خطبة : ( مفاتيح القلوب في الاجتماعات)

عبدالله البصري
1437/10/03 - 2016/07/08 08:09AM
مفاتيح القلوب في الاجتماعات
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِن فَضلِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ بَعدَ انقِضَاءِ رَمَضَانَ وَتَوَلِّي أَيَّامِ الصَّومِ ، أَن شَرَعَ لَهُم عِيدًا يَفرَحُونَ فِيهِ وَيَتَزَاوَرُونَ وَيَجتَمِعُونَ ، فَيُسَلِّمُ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ ، وَيُجَدِّدُونَ العَهدَ بِبَعضِهِم ، وَتَزدَادُ المَحَبَّةُ فِيمَا بَينَهُم وَتَقوَى الأُلفَةُ ، وَلا شَكَّ أَنَّ مِن صِفَاتِ المَرءِ المُؤمِنِ أَن يَألَفَ النَّاسَ وَيَألَفُوهُ ، وَيُحِبَّهُم وَيُحِبُّوهُ ، وَيَأنَسَ بِهِم وَيَأنَسُوا بِهِ ، وَفي الحَدِيثِ : " المُؤمِنُ يَألَفُ وَيُؤلَفُ ، وَلا خَيرَ فِيمَن لا يَألَفُ وَلا يُؤلَفُ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَلَمَّا كَانَ مُستَقَرُّ المَحَبَّةِ وَمُستَودَعُهَا هُوَ القَلبَ ، وَكَانَ لا بُدَّ لِلمُستَودَعِ مِن مَفَاتِيحِ ، كَانَ مِن تَوفِيقِ اللهِ لِلمُسلمِ أَن تَكُونَ لَدَيهِ المَفَاتِيحُ المُنَاسِبَةُ ، الَّتِي تُمَكِّنُهُ مِن الوُلُوجِ إِلى قُلُوبِ النَّاسِ وَامتِلاكِهَا ، وَنَيلِ مَحَبَّتِهِم وَتَحصِيلِ مَوَدَّتِهِم ...
وَلَعَلَّ مِنَ المُنَاسِبِ في هَذِهِ الأَيَّامِ وَمَعَ تَعَدُّدِ الاجتِمَاعَاتِ وَكَثرَةِ مُقَابَلَةِ ذَوِي الأَرحَامِ وَلِقَاءِ الأَحبَابِ وَالأَصحَابِ ، التَّذكِيرَ بِبَعضِ مَا تَتَقَارَبُ بِهِ القُلُوبُ ، وَتَنتَشِرُ بِهِ المَحَبَّةُ وَتَزدَادُ الأُلفَةُ ، لَعَلَّنَا أَن نَأخُذَ بِهِ أَو بما نَستَطِيعُهُ مِنهُ ، فَنَألَفَ وَنُؤلَفَ وَنُحِبَّ وَنُحَبَّ ... فَمِمَّا تَتَقَارَبُ بِهِ القُلُوبُ الابتِسَامَةُ ، وَهِيَ أَسهَلُ مَا تُملَكُ بِهِ القُلُوبُ وَأَسرَعُ طَرِيقٍ لِلوُلُوجِ إِلَيهَا ، وَلِذَلِكَ كَانَت عِبَادَةً يُؤجَرُ عَلَيهَا صَاحِبُهَا ، وَصَدَقَةً مِنهُ عَلَى أَخِيهِ ، وَفي الحَدِيثِ : " تَبَسُّمُكَ في وَجهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا وَلَو أَن تَلقَى أَخَاكَ بِوَجهٍ طَلِيقٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمَهمَا كَانَ لَدَى أَحَدِنَا – أَيُّهَا الإِخوَةُ - مِن شَوَاغِلَ أَو هُمُومٍ أَو غُمُومٍ ، أَو مُتَغَيِّرَاتٍ وَأَحوَالٍ مُتَقَلِّبَةٍ ، قَد تُضَيِّقُ صَدرَهُ أَو تَحبِسُ نَفسَهُ ، أَو تَذهَبُ بِبَعضِ أُنسِهِ وَفَرَحِهِ ، فَلْيَعلَمْ أَنَّهُ لَيسَ بِأَكثَرَ هَمًّا مِن رَسُولِ اللهِ ، وَمَعَ هَذَا لم يَكُنْ أَحَدٌ أَكثَرَ تَبَسُّمًا مِنهُ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم - ، وَمِن ثَمَّ أَحَبَّهُ أَصحَابُهُ وَأَلِفُوهُ وَأَنِسُوا بِهِ ، حَتَّى صَارَ مَن يَلقَاهُ يَظُنُّ أَنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيهِ ، فَفِي الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبدِاللهِ البَجَلِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ ، قَالَ : مَا حَجَبَني النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مُنذُ أَسلَمتُ ، وَلا رَآني إِلاَّ تَبَسَّمَ في وَجهِي . وَعَن عَبدِاللهِ بنِ الحَارِثِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ : مَا رَأَيتُ أَحَدًا أَكثَرَ تَبَسُّمًا مِن رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَمِمَّا تَتَقَارَبُ بِهِ القُلُوبُ البَدءُ بِالسَّلامِ وَإِفشَاؤُهُ ، فَمَعَ التَّبَسُّمِ وَالبَشَاشَةِ وَبَسطِ الوَجهِ ، وَطَلاقَةِ المُحَيَّا وَانفِرَاجِ الأَسَارِيرِ ، مَا أَجمَلَ أَن يُلقِيَ المُسلِمُ السَّلامَ عَلَى إِخوَانِهِ بِحَرَارَةٍ ، وَيُصَافِحَهُم عِندَ اللِّقَاءِ بِصِدقٍ ، وَيَشُدَّ عَلَى كَفِّ أَخِيهِ بِقُوَّةٍ لِيُشعِرَهُ بِنَبضِ قَلبِهِ نَحوَهُ ، فَيُحِبَّهُ وَيَألَفَهُ . وَفي الحَدِيثِ : " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لا تَدخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا ، وَلا تُؤمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلا أَدُلُّكُم عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلتُمُوهُ تَحَابَبتُم ، أَفشُوا السَّلامَ بَينَكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " أَفشُوا السَّلامَ ، وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ ، وَكُونُوا إِخوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَعِندَ البُخَارِيِّ في الأَدبِ المُفرَدِ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ عَنِ البَرَاءِ عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : " أَفشُوا السَّلامَ تَسلَمُوا "
وَمِمَّا تَتَقَارَبُ بِهِ القُلُوبُ الهَدِيَّةُ ، وَلَهَا في النَّفسِ تَأثِيرٌ عَجِيبٌ ، فَهِيَ تَذهَبُ بِالسَّمعِ وَالبصَرِ وَالقَلبِ وَاللُّبِّ ، وَتَغسِلُ الضَّغِينَةَ وَتَمحُو الشَّحنَاءَ ، وَفي الحدِيثِ : " تَهَادُوا تَحَابُّوا " رَوَاهُ البُخُارِيُّ في الأَدَبِ المُفرَدِ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَمِمَّا يَنبَغِي في الهَدِيَّةِ أَلاَّ يُكَلِّفَ المَرءُ فِيهَا نَفسَهُ فَوقَ طَاقَتِهِ ، كَمَا يَنبَغِي لِلطَّرَفِ الآخَرِ أَلاَّ يَستَقِلَّ هَدِيَّةً مِن أَخِيهِ ، بَل يَفرَحُ بها مَهمَا كَانَت ، وَيَعلَمُ أَنَّهَا مَا جَاءَتهُ إِلاَّ مِن مُحِبٍّ ، لِتَكُونَ رَسُولَ مَحَبَّةٍ وَمَبعُوثَ تَكرِيمٍ ، فَلْيُكرِمِ الرَّسُولَ وَلْيَحتَفِ بِالمَبعُوثِ ، وَلْيَستَكثِرِ الهَدِيَّةَ مَهمَا كَانَت صَغِيرَةً أَو قَلِيلَةً . قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَو دُعِيتُ إِلى ذِرَاعٍ أَو كُرَاعٍ لأَجَبتُ ، وَلَو أُهدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَو كُراَعٌ لَقَبِلتُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَمِمَّا تَتَقَارَبُ بِهِ القُلُوبُ وَخَاصَّةً في المَجَالِسِ وَالاجتِمَاعَاتِ تَجَنُّبُ الجِدَالِ وَالمِرَاءِ ، وَعَدَمُ اعتِدَادِ المَرءِ بِرَأيِهِ ، أَو فَرَحُهُ بِارتِفَاعِ صَوتِهِ عَلَى الآخَرِينَ أَو تَسَيُّدِهِ المَجَالِسِ ، فَقد نَهَى - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الجَدَلِ وَالخِصَامِ ، وَتَكَفَّلَ بِبَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ - أَيْ في جَوَانِبِهَا وَنَوَاحِيهَا - لِمَن تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقَّا ، وَالكَلِمَةُ الحَسَنَةُ الطَّيِّبَةُ ، تَجمَعُ القُلُوبَ وَتُسعِدُ النُّفُوسَ ، وَتَشرَحُ الصُّدُورَ وَتَجبُرُ الخَوَاطِرَ ، بِخِلافِ الكَلِمَةِ السَّيِّئَةِ وَالخَبِيثَةِ ، فَإِنَّهَا مِن حَبَائِلِ الشَّيطَانِ الَّتي يَنزَغُ بِهَا بَينَ النَّاسِ ، قَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا " وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ ، وَفِيهِمَا أَيضًا أَنَّهُ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – قَالَ : " وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ " . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
وَإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِرَاءَ فَإِنَّهُ
إِلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وَلِلصَّرمِ جَالِبُ
وَقَالَ آخَرُ :
وَالصَّمتُ أَجمَلُ بِالفَتَى
مِن مَنطِقٍ في غَيرِ حِينِه
كُلُّ امرِئٍ في نَفسِهِ
أَعلَى وَأَشرَفُ مِن قَرِينِه
إِنَّ حُسنَ الاستِمَاعِ لِلمُتَكَلِّمِ ، وَالتَّحَلِّيَ بِأَدَبِ الإِنصَاتِ وَعَدَمِ مُقَاطَعَةِ المُتَحَدِّثِ ، إِنَّهُ لأَدَبٌ نَبَوِيٌّ كَرِيمٌ ، فَقَد كَانَ - صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ - لا يَقطَعُ الحَدِيثَ حَتى يَكُونَ المُتَكَلِّمُ هُوَ الَّذِي يَقطَعُهُ مِن نَفسِهِ ، وَمَن جَاهَدَ نَفسَهُ عَلَى هَذَا الخُلُقِ الفَاضِلِ ، أَحَبَّهُ النَّاسُ وَأُعجِبُوا بِهِ ، بِخِلافِ المَرءِ الكَثِيرِ الثَّرثَرَةِ وَالمُقَاطَعَةِ ، وَمَا أَجمَلَ مَا قَالَ الإِمَامُ عَطَاءٌ - رَحِمَهُ اللهُ - : إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحَدِّثُني بِالحَدِيثِ فَأُنصِتُ لَهُ كَأَنِّي لم أَسمَعْهُ وَقَد سَمِعتُهُ قَبلَ أَن يُولَدَ .
وَمِمَّا تَتَقَارَبُ بِهِ القُلُوبُ إِحسَانُ الظَّنِّ بِالآخَرِينَ ، وَحَملُ كَلامِهِم وَتَصَرُّفَاتِهِم عَلَى أَحسَنِ المَحَامِلِ ، وَالاعتِذَارُ لَهُم وَعَدَمُ إِحرَاجِهِم ، وَقَد جَعَلَ – سُبحَانَهُ - لِنَبِيِّهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - قَاعِدَةً في الأَخلاقِ هِيَ أَجمَلُ قَاعِدَةٍ وَأَكمَلُهَا وَأَسهَلُهَا ، قَالَ – تَعَالى - : " خُذِ العَفوَ وَأْمُرْ بِالعُرفِ وَأَعرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ " وَمَعنى خُذِ العَفوَ ، أَي خُذِ المُتَيَسِّرَ مِمَّا سَمَحَت بِهِ أَنفُسُ النَّاسِ ، وَمَا سَهُلَ عَلَيهِم مِنَ الأَعمَالِ وَالأَخلاقِ ، وَلا تُكَلِّفْهُم مَا لا تَسمَحُ بِهِ طَبَائِعُهُم ، بَلِ اشكُرْ مِن كُلِّ أَحَدٍ مَا قَابَلَكَ بِهِ مِن قَولٍ وَفِعلٍ جَمِيلٍ أَو مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ ، وَتَجَاوَزْ عَن تَقصِيرِهِم وَغُضَّ طَرفَكَ عَن نَقصِهِم ، وَلا تَتَكَبَّرْ عَلَى صَغِيرٍ لِصِغَرِهِ ، وَلا نَاقِصِ عَقلٍ لِنَقصِهِ ، وَلا فَقِيرٍ لِفَقرِهِ ، وَلِكنْ عَامِلِ الجَمِيعَ بِاللُّطفِ وَقَابِلْهُم بما تَقتَضِيهِ الحَالُ وَتَنشَرِحُ لَهُ صُدُورُهُم ، وَمَا أَجمَلَهُ بِالمُسلِمِ أَن يَكُونَ سَهلاً سَمحًا ، مُحِبًّا لِلنَّاسِ بَاسِطًا لِلعُذرِ ، مُتَّقِيًا إِثَارَةَ الخِلافِ وَإِيقَادَ الشَّرِّ ، وَلَو أَن يَستَعمِلَ في ذَلِكَ المُدَارَاةَ وَيَتَّصِفَ بِالتَّغَافُلِ ، فَالتَّلَطُّفُ أَدَبٌ عَالٍ ، وَحُسنُ التَّخَلُّصِ كَمَالُ عَقلٍ ، وَحَتَّى وَلَو كَانَ بِالثَّنَاءِ عَلَى الرَّجُلِ أَحيَانًا بما هُوَ فِيهِ مِن بَعضِ الجَوَانِبِ الخَيِّرَةِ لاتِّقَاءِ شَرِّهِ في جَوَانِبَ أُخرى ، قَالَ الشَّاعِرُ :
لَيسَ الغَبِيُّ بِسَيِّدٍ في قَومِهِ
لَكِنَّ سَيِّدَ قَومِهِ المُتَغَابي
