خطبة مختصرة (موعظة عن عِظم شعيرة الصلاة)

أبو عبد السلام الروقي
1445/11/09 - 2024/05/17 16:48PM

الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابَاً مَوْقُوتَا، وَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهَا الثَّوَابَ، وَعَلَى تَرْكِهَا شَدِيدَ الْعِقَاب، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْوَاحِدُ التَّوَّاب، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَلَّ الْعِبَادَ عَلَى طَرِيقِ الْهِدَايَةِ وَالصَّوَاب، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِ الْمَآب.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتقوا الله عباد الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى، وترفعوا عن هذه الدنيا كما زهد فيها الصالحون، وأعدوا الزاد لنقلة لابد لها أن تكون، واعتبروا بما تدور به الأيام والسنون.

 (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

 

أيها المصلون: فَإِنَّ مِمَّا يُقِضُّ الْمَضْجَعَ وَيُدْمِي الْقَلْبَ وَيَحْزَنُ لَهُ الْفُؤَادُ مَا يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَرْكِ صَلَاةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَعَ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِهَا وَالاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا، فمنهم التارك لها بالكلية، ومنهم من يصلي البعض ويترك البقية، لقد خف في هذا الزمان ميزانها وعظم هجرانها وقل أهلها وكثر مهملها.

يقول الإمام الزهري رحمه الله " دخلت على أنس بن مالك في دمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت " أخرجه البخاري.

 

يا أهل الإسلام! الصلاةَ الصلاة؛ فإنها أول ما فرض على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-من الفرائض، وآخر ما أوصى به أمته وهو في وداع من الدنيا حيث قال: "الصلاةَ الصلاة وما ملكت أيمانكم".

يا أهل الإسلام! الصلاةَ الصلاة، فأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.

يا أهل الإسلام! الصلاةَ الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها في أوقاتها؛ فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

معاشر المصلين: الصلاة شِيَم الأنبياء وشعار الأولياء (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)، وبها أوصى الأنبياء، قال عيسى عليه السلام (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)

وقال لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) وقال تعالى عن إسماعيل: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ)

أيها المصلون: الصلاة عهد وميثاق في الكتاب (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، إنها ناهية عن الفحشاء والمنكر لمن أقامها (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ).

إنها عون وسبب للإعانة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) 

الصلاة -يا عباد الله-نور في الوجه، وانشراح للصدر، وصلاح للبدن، وتطهير للذنب ومصدر للقوة ومجلبة للرزق، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)

 إنها صلاة المحبين لبيوت الله، المحافظين على الجماعة، لا يُقعدهم عن الصلاة ظلمةُ ليل، ولا وعورة طريق، ولا حديث مخلوق، ولا طمع دنيا (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ).

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم" وقال: "بشر المشائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".

يقومون من فُرشهم لصلاة الفجر؛ رغبةً لعظيم الأجر، يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه، أولئك هم المفلحون، خطاهم إلى المسجد حسنات وجلوسهم في بيوت الله من ربهم رحمات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من غدا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له في الجنة نُزلاً كلما غدا أو راح".

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات"، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذالكم الرباط فذالكم الرباط".

فهنيئًا لهم ذنوب مغفورة، وأجور مضاعفة، وحسنات ودرجات ومحو للخطيئات، قال -عليه الصلاة والسلام-: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا".

ولا يتخلف عن المساجد بعد هذا الثواب والعطاء إلا الشقي المحروم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، اتقوا الله في صلاتكم وأتموا ركوعها وسجودها، وأكملوا خشوعها يكفر ربكم عنكم من سيئاتكم ويعظم لكم أجرا.

﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ ﴾

يا أمة الرعيل الأول: سنقص عليكم بعض أَحْوَالِ مَنْ سَبَقَنَا، وَأَخْبَارِ سَلَفِنَا مَعَ أَعْظَمِ شَعِيرَةٍ وَأَوْجَبِ فَرِيضَةٍ، تُتَرْجِمُ لَنَا بِلِسَانِ الْحَالِ شَأْنَ هَذِهِ الصَّلاةِ عِنْدَ صَالِحِي أُمَّتِنَا.

فَلَعَلَّ قُلُوبَنَا مَعَ أَخْبَارِهِمْ تَسْتَيْقِظُ مِنْ غَفْلَتِهَا، وَلَعَلَّ هِمَمَنَا بَعْدَ سَمَاعِ أحَوْالَهِمِ تَتَحَرَّكُ مِنْ سُبَاتِهَا، فَتَرَاجِمُ الرِّجَالِ مَدَارِسُ للأَجْيَالِ، وَرُبَّمَا كَانَتِ الْقِصَّةُ أَبَلَغَ مِنَ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ.

