خطبة محو الأمية قضية إسلامية وضرورة حياتية

الشيخ السيد مراد سلامة
1442/11/18 - 2021/06/28 16:30PM
خطبة محو الأمية قضية إسلامية وضرورة حياتية
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ الرَّحْمَنِ، خَلَقَ الإنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيَانَ، وَأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ العِلْمَ أسَاسَ الفَوْزِ والنَّجَاحِ، وَالتَّقَدُّمِ وَالصَّلاحِ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَمِينُهُ علَى وَحْيِهِ، وَرَحْمَتُهُ لِعِبَادِهِ، عَلَّمَهُ رَبُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُهُ عَلَيْهِ عَظِيمًا، (صلى الله عليه وسلم) وَعلَى آلِهِ الأطْهَارِ الأبْرَارِ، وَأصَحْابِهِ الأَتْقِيَاءِ الأَخْيَارِ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهَمْ وَعَمَّنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ القَرَارِ. أَمَّا بَعْدُ، فَـيَا عِبَادَ اللهِ: القراءة والكتابة هي مفتاح سر هذا الكون وهذه العوالم التي خلق الله، فمن اهتدى إلى هذا المفتاح ملك زمام الأمر، وملك روح المبادرة، فكان الإسلام بهذا الأمر الإلهي لرسول الله " مقرا بالأسرار الكونية، ومشجعا على العلم بها، وحاثا على المضي في الطريق الصحيح نحو السعادة الدنيوية والأخروية، بالاستعانة بالقراءة والعلم الضروريين في يهذا الحياة.
:خطورة الأمية
اعلموا عباد الله أن الأمية تجعل من ضحاياها غرضا سهل المنال للتوظيف والاستعمال  في منزلقات من شانها أن تخل بأسس ووحدة البلاد - الأمية تعرقل الجهود المبذولة في سبيل ترقية دور المرأة في تربية أجيال المستقبل و مساهمتها الاقتصادية و تأثيرها الاجتماعي - الأمية تحول دون ممارسة الشاب لحقه في التكوين المهني و حصوله على منصب عمل .وما يترتب عن ذلك من انحراف وأفاق اجتماعية - الأمية لا تمكن الفرد من الولوج إلى مصادر المعلومات الصحية و الطبية الصحيحة و بالتالي فهي خطر على الحياة نفسها - الأمية لها انعكاسات سلبية على حماية البيئة.. هل تعلم انه يوجد 160 مليون مسلم لا يقرأون ولا يكتبون في 5 دول إسلامية بلغ عدد الأميين في مصر 18.4 مليون نسمة بمعدل 25.8% في تعداد 2017. الإسلام هو أول من حارب الأمية ودعا إلى التعليم والتعلم : لقد كان الإسلام أولَ دينٍ حارب الأمية والجهل، ودعا إلى التعليم، ورفع مكانة العلم وأهلِه، فكانت أولُ الآيات التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم فيها إشادةٌ بالقراءة والقلم؛ قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]. وفي هذه الآيات الشريفة دلالة عميقة وإشارة كبيرة إلى أهمية القراءة في الارتقاء بالإنسان والمجتمع، وصناعة التقدم العلمي والحضاري للأمة. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طَلَبُ العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ))([1]) . فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس - وحسَّنه شعيبٌ الأرناؤوط - أنه: "كان ناسٌ مِن الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداءٌ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يُعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة"([2]) . بل دلَّت الشواهد والآثار كذلك على أن زيدَ بنَ ثابتٍ رضي الله عنه كان ممن تعلَّموا القراءة والكتابة على يد أُسارى بدر. وهكذا رأينا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يطرُدَ الأُمِّية من حياة المسلمين؛ لأن المسلم تنتظرُه أشياء كبيرة، وهذه الأميَّة تُقيِّده وتمنعه أن ينهض بواجباته، والمشروعُ الحقيقيُّ للتغيير هو الذي يبدأ من الإنسان، وإن المشروع الإسلامي ركز منذ فجره على بِناءِ الإنسان علمًا وفقهًا.
الكتابة مأمور بها في عدة مواطن :
منها كتابة الدَين (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) (البقرة: 282). ومنها كتابة الوصية كما في الحديث (حق على كل امرئ مسلم ألا يبيت إلا ووصيته مكتوبة عنده) و منها  كما جاء في حديث البخاري وغيره. عن أبي رافع، قال: قلت: يا رسول الله، أللولد علينا حق كحقنا عليهم؟ قال: " نعم، ‌حق ‌الولد ‌على ‌الوالد ‌أن ‌يعلمه الكتابة والسباحة والرمي، وأن يؤدبه طيبا "([3]).
