خطبة مسجد قباء 6 ربيع الأول 1442هـ (فيديو + PDF + DOC)

المساجد الثلاثة
1442/03/12 - 2020/10/29 21:30PM

خطبة الجمعة 6 ربيع الأول 1442هـ – 23 أكتوبر 2020م
مسجد قباء
فضيلة الشيخ سليمان الرحيلي
بعنوان: نعم الله في الدين

نص الخطبة

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله العزيز الحميد، الكريم المجيد، الفعّال لما يريد، خلقنا وأمرنا بإحسان العبادة وإقامة التوحيد، وجعل ذلك حقًا على العبيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ونسأل ربّنا الجنة والمزيد، ونصلي ونسلم على أشرف الأنبياء وخير العبيد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا ابن ادم: عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه ومجزيٌ به، واعلم أيها المؤمن أن شرفك قيام الليل، وأن عزتك استغنائك عن الناس، وأن خير ما تحمله من الدنيا تقوى الله، {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ} [البقرة: 197].

عباد الله، عباد الله: قد امتن الله عليكم في دينكم بنعمٍ عظيمةٍ جليلة، فامتن عليكم بالقرآن يقول ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، فهنيئًا عباد الله لمن اهتدى بالقرآن وجعل القرآن جليسه وسميره وأنيسه، وجعل له أشرف أوقاته، يتلو آياته، ويتدبر معانيه، ويعمل بما فيه، يتعظ بمواعظه، وينزجر بزواجره، يؤمن بمتشابه، ويعمل بمحكمه، فيجعل القرآن نورًا له في حياته وفي مسيره إلى ربه.

وامتن عليكم برسولكم صلى الله عليه وسلم أشرف الورى، وخير من وطأ الثرى صلى الله عليه وسلم فقال: {لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٌ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]، فهنيئًا عباد الله لمن أحب هذا النبي الكريم أعظم من محبته لنفسه وأعظم من محبته للناس أجمعين، وجعله أسوته، وكان في شِقّه صلى الله عليه وسلم ولم يقدم شيئًا بين يده، يفعل ما فعل من الدين، ويترك ما ترك، إذا دعي إلى شيءٍ من الدين سأل هل كان عليه عمل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؟ فإن ثبت أنه كان عليه عمل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم كان إليه من السباقين، وإن لم يثبت أنه كان عليه عمل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم كان له من التاركين وعنّه من المبتعدين.

وامتن عليكم ربكم بالحق، فقال سبحانه: {قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٍ} [يونس: 108]، فالحق كله في كتاب ربّنا وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، جاءنا من ربّنا، فمن تمسّك بالقرآن والسنة، وعمل بما فيهما، ولم يجاوزهما، ولم يغيّر ولم يبدل فهو المهتدي، ومن خالف القرآن والسنة أو غير وبدّل فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا.

وامتن عليكم ربّكم بإكماله لدينكم، فقال سبحانه: {ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ} [المائدة: 3] نزلت هذه الآية على حبيبنا وقرّة أعيننا ورسولنا صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في يوم عرفة في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم، فربّنا سبحانه قد أكمل لنا الدين في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم، ونبينا صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، وبيّن لنا الدين كله، والله ما كتم حرفًا من ديننا صلى الله عليه وسلم، وحمل ذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقلوا لنا ديننا كلّه حتى أنهم -يا عباد الله- نقلوا حركة لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ونقلوا حركة أصبعه وهو يصلي صلى الله عليه وسلم، فوالله ما كتموا فوالله ما قصروا والله لقد بلّغوا وحملوا ذلك الدين، وجاءنا الدين كاملًا، والكامل -يا عباد الله- لا يحتمل الزيادة، وكلّ ما أضيف على الكامل، فلن يكون منه أبدًا، فهنيئًا لمن تمسك بالدين الكامل الذي أكمله الله عز وجل في حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم ولم يغيّر ولم يبدّل.

