خطبة :لماذا نحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

الشيخ السيد مراد سلامة
1440/03/05 - 2018/11/13 17:04PM
لماذا نحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
للشيخ السيد مراد سلامة

Smiley face

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين.

أحمده حمد الشاكرين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. كلمة حق قامت عليها السماوات والأرضين وبها أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين. ولأجلها انقسم الناس إلى مؤمنين وكافرين.

فمن سبقت له السعادة بالإيمان كان من الناجين. ومن تنكب عنها واتبع هواه كان من الهالكين. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والصراط المستقيم. أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين. فلم يزل صلى الله عليه وسلم يجتهد في تبليغ الدين، وهدى العالمين، وجهاد الكفار والمنافقين. حتى طلعت شمس الإيمان، وأدبر ليل الكفر والبهتان، وعز جند الرحمن، وذل حزب الشيطان، وظهر نور الفرقان، فبلغت دعوته القاصي والداني، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما مقرونا بالرضوان.

أما بعد، فإن الله افترض على العباد طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم ومحبته وتوقيره والقيام بحقوقه. وسد الطريق إلى جنته فلن تفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.

بأبي وأمي أنت يا خير الوَرى     وصلاة ربي والسلام مُعطرا
يا خاتمَ الرسل الكِرام محمد      بالوحي والقرآن كنتَ مُطهرَا
لك يا رسول الله صدق محبة     وبفيضها شهِد اللسان وعبَّرا
لك يا رسول الله صِدق محبة      فاقت محبة من على وجه الثَّرى
لك يا رسول الله صدق محبة       لا تنتهي أبدًا ولن تتغيَّرا 

الحب في دنيا الناس لماذا؟

إخوة الإسلام إن الحب له أثر كبير في حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات ولكن ذلك الحب يختلف باختلاف المحبوب وباختلاف أهدافه

  • فمن الناس من يحب المال ويجعله هدفه في الحياة فاذا سألته لماذا تحب المال؟

قال لأن المال هو كل شيء وهو عصب الحياة وبه يحقق المر أهدافه ورغباته  

  • ومن الناس من يحب الشهرة والمنصب فينصب في تلك الحياة

فإذا سألته لماذا تحب المنصب؟

قال: لأن به الوجاهة والمكانة بين الناس  

  • ومنهم من يحب النساء فإذا سألته لماذا تحب النساء

يقول لأن المرأة هي سعادة الرجل وبها ينال السكن والراحة

وغير ذلك من محبوبات ومشتهيات

وأنا في هذا اللقاء أسألك لماذا تحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟

*ما هي الغايات التي تجعلك تحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- و ما هي المميزات التي تميز بها سيد الكائنات –صلى الله عليه وسلم-؟؟

هيا لنتعرف على الجواب من كتاب الرحمن ومن سنة النبي العدنان –صلى الله عليه وسلم-؟

أولا: نحب رسول الله لأنه خليل الله تعالى –صلى الله عليه وسلم-

أيها الإخوة الكرام هو خليل الله و أحب خلقه إليه جل جلاله فنحن نحب ما يحب ربنا و يرضى و عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا»([1])

من علامات محبة الله تعالى لنبيه والأدلة كثيرة وواضحة في القرآن الكريم من ذلك ما يلي :

1-المولى أقسم بحياته –صلى الله عليه وسلم-

فالله تعالى ما أقسم بحياة أحد من خلقة ولكنه أقسم بحياة النبي –صلى الله عليه وسلم قال تعالى ((لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) سورة الحجر

جاء في تفسير الطبري وقوله ( لَعَمْرُكَ ) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وحياتك يا محمد، إن قومك من قريش ( لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) يقول: لفي ضلالتهم وجهلهم يتردّدون.

عن ابن عباس، قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى ذكره(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ )

عن ابن عباس، في قول الله (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) قال: ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا( إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ )..([2])

2-وعد الله له بأنه يعطيه حتى يرضيه –صلى الله عليه وسلم-

 ومن حبه –سبحانه وتعالى – لحبيبه و مصطفاه أنه وعده بأن يعطيه حتى يرضى وقوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) يقول تعالى ذكره: ولسوف يعطيك يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه، حتى ترضى.

