خطبة مشكولة - حين تكون ناصحاً

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، الرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ، الْوَدُودِ إِلَى خَلْقِهِ، لَا عَنْ حَاجَتِهِ لَهُمْ، وَلَا لِافْتِقَارِهِ إِلَيْهِمْ، بَلْ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْجَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْكَمَالِ، اتَّصَفَ بِالرِّفْقِ وَأَمَرَ بِهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)[الْبَقَرَةِ: 83]، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّهُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْسَعُ الْبَشَرِيَّةِ رَحْمَةً، وَأَكْمَلُهُمْ خُلُقًا، وَعَلَى صَحَابَتِهِ النُّجَبَاءِ وَأَتْبَاعِهِ مِنْ أُمَّتِهِ حَتَّى الْحَوْضِ وُرُودًا.

 

عِبَادَ اللَّهِ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18]؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: خَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ وَأَسْكَنَهُ الْأَرْضَ لِيَتَهَيَّأَ لِعَوْدَتِهِ لِمَسْكَنِهِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَكُلِّفَ بِمُهِمَّةٍ سَامِيَةٍ وَوَظِيفَةٍ شَرِيفَةٍ وَهِيَ عِبَادَتُهُ -سُبْحَانَهُ-، وَلِقِيَامِهِ بِذَلِكَ سَخَّرَ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ عَوْنًا لَهُ لِتَحْقِيقِهِ الْغَايَةَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ وَبِهَا كُلِّفَ، وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ مَدَى ضَعْفِهِ مَعَ كُلِّ هَذِهِ الْوَسَائِلِ بَعَثَ لَهُ رُسُلًا وَأَنْبِيَاءَ يُعَرِّفُونَهُ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ خِلَالِ كُتُبِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا لِبَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْجَزَاءَ؛ فَالْجَنَّةُ لِمَنْ أَطَاعَ وَالنَّارُ لِمَنْ عَصَى؛ (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 123-124].

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ فَضْلِ الْإِلَهِ الْمُشَرِّعِ الْحَكِيمِ أَنَّ شَرَائِعَهُ الْمُنَزَّلَةَ لَمْ تَكُنْ مِثَالِيَّةً جَامِدَةً، وَتَطْبِيقَاتِهَا مُسْتَحِيلَةً غَيْرَ مُمْكِنَةٍ؛ بَلْ جَعَلَهَا سَهْلَةً وَمُيَسَّرَةً فِي أَحْكَامِهَا وَنُظُمِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا حَرَجًا وَلَا عَنَتًا، بَلْ كَانَتْ مُتَوَافِقَةً مَعَ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ الْبَشَرِيَّةِ، مُتَكَيِّفَةً مَعَ صِفَاتِ ضَعْفِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا وَنَقْصِهِ الَّتِي خُلِقَتْ مَعَهُ؛ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الْمُلْكِ: 14].

 

وَانْطِلَاقًا مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ الْإِلَهِيِّ، وَاعْتِبَارًا لِهَذِهِ التَّرْكِيبَةِ الْبَشَرِيَّةِ هَكَذَا تَعَامَلَتِ الرُّسُلُ مَعَ أَقْوَامِهِمْ، وَأَكْمَلُهُمْ فِي ذَلِكَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعَلَى مَنْهَجِهِ أُمِرْنَا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ الْخَلْقِ عُمُومًا وَمَعَ الْمُخَالِفِينَ خُصُوصًا؛ فَمَنِ انْبَرَى لِدَعْوَتِهِ مُبَلِّغًا، وَلِمِيرَاثِهِ نَاشِرًا فَلْيَكُنْ بِهَدْيِهِ مُتَّصِفًا وَلِشَمَائِلِهِ مُقْتَدِيًا وَلِطَرِيقَتِهِ مُتَّبِعًا، وَعَلَى السَّالِكِينَ طَرِيقَهُ مِنَ الدُّعَاةِ وَالْمُرَبِّينَ وَالنَّاصِحِينَ اسْتِحْضَارُ اعْتِبَارَاتٍ مُهِمَّةٍ عِنْدَ دَعْوَتِهِمُ الْآخَرِينَ وَتَقْيِيمُ سُلُوكِهِمْ وَإِصْلَاحُ أَخْطَائِهِمْ؛ مِنْهَا:

تَذَكُّرُ أَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- كَتَبَ الْمَعْصِيَةَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ؛ فَفِي الْحَدِيثِ: "لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ لِيَغْفِرَ لَهُمْ"(السِّلْسِلَةُ الصَّحِيحَةُ)، وَقَوْلُهُ: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"؛ إِذًا فَالْإِنْسَانُ قُدِّرَ عَلَيْهِ الزَّلَلُ وَالْخَطَأُ، وَمِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَلَّا يُقَارِفَ خَطِيئَةً، وَهَذِهِ إِرَادَةٌ كَوْنِيَّةٌ أَرَادَهَا اللَّهُ -تَعَالَى-.

