خطبة مختصرة عن الأمانة

د. عبدالعزيز الشهراني
1443/11/17 - 2022/06/16 05:59AM

أيها المؤمنون: إن الأمانة شأنُها عظيم ومكانتُها من الدين جليلَةٌ، والواجبُ على عباد الله أن يَرْعَوْا للأمانة حقَّها وأن يعرِفُوا لها مكانتها وأن يعتنُوا بها غاية العناية ويهتمُّوا بها غاية الاهتمام، وقد تكاثرت الأدلة في كتاب الله، والأحاديثُ في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تعظيم الأمانة وتَعلِيَةِ شأنها ورَفْعِ قدْرِها وبيانِ ما يترتب عليها في الدنيا والعُقْبى.
يقول الله تعالى ) : إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء : 58], ويقول سبحانه : (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الاحزاب: 72-72], وقال تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [القصص: 26]. وعن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " [رواه البخاري ومسلم], عن ابن عباس أيضًا قال:  " بينما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدِّث القوم، جاء أعرابيٌّ فقال: متى السَّاعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين أُراه السَّائل عن السَّاعة؟ قال: ها أنا يا رسول الله. قال: فإذا ضُيِّعت الأمَانَة فانتظر السَّاعة. قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السَّاعة  " [رواه البخاري]. وقال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: (أصدق الصِّدق الأمَانَة وأكذب الكذب الخيانة ).  وعن أبي هريرة قال: (أوَّل ما يرفع مِن هذه الأمَّة الحياء والأمَانَة، فسلوها الله ), وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (لم يرخِّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمَانَة ).

عباد الله: يقول الله عز وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27] ، فهذه الآية عبادَ الله تدل دِلالة واضحة بينة، على أن الأمانة باعتبار متعلَّقِها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 

أمانة تتعلق بحق الله تبارك وتعالى على عباده، فالله عز وجلّ ائتمنك على حقوقه في هذه الحياة، خلقك لطاعَتِه وأوجدَك لعبادتِه وأمرَكَ ونهاك، لم يخلقْك سُدىً ولم يتركك هملا وإنما خلقَكَ لغايةٍ حميدة وأوجدَك لهدفٍ رشيدٍ وهو عبادةُ الله، وأنت مؤتمن على هذا الأمر، مؤتمن عليه بل إن الأمانة في أعظم صورها القيام بها فيما يتعلق بحق الله على عباده، وأعظم الأمانة التوحيد وأعظم الخيانة الشركُ والتنديدُ. 

والقسمُ الثاني عبادَ الله: الأمانةُ في حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم، فنحن مؤتمنون على القيام بحقوقه عليه الصلاة والسلام، ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم، محبتُه وتقديم محبتِه على النفسِ والنفيس، وعلى الولد والناس أجمعين، يقول عليه الصلاة والسلام: " لا يُؤمنُ أحدكم حتى أكونَ أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" فمِنَ الأمانة في حقِّ الرسول عليه الصلاة والسلام، محبته صلى الله عليه وسلم، محبةً تقتضي امتثال أوامره والبعدَ عن نواهيه، وتصديقَ أخباره وتعظيمَه وتوقيرَه، والقيامَ بحقوقه عليه الصلاة والسلام والبعدَ عن الغلوِّ فيه صلى الله عليه وسلم، فكل ذلك أمانةٌ علينا اتجاه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.

والقسمُ الثالثُ عبادَ الله: الأمانة فيما يتعلق بحقوق الناس، فهناك أمانة تتعلق بحق الوالدين، وأمانةٌ تتعلق بحق الأبناء، وأمانة تتعلق بحق الجيران، وأمانة تتعلق بحق التجار، والموظفون مؤتمنون والمعلمون مؤتمنون، وكل في مجاله مؤتمن، والله تبارك وتعالى سائلٌ كلاًّ عمَّا ائتمنه عليه، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: " كلم راع وكلكم مسئول عن رعيته ".

وبهذا يتبين لنا – أيها المسلمون -  أن الأمانة لا تختصُ بمجال واحدٍ كما يظنُّه بعض عوامِّ المسلمين، أن الأمانة إنما تختص بأداء الودائع إلى أهلها، فليس الأمرُ كذلك، وإنما الأمانة مسؤولية عظيمة وواجب كبير، أمانة تتعلق بحقوق الله، وأمانة تتعلق بحقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمانة تتعلق بحقوق عباد الله، فاتقوا الله عباد الله وأَعطُوا الأمانة حقَّها، وتحمَّلُوا هذه المسؤولية العظيمة، وأَدُّوا هذا الواجبَ الكبير، واعلموا أن الله عز وجلّ سائِلُكُم عن هذه الأمانة حينما تقِفُون بين يدي الله عز جلّ، حينَ العرضِ الأكبَرِ على الله، ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ... 

الخطبة الثانية:

عباد الله : اتقوا الله, واعلموا أن القيام بالأمانة على الوجه الذي يحبه الله, له فوائد منها: أن الأمَانَة مِن كمال الإيمان وحسن الإسلام. ومنها أن الأمانة يقوم عليها أمر السَّموات والأرض. ومنها: أنها هي محور الدِّين وامتحان ربِّ العالمين.  وبالأمَانَة يُحْفَظ الدِّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشَّهادة والقضاء والكتابة...
ومنها أن الأمين يحبُّه الله ويحبُّه النَّاس. و مِن أعظم الصِّفات الخُلقيَّة التي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله:  {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} ومنها أن المجتمع الذي تفشو فيه الأمَانَة مجتمع خيرٍ وبركة , وليكن لسان حال المؤمن مع الأمانة:

أرعَى الأمَانَةَ لا أخونُ أمانتي ... إنَّ الخؤونَ على الطريقِ الأنك
نسأل الله أن يجعلنا ممن يحملون الأمانة حقَّ حملها, ويرعونها حق رعايتها, ووالدينا والمسلمين أجمعين

 هذا وصلوا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال ... 

المشاهدات 9937 | التعليقات 0