خطبة : ( مات هاجرًا أخاه فدخل النار )

عبدالله البصري
1438/07/24 - 2017/04/21 03:13AM
مات هاجرًا أخاه فدخل النار 24 / 7 / 1438
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَاتَت أُمٌّ وَابنُهَا لا يُسَلِّمُ عَلَيهَا ، وَقَضَى أَبٌ نَحبَهُ وَهُوَ لم يَرَ ابنَهُ ، وَفَرَّقَ المَوتُ بَينَ قَرِيبَينِ وَهُمَا مُتَقَاطِعَانِ !!! إِنَّهَا نِهَايَاتٌ مُؤلِمَةٌ لِقِصَصِ عُقُوقٍ وَمَوَاقِفِ هَجرٍ وَمُصَارَمَةٍ ، تَحدُثُ في مُجتَمَعِنَا وَعَلَى مَرأًى مِنَّا وَمَسمَعٍ ، وَتَدُومُ أَشهُرًا أَو سَنَوَاتٍ ، بِدَايَتُهَا اختِلافٌ في وُجهَاتِ النَّظَرِ ، ثم كَلِمَاتٌ كَالوَقُودِ وَالشَّرَرِ ، ثم ارتِفَاعٌ لِلأَصوَاتِ وَحِدَّةٌ وَخِصَامٌ ، ثم تَبَادُلٌ لِلتَّخوِينِ وَالاتِّهَامِ ، وَيَخرُجُ بَعدَ ذَلِكَ مِنَ المَنزِلِ ابنٌ لِيَبدَأَ قِصَّةَ عُقُوقٍ لا تَكَادُ تُصَدَّقُ ، وَيَهجُرَ أَبَاهُ الَّذِي رَبَّاهُ ، أَو يَقطَعَ أُمَّهُ الَّتي حَمَلَتهُ وَوَلَدَتهُ وَأَرضَعَتهُ ، وَأَزَالَتِ الأَذَى عَنهُ يَومًا بِيَدِهَا .
لا تَقُولُوا : وَمَن يُطِيقُ مِثلَ هَذَا أَو يَفعَلُهُ ؟! فَقَد وُجِدَ في مُجتَمَعِنَا وَمَارَسَهُ بَعضُ الأَبنَاءِ ، وَكَم مِن أَخٍ وَعَمٍّ وَخَالٍ لا يُسَلَّمُ عَلَيهِم ، وَرَحِمٍ مَقطُوعَةٍ لا تُوصَلُ ، وَقَرَابَةٍ مَهجُورَةٍ لا تُزَارُ ، وَابنِ عَمٍّ مَصرُومٍ وَجَارٍ مَحرُومٍ ، وَزَمِيلٍ مَبغِيٍّ عَلَيهِ وَصَدِيقٍ مَنسِيٍّ !!!
لا نَتَكَلَّمُ عَن صُدُودٍ يَسِيرٍ أَو قِلَّةِ زِيَارَةٍ أَو شَيءٍ قَلِيلٍ مِن عَدَمِ الاهتِمَامِ ، وَلَكِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَن هَجرٍ وَصَرمٍ وَإِعرَاضٍ تَامٍّ ، وَفَصمٍ لِلعُرَى وَقَطعٍ لِلعَلائِقِ وَالوَشَائِجِ ، لا يَتَّصِلُ فِيهِ طَرَفٌ بِآخَرَ وَلا يُسَلِّمُ عَلَيهِ وَلا يَسأَلُ عَنهُ ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُما قَد يَجتَمِعَانِ في مَقبَرَةٍ ، وَيَرَيَانِ مُسلِمًا يُدفَنُ أَمَامَهُمَا وَقَد يَكُونُ قَرِيبًا ، وَعُيُونًا تَذرِفُ الدَّمعَ حَزَنًا لِلفِرَاقِ وَأَلَمًا عَلَى مُرِّ الوَدَاعِ ، وَحَنَاجِرَ مَبحُوحَةً مِنَ البُكَاءِ ، وَمَوقِفًا تَرِقُّ فِيهِ القُلُوبُ إِذْ تَتَبَيَّنُ حَقِيقَةَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ زَوَالِهَا وَقُربَ النِّهَايَةِ المَحتُومَةِ ، وَمَعَ هَذَا تَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُمَا يَتَسَلَّلُ عَنِ الآخَرِ لِوَاذًا حَتَّى لا يُعَانِقَهُ أَو يُصَافِحَهُ ... فَأَيُّ نُفُوسٍ هَذِهِ النُّفُوسُ ؟! وَأَيُّ قُلُوبٍ يَحمِلُهَا بَعضُ النَّاسِ ؟! وَإِذَا لم يَكُنْ هَذَا نَوعًا مِن قَسوَةِ القُلُوبِ وَتَصَلُّدِ النُّفُوسِ وَضِيقِ الصُّدُورِ ، فَلَيسَ في الدُّنيَا قَلبٌ قَاسٍ وَلا نَفسٌ ضَيِّقَةٌ وَلا صَدرٌ حَرجٌ ، قَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكرِ اللهِ أُولَئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ "
نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّ المُؤمِنَ الَّذِي شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ وَاستَسلَمَ لأَمرِ رَبِّهِ ، وَاستَنَارَ قَلبُهُ بِآيَاتِ الكِتَابِ وَمَا نُزِّلَ عَلَى مُحمَّدٍ مِنَ الذِّكرِ ، لا يُمكِنُ أَن يَسكُنَ قَلبَهُ هَذَا القَدرُ مِنَ الجَفَاءِ وَالغِلظَةِ وَالشِّدَّةِ ، وَلا أَن يَمتَلِئَ صَدرُهُ كِبرًا أَو تَحمِلَ نَفسُهُ حِقدًا ، وَلا أَن يُشِيحَ بِوَجهِهِ وَيَصُدَّ وَيَتَبَاعَدَ ، وَهُوَ يَعلَمُ مَا أُنزِلَ في شَأنِ الأَرحَامِ وَفَضلِ صِلَتِهَا وَعَوَاقِبِ قَطعِهَا ، بَل وَفي تَحرِيمِ هَجرِ المُسلِمِ لِلمُسلِمِ . لَقَد أُنزِلَ في شَأنِ الأَرحَامِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ وَأَحَادِيثُ وَعِظَاتٌ ، لَو أُنزِلَت عَلَى حَجرٍ أَصَمَّ لانفَلَقَ وَانصَدَعَ وَخَشَعَ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَأُولُو الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ في كِتَابِ اللهِ "
وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا – في وَصفِ أُولي الأَلبَابِ : " وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكرِمْ ضَيفَهُ ، وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ، وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلقَ ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَت : هذَا مَقَامُ العَائِذِ مِنَ القَطِيعَةِ . قَالَ : نَعَم ، أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ ؟! قَالَت : بَلى ، قَالَ : فَذَاكِ لَكِ " ثم قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " اِقرَؤُوا إِن شِئتُم { فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفْسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم } "
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرشِ تَقُولُ : مَن وَصَلَني وَصَلَهُ اللهُ ، وَمَن قَطَعَني قَطَعَهُ اللهُ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن سَرَّهُ أَن يُبسَطَ لَهُ في رِزقِهِ ، وَأَن يُنسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ " رَوَى هَذِهِ الأَحَادِيثَ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَعِندَ أَحمَدَ وَغَيرِهِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَا مِن ذَنبٍ أَحرَى أَن يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ في الدُّنيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ في الآخِرَةِ ، مِنَ البَغيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ "
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا ، وَخَيرُهُمَا الَّذِي يَبدَأُ بِالسَّلامِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثٍ ، فَمَن هَجَرَ فَوقَ ثَلاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَن هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفكِ دَمِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