وقد اختلف أهل العلم في الذي وعده من العطاء، فقال بعضهم: هو ما ذكره النبي – صلى الله عليه وسلم كما في حديث عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كَفْرا كَفْرا، فسرّ بذلك، فأنـزل الله (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) فأعطاه في الجنة ألف قصر، في كلّ قصر، ما ينبغي من الأزواج والخدم . ([3])

عن ابن عباس، في قوله: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) قال: من رضا محمد صلى الله عليه وسلم ألا يدخل أحد من أهل بيته النار.

3-إخبار الله له بأنه يرعاه ويحفظه–صلى الله عليه وسلم-

ومن حبه سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم – أنه حفظه ورعاه و من كل مكروه و سوء نجاه قال تعالى {(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)} سورة الطور

ثم ختم-سبحانه-السورة الكريمة، بتلك التسلية الرقيقة لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال:

{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا}.

أي: واصبر-أيها الرسول الكريم-لِحُكْمِ رَبِّكَ إلى أن ننزل بهم عقابنا في الوقت الذي نشاؤه ونختاره فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا أي: فإنك بمرأى منا وتحت رعايتنا وحمايتنا وحفظنا ...

أن الله تعالى منحه الطاعة المخوصة وما أتاكم الرسول

أن الله تعالى جعله سببا لمغفرة الذنوب

 ثانيا: نحن نحب النبي حتى لا تكون من الفاسقين

اعلم بارك الله فيك وزادك الله علما و فهما : أن الله تعالى أمرنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم و نقدمه على كل محبوب و مرغوب فمن لم يفعل ذلك كان من جملة الفاسقين قال أحكم الحاكمين {" قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  "} سورة التوبة آية «25»

(وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي الخارجين من حدود الدين والشريعة ومن سلامة الفطرة إلى فساد الطباع، ومن نور العقل إلى ظلمة الجهل والتقليد.

وقد جرت سنته تعالى أن يكون الفاسقون محرومين من الهداية الفطرية التي يهتدى إلى معرفتها الإنسان بالعقل السليم والوجدان الصحيح، ومن ثم فهم يؤثرون حب القرابة والمنفعة الطارئة كالمال والتجارة على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله.

قال القاضي عياض:

" فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرع الله من كان ماله وولده وأهله أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله: " فتربصوا حتى يأتي الله بأمره "، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن أضل ولم يهده الله.([4])

ثالثا: نحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-حتى يكتمل إيماننا  

اعلم بارك الله فيك أخي المسلم: أننا نحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-حتى نصل إلى كمال الإيمان بالملك الديان فلا سبيل إلى الوصول إلا بمحبة الرسول – صلى الله عليه وسلم-أَنَس قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ) ([5])

معنى الحديث، والله أعلم: أن من استكمل الإيمان علم أن حق الرسول وفضله آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن بالرسول استنقذ الله أُمته من النار وهداهم من الضلال، فالمراد بهذا الحديث بذل النفس دونه (صلى الله عليه وسلم) ، وقال الكسائى في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [ الأنفال : 64 ] أي حسبك الله ناصرًا وكافيًا ، وحسبك من اتبعك من المؤمنين ببذل أنفسهم دونك .

عن عَبْد اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ، إِلاَّ مِنْ نَفْسِى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ: «لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الآنَ يَا عُمَرُ». ".([6])

(أن من لم يجد من نفسه ذلك الميل، وأرجحيّته للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يكمل إيمانه.

على أني أقول: إن كل من صدّق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وآمن به إيمانا صحيحا، لم يخل عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، غير أنهم في ذلك متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، كما قد اتّفق لعمر -رضي الله عنه- حتى قال: من نفسي، ولهند امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، حين قالت للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: لقد كان وجهك أبغض الوجوه كلّها إليّ، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليّ ... الحديث.

وكما قال عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: لقد رأيتني، وما أحد أحبّ إليّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه ([7]). ولا شك في أن حظّ أصحابه -صلى الله عليه وسلم-من هذا المعنى أعظم؛ لأن معرفتهم لقدره أعظم؛ لأن المحبّة ثمرة المعرفة، فتقوى، وتضعف بحسبها.

