خطبة قصيرة (فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )

عايد القزلان التميمي
1442/01/15 - 2020/09/03 14:37PM

الحمد للهِ المتعالي في مجدِه، اللَّطيف بعَبدِه، يشتدّ الخوف عندَ وعيدِه، ويعظم الرجاء بوعدِه، أحمده سبحانه وأشكرُه، الفضلُ العظيم والخير العَميم كلُّه من عندِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمّدًا عبد الله ورسوله، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آلِه وأصحابه أجمعين من بعدِه، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ فيا أيها المؤمنون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله

عباد الله قد دلَّ كتابُ الله القرآن الكريم وسُنةِ رسولهِ صلى الله عليه وسلَّم على أن الأمن من مكر الله من أعظم الذنوب، وأنه يُنافي كمال التوحيد قال الله تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}  وقال تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ}

عباد الله :

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : (والمراد من مكر الله بهم كونه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره، فهم جديرون بأن يؤخذوا على غفلتهم بسبب إقامتهم على معاصيه وأمنهم من عقابه وغضبه، كما قال سبحانه((سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ۝ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ))  وقال سبحانه((وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ  وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ  ))  ا.هـ .
عباد الله وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ قَالَ: “إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [ ، فالعطاءُ الدُّنيويُّ من اللهِ – سبحانَه - ليسَ دليلاً للمحبَّةِ، إلا إذا كانَ مع عبادةٍ وشُكرٍ كما قالَ -تعالى-: (((ولَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ((

أما أهلَ الإيمانِ تجدهم طائعينَ مُجتهدينَ خائفينَ، فعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ- عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) ، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟، قَالَ: “لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله ـ أيها المؤمنون واعلموا أنه يجب على المسلمين ألا يقنطوا من رحمة الله ولا يأمنوا من مكره وعقوبته، .

ويجب علينا الجمعُ بين الخوف والرجاء، وأكملُ أحوال العبد محبةُ الله تعالى مع اعتدالِ الخوف والرجاء قال تعالىتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

 فالخوف من عذاب الله والرجاء في ثوابه أمرٌ لا بدّ منه في استقامة المسلم، وفي هذا العصرِ الذي غلبت فيه القسوة والغفلة وحبُّ الدنيا على القلوب، وتجرَّأ أكثرُ العباد على الآثامِ والذنوبِ، يُقوَّى جناحُ الخوف  لتستقيم النفوس، وتزكُو القلوب .

 أما عند الانقطاع من الدنيا يُغلَّبُ الرجاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا يمُت أحدكم إلا وهو يُحسِنُ الظنَّ بربه)).

نسأل الله أن يدخلنا وإياكم جنته، ويعيذنا وإياكم من ناره.

عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال تبارك وتعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً 

 

المرفقات

فَلاَ-يَأْمَنُ-مَكْرَ-اللّهِ-إِلاَّ-ا

فَلاَ-يَأْمَنُ-مَكْرَ-اللّهِ-إِلاَّ-ا

المشاهدات 2335 | التعليقات 0