خطبة : ( كم في البلايا من العطايا )
عبدالله البصري
1441/06/01 - 2020/01/26 12:12PM
كم في البلايا من العطايا 29 / 5 / 1441
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نَحنُ في دَارٍ قَصِيرَةٍ ، قَدَّرَ اللهُ أَن تَكُونَ دَارَ عَنَاءٍ وَامتِحَانٍ وَابتِلاءٍ ، لا دَارَ رَاحَةٍ وَاستِقرَارٍ وَصَفَاءٍ ، أَيَّامُ الفَرَحِ فِيهَا مَتلُوَّةٌ بِتَرَحٍ ، وَرَخَاؤُهَا يَعقُبُهُ شِدَّةُ ، وَسَاعَاتُ السُّرُورِ فِيهَا مَمزُوجَةٌ بِحُزنٍ ، وَصَفوُهَا مَشُوبٌ بِكَدَرٍ ، وَالمُرتَاحُ فِيهَا عَلَى وَجَلٍ مِنهَا ، إِمَّا بِنِعمَةٍ يَخَافُ زَوَالَهَا ، أَو بَلِيَّةٍ يَتَوَقَّعُ نُزُولَهَا ، أَو مَرَضٍ مُقعِدٍ يَخشَى حُصُولَهُ ، أَو كِبَرٍ مُفْنِدٍ يَخَافُ حُلُولَهُ ، أَو مَوتٍ مُجهِزٍ يَقطَعُ لَذَّتَهُ ...
أَلا إِنَّمَا الدُّنيَا نَضَارَةُ أَيكَةٍ
إِذَا اخضَرَّ مِنهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ
هِيَ الدَّارُ مَا الآمَالُ إِلاَّ فَجَائِعٌ
عَلَيهَا وَمَا اللَّذَّاتُ إِلاَّ مَصَائِبُ
فَكَم سَخَنَت بِالأَمسِ عَينٌ قَرِيرَةٌ
وَقَرَّت عُيُونٌ دَمعُهَا الآنَ سَاكِبُ
فَلا تَكتَحِلْ عَينَاكَ مِنهَا بِعَبرَةٍ
عَلَى ذَاهِبٍ مِنهَا فَإِنَّكَ ذَاهِبُ
إِذَا عُلِمَت هَذِهِ الحَقِيقَةُ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - وَتَيَقَّنَ العَاقِلُ أَنَّ الدُّنيَا مَرحَلَةُ ابتِلاءٍ وَاختِبَارٍ ، وَأَنَّهَا دَارُ مَمَرٍّ وَلَيسَت بِدَارِ قَرارٍ ، فَإِنَّهُ لا يَغتَرُّ بِهَا وَلا يَركَنُ إِلَيهَا ، وَلَكِنَّهُ يَتَلَمَّسُ شَيئًا مِن أَسرَارِ بَلائِهَا ؛ لِيَزدَادَ بِذَلِكَ يَقِينًا بِلِقَاءِ اللهِ الكَرِيمِ ، وَتَعَلُّقًا بِدَارِ النَّعِيمِ المُقِيمِ ، ذَلِكُم أَنَّ لِلمُؤمِنِ مَعَ رَبِّهِ عُبُودِيَّةً في الضَّرَّاءِ وَالعُسرِ ، كَمَا أَنَّ لَهُ عُبُودِيَّةً في السَّرَّاءِ وَاليُسرِ ، وَاللهُ – تَعَالى – لا يُقَدِّرُ شَرًّا مَحضًا ، بَل مَا مِن شَرٍّ إِلا وَفِيهِ خَيرٌ ، وَلا مَكرُوهٍ إِلاَّ وَفي ثَنَايَاهُ مَحبُوبٌ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيرًا " وَمِن ذَلِكَ البَلاءُ ، فَإِنَّ اللهَ لم يُنزِلِهُ بِعِبَادِهِ إِلاَّ لِحِكمَةٍ بَل لِحِكَمٍ عَدِيدَةٍ ، مَن غَفَلَ عَنهَا ضَلَّ وَهَلَكَ ، وَمَن عَرَفَهَا وَوَطَّنَ نَفسَهُ عَلَيهَا وَاستَحضَرَهَا ، هَانَ عَلَيهِ مَا يَلقَاهُ في دُنيَاهُ مِن بَلاءٍ ، وَسَهُلَ عَلَيهِ مَا يَجِدُهُ فِيهَا مِن عَنَاءٍ ، وَمِن ذَلِكَ أَنَّ في البِلاءِ استِخرَاجًا لأَنوَاعٍ مِنَ العُبُودِيَّةِ لم تَكُنْ لِتَخرُجَ لَولا البَلاءُ ، فَلَولا النَّوَازِلُ وَالابتِلاءَاتُ ، مَا رَجَعَ بَعضُ الشَّارِدِينَ إِلى رَبِّهِ ، وَلَولا المَصَائِبُ وَالرَّزَايَا مَا تَابَ بَعضُ العَاصِينَ مِن ذَنبِهِ ، وَلَولا المِحَنُ وَالمَكَارِهُ لاغتَرَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَتَكَبَّرَ ، وَلَكِنَّ اللهَ يَبتَلِي العِبَادَ لِيَعُودُوا إِلى رُشدِهِم وَلا