مَاذَا عَسَى قَائِلٌ أَن يَقُولَ بَعدَ هَذِهِ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ ، وَأَيُّ حَرفٍ أَو عِبَارَةٍ سَتَكُونُ أَبلَغَ في وَعظِ قَلبِ المُؤمِنِ مِن كَلامِ اللهِ وَكَلامِ رَسُولِهِ ؟! وَأَيُّ خَيرٍ يَبقَى في قَاطِعِ رَحِمِهِ بَعدَ إِصرَارِهِ وهو يَسمَعُ كُلَّ هَذَا الوَعِيدِ ؟! وَكَيفَ يَهنَأُ امرُؤُ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ بِحَيَاتِهِ وَهُوَ يَطوِي قَلبَهُ عَلَى هَذِهِ المَعصِيَةِ الكَبِيرَةِ ، وَفِيهَا يَغدُو وَيَرُوحُ ، وَعَلَيهَا يُصبِحُ وَيُمسِي ؟! يَلعَنُهُ اللهُ وَيُصِمُّ سَمعَهُ وَيُعمِي بَصرَهُ ، وَيَقطَعُهُ وَيُضَيِّقُ رِزقَهُ وَلا يُبَارِكُ في عُمُرِهِ ، وَإِن مَاتَ كَانَ مُعَرَّضًا لِدُخُولِ النَّارِ ، فَمَاذَا يَنتَظِرُ بَعدَ هَذَا ؟!
وَتَسأَلُ القَاطِعَ بَعدَ ذَلِكَ : لِمَ تَظَلُّ قَاطِعًا لِرَحمِكَ هاجرًا لِقَرَابَتِكَ وَأَنتَ تَقرَأُ مِثلَ هَذَا الوَعِيدِ أَو تَسمَعُهُ ؟! فَيُجِيبُكَ بِأَنَّهُ لم يَجِدْ مِن قَرَابَتِهِ إِلاَّ القَطِيعَةَ وَالإِسَاءَةَ وَالجَهلَ عَلَيهِ ، فَهُوَ يُعَامِلُهُم بِمِثلِ مَا يُعَامِلُونَهُ بِهِ !!! وَلَعَلَّهُ لم يَنتَبِهْ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ عِبَادَةٌ مَأمُورٌ بها وَمُثَابٌ عَلَى فِعلِهَا وَمُعَاقَبٌ عَلَى تَركِهَا ، وَلَيسَت مُكَافَآتٍ يَصرِفُهَا المَرءُ بِرَغبَتِهِ لِمَن وَجَدَ مِنهُ مِثلَهَا ، وَيَبخَلُ بها عَمَّن لا يُعجِبُهُ تَعَامُلُهُ ، بَل إِنَّ القَاطِعَ قَد يَجهَلُ أَنَّهُ كُلَّمَا اشتَدَّ القَرِيبُ في القَطِيعَةِ وَبَالَغَ في الأَذَى وَالعَدَاوَةِ ، كَانَت صِلَتُهُ أَعظَم أَجرًا ، وَفَضلُ اللهِ عَلَى الصَّابِرِ الوَاصِلِ أَعَمَّ ، وَنَصرُهُ لَهُ أَشَدَّ وَنِعمَتُهُ عَلَيهِ أَتَمَّ ، وَلَكِنْ أَينَ الَّذِينَ يَفقَهُونَ ؟!
أَينَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ وَيُوقِنُونَ ؟!
أَينَ مَن لا يُرِيدُونَ إِلاَّ مَا عِندَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ؟!
أَينَ مَن يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ ؟!
إِن كَانُوا مَوجُودِينَ وَقُلُوبُهُم حَيَّةٌ ، فَإِنَّ في كَلامِ رَسُولِ الهُدَى – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - الإِجَابَةَ القَاطِعَةَ المَانِعَةَ ، وَالبُشرَى الكَافِيَةَ الشَّافِيَةَ ، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُم وَيَقطَعُوني ، وَأُحسِنُ إِلَيهِم وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحلُمُ عَنهُم وَيَجهَلُونَ عَلَيَّ . فَقَالَ : " لَئِنْ كُنتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِم مَا دُمتَ عَلَى ذَلِكَ " رَوَاه مُسلِمٌ .
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لَيسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَت رَحِمُهُ وَصَلَهَا " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " أَفضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الكَاشِحِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وابنُ خُزَيمَةَ في صَحِيحِهِ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَالكَاشِحُ هُوَ المُضمِرُ لِلعَداوَةِ .