 

وَكَذَا مَعْرِفَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ فِي الْإِنْسَانِ صِفَاتِ ضَعْفٍ وَنَقْصٍ كَثِيرَةً؛ كَالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْعَجَلَةِ وَالظُّلْمِ وَالْجَهْلِ وَالضَّعْفِ؛ وَرَدَتْ بِذَلِكَ نُصُوصٌ كَقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)[الْأَنْبِيَاءِ: 37]، (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[الْأَحْزَابِ: 72]، (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا)[الْمَعَارِجِ: 19]، (لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[الْبَقَرَةِ: 286]، وَقَوْلِ نَبِيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"؛ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ وَغَيْرُهَا مُوجِبَاتٌ لِأَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عُرْضَةً لِلْأَخْطَاءِ وَمَظِنَّةً لِلزَّلَّاتِ، وَلَا سَلَامَةَ لِعَبْدٍ هَذِهِ صِفَاتُهُ مَهْمَا بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ وَالتَّزْكِيَةِ.

 

أَنْ يُدْرِكَ مَنْ يَدْعُو الْمُخَالِفِينَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْإِنْسَانِ نَفْسًا أَمَّارَةً بِالسُّوءِ وَعَدُوًّا يُلَازِمُهُ وَهَوًى يُطَاوِعُهُ؛ فَكَيْفَ يَسْلَمُ عَبْدٌ ضَعِيفٌ فِي خَلْقِهِ وَتَكْوِينِهِ أَنْ يُقَاوِمَ أَعْدَاءً كَهَؤُلَاءِ، ثُمَّ لَا يَقَعُ فِي مُخَالَفَةٍ أَوْ لَا يُقَارِفُ مَعْصِيَةً! أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ -تَعَالَى- عَنْ عَدَاوَةِ النَّفْسِ؛ (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)[يُوسُفَ: 53]، وَعَنْ عَدَاوَةِ إِبْلِيسَ: (وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[الزُّخْرُفِ: 62]، وَعَنِ الْهَوَى؛ (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)[ص: 26]، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءِ يَدْعُونَهُ لِلشَّرِّ وَيُزَيِّنُونَهُ لَهُ وَيَصْرِفُونَ عَنِ الْحَقِّ وَيُبَغِّضُونَهُ فِيهِ، وَهُوَ مَعَهُمْ فِي حَرْبٍ دَائِمَةٍ وَمُدَافَعَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ.

إِنِّي ابْتُلِيتُ بِأَرْبَعٍ مَا سُلِّطُوا *** إِلَّا لِشِدَّةِ شِقْوَتِي وَعَنَائِي

إِبْلِيسُ وَالدُّنْيَا وَنَفْسِي وَالْهَوَى *** كَيْفَ الْخَلَاصُ وَكُلُّهُمْ أَعْدَائِي

 

أَنْ يَعْلَمَ نَاصِحُ الْخَلْقِ وَوَاعِظُهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ فِي دُنْيَا النَّاسِ فِتَنًا وَشُبُهَاتٍ وَصَوَارِفَ وَمُغْرِيَاتٍ، وَدَوَاعِيَ لِلشَّرِّ كَثِيرَةً، وَنَوَازِعَ لِلْمَعْصِيَةِ مُتَنَوِّعَةً؛ يَقُولُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)[آلِ عِمْرَانَ: 14]؛ فَكَيْفَ يُقَاوِمُ عَبْدٌ تُحِيطُ بِهِ هَذِهِ الْمُغْرِيَاتُ وَتُوَاجِهُهُ كُلُّ تِلْكَ الْمُلْهِيَاتِ! إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَدَدٌ إِلَهِيٌّ وَمُعَاهَدَةٌ لِنَفْسِهِ مُسْتَمِرَّةٌ لِتَزْكِيَتِهَا وَلَفْتِهَا إِلَى مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ فِي جَنَّتِهِ لِلزَّاهِدِينَ الْوَرِعِينَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا.

