خطبة : لازِمُوا ما اعتَدتم عليهِ من الخيرِ في رَمَضَان !؟
سعود المغيص
أَمَّا بعدُ عباد الله :
اتقوا الله تعالى واعلموا أنَّ الدَّوامَ على العملِ الصَّالِحِ سِرٌّ من أَسرَارِ العُبُودِيَّةِ للهِ, وفيهِ عَدَمُ مِنَّةٍ بِالعمَلِ, وأنَّ المِنَّةَ للهِ تعالى أنْ وفَّقَكَ وشَرَّفكَ بِعِبَادَتِه. فيا مَن صُمتم وأحسنتُم: لازِمُوا ما اعتَدتم عليهِ من الخيرِ في رَمَضَان ولا تَنْقَطِعُوا عنه، وَخُذُوا مِن العَمَل مَا تُطِيقُون. (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).فالقليلُ الدَّائِمُ يَنْمُو ويزكو، والكثيرُ الشَّاقُّ يَنْقَطِعُ ولا يَدُومُ.
فعليكم بتقوى اللهِ سبحانه ولزومِ طاعتِه، (وَمَنْ يَتِّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسرًاْ).
عِبادَ اللهِ : اللهُ جَلَّ وَعَلا يَتَحبَّبُ إلينا بمواسمِ الخير لرفعةِ درجاتِنا، وَتَهذِيبِ أَروَاحِنَا؛ نعم، ودَّعنا رمضانَ، ولكنْ لن نودِّعَ الطاعةَ والعبادةَ؛ بَلْ سَنُوَثِّقُ العهدَ مع ربِّنا، ونُقوِّيَ صِلَتِنَا بِخَالِقِنا؛ لِيبْقى نَبْعُ الخَيرِ مُستَمِرَّاً. أمَّا أولئك الذين يَنقُضونَ عهدَ اللهِ، ويَهجُرونَ المساجد معَ أوَّلِ أَيَّامِ العِيدِ، وَحَاشَاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهم! فَبِئْسَ القومُ أولئكَ! نَعوذُ باللهِ من حالِهم! فقد ارتدوا على أَدْبَارِهِم، وَنَكَصُوا على أعقَابِهم، كَمَا حَذَّرَ اللهُ مِن ذَلِكَ فَقَالَ:( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا). كَمَنْ تَغزِلُ صُوفاً قَوِيَّا فَإذَا استَحكَمَ وَتَمَّ, نَقَضَتْهُ فَفَكَّكتْهُ! فَتَعِبَت في غَزْلِهِ ثُمَّ على نَقْضِهِ، ولمْ تَستَفِد سِوى الخَيبَةِ والعَناءِ ونَقْصِ الرَّأيِّ والعَقلِ.
يَا مُؤمِنُونَ: أبشروا يا مَنْ صُمتُم وقَرَأتُم وَتَصَدَّقتم، فلِعَمَلِكُمُ الصَّالحُ جَزَاءٌ في الدُّنيا وَثَوَابٌ في الآخرةِ, كمَا قَالَ تَعالى:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة).
أَبْشِروا: فَثَوابُ طَاعَتكمِ ثَبَاتٌ على دِينِ اللهِ تَعَالى:(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ).
أَبشِروا يا مَنْ صُمتُم وَتَقَرَّبْتُمْ فَجَزاءُ عَمَلِكُمُ الصَّالِحُ مودَّةٌ في قُلُوبِ المُؤمِنِينَ، قَالَ تَعَالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا ).
أبشروا فجزاءُ عَمَلِكُم الصَّالِحُ تَفريجُ كُرُوبِكم، وَتَيسِيرُ أُمُورِكم، والرِّزقُ الواسعُ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
عباد اللهِ: لا قِيمَةَ لِطَاعةٍ دُونَ أن يكونَ لها أثرٌ مِنْ خَشيَةٍ أو تَقْوى، وما شُرعَ الصِّيامُ إلاَّ لِتَحقِيقِ التَّقوى؛ فَأينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا هُجرَ القُرآنُ، وضُيِّعَتِ الصَّلاةُ، وانتُهكت المُحَرَّمَاتُ؟ أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا أُكِلَ الرِّبَا، وأُخِذَت أَموالُ النَّاسِ بِالبَاطِلِ؟! أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا عَقَّ الولَدُ والِدَيهِ, وأَسَاءَ الزَّوجُ لِزَوجَتِهِ وأَولاَدِهِ؟! فَيَا أَهْلَ الصِّيامِ اللهُ تعالى لا يُرِيدُ منَّا عِبَادَاتٍ جَوفاءَ, وجهداً ومَشَقَّةً وعَنَتاً. وَأكْثِرُوا من الاسْتِغْفَارِ فَنِعْمَ خِتَامُ الأعْمَالِ هُو.
فَدَاوِمَ ياعبدالله وَاِسْتَمَرَّ, فَعِبَادَةُ رَبِّ العَالَمِينَ لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى رَمَضَانَ, وَلَيْسَ لِلعَبْدِ مُنْتَهًى مِنَ العِبَادَةِ دُونَ المَوْتِ, لِتَحْيَ حَيَاةَ السُّعَدَاءِ فِي دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ,
اَللَّهُمَّ أَحْيِنَا حَيَاةَ السُّعَدَاءُ, وَأَمَتْنَا مَمَاتَ, الشُّهَدَاءِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ
أَقُولُ هذا ..
الخطبة الثانية :
أَمَّا بعدُ عباد الله :
المداومةُ على العملِ الصالح تحتاجُ منا إلى عزيمةٍ صادقة على لزوم العمل ورمضان يدرب الإنسان على الأعمال الصالحة وحقٌ على كلِ مؤمن تنعم بالطاعة فيه، أن يستمر على شيءٍ من الطاعة.. ومن أهمها الوتر فلا يتركه، كذلك قراءة شيء من كتاب الله يومياً.. وصيامُ بعض الأيام خلال العام..
ومن أفضلها إتباعُ رمضانَ بستٍ من شوال، قَالَ ﷺ: )مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ(
وقَالَ ﷺ )مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ(
أيها المداومون على قيام رمضان.. قوموا في غيره ولو ركيعات قليلة وإن غلبتم فلو بركعة واحدة. فعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ
واحرصوا على صلاةُ الضحى هي صلاةُ الأوابين وتجزيءُ عن ثلاثمائة وستين صدقة وهي وصيةُ نبيِكم ﷺ لأصحابِهِ وأقلها ركعتان وكان ﷺ يصليها أربعاً، ويزيدُ ما شاء الله..