خطبة قيمة مناسبة لعيد الفطر
محمد المطري
خطبة في عيد الفطر
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ، وَلَا مُكَافَئٍ، وَلَا مَكْفُورٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أما بعد:
فهذا يومٌ عظيم، عيدٌ للمسلمين الصائمين الصابرين الشاكرين، شرعه الله لنا لذكرِه وشكرِه، وللفرح بنعمتِه، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
أيها المسلمون، شرع الله لنا الصيام لتحقيق التقوى، والاستمرارِ على شكره، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، وقال سبحانه: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، فيجب علينا بعد رمضان أن نستقيم على تقوى الله باجتناب المحرمات والقيام بالواجبات، ونستمر على شكر الله على نعمه، ولا نستعمل نعمه في معصيته.
أيها المسلم، اعلم أن الله أكبر من كل شيء، والله خيرٌ وأبقى لمن اتقى، فلنعظِّم اللهَ الكبير العظيم، ولنُعظِّم ما عظَّم اللهُ سبحانه، فنمتثلَ أوامرَه، ونجتنبَ نواهيه، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
يجب علينا أن نزكي أنفسنا باستمرار، فنطهرها من المعاصي، ونرقيها بالطاعات، فالمقصود من جميع العبادات تزكية النفوس، فالصلاة تزكي النفس، والصيام يزكي النفس، وما حرَّم اللهُ المحرَّماتِ إلا لتزكية النفوس، ولا فلاح للإنسان إلا بتزكية نفسه بطاعة الله، واجتناب معصيته، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: 14، 19].
أيها المسلمون، ربُّ رمضانَ هو ربُّ شوال، ومن كان يعبدُ رمضانَ فإنه شهرٌ يزول وينقضي، ومن كان يعبد اللهَ فإنه حيٌ لا يموت، فيا أيها المسلم، الله يقول لكل واحدٍ منا: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]، ولم يقل: اعبد ربك حتى يأتيك العيد، فحافِظ على الصلوات الخمس في أوقاتها، واقرأ ما تيسر من القرآن في كل يوم وليلة، وأكثِر من ذكر الله سبحانه، ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾ [الإنسان: 25، 26].
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
أيها المسلم، اعبد ربك وكن من الشاكرين، ولا تكن من الغافلين، فالشكر هو الغاية من خلق الإنسان، قال الله تعالى: ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26]، وقال سبحانه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، وقال عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: 172]، وإنما يعبد الله من شكره بامتثال الواجبات، واجتناب المحرمات، ومن لم يشكر الله فليس من أهل عبادته، ومن لم يعبد الله فليس من الشاكرين لنعمه.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، أيها المسلمون، الله يحب الشاكرين، وأمرنا أن نتذكر نعمه لنشكره، ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: 18]، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر: 3]، ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 89]، فالطاعات كلها شكرٌ لله، وترك المعاصي شكرٌ لله، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: 123].
أيها المسلمون، يقول الله لنا في كتابه العظيم: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147]، ويقول سبحانه: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: 7]، ويقول عز وجل: ﴿وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [لقمان: 12].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، حياةُ المؤمن كلُّها شكرٌ لله على نِعَمه، وصبرٌ على بلائه، وإحسانٌ إلى عباده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إنْ أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإنْ أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))، والله يحب المحسنين، فأحسنوا إلى أهاليكم، وصِلوا أرحامكم، واعفوا عمن أساء إليكم، وأصلحوا ذات بينِكم، وتصدقوا مما رزقكم الله، فرحمة الله قريب من المحسنين.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمه التي لا تُحصى، الحمدُ لله ملءَ السماوات وملءَ الأرض، وملءَ ما بينهما، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، الحمد لله الذي خلقنا من العَدَم، ورزقنا من النِّعَم، ودفع عنا النِّقَم، والصلاة والسلام على سيد الشاكرين، نبيِّنا محمدٍ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الصابرين العابدين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
أيها المسلمون، شكرُ الله يكون بثلاثة أشياء: بالقلب وباللسان وبالعمل.
فشكر الله بالقلب يكون بالاعتراف بأن النعم من الله وحده، ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]، وشكر الله باللسان يكون بالتحدث بنعم الله الدائمة والمتجددة، وشكرُ الله بالعمل يكون بفعلِ الطاعات واجتنابِ المحرمات، واستعمالِ نعمِ اللهِ فيما يرضيه، وتركِ معصيتِه بنعمه، ومن عصى الله بنعمةٍ من نعمه فلم يشكر اللهَ عليها، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [غافر: 61].
عبادَ الله، كلُّ الخير في شكر الله، قال الله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
أيها المسلمون، كما يكون الشكرُ لله سبحانه بالعبادة يكون أيضًا للوالدين بالإحسان إليهما في حياتهما وبعد موتهما، قال الله تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14]، ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، فأحسن إلى والديك في حياتهما بالبر والطاعة، وبعد موتهما بالدعاء والصدقة، ويكون الشكر أيضًا للناس الذين أحسنوا إليك بأي معروف كبير أو صغير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يشكرُ اللهَ من لا يشكرُ الناس)).
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
أيها الإنسان، خلقك الله لتعبده وتشكره، فإما أن تكون شاكرًا لله أو تكون كفورًا لنعمه، قال الله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ [الإنسان: 1 - 3].
فمن ترك الشكر لله فقد اتبع سبيل الشيطان، وقد أقسم الشيطان الكفور أنه سيُضل الناس عن عبادة الله وشكره، ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 16، 17].
فالمؤمنون يحرصون على عبادة الله وذكره شكرًا له على نِعمِه الدينية والدنيوية، ويرضى كلُّ واحد منهم عن الله فيما آتاه، وفيما ابتلاه، فيجازيهم الله الجنة في الآخرة، والكافر والفاجر كفورٌ لِنِعَمِ ربِّه، لا يشكره عليها، ويستعملها في معصيته.
يا عباد الله، سيسألنا الله عن شكر نعمه، كما قال سبحانه: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: 8]، فلنحرص يا عباد الله أن نكون من الشاكرين الذين مدحهم الله في كتابه، وأخبر أنهم قلة، فقال: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]، وقال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: 53].
فالشاكرون اللهَ بقلوبِهم وألسنتهِم وأعمالِهم الصالحةَ هم القليل، وهم المستحقون فضلَ الله وجنتَّه، والغافلون عن شكر الله هم أكثر الناس، وهم المستحقون عذاب الله وسخطَه، فلا نغتر بكثرة الغافلين عن شكر الله وعبادته، قال الله سبحانه: ﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]، ولنتواصى بعبادة الله وشكره كما أمرنا الله في قوله: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزمر: 66]، ولا ننسى قول ربِّنا: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: 62].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم أصلح جميع أحوال المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم قاتِل الكفرةَ الذين يُكذِّبون رسلَك، ويصدون عن سبيلك، ويقاتِلون أولياءك، اللهم اجعل عليهم رجزك وعذابك، وأَنزِل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.
اللهم وصل وسلم على نبينا محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته، وارض اللهم عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، واجعلنا من الشاكرين الصابرين، والحمد لله رب العالمين.