 

حِينَ تَكُونُ نَاصِحًا نَصُوحًا فَاتَّسِمْ بِاللُّطْفِ وَاللِّينِ وَاتَّصِفْ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ؛ فَفِي النَّفْسِ إِكْبَارٌ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ، وَاسْتِنْكَافٌ عَنِ الِاعْتِرَافِ بِالْخَطَأِ؛ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ تَجْذِبُ النُّفُوسَ وَتُلَطِّفُ الشُّعُورَ، وَذَلِكَ أَدْعَى لِاسْتِجَابَةِ النَّفْسِ وَطَوَاعِيَتِهَا؛ قَالَ الْعَلِيمُ بِخَلْقِهِ: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)[آلِ عِمْرَانَ: 159].

 

أَنْ تُظْهِرَ مَحَبَّتَكَ -أَيُّهَا النَّاصِحُ- لِمَنْ تُرِيدُ نُصْحَهُ وَتُبْدِي حِرْصَكَ وَخَوْفَكَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ يَنْزِلَ بِهِ سَخَطُهُ الْعَاجِلُ؛ (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا)[مَرْيَمَ: 45].

 

أَنْ تُعِينَ الْمُذْنِبَ فِي تَوْبَتِهِ إِذَا احْتَاجَكَ لِمُسَاعَدَتِهِ وَتَخْلِيصِهِ مِنْ ذُنُوبِهِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ؛ مَثَلًا إِنْ كُنْتَ أَحَدَ الَّذِينَ نَالَهُمْ ظُلْمُهُ وَتَسْتَغْفِرَ لَهُ، أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ -تَعَالَى- لِنَبِيِّهِ: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]؛ وَفِي قِصَّةِ قَاتِلِ الْمِائَةِ نَفْسٍ؛ فَقَدْ نَصَحَهُ الْعَالِمُ قَائِلًا: "انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ"؛ فَقُلْ لِي بِرَبِّكَ كَيْفَ يَحْرِصُ عَلَى دَعْوَةِ النَّاسِ مَنْ لَا يَتَسَامَحُ مَعَهُمْ وَلَا يُقِيلُ عَثَرَاتِهِمْ، أَوْ مَنْ يَعْجِزُ وَيَسْتَنْكِفُ أَنْ يُقَدِّمَ فِي سَبِيلِ صَلَاحِهِمْ أَدْنَى جُهْدٍ أَوْ وَقْتٍ أَوْ مَالٍ؟!

 

أَيُّهَا الدَّاعِيَةُ وَالْمُرَبِّي: عِنْدَ تَقْدِيمِكَ النُّصْحَ لِلْآخَرِينَ اجْعَلْ نَفْسَكَ ذَلِكَ الْمُذَنِبَ وَذَاكَ الْمُقَصِّرَ، وَتَعَامَلْ مَعَهُ كَمَا لَوْ كُنْتَ مَكَانَهُ، فَمَاذَا تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَعَكَ؟ فَذَلِكَ أَدْعَى لِتَفْعِيلِ اعْتِبَارَاتٍ كَثِيرَةٍ وَتَوْظِيفِهَا؛ وَبِالتَّالِي أَحْرَى لِقَبُولِ النَّصِيحَةِ وَنَجَاحِهَا؛ فَتَذَكَّرْ فَضْلَ اللَّهِ عَلَيْكَ؛ (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ)[النِّسَاءِ: 94].

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ وَالدُّعَاةُ: تَمُرُّ بِالْإِنْسَانِ ظُرُوفٌ صَعْبَةٌ تَتَكَدَّرُ فِيهَا نَفْسِيَّاتُهُمْ وَطِبَاعُهُمْ وَلَا يُطِيقُونَ فِيهَا أَنْفُسَهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ، وَوَقْتَهَا يَكُونُونَ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ لِتَقَبُّلِ الْآخَرِ فَضْلًا عَنْ نُصْحِهِ وَنَقْدِهِ؛ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي لِلدَّاعِي تَحَيُّنُ الْمُنَاسِبِ حَالًا وَزَمَانًا وَمَكَانًا؛ فَلَا تَدْعُ مُخَالِفًا عِنْدَ غَضَبِهِ وَانْشِغَالِهِ مَثَلًا، أَوْ عِنْدَ غَلَبَةِ نَوْمِهِ وَحَالَ يَقْظَتِهِ، أَوْ فِي مَرَاسِمَ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ مُنَاسِبَةٍ يَرَى نَفْسَهُ فِيهَا كَبِيرًا؛ فَهَذِهِ وَمِثْلُهَا لَا تُنَاسِبُ دَعْوَةَ الْمُخَالِفِ فِيهَا؛ فَرُبَّمَا تَسَبَّبَتْ فِي رَفْضِهِ، بَلْ وَفِي تَهَكُّمِهِ وَتَعَنُّتِهِ.