ومن المؤمنين من يكون مستغرقًا بالشهوات، محجوبا بالغفلات عن ذلك المعنى في أكثر أوقاته، فهذا بأخسّ الأحوال، لكنه إذا ذُكِّر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو بشيء من فضائله اهتاج لذكره، واشتاق لرؤيته بحيث يؤثر رؤيته، بل رؤية قبره، ومواضع آثاره على أهله، وماله، وولده، ونفسه، والناس أجمعين، فيخطُر له هذا، ويجده وجدانًا لا شكّ فيه، غير أنه سريع الزوال والذهاب، لغلبة الشهوات، وتوالي الغفلات، ويُخاف على من كان هذا حاله ذهاب أصل تلك المحبّة حتى لا يوجد منها حَبّة. فنسأل الله تعالى الكريم أن يمُنّ علينا بدوامها، وكمالها، ولا يحجبنا عنها. انتهى كلام القرطبيّ ([8])

رابعا: نحب الله الله –صلى الله عليه وسلم-لأنه ولى كل مسلم  

إخوة الإسلام نحب رسول الله –صلى الله عليه وسلم – لأن النبي يدعونا إلى الجنة و نفوسنا تدعونا إلى النار فالنفس أمارة بالسوء و النبي هو أولى بنا من أنفسنا

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ « أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَىَّ وَعَلَىَّ ». ([9])

والمولى الذي يتولَّى أمور الرَّجل بالإصلاح والمعونة على الخير والنصر على الأعداء وسدّ الفاقات ورفع الحاجات.

أعميت عيني عن الدنيا وزينتها*** فأنت والروح شئ غير مفترق
إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق *****من أول الليل حتى مطلع الفلق
وما تطابقت الأجفان عن سنة***** إلا وإنك بين الجفن والحدق

خامسا: نحب رسول الله حتى نكون معه في الجنة

أحباب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ومما يزيدنا حبا في الحبيب صلى الله عليه وسلم – أن من أحبه كان معه في الجنة يا لها من منزلة عظيمة تنال بالمحبة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلاً قََالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، بَعْدَ الإِسْلاَمِ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.

قَالَ: فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، لِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَعْمَلْ بِعَمَلِهِمْ. ([10])

أُشهد الله أنني أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة أجمعين وأرجو أن أكون معهم وإن لم اعمل عملهم

والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت     إلا وحبّـك مقـرون بأنفاسـي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم            إلا وأنت حديثي بين جلاســي
ولا هممت بشرب الماء من عطش      إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس
وها هو حنظلة رضي الله عنه يتهم نفسه بالنفاق لأنه ينسي أمر الانشغال بالآخرة حينما يترك مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ويعود إلى بيته. عَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ , قَالَ : وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْر ، فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ ، مَا تَقُولُ ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ ، فَنَسِينَا كَثِيرًا ، قَالَ أَبُو بَكْر : فَوَاللهِ ، إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْر ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ ، يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : وَمَا ذَاكَ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، نَكُونُ عِنْدَكَ ، تُذَكِّرُنَا بِال نَّارِ وَالْجَنَّةِ ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ ، عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ ، نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي ، وَفِي الذِّكْرِ ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ ، وَفِي طُرُقِكُمْ ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ ، سَاعَةً ، وَسَاعَةً ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.([11]).
أنا ما أَتيتُكَ يا حَبيبـي مَادحــاً * * * يَكفِيـكَ مَدْحُ اللهِ والتَمجِـيـــدُ
فَصِفَاتُ خَلْقِكَ في الكِتَابِ كَثيـرَةٌ* * *لَيسـتْ لهـا حَدٌ .. ولا تَحديـــدُ
أنا هَائمٌ في نُورِ حُبِّـكَ ذَائِـبٌ* * *فَأَظـلُّ أَبكـى... والغَرَامُ يَزِيـــدُ
يقول الشافعي وهو يتحدث عن نفسه بتواضع:
أحب الصالحين ولست منهم * * لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارتهم المعاصي * * وإن كانا سوياً في البضاعة
فيرد عليه الإمام أحمد ويقول:
تحب الصالحين وأنت منهم* * ومنكم قد تناولنا الشفاعة
وتكره من بضاعتهم معاصي * * وقاك الله من شر البضاعة
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، شرع الشرائع وأحكم الأحكام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، ما تعاقبت الشهور والأيام، وسلَّم تسليما كثيرا.