فهذه صورة منتفضة حيّة في ضمير السنة النبوية، في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: (حيث تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرض موته، يسأل عن الصلاة، يغمى عليه ثم يقول "أصلى الناس"؟ فيقولون له: "لا، هم ينتظرونك يا رسول الله" ويقول: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فيغمى عليه مرة ثانية، ثم يفيق ثم يقول: "أصلى الناس" فيقولون له: "لا، هم ينتظرونك يا رسول الله"، فيذهب ليقوم فيغمى عليه، ثم يفيق، ثم يغمى عليه، وهكذا أكثر من ثلاث مرات وهو يتحفز للصلاة، فهو يريد أن يصلي فيغمى عليه، ثم يقوم من هذا الإغماء، وكأن يد تحركه وتوقظه أن الصلاةَ الصلاة.

تأملوا يا عباد الله في الحال التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسألهم عن الصلاة.

يحشرجها من فمه الشريف، وتتهادى من جسد مثقل وهو يعالج سكرات الموت، "أصلى الناس؟".

فقد جعلت قرة عينه في الصلاة صلوات ربي وسلامه عليه.

وهذا فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يحمل إِلَى بَيْتِهِ وَقَدْ أُغْشِي عَلَيْهِ، بعد طعنه من المجوسي، وَجُمُوعُ النَّاسِ تَتَقَاطَرَ إِلَى دَارِهِ، وَقَدْ بَلَغَ بِهِمُ الخَوْفُ مِنْ مَصِيرِهِ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَيَجْتَمِعُ الصَّحَابَةُ عَلَى رَأْسِ عُمَرَ وَقَدْ أَسْفَرَ الصُّبْحُ.

فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ بِاسْمِهِ وَلَقَبِهِ، وَعُمَرُ لا يَرُدُّ لَهُمْ كَلامًا، فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَ عُمَرَ: إِنَّكُمْ لَنْ تَفْزَعُوهُ بِشَيْءٍ مِثْلَ الصَّلاةِ، فَقَالُوا: "الصَّلاةُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، الصَّلاةُ"، فَانْتَبَهَ عُمَرُ مِنْ غَشْيَتِهِ، وَفَتَحَ عَيْنَهُ، وَقَالَ: "الصَّلاةُ وَاللهِ".

ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَصَلَّى النَّاسُ؟! قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: "لاَ حَظَّ فيِ الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ"، ثُمَّ دَعَا بِالمَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَنْزِفُ دَمًا.

وهذا عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، لقد كان على فراش الموت، يعد أنفاس الحياة، وأهله حوله يبكون، فبينما هو يصارع الموت، سمع المؤذن ينادي لصلاة المغرب، ونفسه تحشرج في حلقه، وقد اشتد نزعه، وعظم كربه، فلما سمع النداء قال لمن حوله: خذوا بيدي!

قالوا إلى أين؟ قال: إلى المسجد. قالوا: وأنت على هذه الحال؟ قال: سبحان الله !!

أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه؟ خذوا بيدي. فحملوه بين رجلين، فصلى ركعة مع الإمام، ثم مات في سجوده.

وهذا عدي بْنُ حَاتِمٍ رضي الله عنه يقول عَنْ نَفْسِهِ: "مَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مُنْذُ أَسْلَمَتُ إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وَضُوءٍ".

ويقول سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: (ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة).

ويقول وكيع بن الجراح: (كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى).

ويقول محمد بن المبارك: "رأيت سعيد بن زيد إذا فاتته الصَّلاة في الجماعة أخذ بلحيته وبكى".

وَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سمَاعَةَ التَّمِيمِيُّ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: "مَكَثْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْنِي التَّكْبِيرَةُ الأُولَى إِلاَّ يَوْمَ مَاتَتْ أُمِّي، فَصَلَّيْتُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلاةً أُرِيدُ التَّضْعِيفَ".

ويقول ميمون بن مهران: منذ سنين طويلة، ما صليت إلا في جماعة، إلا مرتين فقط، وكأنني لم أصلهما.

نَعَمْ، هَكَذَا كَانَ حَالُ سَلَفِنَا مَعَ صَلاَتِهِمْ، ألا فاتقوا الله أيها المسلمون في صلواتكم، وأدوها في أوقاتها كما أُمرتم، وافرحوا بفضل الله عليكم، وما منَّ عليكم بالثواب والأجر والحسنات والدرجات وأنواع القربات، جعلني الله وإياكم ممن هم على صلاتهم دائمون، وللخيرات يسابقون، ولشعائر الله الواجبة يعظّمون.

هذا وصلوا وسلموا على أحمد الهادي شفيع الورى طرا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وعم بالأمن والرخاء أوطان المسلمين

اللهم وفِّق إمامَنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، يا رب العالمين.

اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا، وارحم موتانا وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

المرفقات

1715953691_نسخة من خطبة الصلاة للخطباء.docx

المشاهدات 358 | التعليقات 0