 

أَلَّا تَكُونَ شَامِتًا وَلَا مُوَبِّخًا وَلَا مُقَرِّعًا إِلَّا فِي حُدُودِ الْمَشْرُوعِ، وَبِمَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ؛ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ عَادَتْ فَزَنَتْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا..."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

أَيُّهَا النَّاصِحُ الْمُرَبِّي: قَبْلَ نُصْحِكَ لَا بُدَّ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ شَخْصٍ وَاقِعٍ فِي الشِّرْكِ وَبَيْنَ وَاقِعٍ فِيمَا دُونَهُ، بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ الْحُكْمَ وَبَيْنَ مَنْ يَجْهَلُهُ، بَيْنَ مُرِيدِ الْخَيْرِ لَكِنَّهُ وَقَعَ فِي الشَّرِّ، وَبَيْنَ مَنْ يُرِيدُ الشَّرَّ قَصْدًا، بَيْنَ الْمُتَعَمِّدِ وَبَيْنَ الْمُخْطِئِ، بَيْنَ الْمُجَاهِرِ وَبَيْنَ الْمُسْتَتِرِ، بَيْنَ الْمُبْتَدِعِ وَبَيْنَ الْعَاصِي، بَيْنَ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَبَيْنَ عَوَامِّ النَّاسِ؛ فَهَكَذَا فَرَّقَتِ الشَّرِيعَةُ بَيْنَ أَحْكَامِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَا جَزَاؤُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي نَحْنُ أَنْ نُفَرِّقَ فِي خِطَابِنَا مَعَهُمْ وَدَعْوَتِنَا إِيَّاهُمْ وَتَعَامُلِنَا مَعَهُمْ.

 

عِنْدَمَا تَنْصَحُ لِلْآخَرِينَ قَدِّمْ بَيْنَ يَدَيْ نُصْحِكَ مَدْحَ وَثَنَاءَ مَنْ تَدْعُوهُ؛ حَتَّى تَأْسِرَ قَلْبَهُ أَوَّلًا وَتَكْسِبَ وُدَّهُ، وَهَذَا أُسْلُوبٌ قُرْآنِيٌّ وَهَدْيٌ نَبَوِيٌّ؛ وَدَلِيلُهُ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "يَا مُعَاذُ إِنِّي وَاللَّهِ لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".

 

حِينَ تُقَدِّمُ النَّصِيحَةَ فَلَا تُسَوِّقْ نَفْسَكَ عَلَى أَنَّكَ طَاهِرٌ مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ مُعَافًى مِنَ الزَّلَلِ؛ بَلْ حَدِّثْهُ أَنَّ جَمِيعَنَا بَشَرٌ مُعَرَّضُونَ لِلْخَطِيئَةِ، وَارِدٌ فِينَا الزَّلَلُ؛ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ: "لَنْ يُنَجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ، وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا...".

 

أَنْ تَلِفِتَ نَظَرَ الْعَاصِي إِلَى سَعَةِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَتَوْبَتِهِ عَلَى مَنْ تَابَ؛ فَتُرَجِّيهِ بِرَبِّهِ وَتُطْمِعُهُ فِي جَنَّتِهِ وَرِضْوَانِهِ؛ فَلَا تُيَئِّسِ الْعِبَادَ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِمْ وَلَا تُقَنِّطْهُمْ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَعَفْوِهِ؛ فَتَوْبَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ لَا يَحُولُ دُونَهَا مَانِعٌ، وَرَحْمَتُهُ لَا يَحْجُبُهَا حَاجِبٌ، وَكُلُّ عَاصٍ مَهْمَا عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ إِذَا أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ وَتَابَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، أَوْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَمَا دُونَ ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)[الْأَنْعَامِ: 158].