يَنحَرِفُوا عَن طَرِيقِهِم ، وَلِئَلاَّ تَخفَى عَلَيهِم حَقِيقَةُ أَنفُسِهِم وَضَعفُ تَصَرُّفِهِم وَقِلَّةُ حِيلَتِهِم ، وَلِيَلجَؤُوا بِذَلِكَ إِلَيهِ وَيَنطَرِحُوا بَينَ يَدَيهِ ، وَيُفَوِّضُوا أُمُورَهُم إِلَيهِ وَيَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " مَا أَصَابَ مِن مصِيبَةٍ في الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلاَّ في كِتَابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ . لِكَيلا تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلا تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُم وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ " وَمِنَ الحِكَمِ في البَلاءِ ، أَنَّ اللهَ – تَعَالى – حِينَ يَبتَلِي عَبدَهُ المُؤمِنَ ، فَإِنَّمَا يَبتَلِيهِ لِيُهَذِّبَهُ لا لِيُعَذِّبَهُ ، وَلِيُطَهِّرَهُ وَيُكَفِّرَ عَنهُ ذُنُوبَهُ ، وَإِلاَّ فَلَو شَاءَ لَتَرَكَهُ دُونَ تَمحِيصٍ وَتَطهِيرٍ مِنهَا ؛ لِيُوَافِيَ بِهَا يَومَ القِيَامَةِ وَيُعَذَّبَ بِسَبَبِهَا ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنيَا ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أَمسَكَ عَنهُ بِذَنبِهِ حَتى يُوَافِيَهُ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ ، وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ ، وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِن خَطَايَاهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ في نَفسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ ، حَتَّى يَلقَى اللهَ وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . بَل إِنَّ البَلاءَ عَلَى خِلافِ مَا يَظُنُّ بَعضُ النَّاسِ دَلِيلُ حُبِّ اللهِ لِلعَبدِ وَإِرَادَتِهِ لَهُ المَنزِلَةَ العَالِيَةَ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَومًا ابتَلاهُم ، فَمَن رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَن سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِندَ اللهِ المَنزِلَةُ ، فَمَا يَبلُغُهَا بِعَمَلٍ ، فَمَا يَزَالُ يَبتَلِيهِ بِمَا يَكرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا" رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
إِذَا اخضَرَّ مِنهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ
هِيَ الدَّارُ مَا الآمَالُ إِلاَّ فَجَائِعٌ
عَلَيهَا وَمَا اللَّذَّاتُ إِلاَّ مَصَائِبُ
فَكَم سَخَنَت بِالأَمسِ عَينٌ قَرِيرَةٌ
وَقَرَّت عُيُونٌ دَمعُهَا الآنَ سَاكِبُ
فَلا تَكتَحِلْ عَينَاكَ مِنهَا بِعَبرَةٍ
عَلَى ذَاهِبٍ مِنهَا فَإِنَّكَ ذَاهِبُ
