللهِ لتكوننَّ وقد رأيتُ القصورَ البيضَ من أرضِ بابلٍ قد فُتِحَتْ ورأيتُ المرأةَ تخرج من القادسيَّةِ على بعيرِها لا تخافُ حتى تحجَّ هذا البيتَ وأَيْمُ اللهِ لتكوننَّ الثالثةُ لَيفيضُ المالَ حتى لا يوجدَ من يأخذُه.
أيها الموحدون! هذه قصة الصحابي الجليل عدي بن حاتم الطائي – رضي الله عنه -، إنه ليحق لكل مسلم أن يرفع رأسا بصحابي جليل صحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولو طرفة عين، فكيف بصحابي قد شهد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعض مشاهده، ثم كان هذا الصحابي – رضي الله عنه – شوكة في حلوق المرتدين، فحارب بقومه من ارتد عن دين الله بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم قاتل هو وقومه الروم أيام خلافة الصديق ثم الفاروق – رضي الله عنهم أجمعين -.
أيها الموحدون! من أكثر الناس تعظيما وتوقيرا للرجل نفسه؟ أليس ابنه الذي من صلبه؟ فهل نقل لنا أن عديا – رضي الله عنه – قد أقام ملتقى أو مزارا تذكر فيه مناقب والده الذي مات على الشرك؟ أو سمى تجمعات أو ندوات باسم والده؟ أو فعل ذلك أحد من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ أليس عدي هو الصحابي الجليل الذي يحق لنا، وحُق لمن قبلنا، ويحق لمن بعدنا أن يفتخر به بلا خلاف؟ إن الشرك ومقدماته لا تبدأ كبيرة، بل هي من خطوات الشيطان التي يبدأ بأصغرها فالأكبر منها، وما تعظيم أسماء المشركين – ولو ماتوا على سيرة حسنة من كريم الأخلاق ومحاسن الذكر – إلا واحدة من تلك الخطوات، وقوم نوح إنما أوقعهم في الشرك حسن نيتهم بتصوير صور الصالحين من أقوامهم، حتى وقعوا في الشرك الأكبر. ونبينا – صلى الله عليه وسلم – خير أسوة، فمع حسن سيرة جده وأبيه وبعض أعمامه، إلا إنه لم يعقد لذكر سيرهم نواد أو ملتقيات.
والخوف من الشرك – أيها المسلمون - يجب أن يكون هو ديدن أهل التوحيد؛ اقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – إذ إنه مع اتخاذ الله له خليلا، ومع كبر سنه، ومحاربته للشرك فيه فتوته وقبل كِبَره، لم يزل هاجس الخوف من الشرك يشغل باله فيقول:[ رب اجعل هذا البلد ءامنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ]، فماذا عسانا أن نقول بعده؟! ربنا اجنبنا وبنينا أن نعبد الأصنام، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
المشاهدات 3127 | التعليقات 2
جزاك ربي خيرا
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بورك فيك شيخ مشاري وكتب الله أجرك أجدت وأفدت
تعديل التعليق