خطبة في توديع عامٍ واستقبال عام عبرةٌ وموعظةٌ لأولي الألباب

حسين بن حمزة حسين
1445/12/25 - 2024/07/01 15:40PM
مع توديع عامٍ واستقبال عام عبرةٌ وموعظةٌ لأولي الألباب ، عامٌ مضى كم فيه من فاقدٍ ومفقود، وعام قادمٌ لا ندري ما الله كاتبٌ فيه، ولْنُحْسنِ العزاء لأنفسنا ولأحبّتنا، ومن أحْسن العزاءُ، ما رواه الحاكم في المستدرك من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل - عليه السلام - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه) صحّحه الشيخ الألباني، فكم لهذه الكلماتِ من تهيئة وتعزية لقلوبِ المؤمنينَ، إذا جاء الأجل أو حلَّ المُصابُ بفقدِ الأهل والأحبة ، فمهما طال عمرك فإن الموت نهايةُ كل حي ومصيرُه ، قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ستفترق عن الأحبة ويفارقوك ولا بدّ، قال تعالى ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) كما قال الشاعر:                كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ***يومًا على آلة حدباء محمولُ
 أَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، أي أحبب من شئت من زوجة وأولاد وأقارب وأرحام، أحبب ما شئت من مال ومناصب وجاه، واعلم أنّك مفارقه، قال الله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) ، كتبَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- الفناء على كلِّ شيء،  وله وحدُه -سبحانَه- الحياةُ  والبقاءُ؛ فأينَ الأحبابُ الذين سبق أجلهم، سبقونا إلى الدّار الآخرة، كانوا بيْننا يملؤون حياتَنا سعادة وهناء ورحمةِ وحنانِ ؟! ولكنَّها سنَّةُ اللهِ -تعالى- في الحياةِ، لما بلغ البخاري خبر وفاة الدَّارمي قال:              إن عِشتَ تُفجعُ في الأحبةِ كلهم *** وبقاءُ نَفْسِك لا أبا لَكَ أَفجَعُ (أَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُه)، حين فقْد الأحبة، من سبَقَ إليهم الموتُ، فالصبر واجبٌ والحزن والبكاء جائز، مالم يُصحب بنياحةٍ أو تسخط، وصدقَ القائلُ:                   ومَا المالُ والأهلونَ إلا وَديعةٌ *** ولا بُدَّ يوما أنْ تُردَّ الوَدائعُ ليعلمُ أن من ماتَ له أحبابٌ وله أيتامٌ فالكريم يرزقُهم كما رزقَ أباهم، وبحكمتِه خلقَ الخلقَ فهو يعلمُ ما هو خيرٌ لهم ويتوَّلاهم، فعليْنا بالصَّبرِ وأن لا يشْكيَ النَّاسُ مولاهم، وقد يكون الموت نهايةُ الشقاء، نهاية المرض، نهايةُ الفقر، نهاية الألم، نهاية الحزن، ولُطف الله في الخفاء، والآن هو في حفظِ سيِّدِه ومولاهُ. (أَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ) ينبغي أن يكونَ دافعاً لنا لإسعادِ من حولِنا من الأهل والأحباب، قبلَ أن تأتيَ ساعةُ الفِراقِ فتفارقهم أو يفارقوك، استثمرْ كلَّ ساعةٍ معهم، اجلسْ معهم، سامرهم، أحسنْ إليهم، شاركهم الأفراحِ والأحزانِ، وإيّاكَ أن تُضيّعَ ساعةً في الخِلافِ والهِجرانِ؛ فإنَّكَ لا تعلمُ متى يأتي الأوانُ، فتبحثُ عنهم فإذا وقتُ الفِراقِ قد حانَ.  إن كانَ أمُّكَ وأبوكَ أحياءً فابذلْ لهم كلَّ إحسانٍ وثناءٍ، وإن كانَ رَزَقَك اللهُ -تعالى- أُخوةً وأخواتٍ فاحمد ما فيهم من حسناتٍ، وتجاوزْ عمَّا فيهم من سيئاتِ، فمن منّا كَمُلَت سجاياه وإن أنعمَ اللهُ -سبحانَه- عليكَ بزوجةٍ وأولادٍ فادعُ لهم بالصَّلاحِ والحفظِ والإسعادِ، املأ عينيكَ من أحبابِك اليوم، َ أسعد أصحابك، أكرم جيرانك، كُن هيّناً ليّنا جميل العشرة، وانسَ ما في الغدِ مكنونٌ، وإن فارقوكَ فقل: الحمدُ للهِ، إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعونَ،)رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ(  الخطبة الثانية:  إخوة الإيمان: قال تعالى ( وقال الذي آمن يا قوم اتّبعوني أهدكم سبيل الرشاد، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وقال تعالى﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ وقَالَ تَعَالى ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾، وقال تعالى ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾
المشاهدات 588 | التعليقات 0