خطبة : ( لذة العيش )

عبدالله البصري
1434/11/21 - 2013/09/27 05:41AM
لذة العيش 21 / 11 / 1434


الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَاتَّقُوهُ وَالزَمُوا طَاعَتَهُ تَسعَدُوا " وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعقِلُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذَا كَانَ أَهلُ الأهوَاءِ في الدُّنيَا وَأَتبَاعُ الشَّهَوَاتِ ، يَجِدُونَ في نَيلِهَا وَاكتِسَابِهَا أَكمَلَ اللَّذَاتِ ، وَيَعِيشُونَ بِالاستِكثَارِ مِنهَا أَحلَى الأَوقَاتِ ، فَإِنَّ لَذَّةَ المُؤمِنِ بِإِيمَانِهِ وَالعَالِمِ بِعِلمِهِ ، وَلَذَّةَ العَاقِلِ بِتَميِيزِهِ وَالحَكِيمِ بِحِكمَتِهِ ، وَلَذَّةَ المُجَاهِدِ بِجِهَادِهِ وَالجَوَادِ بِجُودِهِ ، إِنَّهَا لأَعظَمُ مِن لَذَّةِ الآكِلِ بِأَكلِهِ وَالشَّارِبِ بِشُربِهِ ، وَأَكمَلُ مِن لَذَّةِ الكَاسِبِ بِكَسبِهِ وَاللاَّعِبِ بِلَعِبِهِ ، يُروَى عَن إِبرَاهِيمَ بنِ أَدهَمَ التَّابِعِيِّ الإِمَامِ الزَّاهِدِ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ أَنَّهُ قَالَ يَومًا لِبَعضِ أَصحَابِهِ : لَو عَلِمَ المُلُوكُ وَأَبنَاءُ المُلُوكِ مَا نَحنُ فِيهِ ـ أَيْ مِنَ السَّعَادَةِ وَالسُّرُورِ بِالطَّاعَةِ ـ لَجَالَدُونَا عَلَيهِ بِالسُّيُوفِ . وَقَالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : المَحبُوسُ مَن حُبِسَ قَلبُهُ عَن رَبِّهِ ـ تَعَالى ـ وَالمَأسُورُ مَن أَسَرَهُ هَوَاهُ .
وَيُروَى عَنِ الشَّافِعِيِّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قَولُهُ :
سَهَرِي لِتَنقِيحِ العُلُومِ أَلَذُّ لي ** مِن وَصلِ غَانِيَةٍ وَطِيبِ عِنَاقِ
وَصَرِيرُ أَقَلامي عَلَى صَفَحَاتِهَا ** أَحلَى مِنَ الدَّوكَاءِ وَالعُشَّاقِ
وَأَلَذُّ مِن نَقرِ الفَتَاةِ لِدُفِّهَا ** نَقرِي لأُلقِي الرَّملَ عَن أَورَاقي
وَتَمَايُلي طَرَبًا لِحَلِّ عَوِيصَةٍ ** في الدَّرسِ أَشهَى مِن مَدَامَةِ سَاقِ

إِنَّ في الحَيَاةِ الدُّنيَا سِوَى الشَّهَوَاتِ التي زُيِّنَت لِلنَّاسِ ، مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ، إِنَّ فِيهَا لأَشيَاءً كَثِيرَةً غَيرَ تِلكَ الشَّهَوَاتِ الفَانِيَةِ ، تَطِيبُ بها الحَيَاةُ وَتَجمُلُ ، وَتَحصُلُ بها السَّعَادَةُ وَتَكمُلُ ، وَيَتَّصِلُ بها الفَرَحُ وَيَتِمُّ السُّرُورُ ، وَيَتَّسِعُ بها العَيشُ وَتَنشَرِحُ الصُّدُورُ ، فَفِيهَا الاتِّصَالُ بِاللهِ وَالاستِغرَاقُ في عِبَادَتِهِ ، وَالثَّبَاتُ عَلَى أَمرِهِ وَالاطمِئنَانُ بِذِكرِهِ ، وَالاستِقَامَةُ عَلَى طَاعَتِهِ وَالعَيشُ مِن أَجلِهِ ، وَالجِهَادُ في سَبِيلِهِ وَالثِّقَةُ بِوَعدِهِ وَانتِظَارُ نَصرِهِ ، وَرَاحَةُ الضَّمِيرِ بِرِضَاهُ وَالسَّكِينَةُ بِسِترِهِ ، وَفِيهَا أَمنُ الأَوطَانِ وَاستِقرَارُهَا مَع العَافِيَةِ وَشَيءٍ مِنَ الصِّحَّةِ ، وَتَوَفُّرُ اللُّقمَةِ الهَنِيَئَةِ مَعَ القَنَاعَةِ وَغِنى النَّفسِ ، وَسَكَنُ البُيُوتِ وَمَوَّدَّةُ النُّفُوسِ وَائتِلافُ القُلُوبِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ ، مُعَافىً في جَسَدِهِ ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لأَحَدِ أَصحَابِهِ : " يَا شَدَّادُ بنَ أَوسٍ ، إِذَا رَأَيتَ النَّاسَ قَدِ اكتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ، فَأَكثِرْ هَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمرِ ، وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشدِ ، وَأَسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِكَ ، وَأَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ وَحُسنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسأَلُكَ قَلبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا ، وَأَسأَلُكَ مِن خَيرِ مَا تَعلَمُ وَأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعلَمُ ، وَأَستَغفِرُكَ لِمَا تَعلَمُ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ بَعضُ الشُّعَرَاءِ :
إِذَا اجتَمَعَ الإِسلامُ وَالقُوتُ لِلفَتى ** وَكَانَ صَحِيحًا جِسمُهُ وَهُوَ في أَمنِ
فَقَد مَلَكَ الدُّنيَا جَمِيعًا وَحَازَهَا ** وَحُقَّ عَلَيهِ الشُّكرُ للهِ ذِي المَنِّ
إِنَّهُ حِينَ يَتَّصِلُ القَلبُ بما هُوَ أَعظَمُ وَأَزكَى ، وَيَطمَعُ فِيمَا هُوَ خَيرٌ وَأَبقَى ، وَيَتَذَكَّرُ المَرءُ سُرعَةَ زَوَالِ الدُّنيَا وَقُربَ المَوتِ وَالبِلَى ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لا يَفرَحُ بما اجتَمَعَ لَدَيهِ أو حَازَهُ ، وَلا يَأسَفُ كَثِيرًا عَلَى مَا تَفَرَّقَ عَنهُ أَو فَاتَهُ ، لِعِلمِهِ أَنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى ، خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلهَى .
وَمَن تَفَكَّرَ في حَيَاةِ الأَنبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَسَبَرَ سِيَرَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ ، وَتَأَمَّلَ عَيشَ المُجَاهِدِينَ الصَّابِرِينَ وَحَالَ الأَجوَادِ المُنفِقِينَ ، عَلِمَ أَنَّ في العَطَاءِ وَالبَذلِ وَالتَّعَبِ ، لَذَّةً لَيسَت في الأَخذِ وَالطَّمَعِ وَالكَسَلِ ، وَأَنَّ في الجُودِ بِالنَّفسِ وَالمَالِ أُنسًا وَرَاحَةً وَسُرُورًا ، لا يَجِدُهَا مَن جَبُنَ وَشَحَّ وَبَخِلَ وَأَمسَكَ ، وَتَأَكَّدَ لَدَيهِ أَنَّ الإِحسَانَ إِلى الخَلقِ وَإِيثَارَهُم وَتَركَ الأَثَرَةِ عَلَيهِم ، هُوَ مَصدَرُ الهُدُوءِ وَالرَّاحَةِ وَمَنبَعُ الاستِقرَارِ وَالسَّكِينَةِ ، فَالمُتَرَفِّعُونَ عَن شَهَوَاتِ الدُّنيَا وَلَذَّاتِهَا ، وَالمُلتَفِتُونَ عَن زَخَارِفِهَا وَمُلهِيَاتِهَا ، وَالزَّاهِدُونَ في مَتَاعِهَا وَالمُتَخَفِّفُونَ مِنهَا ، وَقُوَّامُ اللَّيلِ وَصُوَّامُ النَّهَارِ ، وَالضَّارِبُونَ في الأَرضِ يَدعُونَ إِلى اللهِ ، وَالمُجَاهِدُونَ بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبِيلِ اللهِ ، وَالتَّارِكُونَ بَعضَ حُقُوقِهِم لِوَجهِ اللهِ ، وَالعَافُونَ عَنِ النَّاسِ وَالمُتَسَامِحُونَ ، وَالمُضَحُّونَ بِأَوقَاتِهِم لِنَفعِ عِبَادِ اللهِ ، وَطَالِبُو العِلمِ وَمُعَلِّمُو النَّاسِ الخَيرَ وَالمُسَاهِمُونَ في أَعمَالِ البِرِّ ، لَيسُوا بِلا قُلُوبٍ تُحِسُّ وَأَفئِدَةٍ تَشعُرُ ، بَل قَد يَتَقَطَّعُون شَوقًا إِلى مَا انهَمَكَ فِيهِ غَيرُهُم ، وَقَد تَتَطَلَّعُ نُفُوسُهُم إِلى مَا أَقبَلَ عَلَيهِ مَن سِوَاهُم ، وَقَد تَشرَئِبُّ أَعنَاقُهُم وَيَتَمَنَّونَ الوُصُولَ إِلى مَا وَصَلَ إِلَيهِ مَن حَولَهُم ، وَلَكِنَّهُم إِنَّمَا يَترُكُونَ مَا يَترُكُونَ وَيَتَصَبَّرُونَ ، وَيُعرِضُونَ عَمَّا يَشتَهُونَ وَيُقبِلُونَ عَلَى مَا يُخَالِفُ أَهوَاءَهُم وَيَبذُلُونَ ، طَلَبًا لِلمَعَالي وَالفَضَائِلِ ، وَإِيثَارًا لِكَرِيمِ الصِّفَاتِ وَالشَّمَائِلِ ، وَتَجَافِيًا عَنِ المَسَاوِئِ وَتَرَفُّعًا عَنِ الرَّذَائِلِ ، وَيَقِينًا بِاضمِحلالِ الدُّنيَا وَسُرعَةِ زَوَالِهَا ، وَجَزمًا بِذَهَابِهَا عَن أَهلِهَا أَو ذَهَابِهِم عَنهَا ، وَرَغبَةً فِيمَا عِندَ اللهِ مِنَ النَّعِيمِ المُقِيمِ وَالنُّزُلِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَزُولُ وَلا يَحُولُ ، وَمِن ثَمَّ فَهُم يَغتَنِمُونَ الأَعمَارَ في صَالحِ الأَعمَالِ ، تَأسِيًا بِإِمَامِهِم وَقُدوَتِهِم ، الَّذِي قَالَ لِعُمَرَ حِينَ دَخَلَ عَلَيهِ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَد أَثَّرَ في جَنبِهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوِ اتَّخَذتَ فِرَاشًا أَوثَرَ مِن هَذَا ! فَقَالَ : " مَا لي وَلِلدُّنيَا ، مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ في يَومٍ صَائِفٍ ، فَاستَظَلَّ تَحتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً ثم رَاحَ وَتَرَكَهَا " رَوَاهُ أَحمَدُ وصححه الألباني .
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَاحرِصُوا عَلَى مَا يُقَرِّبُكُم إِلى رَبِّكُم وَيُنجِيكُم ، وَتَصَبَّرُوا عَمَّا يُبَاعِدُكُم عَنهُ وَيُردِيكُم ، وَكُونُوا مِن أَهلِ الآخِرَةِ وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الدُّنيَا ، وَالزَمُوا القَنَاعَةَ فَإِنَّهَا مِن أَربَحِ البِضَاعَةِ ، وَاطلُبُوا الخَيرَ جُهدَكُم وَتَحَرَّوهُ ، فَإِنَّهُ مَن يَتَحَرَ الخَيرَ يُعطَهُ ، وَمَن يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجزَى إِلَّا مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ " " اعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولَادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ . سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "


الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوا لَهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَرَاقِبُوهُ وَلا تَنسَوهُ ، وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ أَنَّ مَن أَحَبَّ دُنيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ ، وَمَن أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنيَاهُ ، فَآثِرُوا مَا يَبقَى عَلَى مَا يَفنَى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخشَوا يَومًا لَا يَجزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَولُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذَا كَانَ أَكثَرُ النَّاسِ لا يَجِدُ رَاحَتَهُ إِلاَّ في العَيشِ لِنَفسِهِ ، بِتَحصِيلِهِ لَذَّةً حِسِّيَّةً كَالأَكلِ وَالشُّربِ وَاللِّبَاسِ وَالنِّكَاحِ ، أَو لَذَّةً وَهمِيَّةً كَالرِّئَاسَةِ وَالأَمرِ وَالنَّهيِ وَالانتِقَامِ ، فَإِنَّ لِلمُؤمِنِينَ لَذَّةً لِقُلُوبِهِم وَعُقُولِهِم لا تَعدِلُهَا لَذَّةٌ ، وَفَرحَةً لِنُفُوسِهِم لا تُسَاوِيهَا فَرحَةٌ ، يَجِدُونَهَا في العِلمِ وَالمَعرِفَةِ بِاللهِ ، وَيَزدَادُونَ مِنهَا بِازدِيَادِهِم مِنَ العَطَاءِ وَالإِحسَانِ ، وَتَتَضَاعَفُ لَدَيهِم كُلَّمَا أَمَرُوا بِمَعرُوفٍ وَأَتَوهُ ، أَو نَهَوا عَن مُنكَرٍ وَاجتَنَبُوهُ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَجَاهِدُوا أَنفُسَكُم وَاصبِرُوا وَصَابِرُوا ، وَلا تَستَثقِلُنَّ طَاعَةً وَلَو شَقَّت عَلَى نُفُوسِكُم قَلِيلاً ، فَإِنَّهَا تَذهَبُ وَتَبقَى حَلاوَتُهَا وَيَثبُتُ أَجرُهَا ، وَلا تَغُرَّنَّكُم مَعصِيَةٌ وَلَو وَجَدتُم لَهَا لَذَّةً وَنَشوَةً ، فَإِنَّهَا تَذهَبُ وَيَبقَى نَدَمُهَا وَإِثمُهَا . وَإِذَا لم يَجِدِ المُسلِمُ لَذَّتَهُ وَسَعَادَتَهُ وَرَاحَتَهُ في طَاعَةِ رَبِّهِ وَالإِحسَانِ إِلى الخَلقِ ، فَلَن يَجِدَهَا في مُخَالَفَةِ أَمرِ اللهِ ، وَلَن يَصِلَ إِلَيهَا بِالاعتِدَاءِ عَلَى حَقِّ غَيرِهِ ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ ، وَالمَحرُومُ مَن خَذَلَهُ اللهُ " فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنى . وَكَذَّبَ بِالحُسنى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى . وَمَا يُغني عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى "
المرفقات

لذة العيش.doc

لذة العيش.doc

لذة العيش.pdf

لذة العيش.pdf

المشاهدات 3690 | التعليقات 4

جزاك الله كل خير
دائما تتحفنا بكل مفيد نفع الله بك


جزاك الله خيرا ،، ورفع منزلتك في الدنيا والآخرة ...

لكن شيخي : ياليتك تنزل الروائع من الخطب قبل يوم الجمعة الاربعاء أو الخميس قبل العشاء .. لنتمكن نحن الخطباء من الاستفادة منها ومراجعتها


ولاحرمك الله الاجرررررررررررر ياشيخي وتاج رأسي .


جزاك الله خير ياشيخنا ونفع الله بعلمك


خطبة تستحق القراءة والتمعن في زمن ما لم يدرك الناس أين يجدون اللذة في العيش والسعادة في العمر فبحثوا عن ذلك في كل محرم ومحظور وفي كل ما في الدنيا من لذائذ وملاهي لكنهم يتفاجؤون دائما أنها تزول تلك اللذائذ ويعقبها حسرة وهم وغم إذ اللذة الحقة في العيش مع طاعة الرحمن.


بورك فيك شيخ عبدالله البصري بصرتنا بحقيقة اللذة ومكنها في الدنيا والآخرة والشكر موصول لكل المعلقين