 

قُلْتُ هَذَا الْقَوْلَ، وَلِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ؛ وَبَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عَلَى النَّاصِحِ أَنْ يَلْتَزِمَ الْحِكْمَةَ فِي خِطَابِهِ مَعَ الْمُخَالِفِينَ؛ فَالْمُخَالِفُونَ أَصْنَافٌ وَطِبَاعُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ؛ فَبَعْضُهُمْ حَاجَتُهُ التَّرْغِيبُ وَبَيَانُ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ، بَيْنَمَا آخَرُونَ هُمْ أَحْوَجُ لِتَخْوِيفِهِمْ بِاللَّهِ وَعَذَابِهِ وَتَرْهِيبِهِ بِعَاقِبَةِ سُخْطِهِ لِيَرْتَدِعَ عَنْ غَيِّهِ وَيَنْزِعَ مِنْ غَفْلَتِهِ.

 

أَنْ تُدَلِّلَ عَلَى نَقْدِكَ وَتَوْجِيهِكَ مِنْ مَصَادِرِ الِاسْتِدْلَالِ الثَّلَاثَةِ؛ مِنْ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ، الْمُوجِبَةِ لِلتَّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ، وَلَا يَكُنْ نُصْحُكَ مُجَرَّدَ رَأْيٍ وَذَوْقٍ؛ فَلَا مَمْنُوعَ إِلَّا مَا مَنَعَهُ الدَّلِيلُ وَلَا مُبَاحَ إِلَّا مَا أَبَاحَهُ؛ (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)[الْأَعْرَافِ: 54].

 

أَيُّهَا الْمُرَبِّي الْكَرِيمُ وَالدَّاعِيَةُ الْمُشْفِقُ: فِي نُصْحِكَ اسْتَعْمِلِ الْإِشَارَةَ بَدَلَ التَّعْبِيرِ، وَالسَّتْرَ بَدَلَ التَّشْهِيرِ، وَالتَّعْرِيضَ بَدَلَ التَّصْرِيحِ؛ مُمْتَثِلًا هَدْيَ خَيْرِ الدُّعَاةِ وَأَرْحَمِهِمْ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-؛ "مَا بَالُ أَقْوَامٍ.."، وَقَوْلَهُ: "مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ.."، وَقَدْ تَحْتَاجُ -وَفِي حُدُودٍ ضَيِّقَةٍ- لِاسْتِعْمَالِ التَّعْبِيرِ الصَّرِيحِ وَالْحَدِيثِ الْعَامِّ.

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ النَّاصِحُونَ: اعْلَمُوا أَنَّهُ يَنْبَغِي الْبَدْءُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ؛ فَنَفْسَكَ قَبَلَ غَيْرِكَ، وَأَهْلَكَ قَبْلَ عَشِيرَتِكَ، وَجِيرَانَكَ قَبْلَ مُجْتَمَعِكَ، وَهُمْ قَبْلَ غَيْرِهِمْ؛ فَتَبْدَأُ بِنَفْسِكَ لِلصَّلَاةِ، وَتَأْمُرُ أَهْلَكَ بِهَا، وَاصْطِحَابُ أَوْلَادِكَ لِلصَّلَاةِ أَهَمُّ مِنْ نُصْحِكَ لِمَنْ هُمْ فِي طَرِيقِكَ إِلَيْهَا، وَمَنْ تَحْتَ وِلَايَتِكَ أَوْلَى مِمَّنْ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ وِلَايَةٌ.

 

وَإِذَا اتَّفَقْنَا أَنْ نَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَنُعَظِّمَ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَلَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنْ نَتَجَاوَزَ وَاجِبَ الْحَالِ لِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ؛ فَمَنْ رَأَيْنَاهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ تَارِكٌ لِلصَّلَاةِ -مَثَلًا- لَا نَتْرُكُهُ فِي خَمْرِهِ يَشْرَبُ بِحُجَّةِ أَنَّ وَعْظَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْلَى؛ كَوْنُ تَرْكِهَا أَعْظَمَ إِثْمًا، وَأَكْبَرَ جُرْمًا مِنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ؛ فَعُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ يُنَازِعُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْأُمَّةُ بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يَنُوبُهُ فِي خِلَافَتِهَا مَا مَنَعَهُ ذَلِكَ أَنْ يَنْصَحَ الْفَتَى الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ؛ حَيْثُ نَصَحَهُ قَائِلًا: "ارْفَعْ إِزَارَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ".

