خطبة : ( مخالفة القول العمل )

عبدالله البصري
1435/07/24 - 2014/05/23 07:51AM
مخالفة القول العمل 24 / 7 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِنَ الأَزَمَاتِ الَّتي يَمُرُّ بها مُجتَمَعُنَا اليَومَ ، مُخَالَفَةُ عَمَلِ المَرءِ قَولَهُ ، وَأَمرُهُ النَّاسَ بِالبِرِّ وَنِسيَانُهُ نَفسَهُ ، وَلَعَمرُ اللهِ ، إِنَّ ذَلِكَ لَمِن أَشَدِّ المَقتِ لِلنَّفسِ ، بَل هُوَ خِفَّةٌ في العَقلِ وَسَفَهٌ في الرَّأيِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ أَفَلا تَعقِلُونَ " وَقَالَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ : " إِنَّ النَّاسَ قَد أَحسَنُوا القَولَ كُلُّهُم ، فَمَن وَافَقَ قَولُهُ فِعلَهُ فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ حَظَّهُ ، وَمَن خَالَفَ قَولُهُ فِعلَهُ فَإِنَّمَا يُوبِّخُ نَفسَهُ .
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّهَا لَمُصِيبَةٌ عَلَى المَرءِ وَأَيُّ مُصِيبَةٍ ، أَن يَقُولَ الخَيرَ بِلِسَانِهِ ، وَيَحُثَّ عَلَيهِ بِقَلَمِهِ ، وَرُبَّمَا تَمَدَّحَ بِهِ في المَجَالِسِ وَالنَّوَادِي ، ثم هُوَ بَعدَ ذَلِكَ لا يَفعَلُهُ ، وَتَرَاهُ يَنهَى عَنِ الشَّرِّ وَيُظهِرُ مَقتَهُ ، وَرُبَّمَا ادَّعَى التَّنَزُّهَ عَنهُ وَمُجَانَبَتَهُ ، وَهُوَ في الوَاقِعِ مُتَلَوِّثٌ بِهِ غَارِقٌ في أَوحَالِهِ .
وَلَكَ أَن تُحَدِّثَ امرَأً في عِظَمِ شَأنِ الصَّلاةِ وَأَهَمِّيَّةِ أَدَائِهَا جَمَاعَةً في المَسجِدِ ، أَو تُبَاحِثَهُ في بِرِّ الوَالِدَينِ وَصِلَةِ الأَرحَامِ ، أَو تُنَاقِشَهُ في أَدَاءِ الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَتَحَرِّي الحَلالِ ، أَو تُكَلِّمَهُ عَن حَقِّ الجَارِ وَحِفظِ وُدِّ الصَّاحِبِ وَرِعَايَةِ عَهدِ العَشِيرِ ، لِتَجِدَهُ عَالِمًا بِكُلِّ هَذَا ، مُتَحَدِّثًا فِيهِ حَدِيثَ الوَاثِقِ مِن نَفسِهِ اللاَّئِمِ لِمَن حَولَهُ ، الشَّاكِي تَقصِيرَ الآخَرِينَ وَمُخَالَفَتَهُم ، فَإِذَا تَأَمَّلتَ وَاقِعَهُ وَتَابَعتَ تَصَرُّفَهُ في حَيَاتِهِ ، وَجَدتَ شَخصًا آخَرَ ، يَجمَعُ مَعَ التَّقصِيرِ في الصَّلَوَاتِ سُوءَ الخُلُقِ في التَّعَامُلِ ، وَيُضِيفُ إِلى إِخلالِهِ بِالأَمَانَةِ تَسَاهُلَهُ في العَمَلِ ، وَرُبَّمَا كَانَ مِن أَهلِ العُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الأَرحَامِ ، وَقَد تَرَى جِيرَانَهُ وَأَصدِقَاءَهُ مِنهُ في مِحنَةٍ وَبَلاءٍ ، فَهَل تَلِيقُ هَذِهِ الحَالُ بِالمُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ ؟
هَل تُنَاسِبُ العُقَلاءَ وَذَوِي الرَّأيِ وَالحِجَى ؟
لا وَاللهِ لا تَلِيقُ هَذِهِ الحَالُ وَلا تَنبَغِي ، لِمُؤمِنٍ يَدعُو رَبَّهُ في كُلِّ رَكعَةٍ مِن صَلاتِهِ أَن يَهدِيَهُ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ، ذَلِكُم أَنَّ الصَّرَاطَ المُستَقِيمَ الَّذِي نَدعُو اللهَ جَمِيعًا أَن يَجعَلَنَا مِن أَهلِهِ وَيَهدِيَنَا سَبِيلَهُ ، صِرَاطُ عِلمٍ وَعَمَلٍ ، وَدَعوَةٍ صَادِقَةٍ وَأُسوَةٍ حَسَنَةٍ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِن أَنبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ ، أَسبَقَ النَّاسِ إِلى فِعلِ مَا يَأمُرُونَ بِهِ ، وَأَعجَلَهُم إِلى تَركِ مَا يَنهَونَ عَنهُ ، بِذَلِكَ امتَدَحَهُمُ اللهُ وَأَثنَى عَلَيهِم ، وَأَمرَ بِالاقتِدَاءِ بِهِم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَن نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ محمدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ عَن إِبرَاهِيمَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ وَمَن آمَنَ مَعَهُ : " قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ عَنِ الأَنبِيَاءِ عُمُومًا : " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِهْ "
وَقَالَ شُعَيبٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ لِقَومِهِ : " وَمَا أُرِيدُ أَن أُخَالِفَكُم إِلى مَا أَنهَاكُم عَنهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصلَاحَ مَا استَطَعتُ وَمَا تَوفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ "
وَإِنَّ مِمَّا يُحزِنُ القَلبَ وَيَحُزُّ في النَّفسِ في زَمَانِنَا ، أَنَّ فِئَامًا مِنَ الآبَاءِ وَالمُرَبِّينَ وَالكِبَارِ ، صَارُوا لا يَتَوَرَّعُونَ أَن يَقُولُوا مَا لا يَفعَلُونَ ، وَلا يَستَحيُونَ أَن يَنهَوا عَمَا فِيهِ يَقَعُونَ ، بَل وُجِدَ مِنهُم قُدُوَاتٍ سَيِّئَةً لِمَن تَحتَ أَيدِيهِم مِن أَبنَاءٍ وَطُلاَّبٍ ، وَصَارَ الصِّغَارُ يَرَونَ التَّنَاقُضَ الوَاضِحَ عَلَى الكِبَارِ ، مِمَّا أَوقَعَهُم في حَيرَةٍ وَاضطِرَابٍ ، وَجَعَلَهُم لا يَستَقِرُّونَ عَلَى حَالٍ ، وَصَارَ أَحَدُهُم يَسأَلُ نَفسَهُ : مَاذَا أَفعَلُ وَهَذَا أَبي ؟! وَكَيفَ أَتصَرَّفُ وذَاكَ مُعَلِّمِي ، أَأُصَدِّقُ حَسَنَ أَقوَالِهِمَا أَم أَقتَدِي بِسَيِّئِ فِعَالِهِمَا ؟
فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ آبَاءً وَمُعَلِّمِينَ ، يَا مَن جَعَلَكُمُ اللهُ قُدوَةً لِصِغَارِكِم وَطُلاَّبِكُم ، أَلا تَتَّقُونَ اللهَ في أَنفُسِكُم وَفَلَذَاتِ أَكبَادِكُم وَمَن وَلاَّكُمُ اللهُ أَمرَهُم ، إِنَّهُم أَمَانَةٌ في أَعنَاقِكُم ، وَسَتُسأَلُونَ عَنهَا حَفِظتُم أَم ضَيَّعتُم ، وَمَا لم تَكُونُوا أَنتُم في أَنفُسِكُم قُدُوَاتٍ حَسَنَةً ، صَادِقِينَ في تَعَامُلِكُم ، تُطَابِقُ الأَفعَالُ مِنكُمُ الأَقوَالَ ، فَلا وَاللهِ لن تَستَفِيدَ مِنكُم الأَجيَالُ ، وَلَن تَنتَفِعَ بِتَعلِيمِكُم وَنُصحِكُم وَتَوجِيهِكُم ، قَالَ الإِماَم ُالغَزَالِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ مُتَحَدِّثًا عَنِ المُعَلِّمِ : أَن يَكُونَ المُعَلِّمُ عَامِلاً بِعِلمِهِ ؛ فَلا يُكَذِّبُ قَولُهُ فِعلَهُ ؛ لأَنَّ العِلمَ يُدرَكُ بِالبَصَائِرِ ، وَالعَمَلَ يُدرَكُ بِالأَبصَارِ ، وَأَربَابُ الأَبصَارِ أَكثَرُ ، فَإِذَا خَالَفَ العَمَلُ العِلمَ مَنَعَ الرُّشدَ ... وَقَالَ أَبُو الأَسوَدِ الدُّؤَلِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ :
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ ** هَلاَّ لِنَفسِكَ كَانَ ذَا التَّعلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَا ** كِيمَا يَصِحُّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ
وَأَرَاكَ تُلقِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا ** نُصحًا وَأَنتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثلَهُ ** عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَظِيمُ
اِبدَأْ بِنَفسِكَ فَانهَهَا عَن غَيِّهَا ** فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُقبَلُ إِنْ وَعَظتَ وَيُقتَدَى ** بِالقَولِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ
لَقَد جَاءَ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ في مُخَالَفَةِ العَمَلِ لِلقَولِ بما يُحَرِّكُ القُلُوبَ وَيُوقِظُ الأَفئِدَةَ ، وَيُشعِرُ كُلَّ أَبٍ وَمُرَبٍّ وَمُعَلِّمٍ بَل وَكُلَّ أَخٍ كَبِيرٍ ، بِعِظَمِ أَمَانَةِ الآبَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ ، وَشَدِيدِ مَسؤُولِيَّةِ الكِبَارِ وَالمُرَبِّينَ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يُؤتَى بِالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ فَيُلقَي في النَّارِ ، فَتَندَلِقُ أَقتَابُ بَطنِهِ ، فَيَدُورُ بها كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحَا ، فَيَجتَمِعُ إِلَيهِ أَهلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ : يَا فُلانُ مَالَكَ ؟ أَلَم تَكُنَ تَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَى عَنِ المُنكَرِ ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، كُنتُ آمُرُ بِالمَعرُوفِ وَلا آتِيهِ ، وَأَنهَى عَنِ المُنكَرِ وَآتِيهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَثَلُ العَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الخَيرَ وَيَنسَى نَفسَهُ ، كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ وَيُحرِقُ نَفسَهُ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَقَد قَالَ رَبُّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ " فَيَا لها مِن شَهَادَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ اللهِ لِمَن دَعَا إِلى سَبِيلِهِ وَعَلَّمَ النَّاسَ الخَيرَ ، غَيرَ أَنَّ ذَلِكُمُ القَولَ الحَسَنَ المَمدُوحَ أَهلُهُ ، لا يَكُونُ حَسَنًا ، مَا لم يَصحَبْهُ عَمَلٌ صَالِحٌ ، يَكُونُ لَهُ كَالشَّاهِدِ وَالمُصَدِّقِ وَالمُؤَيِّدِ . فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لا يَنفَعُ ، وَمِن قَلبٍ لا يَخشَعُ . وَمِن نَفسِ لا تَشبَعُ . وَمِن دَعوَةٍ لا يُستَجَابُ لها .
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ، تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعظِمْ لَهُ أَجرًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كَثِيرًا مَا يُلقِي العُقَلاءُ اللَّومَ عَلَى الجُهَّالِ وَالسُّفَهَاءِ ، فِيمَا يَأتُونَهُ مِن مَعَاصٍ وَسَيِّئَاتٍ ، وَمَا يَقعُونَ فِيهِ مِن مُنَكَرَاتٍ وَمُخَالَفَاتٍ ، وَقَد يَتَّهِمُونَهُم بِقِلَّةِ الأَدَبِ ، أَو أَنَّهُم يَنتَهِكُونَ مَكَانَةَ الكِبَارِ وَلا يُقَدِّرُونَهُم ، أَو لا يَسمَعُونَ لِقَولِهِم وَلا يَستَجِيبُونَ لِنُصحِهِم ، وَهَذَا وَإِن كَانَ صَحِيحًا في مُجمَلِهِ ، إِلاَّ أَنَّ فِيهِ هُرُوبًا مِنَ الوَاقِعِ وَتَزكِيَةً لِلنَّفسِ وَبُعدًا عَن حَقِيقَةِ الأَمرِ . إِذْ كَثِيرًا مَا كَانَ وَاقِعُ الصِّغَارِ نِتَاجًا لما بَذَرَهُ الكِبَارُ ، وَلَو كَانَت كُلُّ البُيُوتِ وَالمَدَارِسِ مَحَاضِنَ تَربَوِيَّةً سَلِيمَةً ، وَبِيئَاتٍ صَالِحَةً مُصلِحَةً ، لَأُسِّسَت فِيهَا المَبَادِئُ الإِسلامِيَّةُ في قُلُوبِ الصِّغَارِ تَأسِيسًا ، وَلَغُرِسَت فِيهَا القِيَمُ في نُفُوسِهِم غَرسًا ، وَلَكِنَّ بُيُوتًا كَثِيرَةً وَمَدَارِسَ عَدِيدَةً ، صَارَت تَخلُو مِنَ القُدُوَاتِ الصَّالِحِينَ ، وَتَفتَقِرُ إِلى