التعليم وتعلم مسؤولية جماعية :
روى الطبراني في الكبير عن بكير بن معروف عن علقمة بن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن جده، قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً، قال: (ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا ينهونهم؟ وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون؟ والله فيعلمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، ويتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتعظون أو لأعاجلنهم العقوبة). ثم نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال قوم: من ترونه عنى بهؤلاء؟ قال: الأشعريون هم قوم فقهاء، ولهم جيران جفاء من أهل المياه والأغراب، فبلغ ذلك الأشعريين فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا رسول الله، ذكرت أقواماً بخير، وذكرتنا بشر، فما بالنا؟ فقال: ليعلمن قوم جيرانهم وليعظنهم وليأمرنهم ولينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون، أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا، فقالوا: يا رسول الله أنفطن غيرنا؟ فأعاد قوله عليهم، وأعادوا قولهم، أنفطن غيرنا؟ فقال ذلك أيضاً، فقالوا: أمهلنا سنة، فأمهلهم سنة يفقهونهم ويعلمونهم ويفطنونهم، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (المائدة: 78، 79)([4]) . ويعلق الدكتور الشيخ مصطفى السباعي - رحمه الله - على هذا الحديث فيقول: وإنك لترى في هذا الحديث من الحقائق ما يجدر التنبيه إليها: 1- فالرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يقر قوماً على الجهالة بجانب قوم متعلمين. 2- واعتبر بقاء الجاهلين على جهلهم وامتناع المتعلمين عن تعليمهم عصياناً لأوامر الله وشريعته. 3- واعتبر ذلك أيضاً (عدواناً) و (منكراً) يوجبان اللعنة والعذاب. 4-أعلن الحرب والعقوبة على الفريقين حتى يبادروا إلى التعلم والتعليم. 5-وأعطاهم لذلك مهلة عام واحد للقضاء على آثار الجهالة فيما بينهم.  6- ولئن كانت الحادثة قد وردت بشأن الأشعريين العلماء وجيرانهم الجهلاء، فإن الرسول أعلن ذلك المبدأ بصفة عامة، لا بخصوص الأشعريين وحدهم بدليل أن الأشعريين لما جاءوا يسألونه عن سر تخصيصهم بهذا الإنكار كما فهم الناس، لم يقل لهم أنتم المرادون بذلك بل أعاد القول العام الذي سلف ثلاث مرات دون أن يخصصه بالأشعريين، إشعاراً بأن القضية قضية مبدأ عام غير مخصوص بفئة ولا عصر معين. وبذلك يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أعلن مكافحة الأمية قبل أن تعلنه الدول المتحضرة في عصرنا هذا بأربعة عشر قرناً، وإن هذا لعجيب أن يصدر من نبي أمي في بيئة أمية لولا أنه رسول الله. إن القضاء علي الجهل وإن محو الأمية ومضاعفة الجهود لخدمة العلم والثقافة الإسلامية لمن أهم ما ينبغي علي المسلمين أن يوجههوا إليه عنايتهم وأن يبذلوا أقصي ما في الفكر الإسلامي والعمل علي قيام أكبر نهضة علمية علي أيدي المسلمين, وقد أولي الإسلام عنايته الكبري واهتمامه البالغ بالعلم والثقافة, ومحاربة الجهل والأمية, وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر بمجلسين في مسجده, أحد المجلسين يدعون الله, ويرغبون إليه والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه فقال رسول الله صل الله عليه وسلم كلا المجلسين خير.. وأحدهما أفضل من الآخر, أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل وإنما بعثت معلما ثم أقبل فجلس معهم([5]).. إن العلم نور, وإن العلم أقوي سلاح وهو سبيل الرقي والنهوض والسعادة.
