خطبة : لماذا لا نتأثر بالقرآن

ضيدان بن عبد الرحمن اليامي
1431/10/02 - 2010/09/11 16:29PM
لماذا لا نتأثر بالقرآن
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضل له، ومَنْ يضلل فلاهادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (آل عمران 102) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) ( النساء 1 ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) ( الأحزاب 70 ـ 71 ) .
أما بعد : عباد الله :
( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [الحشر21].
سؤال نطرح عند تلاوتنا أو سماعنا لكتاب الله ، لماذا لا نتأثر بالقرآن ؟
القرآن الذي كان بأيدي الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ... هو القرآن الذي بين أيدينا اليوم .
لماذا هم يتأثرون بالقرآن ونحن لا نتأثر ؟
لماذا هم يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، ويقفون عند حدوده ، ونحن في إعراض مستمر عن أحكامه وتعاليمه وتوجيهاته ؟ .
لماذا يبكون عند تلاوة القرآن ، ونحن لا نبكي إلا من رحم الله ؟
لو سألت أحداً منا اليوم :
ماذا استفدت من قراءتك للقرآن ؟
لن يتعدى الجواب عند أحدنا " للحصولِ على الثواب " . وأنعم بها من فائدة ...ولكن أين العناية والاستفادة من معاني القرآن وما تحمله من هداية واستقامة على دين الله ، وأمر الله :
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) [ البقرة185] .
هدى ، وبينات من الهدى والفرقان ....
(إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ) [ الإسراء 9] .
يهدي للتي هي أقوم ....
( مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) [ طه2] .
سعادة ...
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) [ الفرقان32 ] .
تثبيت للقلوب ...
( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [ الزمر 27] .
( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) [ق45] .
ذكرى وموعظة ...
( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ الحشر21].
خشوع لله ، وتعظيم ...
فالواحد منا يقرأ القرآن ، ويختم القرآن ، ويجود القرآن ، دون أن تجد أثراً لهذه القراءة في أفعاله وسلوكه ـ إلا من رحم الله ـ بل لو سألت أحداً منا عن الآيات التي أستوقفته وأثرت فيه وفي حياته ، لا تجد عنده جواباً .
فهل القرآن نزل من أجل تجويده ، وترتيله ، وطلب الثواب في قراءته ؟ !!
قيمة القرآن وبركته تكمل في معانيه ، في تدبره وتأمله ، فما اللفظ وترتيله إلا وسيلةٌ في إدارك المعنى وتحصيله ، وطلبِ الخشوع التأثرِ به ..
( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) [ النساء82 ] .
(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) [ص29] .
( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [محمد24] .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " ومن المعلوم أن كلَّ كلامٍ فالمقصودُ منه فهمُ معانيه دون مجردِ الفاظه ، فالقرآنُ أولى بذلك " (1) .
فالعبرةُ ليست بمقدار ما يقرأه الإنسان ، بل بمقدار ما يستفيده .
فأين التأثر والتأثيرُ من قراءة القرآن .. والله تعالى يقول :
( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً ) الآية [ الرعد31 ] .
ويقول : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [الحشر21].
هل يكون تأثرُ الجن بهذا القرآن خيراً منا :
( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (32) .[ سورة الأحقاف ] .
أين النفوسُ والقلوبُ التي تحسنُ الاستماعَ إلى القرآن ، واستقبالَه ، والتعاملَ معه على أنه كتابُ هدايةٍ وشفاءُ للناس من الجهل ، والشرك ، والذنوب ، والمعاصي ، شفاءٌ للقلوب من ظلمةِ الكفر والشرك بالله إلى نور الإيمان والهداية ، والفرحِ والسرور ، والرضا عن الله تعالى ؟
أين القلوب التي تحسن الاستماعَ إلى القرآن ، والتأثرَ به ، والعملَ به ..
أين الخشوع ، و البكاء ، والتدبر ، والعمل عند سماع القرآن ، آيات لو أنزلت على ( جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) [الحشر21].
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « اقْرَأْ فَقُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) [النساء: 41] قَالَ : حَسْبُكَ الْآنَ ، قَالَ : فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ » متفقٌ عَلَيْهِ.
لماذا غير القرآنُ حياةَ الصحابة ، ولم يغير حياتَنا ؟!
الجواب : لأنهم أحسنوا التعاملَ مع القرآن ، أدركوا قيمتَه وفهموا المقصدَ من نزوله ، وأنه لا عزَّ لهم ولا نصرَ لهم إلا بالتمسك به وبتعاليمه .
عاش الصحابةُ القرآنَ بكل ما فيه ، تلاوةً ، وخشوعاً ، وتدبراً ، وعلماً ، وعملاً ، حتى صار الواحدُ منهم كأنه قرآناً يمشي على الأرض .
كان القرآنُ حياتهُم :
أخرج ابن إسحاق ، عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : خرجنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ في غزوة ذات الرِقاع من نخل ، فأصاب رجل إمرأة رجل من المشركين . فلما انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قافلاً أتى زوجُها ـ وكان غائباً ـ فلما أُخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يُهَرِيقَ في أصحاب محمد دماً . فخرج يتبع أثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فنزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ منزلاً فقال : «من يكلؤنا ليلتَنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين ، ورجل من الأنصار فقالا : نحن يا رسول الله . قال : «فكونا بفم الشِّعب من الوادي» فلما خرجا إلى فم الشِّعب قال الأنصاري للمهاجري : أيُّ الليل تحب أن أكفيكَهُ أولَه أم آخرَه؟ قال : بل أكفني أوّلَه ، فاضطجع المهاجريُّ فنام ؛ وقام الأنصاريُّ يصلِّي . قال : وأتى الرجل : فلما رأى شخصَ الرجلِ عرف أنه ربيئةُ القوم ، فرمى بهم فوضعه فيه ، فانتزعه الأنصاريُّ ووضعه وثبت قائماً . قال : ثم رمى بسهم آخر فوضعه فيه ، فنزعه فوضعه وثبت قائماً . قال : ثم عاد له بالثالث ، فوضعه فيه، فنزعه فوضعه ، ثم ركع وسجد ، ثم أهبّ صاحبَه ، فقال : إجلس فقد أُثْبِتُ. قال : فوثب الرجل ، فلما رآهما عرف أنه قد نَذِرا به ، فهرب . قال : ولما رأى المهاجريُّ ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك ؟ قال : كنت في سورة أقرؤها ، فلم أحبَّ أن أقطعها حتى أنفذها . فلما تابع عليّ الرمي ركعت فآذنتك ، وايْمُ الله ، لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بحفظه لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها (2) .
القوةُ في تعظيم القرآن ، الهيبةُ لكلام الله وهو يقرأ ، سرُ حياتهم هذا القرآن .
وايْمُ الله ، لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بحفظه لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها .
وإنك أخي الكريم لتعجب قبل ذلك من قوة تأثير القرآن على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " شيبتني ( هود) وأخواتها " (3) . فهل شيبنا شيئٌ من القرآن ؟ !!
بارك الله لي ولكم في القرآن ......
الخطبة الثانية :
عباد الله :
العبرةُ ـ والله ـ ليس بختم القرآن فقط دون تدبر وتعقل لمعانيه ، العبرة أن نقيم القرآن في حياتنا وواقعنا ، أن نقرأ القرآن على مكث :
(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) [الإسراء106]
على مُهل وتؤدة ليفهموه ..
وأخيراً : هذا القرآن هو القرآن الذي كان بأيدي الصحابة ..والذي صنع منهم الجيل المثالي للأمة ، صنع منهم العلماء ، ورثةُ الأنبياء ، وكيف احترامهم وتقديرهم ، صنع منهم الدعاة ، صمام ُ أمان الأمة ، صنع منهم العُبّادَ ، والأتقياءَ ، والقادةَ ، والأبطالَ ، صنع منهم النساءَ المثاليات ، والأمهاتِ المربيات ، لا يعرفن تبرجاً ولا سفوراً ، نصب أعينهن قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) [الأحزاب 33 ] ، صنع لهم حياةً مثاليةً فيها عزُّ الدنيا والآخرة ..
فما الذي حدث ؟
لماذا لم يعد القرآن ينتج مثل نماذج الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والتابعين ـ رحمه الله ـ ؟
هل فقد مفعوله في الأمة ، أم الأمة فقدت مفعولها من القرآن ؟