إِذَا عُلِمَت هَذِهِ الحَقِيقَةُ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - وَتَيَقَّنَ العَاقِلُ أَنَّ الدُّنيَا مَرحَلَةُ ابتِلاءٍ وَاختِبَارٍ ، وَأَنَّهَا دَارُ مَمَرٍّ وَلَيسَت بِدَارِ قَرارٍ ، فَإِنَّهُ لا يَغتَرُّ بِهَا وَلا يَركَنُ إِلَيهَا ، وَلَكِنَّهُ يَتَلَمَّسُ شَيئًا مِن أَسرَارِ بَلائِهَا ؛ لِيَزدَادَ بِذَلِكَ يَقِينًا بِلِقَاءِ اللهِ الكَرِيمِ ، وَتَعَلُّقًا بِدَارِ النَّعِيمِ المُقِيمِ ، ذَلِكُم أَنَّ لِلمُؤمِنِ مَعَ رَبِّهِ عُبُودِيَّةً في الضَّرَّاءِ وَالعُسرِ ، كَمَا أَنَّ لَهُ عُبُودِيَّةً في السَّرَّاءِ وَاليُسرِ ، وَاللهُ – تَعَالى – لا يُقَدِّرُ شَرًّا مَحضًا ، بَل مَا مِن شَرٍّ إِلا وَفِيهِ خَيرٌ ، وَلا مَكرُوهٍ إِلاَّ وَفي ثَنَايَاهُ مَحبُوبٌ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيرًا " وَمِن ذَلِكَ البَلاءُ ، فَإِنَّ اللهَ لم يُنزِلِهُ بِعِبَادِهِ إِلاَّ لِحِكمَةٍ بَل لِحِكَمٍ عَدِيدَةٍ ، مَن غَفَلَ عَنهَا ضَلَّ وَهَلَكَ ، وَمَن عَرَفَهَا وَوَطَّنَ نَفسَهُ عَلَيهَا وَاستَحضَرَهَا ، هَانَ عَلَيهِ مَا يَلقَاهُ في دُنيَاهُ مِن بَلاءٍ ، وَسَهُلَ عَلَيهِ مَا يَجِدُهُ فِيهَا مِن عَنَاءٍ ، وَمِن ذَلِكَ أَنَّ في البِلاءِ استِخرَاجًا لأَنوَاعٍ مِنَ العُبُودِيَّةِ لم تَكُنْ لِتَخرُجَ لَولا البَلاءُ ، فَلَولا النَّوَازِلُ وَالابتِلاءَاتُ ، مَا رَجَعَ بَعضُ الشَّارِدِينَ إِلى رَبِّهِ ، وَلَولا المَصَائِبُ وَالرَّزَايَا مَا تَابَ بَعضُ العَاصِينَ مِن ذَنبِهِ ، وَلَولا المِحَنُ وَالمَكَارِهُ لاغتَرَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَتَكَبَّرَ ، وَلَكِنَّ اللهَ يَبتَلِي العِبَادَ لِيَعُودُوا إِلى رُشدِهِم وَلا يَنحَرِفُوا عَن طَرِيقِهِم ، وَلِئَلاَّ تَخفَى عَلَيهِم حَقِيقَةُ أَنفُسِهِم وَضَعفُ تَصَرُّفِهِم وَقِلَّةُ حِيلَتِهِم ، وَلِيَلجَؤُوا بِذَلِكَ إِلَيهِ وَيَنطَرِحُوا بَينَ يَدَيهِ ، وَيُفَوِّضُوا أُمُورَهُم إِلَيهِ وَيَتَوَكَّلُوا عَلَيهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " مَا أَصَابَ مِن مصِيبَةٍ في الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلاَّ في كِتَابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ . لِكَيلا تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلا تَفرَحُوا بِمَا آتَاكُم وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ " وَمِنَ الحِكَمِ في البَلاءِ ، أَنَّ اللهَ – تَعَالى – حِينَ يَبتَلِي عَبدَهُ المُؤمِنَ ، فَإِنَّمَا يَبتَلِيهِ لِيُهَذِّبَهُ لا لِيُعَذِّبَهُ ، وَلِيُطَهِّرَهُ وَيُكَفِّرَ عَنهُ ذُنُوبَهُ ، وَإِلاَّ فَلَو شَاءَ لَتَرَكَهُ دُونَ تَمحِيصٍ وَتَطهِيرٍ مِنهَا ؛ لِيُوَافِيَ بِهَا يَومَ القِيَامَةِ وَيُعَذَّبَ بِسَبَبِهَا ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنيَا ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أَمسَكَ عَنهُ بِذَنبِهِ حَتى يُوَافِيَهُ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ ، وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ ، وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِن خَطَايَاهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ في نَفسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ ، حَتَّى يَلقَى اللهَ وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . بَل إِنَّ البَلاءَ عَلَى خِلافِ مَا يَظُنُّ بَعضُ النَّاسِ دَلِيلُ حُبِّ اللهِ لِلعَبدِ وَإِرَادَتِهِ لَهُ المَنزِلَةَ العَالِيَةَ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَومًا ابتَلاهُم ، فَمَن رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَن سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِندَ اللهِ المَنزِلَةُ ، فَمَا يَبلُغُهَا بِعَمَلٍ ، فَمَا يَزَالُ يَبتَلِيهِ بِمَا يَكرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا" رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَمَعَ هَذَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا كُلَّمَا ذَكَرَهَا المُبتَلَى سُرِّيَ عَنهُ وَخَفَّ عَلَيهِ البَلاءُ ، مِن ذَلِكَ أَن يَعلَمَ أَنَّ الابتِلاءَ لا يَدَعُ أَحَدًا مِنَ الخَلقِ إِلاَّ أَصَابَهُ ، وَلَو سَلِمَ مِنهُ أَحَدٌ لَسَلِمَ مِنهُ المُرسَلُونَ وَالأَنبِيَاءُ ، وَلَكِنَّ اللهَ – تَعَالى - يُنَوِّعُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَيَقسِمُ لِكُلٍّ مِنهُ نَصِيبًا ، فَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالسَّرَّاءِ ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالضَّرَّاءِ ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالغِنى ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالفَقَرِ ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالصِّحَّةِ ، وَمِنهُم مَن يُبتَلَى بِالمَرَضِ ، وَآخَرُونَ بِفَقدِ الأَحِبَّةِ ، وَغَيرُهُم بِالسِّجنِ أَوِ القَتلِ أَوِ الطَّردِ .
وَمِمَّا يُسَلِّي المُؤمِنَ عِندَ المَصَائِبِ ، أَن يَتَذَكَّرَ كَم عَاشَ مِن عُمُرِهِ مِن أَيَّامٍ وَهُوَ في عَافِيَةٍ ، وَكَم صُرِفَ عَنهُ مِنَ البَلاءِ والنِّقمِ ، وَكَم لَهُ للهِ عَلَيهِ مِنَ العَطَايَا وَالنِّعَمِ ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَنهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنَّهُ قَالَ : " اُنظُرُوا إِلى مَن هُوَ أَسفَلَ مِنكُم ، وَلا تَنظُرُوا إِلى مَن هُوَ فَوقَكُم ، فَهُوَ أَجدَرُ أَلاَّ تَزدَرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم " وَيَا لَهُ مِن عِلاجٍ نَاجِعٍ وَدَوَاءٍ نَافِعٍ ؛ فَإِنَّ المَرءَ مَهمَا بَلَغَت بِهِ الحَالُ مِن فَقرٍ أَو مَرَضٍ أَو عُسرٍ أَو بَلاءٍ ، فَإِنَّ فِيمَن حَولَهُ مَن هُوَ أَفقَرُ مِنهُ وَأَشَدُّ عُسرًا وَأَكثَرُ بَلاءً وَأَقوَى مَرَضًا ، وَكُلَّمَا طَالَ تَأَمُّلُهُ في نِعَمِ اللهِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ ، رَأَى رَبَّهُ قَد أَعطَاهُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَدَفَعَ عَنهُ شُرُورًا مُتَعَدِّدَةً ، وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَدفَعُ عَنهُ جُزءًا مِنَ الهَمِّ والغمِّ ، وَيُوجِبُ لَهُ شَيئًا مِنَ الفَرَحَ وَالسُّرورِ .