فوائد القراءة في الأخرة :
واعتبر رسول الله  أن قراءة القرآن ترتقي بالإنسان في الدنيا والآخرة، فقد روي عنه  أنه قال: «يقالُ لِصاحِبِ القرآنِ: اقرَأ وَارقَ ورَتِّلْ كما كنتَ تُرَتِّلُ في دارِ الدنيا، فإنّ مَنزِلَتَكَ عندَ آخِرِ آيَةٍ كُنتَ تَقرَؤها»([6]) وعنه  قال: «يقالُ لصاحِبِ القرآنِ إذا دَخَلَ الجَنّةَ: اقرَأْ وَاصعَدْ، فَيَقرَأُ ويَصعَدُ بكُلِّ آيَةٍ دَرَجةً حتّى‏ يَقرَأَ آخِرَ شي‏ءٍ مَعهُ مِنهُ»([7]) وفي موقف آخر كان رسول الله  يزوج الرجل على أن يكون مهر المرأة تعليمها سورة أو آية من القرآن الكريم، وفي هذا أيضاً دلالة أخرى على عنايته  بالتعليم والقراءة. ولهذا استطاع الرسول الأكرم  أن ينتقل بأمة العرب من الجهل إلى العلم، ومن التخلف إلى التقدم، ومن الحضيض بين الأمم إلى الارتقاء العلمي والحضاري، وأن تكون الأمة الإسلامية في طليعة وصدارة تلك الأمم في فترة زمنية قصيرة. وقد غرس رسول الله  حب القراءة واكتساب العلوم والمعارف في قلوب وعقول المسلمين، وكان من ثمار ذلك تأسيس المكتبات الإسلامية التي أنشئت في التاريخ الإسلامي، وكانت من أعظم المكتبات وأكبرها ولقرون طويلة مثل: مكتبات بغداد، القاهرة، المدينة المنورة، دمشق،، القدس، غرناطة، قرطبة، وغيرها من المكتبات الكبيرة والغنية بمختلف أنواع الكتب والمصنفات والموسوعات العلمية.
الخطبة الثانية
هل للتعليم سن معين ؟
 اعلم بارك الله فيك أنه ليس لطلب العلم سن محدد، وليس لطلب العلم نهاية، وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يعلم ويتعلم حتى بعد أن أصبح إمام الدنيا، فقالوا له: إلى متى تحمل المحبرة؟ فقال لهم: (المحبرة إلى المقبرة)، وسمع الإمام الطبري كلمات مفيدة في آخر لحظات حياته، فقال: أجلسوني، ثم طلب الدواة والقلم، وكتب ما سمع، فتعجب الناس، وقالوا له: وأنت في هذه الحالة؟ فقال لهم: (ما ينبغي للإنسان أن يضيع لحظة من حياته)، فكتب ما سمع ثم مات، وهكذا ظل طلب العقلاء للعلم لا يتوقف.
الإمام القدوة الثبت شيخ الإسلام الفضيل بن عياض، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم { الحديد: 16} فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ها هنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام. اهـ.
ومن أشهر من ذكر عنهم الطلب بعد كبر السن: ابن حزم الأندلسي، قال الذهبي: قال أبو بكر محمد بن طرخان التركي: قال لي الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد ـ يعني: والد أبي بكر بن العربي: أخبرني أبو محمد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة، فدخل المسجد، فجلس، ولم يركع، فقال له رجل: قم فصل تحية المسجد، وكان قد بلغ ستا وعشرين سنة، قال: فقمت وركعت، فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة، دخلت المسجد، فبادرت بالركوع، فقيل لي: اجلس اجلس، ليس ذا وقت صلاة ـ وكان بعد العصر ـ قال: فانصرفت وقد حزنت، وقلت للأستاذ الذي رباني: دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحون، قال: فقصدته، وأعلمته بما جرى، فدلني على موطأ مالك، فبدأت به عليه، وتتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحوا من ثلاثة أعوام، وبدأت بالمناظرة. اهـ. ونقل الحموي في معجم الأدباء عن أبي محمد بن العربي أيضا: أن أبا محمد بن حزم ولد بقرطبة، وجده سعيد ولد بأونبه، ثم انتقل إلى قرطبة وولي فيها الوزارة ابنه أحمد ثم ابنه عليّ الإمام، وأقام في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه ستا وعشرين سنة، وقال: إنني بلغت إلى هذا السن وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات. اهـ.
ومن هؤلاء أيضا سلطان العلماء العز بن عبد السلام، قال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا ولم يشتغل إلا على كبر، وسبب ذلك أنه كان يبيت في الكلاسة من جامع دمشق فبات بها ليلة ذات برد شديد فاحتلم فقام مسرعا ونزل في بركة الكلاسة فحصل له ألم شديد من البرد وعاد فنام فاحتلم ثانيا، فعاد إلى البركة، لأن أبواب الجامع مغلقة وهو لا يمكنه الخروج فطلع فأغمي عليه من شدة البرد ـ أنا أشك هل كان الشيخ الإمام يحكي أن هذا اتفق له ثلاث مرات تلك الليلة أو مرتين فقط ـ ثم سمع النداء في المرة الأخيرة: يا ابن عبد السلام أتريد العلم أم العمل؟ فقال الشيخ عز الدين: العلم لأنه يهدي إلى العمل، فأصبح وأخذ التنبيه فحفظه في مدة يسيرة، وأقبل على العلم فكان أعلم أهل زمانه ومن أعبد خلق الله تعالى. اهـ.