الدُّعَاةِ المُصلِحِينَ ، وَجَعَلَ الصِّغَارُ وَالأَبنَاءُ وَالطُّلاَّبُ ، لا يَرَونَ فِيمَن حَولَهُم إِلاَّ انكِبَابًا عَلَى الدُّنيَا وَتَنَافُسًا عَلَى الحُطَامِ ، مَعَ فَسَادِ ذَاتِ البَينِ وَكَثرَةِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ ، وَانتِشَارِ التَّجَادُلِ وَالتَّفَرُّقِ وَالانتِصَارِ لِلنَّفُوسِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَتِيجَةُ ضَعفِ التَّعَبُّدِ وَالتَّأَلُّهِ ، وَضُمُورِ الغَيرَةِ عَلَى الدِّينِ وَالحُرُمَاتِ ، وَالتَّوَسُّعِ في المُبَاحَاتِ وَاللَّذَائِذِ وَالمُشتَبَهَاتِ ، وَالسَّعيِ في طَلَبِ الرِّئَاسَةِ وَالزَّعَامَةِ وَالمَكَانَةِ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ آبَاءً وَمُعَلِّمِينَ ، وَاحفَظُوا لِلعِلمِ مَكَانَتَهُ ، وَثَبِّتُوهُ بِالعَمَلِ بِهِ ، وَكُونُوا قُدُوَاتٍ صَالِحَةً لِمَن تَحتَ أَيدِيكُم ، فَإِنَّمَا لأَبنَائِكُم وَطُلاَّبِكُم مِن عِلمِكُم وَتَوجِيهِكُم ، مَا رَأَوكُم عَلَيهِ دَائِمِينَ وَبِهِ مُستَمسِكِينَ ، قَالَ الإِمَامُ ابنُ الجَوزِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : إِخوَاني ، اِسمَعُوا نَصِيحَةَ مَن قَد جَرَّبَ وَخَبَرَ ، إِنَّهُ بِقَدرِ إِجلالِكُم للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُجِلُّكُم ، وَبِمِقدَارِ تَعظِيمِ قَدرِهِ وَاحتَرَامِهِ ، يُعَظِّمْ أَقدَارَكُم وَحُرمَتَكُم . وَلَقَد رَأَيتُ وَاللهِ مَن أَنفَقَ عُمُرَهُ في العِلمِ إِلى أَن كَبُرَت سِنُّهُ ، ثم تَعَدَّى الحُدُودَ فَهَانَ عِندَ الخَلقِ ، وَكَانُوا لا يَلتَفِتُونَ إِلَيهِ مَعَ غَزَارَةِ عِلمِهِ وَقُوَّةِ مُجَاهَدَتِهِ . وَلَقَد رَأَيتُ مَن كَانَ يُرَاقِبُ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ في صَبوَتِهِ ـ مَعَ قُصُورِهِ بِالإِضَافَةِ إِلى ذَلِكَ العَالِمِ ـ فَعَظَّمَ اللهُ قَدرَهُ في القُلُوبِ ، حَتى عَلِقَتهُ النُّفُوسُ وَوَصَفَتهُ بما يَزِيدُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الخَيرِ ... انتَهَى كَلامُهُ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ . اللَّهُمَّ رَبَّ جِبرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسرَافِيلَ ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ ، أَنتَ تَحكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَختَلِفُونَ ، اهدِنَا لما اختُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِكَ ، إِنَّكَ تَهدِي مَن تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ , اللَّهُمَّ انفَعْنَا بما عَلَّمْتَنَا ، وَعَلِّمْنَا مَا يَنفَعُنَا ، وَارزُقْنَا عِلمًا تَنفَعُنَا بِهِ ، سُبحَانَكَ لا عِلمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمتَنَا ، إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ .
المشاهدات 3617 | التعليقات 3

هنا ملفا الخطبة ...

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/مخالفة%20القول%20العمل.pdf

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/مخالفة%20القول%20العمل.pdf

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/مخالفة%20القول%20العمل.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/مخالفة%20القول%20العمل.doc


جزاك الله خيرا


بارك الله في قلبكم وقولكم وعملكم فضيلة الشيخ .