خطبة ( كيف تكون من المصلحين )

خالد الشايع
1441/03/17 - 2019/11/14 21:04PM

الخطبة الأولى( كيف تكون من المصلحين )                         18/3/1441

أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله جل وعلا ، واعملوا بأمره وانتهوا عن نهيه ، واعلموا أن عقاب الله شديد .

عباد الله : لقد خلق الله الخلق ، وأرسل فيهم الرسل ، فمن خالف أمره من بعد ذلك حلت به العقوبة الدنيوية والأخروية ، ولا يزال الناس يكثر فيهم الخير ، ثم يضعف ، ويغلبه الشر ، والأيام دول غير أن العاقبة للمتقين .

ومع قلة الخير وضعف أهله ، أوجب الله على الناس الدعوة إليه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعل ذلك علامة على الإيمان ، بل جعل ذلك سببا من أسباب منع وقوع العقوبة عن الناس ، قال تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)

فجعل الله شرط السلامة من العذاب أن يكون أهل القرى مصلحين ، والمصلح هو الذي يدعو إلى الصلاح ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على قدر طاقته ، وكلما كثر أمثال هذا المصلح ، كلما زاد الخير واضمحل الشر .

أما كون الإنسان صالحا في نفسه ، فهذا حسن ولكنه لا ينجو من العقوبة إذا نزلت على المجتمع ،أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث"وأخرج أبو داود في سننه قال أبو بكر رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: "عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ" [المائدة: 105]، وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب"، وقال عمرو عن هشيم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لايغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب"

ولقد حكى الله لنا قصة تلك القرية من بني إسرائيل ، التي انقسمت إلى ثلاث فرق ، فرقة وقعت في المعصية ، وأخرى فارقت أهل المنكر ، ولكنها لم تنه عنه ، وأخرى فارقت المنكر ، وكانت تعظ العاصين وتخوفهم بالله ، قال الله تعالى في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(163)وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164)فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)

كانت هذه القرية حاضرة البحر ، يأيتها رزقها فتصطاد وتأكل وتبيع ، رزقا حلالا ، ثم نهاهم الله عن الصيد في يوم السبت ، فامتثلوا مدة ، فابتلاهم الله فجعل الحيتان والأسماك تأتي يوم السبت بكثرة ، ثم تنقطع بقية الأيام ، فلم يصبروا عن نهي الله ، فاحتال بعضهم فوضعوا الشباك يوم الجمعة ، ثم يأخذونها يوم الأحد ، فانقسم الناس فيهم قسمين ، قسم وعظوهم وقالوا إن هذا تحايل على النهي ، وقسم فارقوهم ولم يعملوا عملهم ، ولكنهم لم ينهوهم عن ذلك ، فلما نزل العذاب أنجى الله الذين ينهون عن السوء ، وأخذ العذاب المحتالين ، واختلف أهل التفسير في البقية الذين لم يعظوا ولم يحتالوا ، فقيل سكتوا فسكت عنهم ، وقيل بل عمهم العذاب ، وقيل نجو مع الناجين .

معاشر المسلمين : إن المجتمع كالسفينة ، إذا غرقت غرق الجميع ، وإذا نجت نجى الجميع ، ولقد مثل بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: "مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا"

اللهم أعنا على القيام بأمرك على مايرضيك يارب العالمين ، أقول قولي هذا ....

                                        الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : إن نزول العذاب على مستحقي العذاب سنة عادلة من سنن الله تعالى في خلقه ، فالله تعالى كما جاء في الحديث حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما .

إنها سنن لا تحابي أحدا ، فالأمة التي يقع فيها الفساد والظلم وتعدي حدود الله تعالى ولا يوجد من ينهض لدفعه ولا يقوم بالاحتساب عليه فإنها معرضة للهلاك والعذاب ( والله سبحانه هو القادر على تحديد نوع العذاب ) ، وبالعكس فالأمة التي تنهض بالإنكار على الظلم والفساد أمة ناجية لا يأخذها الله تعالى بالعذاب والتدمير .

إن المصلحين الذين أشاد الله تعالى بهم في قوله ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ  ) هم صمام الأمان بإذن الله تعالى ، وهذا يبرز دورهم وقيمتهم في المجتمع المسلم

وهذا يبين للناس أهمية الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فما دام الناس سالكين سبل الإصلاح فهم في مأمن من عذاب الله تعالى ،

أيها المؤمنون : قد يتساءل البعض كيف أكون من المصلحين ؟

أو أن البعض لا يفهم معنى الإصلاح ، فالإصلاح لا يشترط فيه أن تكون عالما ، أو داعية ، أو أن تصعد منبرا ، أو تلقي درسا ، كلا

فالجميع يستطيع أن يكون من المصلحين ، وينجو من العذاب إن نزل

فالأب يصلح في بيته ، فيكون من المصلحين فلو أصلح كل منا بيته لم يكن هناك منكر

والرجل يصلح في مجلس بني عمومته بأمرهم بالخير ونهيهم عن المنكر ، وتبيين خطر المنكر وحضوره ، والرجل في عمله ، ومع أصحابه ، وكذلك المرأة في بيت زوجها وأهلها ، تكون من المصلحات ، فلا يبالغ الشيطان في تعريف الرجل المصلح ، حتى ييأس المسلم من الإصلاح .

عباد الله : أصلحوا على قدر استطاعتكم ، فالقليل مع القليل يكثر ، والمسلم قوي بأهله ، ولا يكن أهل الشر أشجع منكم في نشر باطلهم والدفاع عنه

إننا في زمن إن سكت المصلحون خشي على الناس أن تنزل بهم نقمة الله ، أو أن ينتشر الجهل ، وتفسد أحوال الناس ، فلنصلح بالمعروف ونشره بين الناس ، ونشر العلم ، وبيان شرائع الإسلام ، وشموليته ، وأن الناس لا يصلح لهم إلا الإسلام وتعاليمه ، ولا يقوم أمرهم إلا بالإسلام وشرائعه الحقة ، وأن نحذر الناس من معاصي الله ، وأنها تفسد المجتمعات ، وتقوض أروقتها عافانا الله وإياكم

اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا ..........

المشاهدات 2321 | التعليقات 0