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهِ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَتَّقِ الأَرحَامَ أَن نَقطَعَهَا فَيَقطَعَنَا اللهُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخشَوا يَومًا لا يَجزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَولُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ بِأَيدِينَا أَلاَّ نَختَلِفَ أَبَدًا ، وَلَن نَقدِرَ أَن نُلزِمَ النَّاسَ بِرَأيٍ وَاحِدٍ ، فَهَذَا غَيرُ مُمكِنٍ وَلا مُتَصَوَّرٍ ، إِذِ اختِلافُ الآرَاءِ مِن سِيمَا البَشَرِ وَطَبَائِعِ النُّفُوسِ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ الوَاجِبُ عَلَينَا أَن نُوَسِّعَ صُدُورَنَا وَنَتَقَبَّلَ بَعضَنَا ، وَأَن نُفسِحَ المَجَالَ فِيمَا بَينَنَا مَا دَامَ الأَمرُ مُمكِنًا ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – يَجِبُ أَن نَتَعَلَّمَ أَدَبَ الاختِلافِ ، وَأَلاَّ نُصَعِّدَ الخِلافَ وَنَسعَى إِلى إِذكَائِهِ حَتَّى يَكُونَ خِصَامًا وَجَدَلاً ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يُنتِجُ إِلاَّ العَدَاوَةَ وَالنُّفرَةَ ، وَالهَجرَ وَالقَطِيعَةَ ، وَمِن ثَمَّ نُحرَمُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَنُحَمِّلُ قُلُوبَنَا شَرًّا عَظِيمًا ، وَنُعَرِّضُ أَنفُسَنَا لِمَقتِ اللهِ وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ .
وَإِنَّهُ لَو لم يَكُنْ في مُصَارَمَةِ المُسلِمِ لأَخِيهِ إِلاَّ أَنَّهُمَا جَمِيعًا يُحرَمَانِ المَغفِرَةَ مِنَ اللهِ – تَعَالى - بِسَبَبِ مَا بَينَهُمَا مِنَ الشِّقَاقِ وَالهِجرَانِ ، لَكَفَى بِهِ زَاجِرًا لِلقُلُوبِ الحَيَّةِ وَرَادِعًا لها عَنِ الاستِمرَارِ في هَذِهِ المَعصِيَةِ الكَبِيرَةِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنَينِ وَيَومَ الخَمِيسِ ، فَيُغفَرُ لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ ، فَيُقَالُ : أَنظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصطَلِحَا ، أَنظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصطَلِحَا ، أَنظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصطَلِحَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
فَاتَّقُوا اللهَ وَاحذَرُوا طُغيَانَ النُّفُوسِ وَكِبرَهَا وَعُلُوَّهَا وَهَوَاهَا ، فَقَد قَالَ رَبُّكُم – جَلَّ وَعَلا - " فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى . وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى . فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى "
المرفقات

مات هاجرًا أخاه فدخل النار.doc

مات هاجرًا أخاه فدخل النار.doc

مات هاجرًا أخاه فدخل النار.pdf

مات هاجرًا أخاه فدخل النار.pdf

المشاهدات 1638 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


ما شاء الله .. بارك الله لك ، ونفع بما حبّرت ، وللأسف بدأت هذا الظواهر تزيد خلال الزمن القريب ونسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال إخواننا المسلمين