وامتن عليكم ربّكم بالنعمة التامة في دينكم، فقال سبحانه: {ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي} [المائدة: 3]، فبكمال الدين وبذلك الدين الكامل تمت عليكم النعمة، وما يقابل النعمة إنّما يكون نقمةً يا عباد الله، فما لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم دينًا فلن يكون بعده دينًا، ولن يكون نعمة بل هو نقمة، مردودٌ على صاحبه ويستحق صاحبه العذاب عياذًا بالله من ذلك.

وامتن الله عليكم بأنه رضي لكم الإسلام دينًا، فقال سبحانه: {ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينًاۚ} [المائدة: 3]، فالدين الذي رضيه الله، ويرضى عن أهله هو ما كان في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأما ما أحدث بعد موت حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وذهاب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله لا يرضاه، فإن الله لا يرضاه، فإن الله لا يرضاه، فتمسكوا عباد الله بما رضيه الله عز وجل لكم دينًا.

وامتن عليكم ربّكم بحفظ دينكم، فقال سبحانه: {إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} [الحجر: 9]، فدينكم بحمد الله أكمله الله، وحفظه الله، ونقل إليكم كما نزل على رسول الله صلى عليه وسلم، فعليكم بهذا الدين الكامل الّذي نقل إليكم محفوظًا، وتقرؤونه اليوم محفوظًا، وتعلمونه اليوم محفوظًا.

واعلموا عباد الله أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد أخبركم أنه سيقع الاختلاف في الدين، وأن الناس سيدعونكم إلى ما هم عليه، وبيّن لكم سفينة النجاة التي إن ركبتموها نجوتم وأفلحتم، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإن من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة" [السلسلة الصحيحة للألباني].

فالله الله عباد الله في دينكم، تمسكوا به واستقيموا عليه، والزموا ما جاء في الكتاب والسنة، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وفقني الله وإياكم إلى ما يحب ويرضاه، وجعلنا من عباده الصالحين. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده.

أما بعد:

فيا عباد الله: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد حمى جَنَاب التوحيد حمايةً عظيمة حتى أن رجلًا قال له: ما شاء الله وشئت. فقال صلى الله عليه وسلم: "أجعلتني لله ندًّا، قل ما شاء الله وحده" [سنن ابن ماجه]، فكيف يا عباد الله لو سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقوله الغلاء الذين يطرونه كما أطرت النصارى ابن مريم، ويجعلون له ما لله عز وجل، ويجعلون ذلك في قصائد يترنمون بها ويتلونها نعوذ بالله من قول ما يغضب الله ومما يرده رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد حمى جانب العبادة من أن تغير أو تضاف إليها زيادة حتى أن ثلاثةً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا بيتًا من بيوته فسألوا عن عبادته، فلما أُخبرِوا عنها كأنهم تقالّوها، وقالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فأقوم ولا أرقد. وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر. وقال الآخر: وأما أنا فلا أتزوج النساء. فلما لقياهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما إني أقوم وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" [صحيح البخاري]، فمن رغب عن سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيّر وبدّل، وأضاف إلى الدين ما لم ينزل، فإنه ليس من النبي صلى الله عليه وسلم.

فإياكم يا عباد الله وما أحدث في الدين مهما زخرفه المزخرفون، فإن الميزان النبوي ظاهر: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" [متفق عليه]، فكيف يا عباد الله بمن يعمل عملًا ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وليس عليه أمر الخلفاء الراشدين؟ وليس عليه أمر الصحابة أجمعين؟ وليس عليه أمر التابعين؟ وليس عليه أمر الأئمة الأربعة؟ وليس عليه عمل أهل القرون المفضلة؟ لا شك يا عباد الله أنه مردود.