وَمِن أَعظَمِ مَا يُسَلِّي المُبتَلَى ، أَن يَعلَمَ أَنَّ البَلاءَ لَهُ أَمَدٌ يَنتَهِي إِلَيهِ وَوَقتٌ يَنقَضِي عِندَهُ ، قَالَ - تَعَالى - : " فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا . إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا "
وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الفَتَى
ذَرعًا وَعِندَ اللهِ مِنهَا المَخرَجُ
ضَاقَت فَلَمَّا استَحكَمَت حَلَقَاتُهَا
فُرِجَت وَكَانَ يَظُنُّها لا تُفرَجُ
وَمِن أَعظَمِ مَا يُسَلِّي المُبتَلَى ، أَن يَستَعِينَ بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ ، قَالَ – تَعَالى - : : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ " وَمَن جَمَعَ هَذِهِ الأَنوَاعَ مِنَ العِلاجِ : العِلاجَ النَّفسِيَّ بِالتَّصبُّرِ ، وَالعِلاجَ القَوليَّ بِالاستِرجَاعِ ، وَالعِلاجَ البَدَنيَّ القَلبيَّ بِالصَّلاةِ ، فَقَد جَمَعَ العِلاجَ الرَّبَّانيَّ كُلَّهُ ، وَمَا أَحرَاهُ أَن يُسكَبَ في قَلبِهِ مِنَ اليَقِينِ وَالرِّضَا مَا لا يَخطُرُ لَهُ عَلَى بَالٍ ، قَالَ – تَعَالى - : " مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ وَمَن يُؤمِن بِاللهِ يَهدِ قَلبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ العَافِيَةَ في الدِّينِ وَالدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُم فَاستَغفِرُوهُ ، إنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفَّارًا ...
ذَرعًا وَعِندَ اللهِ مِنهَا المَخرَجُ
ضَاقَت فَلَمَّا استَحكَمَت حَلَقَاتُهَا
فُرِجَت وَكَانَ يَظُنُّها لا تُفرَجُ
وَمِن أَعظَمِ مَا يُسَلِّي المُبتَلَى ، أَن يَستَعِينَ بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ ، قَالَ – تَعَالى - : : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ " وَمَن جَمَعَ هَذِهِ الأَنوَاعَ مِنَ العِلاجِ : العِلاجَ النَّفسِيَّ بِالتَّصبُّرِ ، وَالعِلاجَ القَوليَّ بِالاستِرجَاعِ ، وَالعِلاجَ البَدَنيَّ القَلبيَّ بِالصَّلاةِ ، فَقَد جَمَعَ العِلاجَ الرَّبَّانيَّ كُلَّهُ ، وَمَا أَحرَاهُ أَن يُسكَبَ في قَلبِهِ مِنَ اليَقِينِ وَالرِّضَا مَا لا يَخطُرُ لَهُ عَلَى بَالٍ ، قَالَ – تَعَالى - : " مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذنِ اللهِ وَمَن يُؤمِن بِاللهِ يَهدِ قَلبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ العَافِيَةَ في الدِّينِ وَالدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُم فَاستَغفِرُوهُ ، إنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفَّارًا ...