أما بعد:

سادسا: نحب الرسول لحبه لنا وشفقته صلى الله عليه وسلم-علينا

إخوة الإسلام: نحب الحبيب صلى الله عليه وسلم- لحبه لنا و شفقته علينا فهو أحن علينا من آبائنا و أمهاتنا و إخواننا – صلى الله عليه وسلم- تأملوا عباد الله في ذلك المشهد الرائع المبكي الذي يصوره لنا عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي  فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] ، وَقَالَ عِيسَى: {إِنَّ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، قَالَ: وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اذْهَبْ يَا جِبْرِيلُ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ "([12])

يقول النووي رحمه الله: هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها: بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم، ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة -زادها الله تعالى شرفا -بما وعدها الله تعالى بقوله (سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك) وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها " انتهى .([13])

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لجميع أمته، ويستغيث الله تعالى أن يجعلها أمةً مكرَّمةً مرحومةً، حتى استجاب اللَّه له فجعل شطر أهل الجنة من أمته، أو يزيد، ورزقهم شفاعته يوم القيامة.

سابعا: نحبه صلى الله عليه وسلم – حتى يشفع لنا يوم القيامة

أيها المؤمنون المحبون لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – نحن رسول الله حتى ننال شفاعته يوم القيامة  جاء في صحيح البخاري في حديث الشفاعة العظمى عن أنس رضي الله عنه وفي الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم (فيأتوني ، فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيته وقعت ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، فيقول : ارفع محمد ، وقل يسمع ، واشفع تشفع ، وسل تعط ، قال : فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، فيحد لي حدا ، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة : وسمعته أيضا يقول : فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - ثم أعود فأستأذن على ربي في داره ، فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيته وقعت ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول : ارفع محمد ، وقل يسمع ، واشفع تشفع ، وسل تعط ، قال : فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، قال : ثم أشفع فيحد لي حدا ، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة : وسمعته يقول : فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - ثم أعود الثالثة ، فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيته وقعت له ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقول : ارفع محمد ، وقل يسمع ، واشفع تشفع ، وسل تعطه ، قال : فأرفع رأسي ، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، قال : ثم أشفع فيحد لي حدا ، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة : وقد سمعته يقول : فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن) . أي وجب عليه الخلود. قال: ثم تلا هذه الآية: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}. قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم .

الدعاء ..........................................................

 

 

[1] - أخرجه مسلم (4/1855 ، رقم 2383) .

[2] - تفسير الطبري-ط الرسالة-ت أحمد شاكر (17/ 118)

[3] - ) المعجم الكبير: 10/ 277. جامع البيان للطبري: 30/ 292.

[4] - الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 43)

[5] - أخرجه البخاري في: 2 كتاب الإيمان: 8 باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

[6] - رواه أحمد (4/ 336).

[7] - رواه مسلم (121).

[8] - مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (2/ 345) راجع "المفهم" 1/ 225 - 227.

[9] - أخرجه أحمد (2/290 ، رقم 7886) ، والبخاري (2/805 ، رقم 2176) ، ومسلم (3/1237 ، رقم 1619)

[10] - رواه أحمد (13419 و13886) ، وعَبْد بن حُمَيْد (1296) ، ومُسْلم (7520) .

[11] - أخرجه أحمد 4/178(17753) و\"مسلم\" 8/94(7066) و\"ابن ماجة\" 4239 والتِّرْمِذِيّ\" 2514

[12] - أخرجه : مسلم 1/132 ( 202 ) ( 346 ) .

[13] -"شرح مسلم" (3/78-79)

المرفقات

نحب-رسول-الله-صلى-الله-عليه-وسلم

نحب-رسول-الله-صلى-الله-عليه-وسلم

المشاهدات 7721 | التعليقات 0