خُطْبَةٌ فِي فَضْلِ الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ

محمد تفسير بالدي
1445/11/29 - 2024/06/06 09:24AM
خُطْبَةٌ فِي فَضْلِ الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
 
الْحَمْدُ لِلّهِ الذِي مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِأَيَّامٍ مُبارَكةٍ، يُضَاعَفُ لَهُمْ فِيها الْأَجْرَ وَالثَّوابَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي لِلْفَضَائِلِ وَالْخَيْرَاتِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
 أَمَّا بَعْدُ، مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّنَا عَلَى أَبْوَابِ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذَا الْعَامِ، وَفِيهِ آخِرُ مَوْسِمٍ مِنْ مَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ لِهَذَا الْعَامِ؛ إِنَّهَا الْعَشْرُ الْأَوَائِلُ مِنْ ذِي الْحِجّةِ؛ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الَّتِي رَفَعَ اللَّهُ شَأْنَهَا وَشَأْنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهَا. وَلِشَرَفِهَا وَعَظَمَتِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر:2]. فِيهَا مَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَمِنْهَا يَوْمُ عَرَفَة؛ مِنْ أَعْظَمِ الْأَيَّامِ وَأَفْضَلِهَا، وَفِيهَا سُنَّةُ الْأُضْحِيَّةِ؛ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ عِنْدَ اللَّهِ، كَمَا أَنَّ فِيهَا أَعْظَمَ يَوْمٍ عِنْدَ اللَّهِ؛ وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ (يَوْمُ النَّحْرِ) الَّذي يَكُونُ فِيهِ مُعْظَمُ أَعْمَالِ النُُّسُكِ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ، وَهِيَ: الصَّلاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْحَجُّ، وَلا يَأْتِي ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ".
عِبَادَ اللَّهِ: يَجِبُ اسْتِقْبَالُ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ بِاسْتِشْعَارِ عَظَمَتِهَا، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ فِيهَا، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْعَزْمِ عَلَى اسْتِغْلَالِهَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَقَدَ أَرْشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فَضْلِ الْعَمَلِ الصَّالِحِِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَبَيِّنَ أَنَّ أَجْرَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا يَتَضَاعَفُ مَا لاَ يََتَضَاعَفُ فِي غَيْرِهَا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ».
فَلْنُسَارِعِ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، إِلى اغْتِنَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُبَارَكَةِ، وَالاِكْثَارِ مِنْ أعْمَالِ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ فِيهَا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
 
 الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَإِخْوَانِهِ.
 
 أَمَّا بَعْدُ:
 
عِبَادَ اللَّهِ: إِذَا تَبَيَّنَ لَنَا فَضْلَ الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ أَنْ نَغْتَنِمَهَا بِمَا يُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنْ نَخُصَّهَا بِفِعْلِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ أَوْجُهِ البِرِّ وَالْخَيْرِ وَالطَّاعَاتِ.
هَكَذَا كَانَ حَالُ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاسِمِ. قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "كَانُوا -أَي: السَّلَفُ- يُعَظِّمُونَ ثَلاثَ عَشَرَاتٍ: الْعَشْرَ الأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْعَشْرَ الأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْعَشْرَ الأُوَلَ مِنَ الْمُحَرَّم". وَكَانَ سَعِيدُ بْن جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامَ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِمَّا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ: صِيَامُ التِّسْعِ الأُوَلِ مِنْهَا، وَقِيَامُ لَيَالِيهَا، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآن، وَكَثْرَةُ الذِّكْرِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَإِعَانَةُ الْمُحْتَاجِ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ، وَذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ، وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ، وَصَلاَةُ الْعِيدِ، وَغَيْرُهَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ.
 فَالسَّعِيدُ مَنِ اغْتَنَمَ مَوَاسِمَ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ، وَتَقَرَّبَ فِيهَا إِلَى مَوْلاَهُ، بِمَا فِيهَا مِنْ وَظَائِفِ الطَّاعَاتِ، فَعَسَى أَنْ تُصِيبَهُ نَفْحَةٌ مِنْ تِلْكَ النَّفَحَاتِ، فَيَسْعَدَ بِهَا سَعَادَةً، يَأْمَنُ بَعْدَهَا مِنَ النَّارِ وَمَا فِيهَا مِنَ اللَّفَحَاتِ".
 
الدعاء...
 
المرفقات

1717655047_خُطْبَةٌ فِي فَضْلِ الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ-1.pdf

المشاهدات 902 | التعليقات 0