 

عِنْدَ دَعْوَتِكَ الْآخَرِينَ كُنْ وَاقِعِيًّا لَا مِثَالِيًّا وَحَدِّثَ النَّاسَ بِمَا يَعْقِلُونَهُ، وَلَا تُكَرِّسْ جُهْدَكَ فِي دَعْوَتِهِمْ لِلْأَصْلِ وَالْمُفْتَرَضِ، بَلْ حُثَّهُمْ عَلَى مَا يُمْكِنُهُمْ فِعْلُهُ فِي حَالَةِ عَجْزِهِمْ عَمَّا عَجَزُوْا عَنْهُ؛ فَقَدْ كَاْنَ مِنْ مَنْهَجِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ أَنَّ أَجْوِبَتَهُ وَتَوْجِيهَاتِهِ لِأَصْحَابِهِ كَانَتْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ السَّائِلِ، وَفِي الْحَدِيثِ يَقُولُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا"؛ وَلِذَا كَانَ الدِّينُ مَرَاتِبَ، وَالْإِيمَانُ شُعُبًا، وَالْإِسْلَامُ شَرَائِعَ مُتَنَوِّعَةً.

 

رَكِّزْ -أَيُّهَا النَّاصِحُ- عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَمَا تَدِينُ اللَّهَ بِهِ مِنْ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ، وَادْعُ النَّاسَ إِلَيْهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)[الْفُرْقَانِ: 59]، وَلَا يَنْبَغِي زَجُّهُمْ فِي دَوَّامَةِ الْخِلَافِ إِلَّا مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ لِفِئَةِ طُلَّابِ الْعِلْمِ.

 

رَغِّبِ الْمُخَالِفَ فِي ثَوَابِ اللَّهِ وَعِوَضِهِ لِمَنْ تَرَكَ مَا يَشْتَهِي مِنْ مَعْصِيَتِهِ لِأَجْلِهِ؛ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ، عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ"؛ فَيُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوْرَثَهُ اللَّهُ مُلْكَ مِصْرَ وَعِزًّا كَبِيرًا يَوْمَ صَانَ نَفْسَهُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، وَلَمْ يُطَاوِعِ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ إِلَى نَفْسِهَا، وَسُلَيْمَانُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَوَّضَهُ اللَّهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِمَنْ بَعْدَهُ يَوْمَ عَقَرَ الصَّافِنَاتِ الْجِيَادَ؛ لِأَنَّهَا أَلْهَتْهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَصَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ وَتَرَكُوا مَا لَهُمْ فِيهَا عَوَّضَهُمُ اللَّهُ بِسِيَادَةِ الْأَرْضِ وَكُنُوزِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ.

 

أَيُّهَا النَّاصِحُ الْمُرَبِّي: وَازِنْ بَيْنَ حَسَنَاتِ الْمُخَالِفِ وَسَيِّئَاتِهِ؛ وَلَا يَنْبَغِي مُصَادَرَةُ كُلِّ مَاضِيهِ وَلَا هَضْمُهُ فِيمَا أَحْسَنَ بِسَبَبِ مَا أَسَاءَ، وَلِلْعِلْمِ فَاللَّهُ خَلَقَ كِفَّتَيْنِ لِلْحَسَنَاتِ وَلِلسَّيِّئَاتِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ فِي الشَّرْعِ حِكْمَةٌ، وَفِي الْمِيزَانِ قُدْرَةٌ، وَعِنْدَ مُخَاطَبَةِ الْمُخَالِفِ يَجِبُ شَرْعًا النَّظَرُ لِمَاضِيهِ وَتَارِيخِهِ وَسِيرَتِهِ؛ فَلَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ وَلَا مِنَ الْإِنْصَافِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمُخْطِئِ مِنْ خِلَالِ زَلَّةٍ، أَوْ يُتَّخَذَ مِنْهُ مَوْقِفٌ بِسَبَبِ مُخَالَفَةٍ، وَيُسْدَلَ السِّتَارُ عَنْ كُلِّ مَحَاسِنِهِ، وَتُقَاوُمَ الْحَوَاجِزُ دُونَ فَضَائِلِهِ.

 

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

 

عِبَادَ اللَّهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

المرفقات

1674542430_خطبة حين تكون ناصحاً.docx

1674542467_خطبة حين تكون ناصحاً.pdf

المشاهدات 555 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا