خطبة: قطيعة الأخوان والأخوات

خالد الشريف
1446/07/06 - 2025/01/06 18:14PM

basmalh.png

الخطـبة الأولى:

الْحَمْد لِلهِ الْحَكِيم الْخَبِير، أَجْرَى الْمَقَادِيرَ عَلَى مَا خَطّهُ فِي كِتَابه اَلْمَسْطور، وأشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إِلَّا الله وَحْدهُ لَا شَرِيك لَهُ، اللَّهُمّ ثَبِّتنَا عَلَى الشَّهَادَة فِي هَذِهِ الدَّار وَآنْسَنا بِهَا فِي وَحْشَة الْقُبُور وَيَوْم يَنْفَخُ فِي الصُّور، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيّكَ الْحَبيب سَيِّدِنَا وَسَيِّدِ الْأَوَّلِينَ والآخَرينَ، اللَّهُمّ اِرْفَعهُ الْمَقَام الْمَحْمُود وَاِجْمَعنَا بِهِ فِي جَنَّات الْخُلُود،

أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

حَديثُنَا الْيَوْم، حَديثٌ عَنْ مِلْح الْحَيَاةِ وَزَيْنِتهَا، حَديثُ عَنْ مَنْ يَزِيدُ الْحُبَّ حُبّا، حَديث عَنِ الْقُلُوب الرَّقيقَةِ وَالْمَشَاعِرِ الرَّهيفَة نَتَحَدَّث عَنِ السَّنَدِ وَالْحَنَانِ وَعَنْ الْمَوَدَّةِ وَالْمُرُوءةِ، وَعَنْ الْوَفَاء وَالصِّدْق، إِنَّهُ الْحَديث عَنِ الْإخِوَان وَالْأَخَوَات كَيْفَ لَا وَهُمْ وَصِيَّةُ الله حِينَ أَوْصَى عِبَادهُ بِتَقْوَاه :( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ).

فَيَا كِرام: صِلُوا إِخْوَاَنكُمْ وَاسْتعْطِفُوا قُلُوبَ أَخَوَاتِكمْ فَإِنَّ الْعُمُرَ أقْصَرُ مِنْ أَنْ يُشْغَل بِالزَّعَلِ، وَالْأَجَلُ أقْصَرُ مِنْ أَنْ يُشْغَل بِاَلْعَتّابِ وَالْمُقَاطَعَة، سَامِحُوا وَكُوْنُوا قَرِيبِينَ مِنْ بَعْضِكُمْ، كُوْنُوا رُفَقَاءَ لِبَعْضكُمْ فَالْمَوْتُ لَا يَسْتَأْذِن، وَالْحَيَاةُ تُفَاجِئ وَتَتَشَكَّل، أَيُّهَا الإخوة و الأَخوات لَا تفْجَعُوا قُلُوب أُمَّهَاْتكُمْ، وَلَا تَكْسِرُوا ظُهور إبَائكُمْ بِالْعَدَاوَة وَالْقَطِيعَة بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أُخِوتِكُمْ وَأَخَوَاتكُمْ، فَواللَّهِ مَا مِنْ مُـرّ يَمُرُّ عَلَى وَالِدٍ أَوْ وَالِدة مِثْلَ أَنْ يَرَوَا أَبْنَائَهمْ مُتَقاطِعينَ وَمُتَخَاصِمِينَ، أَيْنَ الْمُرُوءة؟ وَأَيْنَ الرُّجُولَة؟ وَأَيْنَ اِحْتِرَامُكُمْ لِشَيْبَةِ أَبِيكُمْ وَأَيْنَ رَحْمَتكُمْ بِضعفِ أَمِّكُمْ؟

الإِخَوَانِ وَالْأَخَوَاتِ يَا كِرَام لَيْسُوا مُجَرَّد أَسْمَاءٍ مَكْتُوبَةٍ فِي الْهُوِيَّة، أَوْ لَقَباً تَحْمِلُهُ، إِنَّهُمْ لَبَنُ الْأُمِّ وَدَمُ الْأَب وَريحُ وَرَيْحَانَةُ الْوَالِدَيْنِ لَا قَطَعْنَا الله مِنْهُمْ إِنَّهُمْ دِمَاءٌ تَجْرِي فِي الْعُرُوق، تَحْمِل الرَّحْمَةَ والْوِدَّ وَالْحُبّ، أَنْتُمْ فُرُوعٌ لِشـجَرَةِ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ الَّتِي زَرَعهَا الْوَالِدَانِ، فَلَا تَقْتُلُوا هَذِهِ الشَّجَرَةَ بَخْصُومَتِكُمْ فَتُحْرِقُوا قُلُوبَ والِدْيكُمْ وَ تَكْتُبُوا مِنَ الْعَاقِّينَ.

أيِها الأحِبة: نَحْنُ فِي زَمَن عَجِيبٍ غَرِيب نُشَاهِد الإِخَوَانَ وَالْأَخَوَات يَتَجَاوَزُون عَنْ أَخْطَاءِ الْأَصْدِقَاء وَيَتَحَمَّلُون هَفَواتِ الزُّمَلَاء، وَفِي الْمُقَابِل لايَعْفُونَ عَنْ إِخْوَانِهمْ وَأَخْواتِهِمْ، بَلْ عِنْدَ أَدْنَى خِلَاَفٍ حَرْباً لَا هَوَادَةَ فِيهَا وَخُصُومَةً لَا رَجْعَةَ فِيهَا، بَلْ رُبَّمَا عَدَاوَةٌ حَتَّى الْمَوْت تَشْتَعِلُ عِنْدَ أَدْنَى شَرَارَة، أَنْسِيتْمْ قَوْل الرَّسُول "خَيْركُمْ خَيْركُمْ لِأهْله".

بكُلِّ أَلَمٍ يَا كِرَامْ أَصْبَحَت عَلَاقَاتُ الإِخَوَانِ وَالْأَخَوَاتِ مَهْزُوزَةً وَهَشَّة، كُلَّ هَفْوَةٍ وَنَائِبهٍ تُكْسَرُ زَاوِيَةً فِيهَا، حَتَّى أَصْبَحْنَا نُشَاهِدُ اكْثَرَ عَلَاقَاتِ الإِخَوَانِ مُهَشَّمَةً مَمْلُوءَةً بِالْحَسَّاسِيَّةِ وَأَفْكَارِ السُّوءِ وَالظَّنّ،

يَا كِرَام الإِخَوَانُ وَ الْأَخَوَاتُ هُمْ السَّلَاَمُ الَّذِي نَحْتَاجُه فِي دُنْيَانَا وَخَاصَّةً فِي هَذَا الزَّمَان الْجَافّ، هُمْ بَعْدَ الله سُبْحَانَهُ الْمَلَاَذ وَالْأمَان كُلَّهُ دِقّهُ وَجَلّهُ، ويَبْقَوْن هُمْ السَّنَد ضِدّ الزَّمَانِ وَتَقَلُّبَاتهِ وَتَبْقَى الْأَخَوَاتُ هُنَّ الْحُضْنُ الدَّافِئ وَالْعَضْدُ فِي الْحَيَاةِ وَصِرَاعَاتِهَا، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلهُ تَبَارَك وتعالى وَهُوَ أَصْدَق الْقَائِلِينَ حِينَ قَال لِمُوسَى عليهِ السلام:(قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ).

تَخَلَّصوا مِنَ الْأَحْكَام الْمُسَبَّقَة وَالْمُعَلَّبَة وَلَا تُرْخُوا آذَانكُمْ لِمُكَبِّرِيِّ الْقُلُوب، جَرِّبُوا إِخْوَانَكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مُتَقَاطِعَيْنِ فَسَتَرَوْن وَالله مَا يَسُرُّكُمْ، فَالدَّمُ لِا ينْقَلِبُ مَاءً، الْأَخُ هُوَ مِعْطَفُ الْأمَانِ الدَّافِئ فِي اللَّيَالِي الْبَارِدَة الْمُخِيفَة، هُوَ رَجُل لَنْ يَتَكَرَّر فِي الْحَيَاة، لَنْ يَسُدَّ غِيَابَهُ أَحَد، فإذا فَقَدْتَ أَخَاكَ فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي بِأَخ! والْأُخْت هِي الصَّدْرُ الْحَنُون وَلَنْ يَجُودَ الزَّمَانُ بِمِثْلهَا، تَمَسَّكُوا بِإِخْوَانَكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ مَا اِسْتَطَعْتُم حَتَّى وَإِنْ قَطَعُوا، فَفِي يَوْمٍ مَا سَيُعِيدهُمْ لَبَنُ الْأُمِّ وَصُلِبِ الْأَب، وَإِنَّ كَانَ هُنَاكَ خَلَل فِي عِلَاَقَتِك بِإِخْوَانِك وَأَخَوَاتِكَ، فَتَأَكَّدْ أَنَّ هُنَاكَ خَلَلُ فِي تَدَيّنكْ، وَإِنْ كُنْت مِنْ أَكْثَرِ النَّاس طَاعَات، وَتَأَكَّد أَنَّ هُنَاكَ أَيْضًا خَلَلٌ فِي مُرُوءتِك وَتَفْكِيرِك، بَلْ رُجُولَتِك إذا كَانَ إِخْوَانُكَ وَأَخَوَاتُك هُمْ أَشْقَى النَّاسِ بِكَ.

يَا كِرام لَا تُشّمِتُوا أَعْدَائَكُمْ بِكُمْ وَلَا تَكُونُوا مُضْغَةً فِي أَفْوَاهِ النَّاس، لَا يُمْكِنكَ التَّبَرِّي مِنْهُمْ وسَيسألُكَ اللهُ عَنْهُمْ، فَلِما كُلُّ هَذِهِ الضَّغِينَةُ وَنَحْنُ نَرَى الْمَوْتَ يَتَخَطَّفُ النَّاسَ وَالْأَعْوَام تَرْكُض كَالْأَيَّام، اِجْتَنِبُوا الْمُعَاتَبات، وَاِجْتَنِبُوا كَثْرَة التَّشَرُّهَ عَلَيْهُمْ، تَسَامَحُوا وَاِغْتَنَمُوا اللَّحَظَاتِ الْجَمِيلَةِ مَعَ إِخْوَانِكُمْ وأخواتِكُم فَإِنَّهَا وَاللهِ فِي هَذَا الزَّمَن قَلِيلَة، أَكْثرِو مِنَ الَّاحترَامِ لِإِخْوَانكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ وَاِبْتَعِدُوا عَنْ كَثْرَة التَّدْقيق، فَأَشْقِى النَّاسِ وَأَتْعَبهُمْ هُوَ الشَّخْصُ التَّحْلِيلِيُّ، الْمُفْرِطُ بِدِقَّةِ الْمُلَاَحَظَة، فَلِكُلِّ مَوْقِف وَكُلِّ إشَارَة وَكُلِّ حَرَكَةٍ لَهَا عِنْدَهُ ألْفَ تَفْسِيرِ وَتَفْصِيل، وَكُلُّهَا فِي دَائِرَةِ سُوءِ الظَّنونِ، إِلَى مَتَى يَعِيشُ الْإِنْسَانُ مَعَ إِخْوَانه فِي حَالَة طَوَارِئ، يُخَاصِم هَذَا وَيُقَاطِع وَيُعَاتِب وَيُصَادِم، دَائِرَةٌ لا تَنتهِي مَلِيئةُ بِالْألَمِ، وَإهْدَارٌ لِلْعُمْرِ فِي الْخُصُومَات وَمَعَ مَنْ؟ مَعَ مَنْ أَمَركَ اللهُ وأَوْصَاكَ بِصِلَتِهِمْ، وَكَمْ رَأَيْنَا أَخَوَانٌ وَأَخَوَاتٌ عَاشُوا بِمَشَاعِرَ قَائِمَةٍ عَلَى مَبْدَا "آخُذُ حَقِّيٌّ لَا أَسْمَح ولَا أتِنَازل" فَعَاشوا عَذَابَ السِّنِين وَعَاشُوا فِي دَائِرَة سَخَطِ الله وحُرِمُوا لَذَّة الْإِخْوَة ثُمَّ رَحَلوا، رحمهُ اللهِ عليِهُم.

مَا أعْظَمَ رَحمَهُ اللهِ لِذَلِكَ الْأَخ طَيِّبُ الْقَلْبِ طَاهِرِ الصَّدْر، الَّذِي يَحْنُوا عَلَى إِخْوَانه وَأَخَوَاتِه، وَيَصْبِرُ وَيَعْفُوَ، أتعلمونَ أَنَّهُ مِمَّنْ حَرَّمَةُ اللهُ عَلَى النَّار فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْن مَسْعُود - رضي الله عنه -  أَنَّ النَّبِيّ قَال "حُرِّم عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّن لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاس"(أخرجه الترمذي).

مَا أَرْوَع أُولَئِكَ الْإِخْوَة، الَّذِينَ يَقِّدِرُونَ لِأَخِيهِمْ هَذِهِ التَّضْحِيَات، أَنَّهُمْ أعَزُّ النَّاسِ وَأَشْرَفُ النَّاس، ومنْ أَرَاد أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الأُنْسِ وَالْمُوَاسَاةِ فَلْيُبْحَث عَنْهَا عِنْدَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَات، فَوَاَللَّهِ الَّذِي لِا يُحْلُفُ بِغَيْرِه لَمْ يُعَاقَبِ اللهُ إِنْسَانٌ بِأَشَدَّ مِنْ أَنْ يَسْلُبَ مِنْهُ الِاسْتِئْنَاسَ بِإِخْوَانِه وَأَخَوَاتِه، وَيَكُونُ سَبَباً فِي عُقُوقِ وَأحْزَان وَالِدِيه.

الْإِخْوَانُ يَا كِرَام: مِنْ دَمٍ وَاحِد وَالْأَخُ سَنَد، وَالْأُخْتُ حَنَان، والإِخوانُ عِزّ، وَمَنْ فَرَط بِإِخْوَانه وِطَاءهُ الرِّجَال، أَعِينُوا إِخْوَانَكُمْ عَلَى وَصْلِكُمْ، فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي زَمَنٍ أَصْبَحَ فِيهُ شَيْطَانُ الرَّحِم أَقْوَى مَا يَكُونُ، هُشُّو وَبُشَّو وَأَظْهِرُوا فَرْحكُم بِرُؤْيَةِ إِخْوَانِكُمْ وَلِقَاء أَخَوَاتِكُمْ.

وإِنْ قَطِيعَتكَ بِإِخْوَانكَ هِي إِرْثٌ سِتُّورِثهُ لِأَوْلَاَدكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَسَيَأْتِي يَوْم تُسَدَّد فَاتَورَته مِنْ عَلَاقَةِ أَبْنَائكَ بِبَعْضهمْ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَمُتَوَقِّفٌون؟ تَخَلَّوْا عَنْ كِبْرِيَائكُمْ، تَخَلَّوْا عَنِ اِدِّعَاء الِانْتِصَارِ، لَا تُهْمِلُوا إِخْوَانكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ فَلَبرُمـا يكون أَقْصَى أَمَانِيهُمْ رِسَالَةً أَوْ اِتِّصَالٍ مِنْكُمْ، لَا تَدْخُلُوا فِي مَعَارِكَ مَعَهُمْ فَهِي مَعْرَكَةٌ نِهَايَتهَا خَسَارَةٌ الْآخِرَة.

أَحْسِنَ إلَيْهِمْ وَتَجَاهُل مَايُزعِجُكْ، فَالدُّنْيَا لَا تَدُوم وَالسَّعِيد مَنْ يُغَادِر هَذِهِ الدُّنْيَا وَالْجَمِيعُ يَذْكُرهُ بِالْخَيْر وَخَاصَّةً أَقَاربُه، فَقَدْ جاء رجُلٌ إلى النبِيُ قال: يا رسولَ اللهِ متى أكونُ مُحسِنًا ؟ قال: "إذا قال جيرانُك: أنتَ مُحسِنٌ فأنتَ مُحسِنٌ". (أخرجه ابن ماجه). فَكَيْفَ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ إِخْوَانُه وَأَخَوَاتُه بِأَنَّهُ مُحْسِن.

مِنْ يَعْتَقِد يَا كِرَام إِنْ تَرَاكَمَ فَوَاتيرِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ سَتَمُرُ بِدُونِ حِسَاب فَهُوَ وَاهِم، فَإِنَّهَا تُؤَجَّل إِلَى أَشْعَارٍ آخَر وَلَكِنَّهَا لَا تُهْمَل، وَسَتُّسَدَّدْ، وَالْوَيْلُ لِقَاطِع الرَّحِم مِنْ يَوْمِ وُجُوب السَّدَاد،

يَقُول الرسول " ما مِن ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللَّهُ تعالى لصاحبِهِ العُقوبةَ في الدُّنيا معَ ما يدَّخِرُ لَه في الآخرةِ مِثلُ البغيِ وقطيعةِ الرَّحِمِ".

نَعُوذ باللهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِم فِي أَنْفُسِنَا وَفِي ذُرِّيَّاتنَا وَفِي إِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَأَهْلِيّنَا، اللَّهُمّ اِهْدنَا لِلَتِّي هِي أَقْوَم، وَانْزَع مِنْ قُلُوبِنَا الْغِلَّ وَالْحِقْدَ وَالْحَسَدَ وَالْبَغْضَاءَ وَالشَّحْنَاء، وَاجْعَلنَا مِنَ الْمُتَسَامِحِيْن يَارَبِّ الْعَالَمِين، وَاِغْفِر لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْانِ الْعَظِيمِ .

------------------------------------

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُول الله .

يَا كِرَام إِنَّ مِنْ أعْظَمِ أسبابِ خِلَاَفِ الْإِخْوَانِ وَالْأَخَوَاتِ، هُوَ قَانُون التَّبَادُلِيَّة: الَّذِي لَمْ يُقْصدَ مِنْهُ سِوَا قَطِيعَةِ الرَّحِم وَتَبَاعَدُ الْمَسَافَاتِ بَيْنَ الْقُلُوب، وأَقْصِد بِقَانُونِ التَّبَادُلِيَّة: أن يقْولُ أحدُهُم إِنْ زُرْتَنِي زُرْتُكَ، لَوْ اِتَّصَلَت بِي اِتَّصَلَت بِكَ، إِنْ حَضَرَت مُنَاسَباتي حَضَرْتُ مُنَاسِباتِك، كَمْ مِنَ الْقَضَايَا التَّافِهَة فِي هَذَا الْقَانُون قد حرمَت الْإِخْوَان مَنْ بَعْضِهمْ، والآخرُ يقول مَا عَزَمَوني، ما بشَّرْوني، لَمْ يَسْأَلُوا عَنِيّ، عِبَارَاتٌ مُلْغومةٌ سُرْعَان مَا تَتَفَجَّرُ فَتَتَشَظَّى عَلَاَّقَاتُ الْإِخْوَانِ لِدَرَجَة أَنَّ يَصْعُب تَرْمِيمهَا، والْبَعْضُ مَنّا يَقُول أَنَا الْكَبِير، أَنَا مَنْ بَادَرَتُ آخِرَ مَرَّة، أَنَا مَنْ زُرْت آخِر مَرَّة، هُمْ أَصْغَرُ مِنِّيَّ، أَفْكَارٌ مغلوُطةَ مِنْ مُجْتَمَعٍ مُتَكَبِّرٍ أَوْرَثَت الْقَطِيعَة،

اعْذُرُوا إِخْوَاَنكُمْ وَأَخَوَاتكُمْ فَلَبـرُما كانوا مَغْلُوبونَ عَلَى أَمْرِهمْ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْء، وَمَنْ عَاشَرَ النَّاس بِالْمُسَامَحَة زَاد اِسْتِمْتَاعُه بِهِمْ.

أِخوتيِ في الله: لِابْأسَ مِنْ بَعْضِ التَّجَاهُلِ وَالصَّبْر، لِتَحَصَلَّوْا عَلَى دَوَامِ الْعَلَاَّقَة وَعَوْنِ الله، لَا تُكْثِروا مِنَ الْغَوْصِ فِي الْعِتَاب إِلَّا إِذَا كُنْتم تُرِيدون التَّخَلُّصَ مِنْ إِخْوَانكَم، أَيْنَ الصَّلَاَة؟ أَيْنَ الرُّجُولَة؟ أَيْنَ حَقُّ الْإِخْوَّة؟ أَيْنَ الْعَقْل؟ نَعَمْ أَيْنَ هُوَ الْعَقْلُ وَالْإِنْسَانُ يَرْمِي بِنَفْسهِ فِي سـخَطِ الله، لِمَاذَا أَصْبَحَ البعض مِنا لَا يُفَكِّر إِلَّا كَيْفَ يَنْتَقِمُ وَيَنْتَصِرُ وَيُعْادَّي، لِمَاذَا أَصْبَحْت الْقَطِيعَة هِي أَسْهَلُ وَأَوَّلُ الْحُلُولِ عِنْدَ حُدوثِ سُوءِ فَهْمٍ يَحْصُلُ بَيْنَ الْإِخْوَة، أَتَدْرِي مَا سَيَحْدُث لَوْ أَنَّكَ تَغَاضَيْت وَعَفَوْت ؟ "مَا عَفَّا عَبْدٌ عَنْ مَظْلِمَةٍ إِلَّا زَادهُ الله بِهَا عِزّا". هَكَذَا قَال .

أيَها الناسْ: لَا تَكْسِرُوا خَوَاطِرَ أَخَوَاتِكُمْ، وَلَا تَطْعَنُوا قُلُوبَ إِخْوَانِكُمْ، فَوَاللَّه مَنْ عَفى عَنْ إِخْوَتهِ لَنْ يَتْرُكَهُ الله بِلَا عِوَضَ وَلَنْ يَخْذُل قلُبَهُ وَلَنْ يَنْسَى الله لَهُ مَوْقِفَهُ هَذَا.

دَخَلَت اِمْرَأَةٌ الْجَنَّةَ حِينَ أَحْسَنْت إِلَى كَلْب -أَجْلَّكُمْ الله- فَكَيْفَ بِمَنْ يُحْسِن إِلَى قَلْب أُخْتهِ فَيجْبُرهُ، وَيُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى قَلْب أَخِيهِ، لَا تَعْتقِدُ أن صَدَّقهً تَرْمِيهَا هُنَا، وَعُمْرَةً تُؤَدِّيهَا هُنَاكَ، وَصِيَام أَيَّامِ بِيْض، وَلُطْفٍ مَعَ فُلَانٍ، قَدْ تَمْسـَحُ قَطِيعَتَكَ وَتَقْصيَركَ مَعَ إِخْوَتكَ وَإِخْوَانكَ، أَبَدًا وَالله لَنْ يُنْجِيكَ ذَلِكَ مِنْ قَطِيعَة الرَّحِم أَتَعْلمُ لِمَاذَا؟ لِأَنَّ النَّبِيّ يَقُول:" أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى الله الْأَلَدُّ الْخَصِمُ، وَمَنْ خَاصَم فِي بَاطِل لَمْ يَزُلْ فِي سَخَطِ الله حَتَّى يَنْزِع". هَكَذَا قَال عَلَيْه الصَّلَاَة وَالسُّلَّام.

اِحْذَرُوا قَطِيعَة الرَّحِم فَعَاقِبتُها الْفَقْرَ وَنَقَصَ الْعُمُر وَشَتَاتِ الْأَمْر وَذُرِّيَّةٍ تَعِيسَةٍ مُتَعَادِيَة، الْقَطِيعَة مُعْدِيَة وَمُتَوَارثُه، وَأرْض الْقَطِيعَة لَا تُنْبِت إِلَّا أَمّــِر الشَّجَر وَأَرْدَاهُ.

والْمُوجِع أَنَّنَا لَانُفِيِقُ مِنَ الْكِبْـرِيَاء الْمُزَيَّفَةِ وَلَا نُعْرَفُ قِيمَةَ الْإِخْوَانِ وَالْأَخَوَاتِ إِلَّا فِي الْمُسْتَشْفِيَّاتِ وَالْمَقَابِرِ، فَبِكُلُّ أَسَف نَحْنُ لَا نَعْتَرِف بِحَقّ الْإِخْوَة وَلَا نُظْهِرُ الْحُبَّ إِلَّا فِي اللَّحَظَات الْأَخِيرَة وَشَرّ الْبَلِيَّة مَا يُضْـحِك أَنَّ بَعْض الْإِخْوَان لَدَيْهِمْ الِاسْتِعْدَاد لِيَقْطَعُوا مِئَاتَ الْكِيلُووات لِدَفْن أَخِيهِمْ أَوْ دفنِ أُخْتِهمْ وَحُضُور الْعَزَاء، لَكِنْ لَيْسَ لَدَيْهِمْ اِسْتِعْدَادٌ أَنْ يَقْطَعُوا الشَّارِعَ الَّذِي يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَخِيهِمْ لِيَزُوِرُوه، مَنْطِقٌ مَعْكُوس وَقِلَّةُ تَوْفِيق، إِخَوَّانٌ لَمْ يُرِد اللهُ بِهِمْ خَيْراَ يُخَاصِمُونَ سنوَاتٍ بِلَا مُبَالَاَة ثُمَّ يَحْضُرُون الْجِنَازَات،

وَاَللَّهِ مَابعد الْمَوْتِ مُسْتَعْتَب وَلَا تَنْفَع النَّدَامَات وَلَا دُمُوعٌ وَلَا قَبْلَات عَلَى جَبِينِ الْمَيِّت، رَحَل وَستلْحَقُون بِه وَهُنَاكَ تَلْتَقون وَتَخْتَصِمُون.

أَيُّهَا الْقَاطِعُون بِإِخْوَانِهِمْ وَأَخَوْاتِهم، اتَّضَنُّون أَنَّكُمْ سَتَنْجون بِفِعْلَتِكُمْ هَذِهِ؟ اتَّضَنَّون أنَّكُمْ عَلَى خَيْر، أَيُّهَا الْمَنَّانُون بِعَطَائِكَمْ لِإِخْوَانِكُمْ الْمُعَدِّدُون لِإِحْسَانِكم بِأخَوْاتِكُمْ اتَّضَنُّون أَنَّكُمْ سَتَكُونُون بِمَأْمَنٍ مِنَ مُثُلَات الدُّنْيَا "يَا سَاقَيَ الْمُرِّ يَوْمًا سَوْف تَجَرّعُه، كَأْسًا بِكَأْسٍ وَغَصْاتٍ بِغَصَّاتِ"

حَكِمُوا عُقُولَكُمْ رَاجِعو حِسَابَاتِكُمْ اتَّقُوا اللَّهَ، اسْتَمْتِعُوا بِبَعْضكم فَالْأَيَّامُ تَرْكُض وَالْعُمْر يَجْرِي وَمَوْتُ الْفَجْأَة لِلنَّاس بِالْمِرْصَاد وَالْعَالمُ فِي الْخَارِجِ مُخِيفٌ مُوحِش، وَلَا شَيْءَ يُؤْمِنُ بَعْدَ اللَّهِ سِوَا حُضْنُ الْأُخْتِ وَقَلْبِ الْأَخِ، وَاَللَّهُ لَوْ أَدْرَكَ النَّاسُ قِيمَة الْإِخْوَانِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِظمَ سُؤَالِ اللَّهِ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَماَ قَبَضُوا أَيْدِيَهُمْ عَنِ الدُّعَاءِ بِأَنْ يَعْفُوا اللَّهُ عَنْهُمْ فِي تَقْصِيرِهِمْ فِي حَقِّهم وَيَسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُطِيلَ فِي أَعْمَارِ أَخَوَاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ،

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ إخوانِنا وأخواتِنا، اللَّهُمّ أَّلِفُ مَا بَيْنَ قُلُوبِنَا وَقُلُوبُهُمْ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ الرَّحْمَة وَالسَّكِينَة وَأَدْخَلَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ الرِّزْق وَذُرِّيَّاتِنَا و أَزْوَاجِنَا يارَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ أَعْفُوا عَنَّا تَقْصِيرَنَا فِي حَقِّ إِخْوَانًا وَأَخَوَاتِنَا وَأَهْل بَيْتِنَا يارَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، اللَّهُمّ أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا غَيْرَ غَضْبَانَ بِحُسْنِ خَاتِمَةِ وَعَمَلٌ صَالِحٌ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلَّمُوا.

 
المرفقات

1736273699_خطبة قطيعة الاخوات والاخوان.pdf

المشاهدات 252 | التعليقات 0