ومنهم أيضا الإمام القفال، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: الإمام العلامة الكبير، شيخ الشافعية، أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله، المروزي الخراساني، حذق في صنعة الأقفال حتى عمل قفلا بآلاته ومفتاحه زنة أربع حبات، فلما صار ابن ثلاثين سنة، آنس من نفسه ذكاء مفرطا، وأحب الفقه، فأقبل على قراءته حتى برع فيه، وصار يضرب به المثل، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه... قال أبو بكر السمعاني في أماليه: كان وحيد زمانه فقها وحفظا وورعا وزهدا، وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره، وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه أمتن طريقة، وأكثرها تحقيقا، رحل إليه الفقهاء من البلاد، وتخرج به أئمة، ابتدأ بطلب العلم وقد صار ابن ثلاثين سنة، فترك صنعته، وأقبل على العلم. اهـ. وقال عنه السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: الإمام الزاهد الجليل البحر أحد أئمة الدنيا ... كان قد ابتدأ التعلم على كبر السن بعدما أفنى شبيبته في صناعة الأقفال. اهـ.
ومنهم الإمام الكسائي المقرئ المعروف وشيخ العربية الذي قال عنه الإمام الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو، فهو عيال على الكسائي. كما نقل الذهبي في السير وقال: الإمام شيخ القراءة والعربية ... اختار قراءة اشتهرت، وصارت إحدى السبع. اهـ. قال أبو البركات الأنباري في نزهة الألباء في طبقات الأدباء: قال أبو زكرياء يحيى بن زياد الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه أنه جاء يوماً وقد مشى حتى أعيا، فجلس إلى قومٍ فيهم فضل، وكان يجالسهم كثيراً، فقال: قد عييت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن! فقال: كيف لحنت؟ فقالوا: إن كنت أردت من التعب، فقل: أعييت؟ وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل: عييت مخففة، فأنف من هذه الكلمة وقام من فوره فسأل عمن يعلم النحو، فأرشدوه إلى معاذ الهراء، فلزمه حتى أنفذ ما عنده، ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل بن أحمد وجلس في حلقته، فقال رجل من الأعراب: تركت أسداً وتميماً وعندهما الفصاحة، وجئت إلى البصرة ؟! وقال للخليل بن أحمد: من أين علمُك؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج الكسائي وأنفذ خمس عشرة قنينة حبراً في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ، ولم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس بن حبيب البصري النحوي، فجرت بينهما مسائل أقرّ له يونس فيها، وصدره موضعه. اهـ.
وقد استطاع أحد العمال في جامعة أم درمان الإسلامية أن يتعلم بعد كبر سنه، فدرس مراحل التعليم كاملة، ثم تخرج من الجامعة، ونال شهادة الدكتوراه، واحتفت به الجامعة والزملاء، وقد بدأ العز بن عبد السلام في طلب العلم متأخر جداً، ولكنه لم يمت إلا بعد أن أصبح إماما وسلطانا للعلماء، وأنت لا زلت في المراحل الأولى في سنوات الحياة.    

[1] - رواه الترمذي (جزء من حديث طويل) وقال عنه: حديث حسن
[2] - أخرجه أحمد في المسند (4/ 47)، والحاكم (2/ 140) بإسناد يرقى للحسن.
[3] - أخرجه البيهقي [10/ 15] ، كتاب السبق والرمي: باب التحريض على الرمي. قال البيهقي عقب روايته له: هذا حديث ضعيف، عيسى بن إبراهيم الهاشمي هذا من شيوخ بقية منكر الحديث، وضعفه يحيى بن معين، والبخاري وغيرهما.
[4] - أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (1/164) قال الهيثمي: فيه بكير بن معروف قال البخاري: إرم به، ووثقه أحمد فى رواية وضعفه فى أخرى، وقال ابن عدى: أرجو أنه لا باس به.
[5] - أخرجه الدارمي: 1 / 99 - 100، وأبو داود الطيالسي: صفحة (298) ، والمصنف في شرح السنة: 1 / 274 - 275.
[6] - رواه أحمد في "المسند" 2/ 192 (6799) ومن طريقه المصنف، والترمذي كتاب فضائل القرآن (2914) عن بندار، وابن حبان في "صحيحه" كما في "الإحسان" 43/ 3 م
[7] - «مسند أحمد» (17/ 455 ط الرسالة):«أخرجه ابن ماجه (3780) ، وأبو يعلى (1094)»
المرفقات

1624897810_خطبة محو الأمية قضية إسلامية وضرورة حياتية.pdf

المشاهدات 5229 | التعليقات 0