خطبة: لو مُتَّ على غيرِ هذا لدخلتَ النّار

وليد بن محمد العباد
1444/02/05 - 2022/09/01 22:20PM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: لو مُتَّ على غيرِ هذا لدخلتَ النّار

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ كما أمَر، وأشكرُه وقد تأذّنَ بالزّيادةِ لمن شَكر، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له خلقَ كلَّ شيءٍ بقدَر، وأشهدُ أن محمّدًا عبدُه ورسولُه دعا الأمّةَ لكلِّ خيرٍ وحذّرَها من كلِّ شرّ، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى وآلِه وصحبِه ما تعاقبَ الشّمسُ والقمر، أمّا بعدُ عبادَ الله:

إنَّ أوجبَ الواجباتِ على العباد، معرفةُ توحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ والعملُ به، ومعرفةُ ما يناقضُهُ والحذرُ منه؛ فالتّوحيدُ هو إفرادُ اللهِ تعالى بالعبادة، وأنّه واحدٌ لا شريكَ له في ألوهيّتِه وربوبيّتِه وأسمائِه وصفاتِه، مع البراءةِ من الشّركِ وأهلِه، فلا يَصرفُ المسلمُ الموحّدُ شيئًا من العبادةِ لغيرِ اللهِ جلَّ جلالُه، ويَعتقدُ اعتقادًا جازمًا أنّ الأمرَ كلَّه لله، يَقبضُ ويَبسُطُ، ويَخفضُ ويَرفعُ، ويَضُرُّ ويَنفعُ، ويُفقِرُ ويُغني، ويُسقِمُ ويَشفي، ويَبتلي ويُعافي، ويُميتُ ويُحيي، لا رادَّ لقضائِه، ولا مُعقِّبَ لحُكمِه، قَدَّرَ الأقدارَ بحكمتِه، وأحاطَ الخلائقَ برحمتِه، فلا يَحصُلُ خيرٌ إلا بعلمِه، ولا يَقَعُ شرٌّ إلا بإذنِه، ولا يُكشفُ بلاءٌ إلا بأمرِه، فلا تَتعلّقُ قلوبُ الموحّدينَ بغيرِه، فلا تَطيّرَ ولا تَشاؤم، ولا حُروزَ ولا تَمائم، ولا قلائدَ ولا أساورَ ولا خواتم، فإنّ ذلك ممّا يُضادُّ التّوحيدَ ويُنافي الدّينَ القويمَ والعقلَ السّليم. ومن ذلك ما يَعتقدُه أهلُ الجاهليّةِ وضعافُ الإيمان، من التّشاؤمِ بشهرِ صَفَر، فلا يُسافرونَ فيه ولا يَتزوّجونَ ولا يُتاجرون، ولقد جاءَ الإسلامُ فأبطلَ تلك المعتقداتِ والخرافات. حمايةً لِجَنَابِ التّوحيدِ من شوائبِ الشّركِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ. فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ واحذروا التطيّرَ والتّشاؤمَ، والحروزَ والتّمائم، فإنّها لا تُغيّرُ ما قضى اللهُ سبحانه، وهي شركٌ يُحبطُ العملَ ويَهدمُ التّوحيد، ولن يَكمُلَ الإيمانُ ويَسْلمَ التّوحيدُ إلا بالإيمانِ بالقَدَرِ خيرِه وشرِّه، إيمانًا كاملًا نقيًّا من تلك البدعِ والخرافات، قالَ النّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ لابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: واعلمْ أنّ ما أصابَك لم يكنْ ليُخطئَك، وما أخطأك لم يكنْ ليصيبَك، واعلمْ أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعتْ على أنْ ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كَتَبَهُ اللهُ لكَ، وإنِ اجتمعوا على أنْ يَضرُّوكَ بشيءٍ لم يضرُّوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبَهُ الله عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ. وقالَ أبيُّ بنُ كعبٍ رضيَ اللهُ عنه: ولو أَنفقتَ مثلَ أُحُدٍ ذهبًا في سبيلِ اللهِ ما قَبِلهُ اللهُ منك حتى تؤمنَ بالقدر، وتعلمَ أنّ ما أصابَك لم يكن ليخطئَك، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبَك، ولو مُتَّ على غيرِ هذا لدخلتَ النّار. (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعدُ عبادَ الله:

اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.

اللَّهُمَّ إنه لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ، اللَّهُمَّ إنّا نسأَلُكَ إيمانًا لا يَرتَدُّ، ونَعيمًا لا يَنفَدُ، ومُرافقةَ نبيِّك صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أَعلى جنَّةِ الخُلدِ. اللهمّ إنّا نسألُك إيمانًا يُباشرُ قلوبَنا، ويقينًا صادقًا حتى نعلمَ أنّه لن يصيبَنا إلا ما كتبتَ لنا، وأنّ ما أصابَنا لم يكنْ ليخطئَنا، وما أخطأَنا لم يكنْ ليصيبَنا، اللهمّ أحينا مسلمين، وتوفّنا مسلمين، وألحقْنا بالصّالحين، غيرَ خزايا ولا فاتنينَ ولا مفتونين، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ الأحياءِ منهم والميّتينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 6/ 2/ 1444هـ

المشاهدات 1145 | التعليقات 0