خطبة مختصرة عن البيئة وكيفية المحافظة عليها
د. عبدالعزيز الشهراني
أما بعد: فيا عباد: اتقوا الله -تعالى- وتوبوا إليه، يقول الله -تعالى- في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: (أَلَمْ تَرَ) أيها الإنسان: (أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)[فاطر: 27].
عباد الله: الإنسان مستخلف في هذه الأرض: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 30]. وهذه الخلافة في الأرض يترتب عليها مسئولية جسيمة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر ماذا تعملون". فمفهوم الاستخلاف للإنسان خير رابط بينه وبين بيئته، فخالق الإنسان وصانع البيئة واحد، وهو الله -سبحانه-: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)[السجدة: 7].
والاسلام يأمر بحماية الصحة والبيئة وحماية الأحياء، والحياة على هذه الأرض خلق عظيم؛ لأن ما صنعته يد الخالق -سبحانه- يتصف بالكمال والإتقان والصلاح، ولا شيء خلق عبثا في هذا الوجود: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)[النمل: 88].وإن تصرف الإنسان الأناني جهل وعدوانية يدفعه إلى تخريب البيئة والفساد: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) عبر الأزمان: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)[الروم: 41].
فمن حماية البيئة عباد الله : حث الإسلام على الطهارة، وذلك بتربية الإنسان على الطهارة والنظافة، والدعوة إلى تنظيف الجسد والثياب والأواني والأثاث: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 4) {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [المائدة: 6]. ومنه نفهم أن نعمة الصحة والسعادة والمال وغيرها من المال ناقصة من غير طهارة البيئة، وحمايتها من التلوث والفساد؛ لأنها تبقى مهددة للخراب والزوال.
كما يحث الإسلام على الطهارة؛ ينهى عن تلويث البيئة وإفسادها؛ من ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن البصاق في الأرض، لما له من مضار صحية ونفسية، تخالف الذوق، وتثير الاشمئزاز، وهو ما يفعله بعض الناس اليوم بتساهل -مع الأسف -. وكذلك: النهي عن التغوط تحت الأشجار المثمرة، والتبول في المياه الراكدة والجارية، وعلى الطرقات حماية للبيئة، وحفظا للطهارة والصحة؛ روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أنه نهى صلى الله عليه أن يتغوط الرجل على شفير ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، وتحت شجرة فيها ثمرتها، وأن يبول أحد في الماء الراكد".
ومما يضر بالبيئة: ما يتساهل به بعض المزارعين بلا خوف من الله؛ بوضع المبيدات والكيماويات في غير وقتها على الخضار والفواكه، التي تجلب للأسواق مباشرة، وتسبب الأمراض للناس، وهذا ضرر بيئي وخلقي.
نحن -أيها الأحبة- عالم نعيش على كرة أرضية واحدة، ومن المهم أن نتفق على حمايتها بعد أن أصلحها الله؛ ومن العجب: أن البلدان الكبرى المتطورة؛ كما يزعمون في العالم، والتي تدعي المحافظة على البيئة، هي أكثر الدول المسببة للتلوث ، وهذا لا يعفي بلداننا نحن من الخطأ والمسئولية.
وجاءت الأدلة من الكتاب والسنة تدعو الإنسان إلى المحافظة على البيئة، وتحرم عليه تلوثيها وإفسادها؛ لأن الله خلقها من أجله، وسخرها لخدمته ومنفعته { كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة: 60]. وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) وكان عليه الصلاة والسلام يوصي الجيوش بأن: "لا تقتلن امرأة، ولا صغيرًا رضيعًا، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تحرقن نخلاً، ولا تقلعن شجرًا، لا تهدموا بيوتًا"[رواه مسلم]. هذا في الحرب ومن باب أولى السلم، حيث تفخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة، ومن تعظيم الحرم المحافظة على بيئته بعدم قطع الشجر، وقتل طيره على المحرم، ويقول صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان له صدقة"[رواه مسلم] ولا يغيب عن أذهاننا قوله صلى الله عليه وسلم، انظروا -أيها الأحبة- إلى عظمة هذا الدين الحنيف، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها" إنه منتهى الأمل، وتواصل العمل، بدون الكلام .نسأل الله -جل وعلا- أن يهيأ لنا كل خير، وأن يبعد عنا كل شر، وأن يدلنا على الصواب، ويبعد عنا الخطأ والزلل، ونسأله شكر نعمته، والمحافظة عليها من الإسراف والتبذير.أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: إن مما يؤكد أهمية عمل هذا الإنسان الذي يقوم بالنظافة، والتعاون معه، وتقدير عمله الذي ربما يحتقره بعض الناس، وتأكيد معنى البيئة الجميل الذي حث عليه ديننا الحنيف، قول صلى الله عليه وسلم: "رأيت رجل يتقلب في الجنة.." بماذا..؟ هل بطول الصيام؟ بطول الصلاة؟ قال صلى الله عليه وسلم: "رأيت رجل يتقلب في الجنة في غصن شوك أزاله من الطريق كان يؤذي الناس" [رواه مسلم]. ويفتقد صلى الله عليه وسلم امرأة سوداء كانت تقوم على نظافة المسجد، افتقدها عليه الصلاة والسلام، فسأل عنها فأخبروه بأنها ماتت، فقال: "دلوني على قبرها" ثم ذهب وصلى عليها، ودعا لها، وهي إشارة لتعظيم دورها في النظافة، ولا نستطيع حصر الأحاديث التي تعظم دور وأجر من يميط الأذى، ويحرص على النظافة الشخصية والعامة. نسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر...
هذا وصلوا رحمكم الله على من أمركم اللله بالصلاة والسلام عليه ...
ملاحظة/ هذه الخطبة مختصرة من خطبة / النهي عن الإفساد في الأرض وحماية البيئة لعبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي