خطبة: لَذَّةُ الخُشُوع.
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: لَذَّةُ الخُشُوع.
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
مِن رحمةِ اللهِ تعالى بعبادِه أنْ شَرعَ لهم خمسَ صلواتٍ في اليومِ والليلة، تُغسلُ بها أَدْرانُهم، وتَزكو نفوسُهم، وتَخشعُ قلوبُهم، وتَقَرُّ عيونُهم، ويَحصلُ بها فوزُهم وفلاحُهم. قالَ تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وقد علّقَ اللهُ تعالى الفلاحَ للخاشعينَ في صلاتِهم، والخشوعُ هو حضورُ القلبِ وخضوعُه ورِقّتُه وتَعظيمُه لربِّه، ومَحبّتُه وخَشيتُه ومُراقبتُه والأُنسُ بقربِه، فإذا خَشَعَ القَلبُ تَبِعَه خشوعُ الجوارح؛ فتَسْكُنُ وتَطمئنُّ وتَلينُ وتَنكسر. رأى بعضُ السّلفِ رجلًا يَعبثُ في صلاتِهِ فقال: لو خَشعَ قلبُ هذا لخَشعَتْ جوارحُه. والشّيطانُ يَتسلّطُ على المسلمِ مِن حينِ دخولِه في الصّلاةِ، يُذكّرُه مَشاغلَه الدّنيويّةَ، حتّى يُفسدَ عليه صلاتَه ويَحولَ بينَه وبينَ الخشوعِ فيها، ولذا كانَ الخشوعُ عزيزًا، وهو أَوّلُ ما يُرفعُ مِن القلوب، قالَ صلى اللهُ عليه وسلم: إنّ أَوّلَ ما يُرفعُ مِن النّاسِ الخشوع. وقالَ عُبادةُ رضيَ اللهُ عنه: يُوشِكُ أنْ تَدخُلَ مسجدَ جماعةٍ فلا ترَى فيهِ رجلًا خاشعًا. نَسألُ اللهَ العافية. فعلى المسلمِ أنْ يَجتهدَ في الأسبابِ التي تُعينُه على الخشوعِ في صلاتِه، وأَهمُّها الدّعاءُ بأنْ يَرزقَه اللهُ قلبًا خاشعًا، ومنها التّوبةُ والمسارعةُ للبِرِّ والإحسان، والاستعاذةُ باللهِ مِن وساوسِ الشّيطان، ومنها إحسانُ الوُضوءِ والتّبكيرُ للصّلاةِ والطّمأنينةُ فيها، واستحضارُ الوقوفِ بينَ يَدَيِ الجبّار، والتّدبُّرُ لمَا يُردّدُ فيها مِن الآياتِ والأذكار، وبقدرِ ما يَقَعُ مِن الخشوعِ في القلوب، تُكَفَّرُ الخطايا وتُغفرُ الذّنوب، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: ما مِن امرئٍ مُسْلِمٍ تَحضُرُهُ صلاةٌ مَكتُوبةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشوعَهَا وَرُكُوعَها، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارةً لِمَا قَبْلَهَا مِن الذّنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرةٌ، وَذلكَ الدَّهْرَ كلَّهُ. وبحسبِ الخشوع يَتفاوتُ المصلّون، فإنّ في الصّلاةِ لذّةً لا يَجدُها إلا الخاشعون، وحلاوةً لا يَذوقُها إلا الخاشعون، وراحةً لا يَتنعّمُ بها إلا الخاشعون، ومَنازلَ لا يَصلُها إلا الخاشعون، وفضائلَ لا يَنالُها إلا الخاشعون، وأَسرارًا لا يَعرفُها إلا الخاشعون، فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ، وجاهدوا أنفسَكم على إقامةِ صلاتِكم على الوجهِ المشروعِ، في ذلٍّ وخضوعٍ وخشوع، اللهمّ إنّا نَعوذُ بك مِن علمٍ لا يَنفع، وقلبٍ لا يَخشع، ومِن عينٍ لا تَدمع، ومِن نفسٍ لا تَشبع، ومِن دعوةٍ لا يُستجابُ لها، اللهمّ اجعلْنا مِن الذينَ هم في صلاتِهم خاشعون، الذينَ يَرثونَ الفردوسَ هم فيها خالدون، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعد: عبادَ الله: اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار. اللهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدينَ وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في غزّةَ وفلسطينَ وفي كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين، اللهمّ عليك باليهودِ مَن ناصرَهم اللهمّ أنزلْ بهم بأسَك الذي لا يُرَدُّ عن القومِ المجرمين، اللهمّ آمِنّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ أئمّتَنا وولاةَ أمورِنا، وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين، اللهمَّ أبرمْ لأمّةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أولياؤُك ويُذلُّ فيه أعداؤُك ويُعملُ فيه بطاعتِك ويُنهى فيه عن معصيتِك يا سميعَ الدعاء. اللهمّ ادفعْ عنّا الغَلا والوَبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 12/ 4/1445هـ