وإن نبيّكم صلى الله عليه وسلم -يا عباد الله- علّمكم التوكل على الله مع اتخاذ الأسباب حتى أن أعرابيًّا قال له عن ناقته: يا رسول الله أعقلوها وأتوكل أو أرسلها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل" [سنن الترمذي]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين رضي الله عنهما بقوله: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كلِّ شيطانٍ وهامة ومن كلّ عينٍ لّامة"، وكان يقول: كان أبوكما يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق" [سنن أبي داود]، فالتوكل على الله مع اتخاذ الأسباب من دينكم يا عباد الله، فاتخذوا الأسباب التي تحفظ بها النعم التي أنعم الله بها عليكم بإذن الله، ومن أعظمها نعمة العافية.

ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن في صلاتكم على نبيّكم صلى الله عليه وسلم إرضاء لربكم وقيامًا ببعض حق نبيكم عليكم وزيادة في حسناتكم وتكفيرًا لخطاياكم ورفعة لدرجاتكم ومغفرة لذنوبكم وكفاية لهمومكم. ألَا فصلوا وسلموا على نبيّكم صلى الله عليه وسلم في سائر أيامكم، وخصّوا ليلة جمعتكم ويومها بمزيدٍ من الصلاة والتسليم على حبيبنا وإمامنا ونبينا صلى الله عليه وسلم، فاللهم صلّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وسلّم تسليمًا كثيرًا. وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وارض عنّا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها، اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها، اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها، إلهنا يا ربنا يا حي يا قيوم قد اجتمعنا في مدينة رسولك صلى الله عليه وسلم وفي مسجد قباء الذي أسس على التقوى من أول يوم نرجو رحمتك ونخاف عذابك، اللهم فارحمنا ووالدينا وأهلينا وذرياتنا وأحبابنا أجمعين وأمِّنا من عذابك أجمعين يا رب العالمين. إلهنا إلهنا إنا عبادٌ مذنبون أتيناك نحمل خطايانا موحدين مستغفرين اللهم فاغفر لنا ولوالدينا ولأهلينا ولذرياتنا ولأحبابنا وللمسلمين والمسلمات يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك البركة اللهم إنا نسألك البركة في أعمارنا، ونسألك البركة في أعمالنا، ونسألك البركة في ذرّياتنا، ونسألك البركة في أموالنا، ونسألك البركة في عافيتنا، ونسألك البركة في كل ما آتيتنا يا رب العالمين. اللهم وفق وليّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين إلى ما تحب وترضى، اللهم كن له معينًا وظهيرًا، اللهم كن له معينًا وظهيرًا، اللهم كن له معينًا وظهيرًا، اللهم بارك في عمره وعافيته، اللهم بارك في عمره وعافيته، اللهم بارك في عمره وعافيته، اللهم ووفق وليّ عهده إلى ما تحب وترضى، اللهم زده قوةً إلى قوته، ونشاطاً إلى نشاطه، وخذ بناصيته إلى البر والتقوى يا رب العالمين، اللهم يا ربنا إنك شرفت عبدك فيصل بن سلمان بإمارة المدينة اللهم فأعنه عليها، اللهم زده خدمة للمدينة وأهلها، اللهم زده خدمة للمدينة وأهلها، اللهم زده خدمة للمدينة وأهلها، اللهم أعنه ووفقه وسدده يا رب العالمين، اللهم أعنا جميعًا على التمسك بالجماعة والإمامة، اللهم أعنا جميعًا على التمسك بالجماعة والإمامة، اللهم أعنا جميعًا على التمسك بالجماعة والإمامة، {رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} [البقرة: 201]،

والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا وسلم.

 

المشاهدات 1484 | التعليقات 1

للاستماع إلى الخطبة: 
https://youtu.be/k3cfCsGloaw

مرفق DOC + PDF

المرفقات

https://khutabaa.com/forums/رد/367069/attachment/%d9%86%d8%b9%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86

https://khutabaa.com/forums/رد/367069/attachment/%d9%86%d8%b9%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86

https://khutabaa.com/forums/رد/367069/attachment/%d9%86%d8%b9%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-2

https://khutabaa.com/forums/رد/367069/attachment/%d9%86%d8%b9%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-2