خطبة مسجد قباء 29 صفر 1442هـ

المساجد الثلاثة
1442/03/05 - 2020/10/22 14:43PM



خطبة الجمعة 29 صفر 1442هـ - 16 أكتوبر 2020م
مسجد قباء
فضيلة الشيخ إبراهيم الجهني
بعنوان: الوصية

نص الخطبة

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله إقرارًا بوحدانيته، والشكر له على سوابغ نعمته، اختص أهل الإيمان والصدق في معاملته، ومَنّ على العاصي بقبول توبته، ومدّ للمسلم عملًا صالحًا بوصيته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له في ربوبيته وألوهيته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المفضّل على جميع بريّته، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته والتابعين ومن مات على ملته.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وعظموا أمره، واجتنبوا سخطه، وخذوا من أيامكم عبرًا، واستوصوا بأنفسكم وأهليكم خيرًا، وعليكم بوصية الله للأولين والآخرين، فقد قال سبحانه: {وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ} [النساء: 131].

عباد الله: الدنيا عرض زائل، وأمل حائل، المقام فيها قليل، وهي جسر إلى الآخرة، ومعبر إلى القبر، وطريق إلى الحشر، ناداكم الله فقال: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقٌّۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} [فاطر: 5]، وصفها الله في كتابه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته بأوصاف تحذيرٍ وتنبيه، فهي غرور، ومتاعٌ قليل، ومعبر، وكراكبٍ قال: تحت ظل شجرة، وكماءٍ أنزله الله من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيمًا تذروه الرياح، دارٌ ما أضحكت إلا وأبكت، ولا أفرحت إلا وأحزنت، قوتها ضعف، وشبابها هرم، وحياتها موت، ألا فذللوا دنياكم لآخرتكم، واستعملوها فيما يقربكم إلى الله تعالى تجدون ثمارها للجنة ونعيمها.

واستعدوا رحمني الله وإياكم للرحيل عن الدنيا بمعرفة أحكامه، فالرحيل لا محالة منه، فالرحيل لا محالة منه، وله أحكام، من أهمها: الاستعداد له بكتابة ما توصي به من مالٍ وحق مع موعظةٍ وكلمةٍ حسنة تجمع ورثتك من بعدك على قلبٍ واحد، وتزيل ما بينهم من الشحناء والبغضاء، ولن يكمل ذلك إلا بمعرفة أحكام الوصية، فهي تمليك مضافٌ لما بعد الموت بحقٍ ماديٍّ أو معنويّ بطريق التبرع والتكليف، قال سبحانه: {مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ
أَوۡ دَيۡنٍۗ} [النساء: 11]، وقال: {مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ} [النساء: 12]، وقال جلّ شأنه: {تُوصُونَ} [النساء: 12]، وقال: {يُوصِينَ} [النساء: 12]، وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما حق امرئٍ مسلم له شيءٌ يريد أن يوصي فيه، يبيت ليلتين وله شيءٌ يريد أن يوصي فيه إلّا ووصيته مكتوبةٌ عنده" [متفق عليه]. قال ابن قدامة -رحمه الله-: (واجمع علماء الأمصار والأعصار على جواز الوصية) انتهى [المغني].

والوصية في المال واجبة؛ إذا كان عليك دينٌ أو حقٌ لا يعلم عنه إلا ربّ الدين بعد الله جلّ وعلا، وتجب للأقربين الذين لا يرثون إن كانوا فقراء وكنت من أهل اليسار والسعة، وتستحب إذا كان ورثتك أغنياء وكنت من أهل السّعة واليسار على أن لا تتجاوز بها الثلث، وتكره الوصية -عباد الله- مع حاجة الورثة والتركة قليلة، وتحرم الوصية لوارث، كما تحرم إذا زادت على الثلث، وتشرع الوصية في الحقوق بل تجب في بعض صورها، كمن ترك بناتٍ وخشي أن يضارّهنّ وليهنّ من بعده في تزويجهنّ، فيوصي بأن يتولّى تزويجهن فلانٌ من الناس ممن رضي دينه وخلقه وقوته وأمانته عند تقدم خاطبٍ كفء.

واعلم -رحمني الله وإياك- أن الوصية لا تلزم إلا بالموت، فلك أن تعدّل فيها بزيادةٍ أو نقصانٍ أو إضافة ما دمت حيًّا، وحذاري حذاري ثم حذاري حذاري من الإغرار بالوصية، عليك غرمها ولغيرك غنمها، فعند أبي دواد والترمذي وأحمد وغيرهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت، فيضارّان في الوصية، فتجب لهم النار"، ثم قرأ أبو هريرة -رضي الله عنه-: {مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرٍّۚ وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِۗ} [النساء: 12].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {كُتِبَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ إِن تَرَكَ خَيۡرًا ٱلۡوَصِيَّةُ لِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ} [البقرة: 180].

بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من أدب الوصية أن يوصي المسلم بنيه وأهله وأقاربه، ومَن حضره واطلع على وصيته وقرأها بتقوى الله وحسن العمل، وإن لكم في إبراهيم وبنيه -عليهم السلام- أسوة، وفي نبيكم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- قدوة، {وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} [البقرة: 132]، وأوصى محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- بكتاب الله، وقال: "الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم" [مسند أحمد]، وحذّر من الفتن، وأمر بالطاعة ولزوم الجماعة، وأوصى بأصحابه السابقين والمهاجرين وأبنائهم كما أوصى ابنته فاطمة -رضي الله عنها- إذا هو مات أن تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

واعلموا أن خير ما يبقي المرء في ورثته بعد التوحيد والسنة، قلوبًا سليمةً، متآلفة، مجتمعة من بعده. ليس بينهم شحناء ولا بغضاء بسبب ما خلّف من حطام الدنيا.

واعلموا -رحمني الله وإياكم- أنّ جلّ خلافات الورثة في المحاكم أو البيوت ودور العدالة عمومًا سببها الموّرث -سببها المورث- الذي قصّر في وصيته، أو أجملها بما يستحق التفصيل، أو أوهم فيها، وأشر منه من تركهم بلا توجيه ولا وصية، فاتق الله عبد الله، واكتب وصيتك، وـثبتها بشاهدين عدلين، أو أمام قاضٍ يوثق ما لك وما عليك.

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله في محكم الكتاب حيث جاء في سورة الاحزاب : {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللّهم صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللّهم عن الخلفاء الراشدين الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم الى يوم الدين.

اللّهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر اللّهم عبادك الموحدين. اللهم انصر من نصر هذا الدين، واخذل من خذل أوليائك المؤمنين. اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلّها دقّها وجلّها عمدها وخطأها، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسرفنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق عبدك خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وأعنهم على أمور دينهم ودنياهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم انصر المجاهدين على حدودنا من جنودنا، اللهم انصرهم اللهم انصرهم اللهم انصرهم وأيدهم، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا رب العالمين. ربنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

{سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ * وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} [الصافات: 180-182].

 

المشاهدات 966 | التعليقات 1

للاستماع إلى الخطبة:
https://www.youtube.com/watch?v=8QoFjc41JaQ

مرفق ملف الخطبة 

المرفقات

https://khutabaa.com/forums/رد/366276/attachment/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b5%d9%8a%d8%a9-2

https://khutabaa.com/forums/رد/366276/attachment/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b5%d9%8a%d8%a9-2

https://khutabaa.com/forums/رد/366276/attachment/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b5%d9%8a%d8%a9-3

https://khutabaa.com/forums/رد/366276/attachment/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b5%d9%8a%d8%a9-3