لا واللهِ ، العيبُ فينا .. العيبُ في الأمة ... وليس في القرآن ، حاشا لله أن يكون في القرآن ، وهو معجزةُ الله الخالدة إلى يوم القيامة ، الهدايةُ من الله للأمة :
( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ) [ الإسراء 9] .
الخلل فينا نحن ، فمع وجود المصاحف في كل بيت ، وما تبثه الإذاعات ليل نهار من آيات القرآن ، ومع وجود عشرات بل مئات الآلاف من الحفاظ على مستوى الأمة وبصورة لم تكن موجودةً في العصر الأول ، إلا أن الأمة لم تجن ثماراً حقيقية لهذا الاهتمام بالقرآن .. لماذا ؟
لأننا لا نوفر للقرآن الشروط التي يحتاجها لتظهرَ آثارُ معجزته ويقوم بمهمة التغيير ، فلقد اقتصر اهتمامنا بالقرآن على لفظه ، واختزل مفهومُ تعلم القرآن على تعلم حروفه وكيفية النطق بها دون أن يصحبَ ذلك تعلمُ معانيه ، وأصبح الدافعُ الرئيسي لتلاوته هو نيل الثواب والأجر دون النظر إلى ما تحمله آياته من معان هادية وشافية مما جعل الواحدَ منا يسرح في أودية الدنيا وهو يقرأ القرآن ، ويفاجأ بانتهاء السورة ليبدأ في غيرها ، ويبدأ في السرحان مرة أخرى دون أن يجد حرجاً في ذلك ، بل إنه في الغالب ما يكون سعيداً ، وفرحاً بما أنجزه من قراءة كماً لا كيفاً !
ندير مؤشر المذياع على صوت قارئ القرآن ثم نتركه يرتل الآيات ويخاطب بها الجدران ( وأستغفر الله من هذا اللفظ ، فإنه عظيم ) لكن هذا هو حالنا وواقعنا ، ثم ينصرف كل منا إلى ما يشغله ، فأين الاستماع إلى القرآن " .
هذا هو تعاملنا مع القرآن ، تعاملٌ شكليٌّ لاحقيقة فيه ، تعاملٌ مع حروفه ، تعاملٌ مع التغني به ، تعاملٌ مع تجويدِهِ وقراءتِهِ على عدةِ أوجه .. تعاملٌ لجعله فقط رُقى نعالج به المرضى ...
وهذا والله طيب ، ولكن أين التعامل الحقيقي مع القرآن ، أين التعامل مع معانيه ، أين التعامل مع حدوده وواجباته ، وأوامره ونواهيه ، أين التعامل مع توجيهاته وتوصياته ، أين التعامل مع التفقه فيه ، أين التعامل مع أوامره ونواهيه ، لهذا فقدنا تأثير القرآن ، فقدنا معجزة القرآن ، تغيرت علينا أنفسُنا وقلوبنُا وأصبحنا لا ننتفع بالقرآن .
فلا بد من عودة لنحيا بالقرآن ..
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) [الأنفال2] ..
( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ (92) [ النمل ]
ألا وصلُّوا وسلِّمُوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية ومُعلِّم البشريّة النبيّ المصطفى والرّسول المجتبى والحبيبِ المرتضَى محمّد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربّكم جل في علاه ، فقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب: 56] اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والتابعين لهم بإحسان ومن تبعهم بالخير والإيمان إلى يوم الدين .
اللّهمّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعَل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين...
_________
(1) مقدمة أصول التفسير ( ص 75) .
(2) علقه البخاري في "صحيحه" في " كتاب الوضوء" فقال : ويذكر عن جابر بن عبد اللّه ، أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان في غزوة ذات الرقاع ، فرمى رجل بسهم فنزفه الدم ، فركع وسجد ومضى في صلاته (1) . انتهى .
وقال الحافظ في الفتح ( 1 / 375) : " وصله ابن إسحق في المغازي قال : حدثني صدقة بن يسار ، عن عقيل بن جابر ، عن أبيه مطولاً . وأخرجه أحمد ، وأبو داود ، والدارقطني ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، كلهم من طريق ابن إسحق ، وشيخه صدقة ثقة ، وعَقيل بفتح العين لا أعرف راوياً عنه غير صدقة ، ولهذا لم يجزم به المصنف ، أو لكونه اختصره ، أو للخلاف في ابن إسحق " .
وقال : " وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر وسمى الأنصاري المذكور عباد بن بشر ، والمهاجري عمار بن ياسر، والسورة الكهف " .
(3) رواه الطبراني في الكبير ( 17/ 286/790) ، وجود الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ إسناده .
أنظر " الصحيحة " ( 2/641) حديث رقم (955) . ومنهم من ضعفه .
المشاهدات 5294 | التعليقات 2

( المشكلة أننا نقرأ القرآن ونظن أنه يخاطب به غيرنا ، السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ يقرءون القرآن بقلوب ترى كأنها هي التي تعاتب ، وكأنها هي التي فعلت وأسرفت ، يقرأ صفات في النكال والعذاب يحس أنه من أصحابها ، ويقرأ صفات في النعيم والخير يحس أنه ليس من أهلها ، وهذا من احتقار النفس في جنب الله .
ولكننا على العكس ، نقرأ آيات في ذكر النار فنحملها على غيرنا ، ونقرأ آيات في ذكر الجنان فنعد أننا قد قطعت لنا تلك المنازل ، فرق كبير ، قال بعض السلف : والله ما عرضت نفسي على القرآن إلا عددت نفسي من الراسخين في النفاق . ليس منافقًا فقط ، بل من الراسخين في النفاق ، هكذا كانت حياة السلف ـ رحمهم الله ـ كانوا يقرؤون القرآن بقلوب حية تتفاعل مع هذا الكتاب المبارك .
فاقرأ وتأمل ، واعرض نفسك وعملك وأقوالك وأفعالك على القرآن ، سرعان ما تعيش معه )
الشيخ محمد المختار الشنقيطي .


( ما هي الأسباب التي جعلتنا لا نتأثر بآيات الله ـ عز وجل ـ حتى عند ذكر الجنة والنار ؟
الجواب
أول سبب هو المعاصي والذنوب ، قال الله ـ جل وعلا ـ : " كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "
تقول لي : أنا الحمد لله لا أشرب الخمر ، أنا الحمد لله لا أزني ، أقول لك : يا عبد الله ، من الصغائر ما تصل إلى درجة الكبائر ، تقول لي : وكيف ؟ أقول لك : كم ترى في اليوم والليلة من امرأة ؟ تلفت النظرة الأولى بل أكثر ، هل تستمع إلى أغاني أو موسيقا بحجة أخبار ، بحجة فيلم أو مسلسل ؟ بل من أباح لك النظر إلى هذه المسلسلات ؟ أليست فيها عورات ؟ أليس فيها ما يلهي عن ذكر الله ـ جل وعلا ـ ؟
هل يزل اللسان فتغتاب أحدًا ؟ تتكلم في عرض أخيك ؟ تنم بين اثنين ؟ تكذب ؟ تسخر ؟ هل تفعل هذا يا عبد الله ؟ هذه الصغائر .

لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
صغيرة على صغيرة على صغيرة ، كما قال الله ـ جل وعلا ـ : " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " أول سبب الصغائر .

ثاني سبب : التفريط في الطاعات والواجبات ، التفريط في الصلوات إلا من رحم الله ، تفريطٌ في النوافل .

ثالث الأسباب : يقول ابن القيم : من أسباب قسوة القلوب الإفراط في المباحات .

وهي من خطوات الشيطان ، يأتيك فيقول لك : يا فلان ، هل هذا حرام ؟ الحمد لله ، هذا ليس بحرام ، اجلس في المجلس بعد العشاء ساعتين أو ثلاث ساعات وأنت تشرب الشاي والقهوة هل تتحدثون بذكر الله ؟ لا .
إنما تتحدثون في الأسواق ، وفي أسعار العملات ، وفي الدول الثانية ، وأخبار المباريات ، وفلان فعل وفلان ترك ساعتين وثلاث ساعات كل ليلة على هذه الحال ، ثم يقول : لا أتأثر إذا ذكرت الله ؟ أقول لك : كل هذا المباح " وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا " قد يجلس ساعة وساعة ، ولكن لا يكثرون منها .

دخل ـ عليه الصلاة والسلام ـ يومًا على الصحابة وقد أكثروا في الضحك مع أن الضحك حلال ، ولكن إذا زاد عن الحد الذي حده الله قسا قلبي ؟ قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا " فغطى أصحاب رسول الله وجوههم ولهم خنين من البكاء .

نعم يا عبد الله ، المباحات إياك إياك والإكثار منها ؛ فإنها سببٌ لقسوة القلب كثرة الأكل والشرب ، كثرة النوم ، كثرة حديثٍ لا معنى له ولا فائدة منه ، كثرة التجول في الأسواق بغير داعٍ ولا معنى ، فكثرة المباحات تقسي القلوب ، واعتكف على طاعة الله ، جرب يومين ثلاثة أيام قيام الليل ، واترك المعاصي والذنوب ، واعتكف على قراءة القرآن يومًا ويومين وثلاثة ثم انظر إلى القلب كيف يتأثر .

هذا هو علاج القلب يا عبد الله " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " )

الشيخ نبيل العوضي .