وَمِمَّا تَتَقَارَبُ بِهِ القُلُوبُ أَن يُعلِنَ المَرءُ مَحَبَّتَهُ لِلآخَرِينَ وَمَوَدَّتَهُم كُلَّمَا سَنَحَت لَهُ لِذَلِكَ فُرصَةٌ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُقَوِّي العِلاقَةَ وَيَجمَعُ القُلُوبَ وَيُؤَلِّفُ بَينَهَا ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ - : " إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُم صَاحِبَهُ فَلْيُعلِمْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ " أَخرَجَهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَحرِصْ عَلَى كُلِّ مَا يُقَوِّي العِلاقَاتِ بَينَنَا ، فَإِنَّنَا قَد أُمِرنَا بِذَلِكَ في قَولِ رَبِّنَا : " وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ بَذلَ المَعرُوفِ وَقَضَاءَ حَوَائِجِ الآخَرِينَ ، مِمَّا تَتَآلَفُ بِهِ النُّفُوسُ وَتَقوَى بِهِ المَحَبَّةُ ، سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ بِبَذلِ المَالِ مِمَّن يَملِكُهُ ، أَو كَانَ بِالجَاهِ أَوِ التَوَسُّطِ بِالخَيرِ مِمَّن أُوتِيَ ذَلِكَ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
أَحسِنْ إِلى النَّاسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهُمُ
فَطَالَمَا استَعبَدَ الإِنسَانَ إِحسَانُ
بَل إِنَّ نَفعَ النَّاسِ فَضلاً عَن كَونِهِ يَهَبُ صَاحِبَهُ مَحَبَّتَهُم ، فَإِنَّهُ يَرفَعُ صَاحِبَهُ لِيَنَالَ بِهِ مَحَبَّةَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَأَحسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ - : " أَحَبُّ النَّاسِ إِلى اللهِ أَنفَعُهُم لِلنَّاسِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ حُسنَ خُلُقِ المُسلِمِ مَعَ إِخوَانِهِ وَتَلَطُّفَهُ بِهِم ، وَرِقَّةَ قَلبِهِ وَإظهَارَ رَحمَتِهِ بِهِم وَشَفَقَتِهِ عَلَيهِم ، إِنَّهُ لَمِن عَلَامَاتِ صَلاحِ أَعمَالِهِ وَقَبُولِهَا ، وَإِلاَّ فَمَا قِيمَةُ الصَّلَاةِ إِذَا لم تَنهَ صَاحِبَهَا عَنِ الفَوَاحِشِ وَالمُنكَرَاتِ ؟ مَا قِيمَةُ الصَّومِ إِذَا لم يَكُفَّ صَاحِبَهُ عَنِ الزُّورِ وَفُحشِ القَولِ ؟ وَمَا قِيمَةُ الصَّدَقَةِ إِذَا أَتبَعَهَا صَاحِبُهَا بِمَنٍّ أَو أَذًى ؟ رَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذكَرُ مِن كَثرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا ، غَيرَ أَنَّهَا تُؤذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : " هِيَ في النَّارِ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا ، وَأَنَّهَا تَصَّدَّقُ بِالأَثوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلا تُؤذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : " هِيَ في الجَنَّةِ "
فَمَا أَجمَلَهُ بِنَا - عِبَادَ اللهِ - أَن نُتَرجِمَ أَعَمَالَنَا الصَّالِحَةَ إِلى كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَابتِسَامَةٍ ، وَصِلَةٍ وَبِرٍّ وَإِحسَانٍ ، وَأَن تُرَى آثَارُ طَاعَاتِنَا وَاقِعًا مَحسُوسًا في أَخلاقِنَا ، وَشَاهِدًا مَلمُوسًا في تَعَامُلِنَا ، لا أَن يَكُونَ هُنَاكَ انفِصَامٌ بَينَ مَا نُمَارِسُهُ في مَسَاجِدِنَا مِن شَعَائِرَ ، وَمَا نَتَعَامَلُ بِهِ مَعَ إِخوَانِنَا مِن أَخلاقٍ ، فَالدِّينُ كُلٌّ لا يَتَجَزَّأُ ، وَالأَخذُ بِبَعضِهِ وَتَركُ بَعضِهِ إِنَّمَا هُوَ اتِّبَاعٌ لِخُطُوَاتِ الشَّيطَانِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا في السِّلمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ "
المرفقات

مفاتيح القلوب في الاجتماعات.doc

مفاتيح القلوب في الاجتماعات.doc

مفاتيح القلوب في الاجتماعات.pdf

مفاتيح القلوب في الاجتماعات.pdf

المشاهدات 3338 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا