خطبة مختصرة: طاعة ولي الأمر .
د. عبدالعزيز الشهراني
قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) . وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه . وعنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: ( فيما استطعتم ) متفق عليه . وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية رواه مسلم وفي رواية له: ( ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية ).
عباد الله: هذه الأدلة من الكتاب والسنة تدل على أنه لمن الواجب على الأمة طاعة ولي أمرها في غير معصية الله, وهذا أمرٌ مجمعٌ عليه بين علماء علماء الأمة, قال النووي: "أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية أ.هـ . وقال الإمام الطحاوي: "ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا, ولا ندعوا عليهم, ولا ننزع يداً من طاعتهم, ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة؛ ما لم يأمروا بمعصية, وندعو لهم بالصلاح والمعافاة".أ.هـ
وطاعة ولاة الأمر هي طاعة لله ولرسوله فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أطاعني فقد أطاع الله, ومن يعصني فقد عصى الله, ومن يطع الأمير فقد أطاعني, ومن يعص الأمير فقد عصاني" رواه مسلم. والمسلم المطيع لولاة الأمر في غير معصية الله مأجورٌ على طاعته والسمع لولاة أمره , قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك... فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال". .
عباد الله: إن الطاعة والسمع لولي الأمر في غير معصية الله تتحقق بها مصالح العباد والبلاد؛ من إقامة الصلاة، وإقامة الحج، وتحقيق وسائل التقدم والازدهار في الكون وعمرانه بما يرضي الله -عز وجل-, وحصول الأمن والطمأنينة لدى الناس على أعراضهم، وأموالهم، وبيوتهم، وحصول التوجه لكسب المعاش؛ لأن الناس إذا أمنوا على بيوتهم، وعلى أسرهم؛ توجهوا لكسب معاشهم، فهذا يعمل في وظيفته، وذاك يعمل في متجره، وذاك يعمل في مزرعته، وذاك في مصنعه، وهكذا.
أيها المؤمنون: : ينبغي أن تكون العلاقة بين الحاكم ولي الأمر وبين رعيته قائمة على الطاعة والحب والتناصح والتآلف والرحمة، فعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم, وتُصلون عليهم ويُصلون عليكم, وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم, وتلعنونهم ويلعنونكم", قال: قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم؟ قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة"(رواه مسلم. فقوموا بوجباتكم تجاه ولاة أموركم، وأطيعوهم في غير معصية، وادعوا لهم بالصلاح والتوفيق والسداد، نسأل الله أن يصلح البلاد والعباد, وأن يؤلف بين القلوب. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ: لَقَدْ حَثَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَوْقِيرِ الحَاكِمِ وَإِكْرَامِهِ، وَأَوْصَى بِهِ أُمَّتَهُ؛ وَسَارَ الصَّحَابَةُ رضيَ اللهُ عنهم عَلَى هَذَا النَّهْجِ الْقَوِيمِ، فَأَوْصَوْا مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَدُّوا أَبْوَابَ الْفِتَنِ عَنِ الأُمَّةِ، وَعَاشُوا عَلَى خَيْرٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (أَمَرَنَا أَكَابِرُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَسُبَّ أُمَرَاءَنَا، وَلَا نَغُشَّهُمْ، وَلَا نَعْصِيَهُمْ، وَأَنْ نَتَّقِيَ اللهَ وَنَصْبِرَ، فَإِنَّ الأَمْرَ قَرِيبٌ) [رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِيْ شُعَبِ الإِيمَانِ]، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ( إِنَّ أَوَّلَ نِفَاقِ المَرْءِ طَعْنُهُ عَلَى إِمَامِهِ) [رَوَاهُ البَّيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ]. وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ - عِبَادَ اللهِ- يَحُثُّونَ عَلَى الدُّعَاءِ لِوَلِيِّ الأَمْرِ بِالصَّلَاحِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي الأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالفَلَاحِ، يَقُولُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: (لَوْ أَنَّ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً مَا جَعَلْتُهَا إِلَّا فِي السُّلْطَانِ)، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ فَسِّرَ لَنَا هَذَا، قَالَ: (إِذَا جَعَلْتُهَا فِي نَفْسِي لَمْ تَعْدُنِي، وَإِذَا جَعَلْتُهَا فِي السُّلْطَانِ صَلُحَ، فَصَلُحَ بِصَلَاحِهِ العِبَادُ وَالبِلَادُ). فَالإِخْلَالُ بِالوَصَايَا الشَّرْعيَّةِ في هَذَا البَابِ شَرُّهُ عَظِيمٌ؛ وَخَطَرُهُ جَسِيمٌ، بَلْ يَعْزُو بَعْضُ العُلَمَاءِ الشُّرُورَ وَالْفِتَنَ الَّتِي أَلَمَّتْ بِالأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ إِلَى الإِخْلَالِ بِهَذَا البَابِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ التَّارِيخَ القَدِيمَ وَالمُعَاصِرَ، وَمَا حَصَلَ فِيهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالخُرُوجِ، فَقَلَّمَا خَرَجَ خَارِجِيٌّ إِلَّا كَانَتِ المَفَاسِدُ أَعْظَمَ مِنَ المَصَالِحِ، وَتَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ مَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ، مِنْ ذَهَابِ الأَمْنِ وَالأَمَانِ، وَانْتِشَارِ الفَوْضَى وَالدَّمَارِ؛ يَقُولُ العَلَّامَةُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ الخُرُوجِ عَلَى الوُلَاةِ: (فَإِنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، ... وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى الإِسْلَامِ فِي الفِتَنِ الكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا مِنْ إِضَاعَةِ هَذَا الأَصْلِ، وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى مُنْكَرٍ، فَطَلَبَ إِزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ ) أ.هـ . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
تركي العتيبي
أجمل خطبة لله درك ياشيخ
تعديل التعليق