خطبة مختصرة عن الرشوة والربا

أبو ناصر فرج الدوسري
1438/05/12 - 2017/02/09 13:37PM
الحمد لله الذي أحلَّ لعباده الطيبات، وحرَّم عليهم الخبائث والمُوبِقات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماوات، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالرحمات، عليه من ربه أكملُ السلام وأفضل الصلوات.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فهي أصلُ كل الخيرات. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين ﴾

عباد الله: إن أكلُ الحرام سببٌ للشقاء والعناء، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل لحمٍ نَبَتَ من سُحتٍ فالنار أولَى به».

ومما جاء فيه النهي الأكيد والزجرُ الشديد: جريمةُ الرِّشوة أخذًا وإعطاءً وتوسُّطًا، يقول ربُّنا - جل وعلا -: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]،
ويقول - جل وعلا - في شأن اليهود الذين لهم في الدنيا الخِزيُ المبين، وفي الآخرة العذابُ المُهين: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ [المائدة: 42]،
ويقول عنهم: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 622].

قال عمر - رضي الله عنه -: "بابان من السُّحْت يأكلهما الناس: الرَّشا ومهرُ الزانية".

فالرِّشوة - يا عباد الله - مغضبةٌ للرب، مجلبةٌ للعذاب، في الحديث الصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الراشي والمُرتشي والرائش.
وقد شمل التحريم في الرشوة أركانها الثلاثة، وهم: الراشي والمرتشي والرائش: وهو الوسيط بينهما.
وروى الطبراني بسندٍ جيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الراشي والمُرتشي في النار».

فيا أيها المسلم:
احذر أشد الحذر من الرِّشوة فهي من أكبر الذنوب، وأعظم الجرائم، ولذا عدَّ أهل العلم الرِّشوةَ كبيرةً من كبائر الذنوب لما جاء فيها من النصوص الشرعية الصريحة.


فالنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى يقول: «كل لحمٍ نَبَتَ من سُحْتٍ فالنار أَوْلَى به». قيل: ما السُّحْتُ يا رسول الله؟ قال: «الرِّشْوة في الحكم»؛ صحَّحه جماعةٌ من المُحقِّقين.

أيها المسلمون:
حقيقةُ الرِّشوة: كل ما يدفعه المرء من مالٍ ونحوه لمن تولَّى عملاً من أعمال المسلمين لتوصِل به المُعطِي إلى ما لا يحِلُّ له.
ومن أعظم أنواعها: ما يُعطَى لإبطال حقٍّ، أو إحقاق باطلٍ، أو لظلمِ أحد.

ومن الرِّشوة: ما يأخذه المُوظَّف من أهل المصالح ليُسهِّل لهم حاجاتهم التي يجب عليه قضاؤها بدون دفع هذا المال،
فمن استغلَّ وظيفته ليُساوِم الناس على إنهاء مصالحهم التي لا تنتهي إلا من قِبَل وظيفته فهو ملعونٌ على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
مثل من يعمل في الكهرباء او الجوازات ثم يستغل عمله في أخذ الرشوة.
وإن من أعظم المصائب أن يفتخر المرء بأنه قد أنجز معاملته بالرشوة بل ويُمتدح على فعلته
إن الرِّشوة مُحرَّمةٌ بأي صورةٍ كانت، وبأي اسمٍ سُمِّيَت، هديةٌ، أو مكافأةٌ، أو كرامة، فالأسماء في شريعة الإسلام لا تُغيِّر من الحقائق شيئًا، فالعبرة للحقائق والمعاني لا للألفاظ والمباني.

فليتقِ الله من وقع في ذلك قبل أن يفاجئه الموت، فلا ينفعه - حينئذٍ - مالٌ ولا بنون؛
فمن مُقرَّرات دين الإسلام: أن هدايا العُمَّال غُلول، والمراد بالعُمَّال: كل من تولَّى عملاً للمسلمين، وهذا يشمل السلطان ونوَّابه ومُوظَّفيه أيًّا كانت مراتبهم.

ومن صور الرِّشوة - يا عباد الله -: من رَشَا ليُعطَى ما ليس له ولو كان مما تعود مُلكيَّته للمال العام، أو ليدفع حقًّا قد لزِمَه، أو رَشا ليُفضَّل على غيره من المُسلمين، أو يُقدَّم على سواه من المُستحقِّين في وظيفةٍ ونحوها.

فما أحوجنا اليوم - وقد كثُر الفساد -، وعبَدَ بعضٌ الدرهمَ والدينارَ، ما أحوجنا للعمل بشريعة الإسلام، والتمسُّك بالقرآن، وسنة نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد: فاتقوا الله ياعباد الله (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ)

إلا وإن مما فشى في زماننا هذا وسمي بغير اسمه الربا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ )
عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم (رقم/1598)
أيها المسلمون:
اعلموا أن الربا أنواع وأشكال
منها ماهو منتشر اليوم مثل من يضع مال عند صاحب دكان مثلاً أو يعطي شخص ما مال ويقول اشتغل به ثم يشترط مبلغ محدد فهذا ربا فإن تحديد قدر معين من الربح على رأس المال يفسده ويخرجه عن حقيقته الشرعية، وأصبح تامله ربوياً محرماً.
أما الطريقة الصحيحة فيكون الربح الشهري أو السنوي ليس مبلغاً محدداً بل نسبة من الأرباح فإن حصل ربح كانت لك منه نسبة محددة، وإن حصلت خسارة كانت في رأس المال، فهذه مضاربة مشروعة.
إن الرِّبا مُحرَّم بأي صورةٍ كان، وبأي اسمٍ سُمِّي،
﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾
فالأسماء في شريعة الإسلام لا تُغيِّر من الحقائق شيئًا، فالعبرة للحقائق والمعاني لا للألفاظ والمباني.
أيها المسلمون:
إن الله - جل وعلا - أمرَكم بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبينا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الآل والصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم اخذُل أعداءَك وأعداء الدين، اللهم عليك باليهود والنصيريين والرافضة والصليبيين المعتدين الظالمين.

اللهم من أراد هذا الدين بسوءٍ فأشغِله في نفسه، واجعل تدميرَه في تدبيره يا رب العالمين.
اللهم أصلِح أحوالنا بالإسلام، اللهم اجعلنا عبادًا متقين، اللهم اجعلنا لأوامرك مُحافظين يا أكرم الأكرمين، اللهم طهِّر أموالنا من الربا ومن الرِّشوة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم طهِّر مجتمعنا من المُوبِقات والخبائث يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجعلنا إخوةً مُتحابِّين مُتعاونين على الخير والتقوى يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، وجميعَ ولاة أمور المسلمين اللهم وفقهم للعمل بكتابك وسنة رسولك - عليه أفضل الصلاة والسلام -.

اللهم إنك غنيٌ حميدٌ، اللهم إنك غنيٌ حميدٌ، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم ارحمنا بالغيث، اللهم ارحمنا بالغيث، ربنا لا تُؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا، ربنا لا تُؤاخِذنا بذنوبنا، ربنا لا تُؤاخِذنا بذنوبنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم اسقِنا واسقِ ديار المسلمين، اللهم اسقِنا واسقِ ديار المسلمين.

عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 42].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين







رابط الخطبة منسقة
https://docs.google.com/document/d/1vd6MzZW0w0GnRtDtdJjWitdcB4NwUWe3rVL2f6KMrBc/edit?usp=drivesdk

بتصرف من خطب الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
http://www.alukah.net/sharia/0/61708/#ixzz4XyFdzzin
المشاهدات 1980 | التعليقات 0