خطبة في فضل المساجد والعناية بها ونظافتها

صالح محمد السعوي
1447/06/16 - 2025/12/07 23:39PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في فضل المساجد والعناية بها ونظافتها

 

بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي

 

الحمد لله الذي خص المساجد لإقامة الصلاة وإحياء مجالس الذكر والتعليم. أحمده تعالى وبيده التوفيق والتقويم، وأشكره سبحانه على توافر النعم والتكريم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحكيم العليم، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ذو الخلق العظيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي المكارم والشيم وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه واستحضروا أن الله عز وجل يقول: ((إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)) [التوبة الآية ١٨].

وتذكروا فضل مواقع المساجد في الأرض، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "أَحَبُّ البِلَادِ إلى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ البِلَادِ إلى اللهِ أَسْوَاقُهَا" رواه مسلم.

ولهذا الفضل عظم الثواب للذين يبنون المساجد ابتغاء مرضاة الله عز وجل.

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ" متفق عليه.

ورفع الله شأن المساجد الذكر والصلاة، قال الله عز وجل: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)) [النور الآيتان ٣٦،٣٧].

ولفضل المساجد مضاعفة الحسنات للمصلين فيها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ في الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ علَى صَلَاتِهِ في بَيْتِهِ، وفي سُوقِهِ، خَمْسًا وعِشْرِينَ ضِعْفًا، وذلكَ أنَّهُ: إذَا تَوَضَّأَ، فأحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ، لا يُخْرِجُهُ إلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إلَّا رُفِعَتْ له بهَا دَرَجَةٌ، وحُطَّ عنْه بهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عليه، ما دَامَ في مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عليه، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ولَا يَزَالُ أحَدُكُمْ في صَلَاةٍ ما انْتَظَرَ الصَّلَاةَ" متفق عليه.

ومن فضائل المساجد ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟" قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: "إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطأ إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ" رواه مسلم.

والله يباهي بأهل المساجد الملائكة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ علَى حَلْقَةٍ في المَسْجِدِ، فَقالَ: ما أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قالَ: آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ قالوا: آللَّهِ ما أَجْلَسَنَا غيره، قالَ: أَمَا إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَما كانَ أَحَدٌ بمَنْزِلَتي مِن رَسولِ اللهِ ﷺ أَقَلَّ عنْه حَدِيثًا مِنِّي، وإنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ خَرَجَ علَى حَلْقَةٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: "ما أَجْلَسَكُمْ هاهنا؟" قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ علَى ما هَدَانَا لِلإِسْلَامِ، وَمَنَّ به عَلَيْنَا، قالَ: "آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟" قالوا: آللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: "أَمَا إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بكُمُ المَلَائِكَةَ" رواه مسلم.

والمساجد تنزه عن الروائح الكريهة، عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ نهى عن هاتين الشجرتين يعني البصل والثوم وقال: "مَن أكَلَهما فلا يَقرَبَنَّ مَسجِدَنا" وقال: "إنْ كُنتُم لا بُدَّ آكِليهِما فأميتوهما طَبخًا" رواه أبو داود وإسناده صحيح.

ومن الروائح الكريهة الدخان وكلَّ ما كان فيه أذى والملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس.

وتصان المساجد عن الأوساخ والأقذار والمخاط والبصاق وتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق الرأس وحديث الدنيا وإنشاد الضالة والبيع والشراء والخصومات ورفع الأصوات بغير قراءة القرآن والذكر وإغلاق الجوالات عند دخول المساجد وحتى على الخروج منها، والمسلم العاقل يجعل للمساجد عنده قيمة ومنزلة فلا تساوى أماكن العبادة بما كان خارجها، ولا ترجح العناية بأخذ الزينة في المجالس والزيارات والارتباط بالناس على الزينة للمساجد أثناء الصلاة، فالله أحق أن يتجمل له والكلُّ منا يحاسبُ نفسه ويتعقل أمر دينه ويأخذ به بالقبول والفعل.

ومن العناية بالمساجد استدامةُ نظافتها والمحافظة على ما فيها من مصاحف وفرش ومكبرات الصوت وأدوات النظافة وغيرها، وكذلك الكهرباء وتركيباته واستهلاكه والاقتصاد في الماء وعدم السرف فيه وإضاعته، كما يُحافظ على أراضي المساجد ولا تستخدم بغير ما خصصت له إلا بإذن الجهة المسؤولة عنها وهي تعتبر من جملة الأوقاف، والمحافظة على المرافق العامة لتبقى في المصالح العامة والتعاونُ مطلوب من الجميع والله يقول: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ)) [المائدة الآية ٢].

اللهم علق قلوبنا بالمساجد للصلاة والذكر، وافتح على الزوجات والأولاد بالهداية.

اللهم أصلح إمامنا وولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين وأجعلهم عضداء مصلحين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)) [الأعراف الآية ٢٩].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

خطبة أخيرة في فضل المساجد والعناية بها ونظافتها

 

الحمد لله الذي جعل عمارة المساجد بالصلاة والذكر من اهتمام المسلمين. أحمده تعالى على يسر هذا الدين، وأشكره سبحانه وهو الذي يزيد الشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين والمرسلين.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه وليعلو اهتمامكم بالمساجد فإن إقامتها بالبناء وعمارتها بطاعة الله نعمة وكذلك ترتيب الأئمة والمؤذنين الذين يرفعون أصواتهم بالأذان ليعلموا الناس بدخول الوقت ويدعونهم للصلاة والفلاح، فما على المسلمين إلا السمع والطاعة واستباق الحضور قال ﷺ: "ما تَوطَّنَ رجلٌ المساجدَ للصلاةِ و الذكرِ إلا تَبشْبَشَ اللهُ تعالى إِليِه كما يَتَبشْبشُ أهلُ الغائِبِ بغائِبِهم إذا قَدِمَ عليهِم" رواه ابن ماجه وغيره وهو حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ للمساجدِ أوتادًا، الملائكةُ جُلَساؤهم، إنْ غابوا يَفتَقِدونهم، وإنْ مَرِضوا عادوهم، وإنْ كانوا في حاجَةٍ أعانوهم" رواه الحاكم والحديث في صحيح الترغيب.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد بعد الأنفس والأنفاس وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الأنس والجان، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد، والبطانة الصالحة السديدة من ولي عهده والعلماء وخيرة المؤمنين المؤتمنين.

اللهم اجعلنا من المعلقة قلوبهم في المساجد لإقامة صلاة الجماعة وملازمة ذكرك.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه، واحفظ قادتنا بالعلم والسلطة، واحفظ القائمين على شؤون الأمن وحراس الحدود والمحارم والحرمات، واغفر لنا أجمعين، وارحمنا وأنت أرحم الراحمين.

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، واذكر الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 45 | التعليقات 0