خطبة متوافقة مع تعميم الوزارة: الإسراف في المال والمتاع والحفلات

الإسراف في الأموال والمتاع والحفلات

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الْأَحْزَاب: 70، 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَّرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ طَبِيعَةِ الْبَشَرِ التَّوَسُّعُ فِي النَّفَقَاتِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ، وَهَدْرُ الْأَمْوَالِ عِنْدَ أَوَّلِ شُعُورٍ بِالثَّرَاءِ وَالْيَسَارِ، وَلَا يَعْرِفُوَنَ أَيَّ مَعْنًى لِوَفْرَةِ الْمَالِ إِذَا لَمْ يُصَاحِبْهَا اسْتِهَلَاكٌ أَكْثَرُ، وَرَفَاهِيَةٌ أَشْمَلُ، وَتَمَتُّعٌ بِالْكَمَالِيَّاتِ أَوْسَعُ، وَقَدْ جاءَ فِي الْقُرْآنُ أَنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ السَّرَفَ عِنْدَ الْجِدَةِ، وَتَجَاوُزَ حُدُودِ الْقَصْدِ وَالِاعْتِدَالِ: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [الْعَلَق: 6-7]، ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشُّورَى: 27].
وَلِتَهْذِيبِ الْإِنْسَانِ وَتَرْبِيَتِهِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَصْدِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا حَتَّى فِي أُمُورِ الْعِبَادَاتِ كَيْلَا يَمَلَّهَا الْعَبْدُ، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا».
وَضِدُّ الْقَصْدِ: السَّرَفُ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الْأَعْرَاف: 31]. قَالَ عَطَاءٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: نُهُوا عَنِ الْإِسْرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَالْإِسْرَافُ فِي شِرَاءِ الْأَطْعِمَةِ وَأَكْلِهَا أَوْ رَمْيِهَا مِنْهِيٌ عنه : ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الْأَنْعَام: 141].
وَكَذَا الْإِسْرَافُ فِي الْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْأَثَاثِ وَغَيْرِهَا مُحَرَّمٌ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الْأَعْرَاف: 31]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَهَذَا التَّشْدِيدُ فِي النَّهْيِ عَنِ السَّرَفِ مَا كَانَ إِلَّا لِأَجْلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْمَوَارِدِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وِفِيمَ أَنْفَقَهُ.
وَالسَّرَفُ يُعَارِضُ حِفْظَ الْمَالِ؛ بَلْ يُتْلِفُهُ وَيُؤَدِّي إِلَى إِفْقَارِ نَفْسِهِ، وَمِنْ ثَمَّ إِفْقَارُ أَهْلِ بَيْتِهِ وَقَرَابَتِهِ وَأُمَّتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى كَرِهَ لَنَا قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ.
إِنَّ حِفْظَ الْمَالِ فِيهِ حِفْظُ الدِّينِ وَالْعِرْضِ وَالشَّرَفِ، وَالْأُمَمُ الَّتِي لَا تَمْتَلِكُ الْمَالَ لَا يَحْتَرِمُهَا الْآخَرُونَ، وَالشَّخْصُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ لَا يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَلَا يَأْبَهُونَ بِهِ؛ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ الْحُكَمَاءُ: "مَنْ حَفِظَ مَالَهُ فَقَدْ حَفِظَ الْأَكْرَمَيْنِ: الدِّينَ وَالْعِرْضَ".
وَلَمْ تُحَرِّمِ الشَّرِيعَةُ اكْتِسَابَ الْأَمْوَالِ وَنَمَاءَهَا وَالتَّزَوُّدَ مِنْهَا؛ بَلْ حَضَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا حَرَّمَتِ الطُّرُقَ الْمُحَرَّمَةَ فِي كَسْبِهِ وَإِنْفَاقِهِ، وَإِنَّ مِنَ الطُّرُقِ الْمُحَرَّمَةِ فِي إِنْفَاقِهِ: السَّرَفَ فِيهِ، وَإِهْدَارَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ إِمَّا فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ، وَإِمَّا فِي حَفْلَاتٍ بَاهِظَةِ التَكَالِيفِ، وَإِمَّا في شِرَاءِ كَمَالِياتٍ يُمكِنُ الاستِغْنَاءُ عَنْهَا. وَإِنَّ مَا يُنْفَقُ مِنْ أَمْوَالٍ عَلَى السَّفَرِ إِلَى بِلَادِ الْكُفْرِ وَالْفُجُورِ لَيَعْدِلُ مِيزَانِيَّاتِ دُوَلٍ كَامِلَةً، وَمَا يُنْفَقُ عَلَى الحَفَلَاتِ الَّتِي يُلْقَى فَائِضُ أَطْعِمَتِهَا فِي النُّفَايَاتِ لَيُنْقِذُ الْمَلَايِينَ مِمَنْ يَمُوتُونَ جُوعًا، وَفِي الشَامِ يَموتُ إِخْوَانٌ لَنَا جُوعًا، فَهَلْ مِنْ حِفْظِ الْمَالِ هَدْرُهُ بِأَيَّةِ طَرِيقَةٍ؟! وَهَلْ مِنْ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَتِهِ إِنْفَاقُهُ فِيمَا يُسْخِطُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؟!
هَلْ يَلِيقُ بِالمؤمِنِ هَدْرُ الْأَمْوَالِ وَإِتْلَافُهَا وَفِي الْمُسْلِمِينَ مُشَرَّدُونَ مَحْرُمُونَ، لَا يَجِدُونَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُمْ، وَلَا مَا يَكْسُو عَوْرَتَهُمْ ؟! هَلْ مِنْ مَعَانِي الْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ أَنْ تَسْتَمْتِعَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- بِمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَرَى مَآسِيَ إِخْوَانِكَ الْمُسْلِمِينَ؟! وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مُسْلِمٌ عَلَى وَجِهِ الْأَرْضِ يَحْتَاجُ إِلَى جُزُءٍ مِنْ مَالِكَ يَسُدُّ رَمَقَهُ، وَيُبْقِي عَلَى حَيَاتِهِ؛ لَمَا جَازَ لَكَ أَنْ تُهْدِرَ مَالَكَ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، فَكَيْفَ وَالْمُسْلِمُونَ يَمُوتُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشَرَاتٌ مِنْ جَرَّاءِ التَّجْوِيعِ وَالْحِصَارِ وَالْحِرْمَانِ؟!
إِنَّ عَدَمَ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ، وَزَوَالِ الْأَمْوَالِ، وَإِفْقَارِ النَّاسِ؛ حَتَّى يَتَمَنَّى الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَلْقَى بِالْأَمْسِ فِي النُّفَايَاتِ عَوَذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
إِنَّ الأَخطَارَ تُحيطُ بِنَا، وَالنُذُرُ تَأتِينَا مِنْ بَينِ أَيدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَالأَعداءُ يَتَهَيئُونَ لِلانْقِضَاضِ عَلَينَا، كَمَا دَمَّرُوا العِراقَ وَنَخِلَيهُ وَتَمرَهُ، فَلَا تَمْرَ فِي العِراقِ يَكفِي أَهلَهَا، وَقَدْ كَانَتْ فِي يَومٍ مِنَ الأَيَامِ تُصَدِّرُ لِلعَالَمِ فائضَ تَمرِهَا، فَأَحَالَها الصَفَويُونَ خَرَابًا يَبَابًا، يَبْحثُ أَهلُهَا عَنْ بُلَغةٍ مِنْ عَيشٍ كَريمٍ فَلَا يَجِدُونَها، وَيَحلُمُونَ بِأَمْنٍ زَالَ عَنْهُم مُنذُ وَطِءَ الأًعداءُ أَرْضَهُمْ.
وَكانتِ الشَّامُ جَنَّةِ اللهِ تَعَالى فِي أَرْضِهِ، وَأَنَهَارُهَا أَعْذَبَ الأَنْهَارِ، وَفَاكِهَتُهَا أَطيبَ فَاكِهَةٍ، وَأَنُواعُ الحَلوَى مُنتَشِرةٌ فِي شَوَارِعِهَا، وَهِيَ الآنَ مِنْ دَمَارٍ إِلَى دَمَارٍ حَينَ سُلِّطَ عَلَيهَا البَاطِنِيُونَ فَغَزَوهَا مِنَ الأَرْضِ والبَحْرِ والجَوِ، فَدَمَّرُوهَا وَحَاصَرُوهَا حَتَى مَاتَ أَهْلُهَا جُوعًا.
مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ أنَّ العِراقَ يَقِلُّ تَمْرُهَا، أَو أَنَّ الشَامَ تَذْبُلُ ثَمَرَتُهَا، وَيَيْبَسَ شَجَرُهَا؟
أَلَا فَاعتَبِرُوا -عبادَ اللهِ - بِما حَلَّ بِإِخْوَانِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ، وَخُذُوا حِذْركَم مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى، وَارْعُوا نِعْمَتَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَطَاعَةَ النِّسَاءِ وَالْأَوْلَادِ فِي السَّرَفِ وَتَضْيِيعِ الْأَمْوَالِ فِي الْحَفَلَاتِ الْبَاهِظَةِ، وَالْأَعْرَاسِ الْمُتَكَلِّفَةِ، وَالسَّفَرِ الْمُحَرَّمِ؛ فَإِنَّ لَذَّةَ الْمُحَرَّمِ تَزُولُ، وَيَبْقَى الْوِزْرُ عَلَى ظَهْرِكَ، وَكُلُّ مَنْ أَمَرَكَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَدَفَعَكَ إِلَيْهَا فَهُوَ عَدُوٌّ لَكَ، فَاحْذَرْهُ، وَإِيَّاكَ وَطَاعَتَهُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْكَ.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [التَّغَابُن: 14-18].
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِ السَّلَفِ الصَّالِحِ الْإِسْرَافُ وَتَضْيِيعُ الْأَمْوَالِ، بَلْ كَانُوا مُقْتَصِدِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي الْحَقِّ، وَيَحْفَظُونَهَا عَنِ الْإِنْفَاقِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، قَالَ الْحَسَنُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "كَانُوا فِي الرِّحَالِ مَخَاصِيبَ، وَفِي الْأَثَاثِ وَالثِّيَابِ مَجَادِيبَ".أَيْ: مَا كَانُوا يَعْتَنُونَ بِالتَّوْسِعَةِ فِي أَثَاثِ الْبَيْتِ مِنْ فُرُشٍ وَوَسَائِدَ وَغَيْرِهَا، وَفِي ثِيَابِ اللُّبْسِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا كَمَا يَتَوَسَّعُونَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَهْلِ.
لَقَدْ كَانُوا -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- مَعَ زُهْدِهِمْ وَوَرَعِهِمْ يَعْتَنُونَ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَلَا يَحْتَقِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ اقْتِصَادٍ فِي الْمَعِيشَةِ وَالنَّفَقَةِ؛ وَلِذَا كَانَ الْقَلِيلُ مِنَ الْمَالِ يَكْفِيهِمْ.
وَقَدْ أَبَصَرَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- حَبَّةَ رُمَّانٍ فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَتْهَا وَقَالَتْ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ". وَالْتَقَطَ أَبُو الدَّرْدَاءُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حَبًّا مَنْثُورًا فِي غُرْفَةٍ لَهُ وَقَالَ: إِنَّ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ رِفْقَهُ فِي مَعِيشَتِهِ. وَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الْخَرْقُ فِي الْمَعِيشَةِ أَخْوَفُ عِنْدِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَوَزِ، لَا يَقِلُّ شَيْءٌ مَعَ الْإِصْلَاحِ، وَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مَعَ الْفَسَادِ. وَأَخْبَارُهُمْ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
إِنَّ السَّرَفَ فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ تَحَوَّلَ مِنْ سُلُوكٍ فَرْدِيٍّ لَدَى بَعْضِ التُّجَارِ وَالْوَاجِدِينَ إِلَى ظَاهِرَةٍ عَامَّةٍ تَجْتَاحُ الْأُمَّةَ كُلَّهَا؛ فَالْوَاجِدُ يُسْرِفُ، وَالَّذِي لَا يَجِدُ يَقْتَرِضُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُسْرِفَ وَيُلَبِّيَ مُتَطَلَّبَاتِ أُسْرَتِهِ مِنَ الْكَمَالِيَّاتِ وَمَا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ إِفْرَازَاتِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ الْعَالَمِيَّةِ الَّتِي أَقْنَعَتِ النَّاسَ بِذَلِكَ عَبْرَ الدِّعَايَةِ وَالْإِعْلَانِ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَأَضْحَى رَبُّ الْأُسْرَةِ الْمَسْتُورَةِ يَسْتَدِينُ لِتَلْبِيَةِ رَغْبَةِ أُسْرَتِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ السَرَفِ، وَكَانَ الأَولَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْأَشْيَاءِ بَدَلَ الِاسْتِغْنَاءِ بِهَا حَتَّى لَا تَسْتَعْبِدَهُمُ الْمَادَّةُ.
فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَاحْفَظُوا أَمْوَالَكُمْ، وَخُذُوهَا مِنْ حَقٍّ، وَأَنْفِقُوهَا فِي الْحَقِّ؛ فَإِنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ.
المرفقات

الإسراف في الأموال والمتاع مشكولة.doc

الإسراف في الأموال والمتاع مشكولة.doc

الإسراف في الأموال والمتاع والحفلات.doc

الإسراف في الأموال والمتاع والحفلات.doc

المشاهدات 3516 | التعليقات 7

جزاك الله خيرا
ونفع الله بك وبعلمك


جزاك الله خيرا


أسال الله العظيم أن يرفع قدركم شيخنا الفاضل
وأن ينسأ في أجلكم
وأن يجزيكم خيرا وينفع بكم


جزاكم الله خيرا ونفع الله بكم


جزاك الله خير الجزاء


شكر الله تعالى لكم إخوتي ونفع بكم واستجاب دعاءكم ورفع قدركم


ما شاء الله تبارك الله , زادك الله من فضله ونفع بك الإسلام والمسلمين