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - حَقَّ تَقوَاهُ ، وَاصبِرُوا عَلَى أَقدَارِهِ وَارضَوا عَنهُ تَنَالُوا رِضَاهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ - تَعَالى - يُرَبِّي عَبدَهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، ويُقَلِّبُهُ في العَافِيَةِ وَالبَلاءِ ، وَيُنَوِّعَ لَهُ العَيشَ مَا بَينَ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ ؛ لِيَستَخرِجَ مِنهُ عُبُودِيَّتَهُ في جَمِيعِ الأَحوَالِ ، وَعَبدُاللهِ عَلَى الحَقِيقَةِ ، مَن قَامَ بِعُبُودِيَّتِهِ – تَعَالى - عَلَى اختِلافِ الأَحوَالِ ، وَالإِيمَانُ الصَّادِقُ النَّافِعُ ، هُوَ الإِيمَانُ الَّذِي يَثبُتُ في حَالِ الابتِلاءِ كَمَا هُوَ في العَافِيَةِ ، وَأَمَّا الإِيمَانُ الَّذِي لا يَكُونُ إِلاَّ في العَافِيَةِ ، فَإِنَّهُ لا يَكَادُ يَصحَبُ العَبدَ وَلا يُبَلِّغُهُ مَنَازِلَ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ " وَإِنَّهُ إِذَا سَلِمَ لِلعَبدِ دِينُهُ ، وَثَبَتَ عَلَى أَمرِ رَبِّهِ وَنَهيِهِ ، وَسَارَ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ وَلم يَلتَفِتْ عَنهُ رَغبَةً عَنهُ ، فَلا عَلَيهِ وَلَو نَزَلَت بِهِ ابتِلاءَاتُ الدُّنيَا كُلُّهَا ، وَإِنَّمَا البَلاءُ الحَقِيقِيُّ مَا شَغَلَ العَبدَ عَن رَبِّهِ وَأَنسَاهُ لِقَاءَهُ ، وَأَمَّا مَا أَقَامَهُ بَينَ يَدَيهِ وَرَدَّهُ إِلَيهِ ، فَرَقَّ قَلبُهُ وَصَفَت نَفسُهُ وَدَمَعَت عَينُهُ ، وَخَشَعَت جَوَارِحُهُ وَارتَفَعَ صَوتُهُ بِالدُّعَاءِ ، وَتَوَاضَعَ وَتَطَامَنَ وَأَقلَعَ عَن كِبرِهِ ، فَهَذَا غَايَةُ كَمَالِهِ وَمُنتَهَى جَمَالِهِ ، وَاللهُ – تَعَالى - هُوَ اللَّطِيفُ ، وَمِن لُطفِهِ بِعَبدِهِ أَن يَبتَلِيَهُ بِبَعضِ المَصَائِبِ ، فَيُوَفِّقَهُ لِلصَّبرِ عَلَيهَا ، فَيُنِيلَهُ بِذَلِكَ دَرَجَاتٍ عَالِيَةً مَا كَانَ لَهُ أَن يُدرِكَهَا بِعَمَلِهِ " وَ" إِنَّمَا يُوَفىَّ الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ " أَلا فَكُونُوا مَعَ اللهِ في كُلِّ حِينٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَكُونُوا مَعَهُ في حَالِ العَافِيَةِ وَالسَّلامَةِ وَالرَّخَاءِ ، يَكُنْ مَعَكُم عِندَ المُصِيبَةِ وَالشِّدَّةِ وَالبَلاءِ ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ ، قَد جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَإِن أَرَادُوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ ، وَاعلَمْ أَنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَربِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ .
المرفقات
في-البلايا-من-العطايا
في-البلايا-من-العطايا
في-البلايا-من-العطايا-2
في-البلايا-من-العطايا-2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق